اعتاد الرئيس التنفيذي لإحدى شركات التكنولوجيا البارزة (سأدعوه جبران) جمع موظفيه في فناء الشركة ليُطلعهم على التحديثات المهمة كل يوم خميس. وعلى الرغم من أن مستوى الصراحة في هذه الاجتماعات مثير للإعجاب، يبقى الجزء الأكثر إثارة فيها فقرة الأسئلة والأجوبة التي تعقب الاجتماع، وهي التي جعلت هذه الشركة فريدة ومتميّزة، فهي عبارة عن أحاديث بلا قيود قد تسلب أنفاس معظم مدراء الشركات الأخرى، إذ يطلب الرئيس التنفيذي من الموظفين فيها طرح أسئلة صعبة. وفي أحد أيام الخميس وعند الساعة الـ 4:55 دقيقة مساءً وقبل ثوان من انتهاء الاجتماع، يطلب جبران من موظفة رفعت يدها التحدث لتقول:
"عندما انضممتُ إلى الشركة يا جبران علمتُ أنك تنوي بناء ثقافة قائمة على الصراحة والاحترام. ولدي سلسلة بريد إلكتروني تضم العشرات منا هنا أرسلها أحد كبار المدراء توضح أنه شخص مغفّل، فقد كان مسيئاً ومتعالياً ويتحدث بلغة تهديدية. ولدي 3 أسئلة لك: 1) هل أنت على علم بهذه الرسالة؟ 2) هل أنت مهتم بالاطّلاع على المشكلة؟ 3) ما الذي تنوي فعله حيالها؟".
أسباب حدوث النميمة بين الموظفين
قد تبعث فقرة الأسئلة والأجوبة هذه على الذهول لأن مستوى الصراحة في التعبير عن الآراء فيها غير مألوف؛ في حين يستعيض الموظفون في معظم المؤسسات الأخرى عنها بالنميمة التي تنتشر دون رادع. أنا لا أقترح أن انتقاد شخص ما أمام الآلاف من زملائه هو الطريقة المفضلة لحل المشكلات، بالطبع لا، بل أزعم أن محاولات إثارة المشكلات على العلن أفضل من النميمة بين الموظفين والممارسات التواطئية التي تتيح لهم التنصل من المسؤولية.
لنتحدث عن سبب حدوث النميمة بين الموظفين أولاً. لن يلجأ الناس إلى النميمة إن لم تخدم هدفاً معيناً؛ وفي الواقع، تخدم النميمة ثلاثة أهداف: معلوماتية، وعاطفية، وشخصية.
- النميمة مصدر معلومات ذو قيمة لأولئك الذين لا يثقون في القنوات الرسمية. "هناك أقاويل بأن عملية تمويل مرفق الاختبار الجديد لم تفلح". كما أنها طريقة شائعة للحصول على معلومات ذات قيمة حول أنظمتنا الاجتماعية المهمة. "لا تطلب من تيم تولّي مهمة إعداد الرسوم المصورة إلا إذا كانت القصاصات الفنية كافية بالنسبة لك".
- النميمة تُستخدم للتنفيس العاطفي عن الغضب أو الإحباط أحياناً. "جعلنا شادي نبدو كالحمقى في جلسة مراجعة المشروع اليوم، لقد شعرت بالإذلال!"
- النميمة تُستخدم بصفتها طريقة غير مباشرة للظهور أو الانخراط في نزاعات شخصية. "سمعت أن براء انتقد طلبات رأس المال التي قدمناها أنا وأنت في اجتماع التخطيط؛ ولا أرى أي سبب لأخذ كلامه على محمل الجد".
والنميمة بين الموظفين وسيلة فعالة لتحقيق هذه الأهداف في نظام اجتماعي غير سليم، وينخرط الناس فيها عندما يفتقرون إلى الثقة أو الفعالية، أو عند عدم ثقتهم في القنوات الرسمية ولجوئهم إلى الأصدقاء الموثوق بهم بدلاً من القادة المشكوك فيهم، ينشر الإنسان النميمة حين يشعر بعدم قدرته على إثارة المسائل الحساسة مباشرة، فيبدأ التذمر لمن حوله بدلاً من مواجهة من يسيء له.
مشكلة النميمة بين الموظفين هي أنها تعزز المشكلة التي ولدتها في المقام الأول، حين أفتقر إلى الثقة أو الكفاءة ألجأ إلى النميمة التي تسلبني فرصة تعزيز ثقتي وكفاءتي. فقد أشارك في النميمة عندما أعتقد أنني افتقر إلى الثقة أو الكفاءة، ما يحرمني من فرصة تعزيز ثقتي بنفسي أو كفاءتي، لأنني كلما شاركت في النميمة، تعززت حاجتي إليها.
