شعرت بانشغال كبير لمعظم حياتي. أعمل أحياناً بحماس زائد، أو حتى بجنون، لساعات طويلة، وأفوِّت فرصة الاجتماع مع العائلة، وأشعر بضغط لا يصدَّق. قبل سنوات قليلة، بينما كنت أنظف خزانة ملفاتي قبل مغادرة صحيفة واشنطن بوست، بعد حوالي 20 عاماً من العمل هناك، وجدت مجلداً تلو الآخر، تحتوي كلها تقارير إخبارية نُشر نصفها، إلا أنها كانت جيدة لو نشرت، بل جيدة جداً. ليتني لم أكن مشغولاً جداً عن العمل عليها.
في السنوات التالية، فكرت بشأن تلك اللحظة مع مزيج من الخزي والندم. لُمت نفسي كثيراً لأنني لم أخصص وقتاً للقيام بعمل أكثر طموحاً وأكثر أهمية، أو محاولة إنجاز كل شيء ضمن ساعات معقولة، وأن يكون لديّ المزيد من الوقت