والنميمة تُضعف الإرادة مع الوقت، فهي مثل كل مسكنات الآلام الجسدية، بمعنى أنها توفر راحة من المشكلات دون حلها فعلياً. كما أن الاعتماد على النميمة يحرمنا لذة المشاركة في الحياة الاجتماعية المعقدة. فالتذمر الخالي من المخاطر بشأن المشكلات يصرف انتباهنا مؤقتاً عن إحساسنا بالمسؤولية لحلها. كما أنه يثنينا عن تطوير مهارة حلّ مشكلاتنا الشخصية مع الآخرين.
معالجة مشكلة النميمة
لا يعدّ القادة في شركة التكنولوجيا المذكورة أعلاه النميمة مشكلة، بل أحد أعراض نقص الثقة والكفاءة، ويعالجون المشكلة الكامنة بثلاث طرائق:
- منع النميمة. لعلّ أفضل طريقة لوقف النميمة هي منعها. ويشعر النمامون بالقوة عندما تكون استجابة الآخرين لهم سلبية، كالاستماع فقط. ولإيقافها، انشرها على العلن. ويعرف الموظفون في شركة التكنولوجيا أن النميمة تنطوي على مخاطرة، وهي أن تتعرض للنقد والمساءلة. على سبيل المثال، بدأ بعض الموظفين مؤخراً استخدام تطبيق طرف ثالث، سيكرت (Secret)، يتيح لهم مشاركة الرسائل دون الكشف عن هوياتهم ليشتكوا من زملائهم ومن سياسات الشركة؛ وعندما عرف الموظفون المخضرمون بالأمر، بدؤوا نقد الزملاء المتذمرين علناً بدلاً من مواجهتهم بصورة مسؤولة، كما أنهم نشروا أسماءهم ومعلومات التواصل بهم في التطبيق لمساعدة الموظفين الآخرين على تعلّم كيفية حل مشكلاتهم.
- تعزيز الثقة في البدائل. يقلل القادة النميمة في الشركة من خلال جعلها أقل جاذبية، وذلك عبر نشر خيارات أخرى لمناقشة المشكلات. ويُعد اجتماع إطلاع العاملين على التطورات أحد تلك الأمثلة. كما تستخدم الشركة أيضاً منصة شبكة اجتماعية داخلية لنشر أمثلة حول مستوى الصراحة والانفتاح المتّبع مع مجموعة من الموضوعات التي قد يخشى الموظفون في شركات أخرى طرحها. على سبيل المثال، تذمّر بعض الموظفين عندما أعلن المسؤولون التنفيذيون عن عملية استحواذ حديثة بمليارات الدولارات. وعلى الرغم من أن الانتقاد شائع في جميع الشركات، فإنه يُجرى في هذه الشركة عبر كتابة الموظفين تعليقات بأسمائهم في مجموعة للنقاش تضم جبران أيضاً! على سبيل المثال، استهلّ أحد الموظفين موضوع نقاش قائلاً: "ما الخطب؟ لدينا بالفعل وحدة أعمال تؤدي المهمة نفسها وتولّد هوامش ربح أفضل؟" وعالجت الشركة هذا الاستفسار علناً بدلاً من انتشاره بالنميمة لوجود قنوات موثوقة لإجراء النقاش بالفعل.
- بناء المهارات. تُعد النميمة شكلاً من أشكال انعدام الكفاءة المكتسبة، وهي مهارة تولّد نتائج سيئة، ويتطلب تجاوزها استبدال تلك المهارة. وتدرّب شركة التكنولوجيا موظفيها على ذلك منذ اليوم الأول بالفعل بأن تطلب منهم في عملية التهيئة الصارمة كتابة قائمة بالأمور التي أثارت استياءهم في الشركات الأخرى التي عملوا فيها، ودائماً ما يعلو رأس تلك القائمة النميمة والسياسة. ويستغل المدراء الذين يديرون هذه الناقشات تلك الفرص لتقديم مهارات واستراتيجيات بديلة تتيح للموظفين الإعراب عن المخاوف العاطفية والسياسية، وتحثهم على تعزيز ثقافة الانفتاح هذه.
فعندما أنهت الموظفة سؤالها الموجّه إلى جبران، صفّق الموظفون الآخرون لها لشفافيتها. وتلقّى كل موظف حضر الاجتماع في ذلك اليوم رسالة مفادها: "كل المشكلات تُحل علناً في هذه الشركة".
وتبع الرئيس التنفيذي جبران حذوها قائلاً: "لم أكن أعرف بشأن الموضوع الذي طرحته أولاً؛ ثانياً، أنا مهتم بالموضوع بالطبع؛ وثالثاً، لا أعرف ما عليّ فعله بعد لأنني بحاجة إلى مزيد من المعلومات. هل أنت متاحة للتحدث الآن؟"
النميمة ليست مشكلة، بل عرض يُخفي وراءه مشكلة جدّية، ولن تختفي تلك الأعراض إلا عندما يمنع القادة نشرها، ويخلقون ثقافة قائمة على الثقة في قنوات تواصل صحية، ويعززون قدرة الموظفين على استخدامها.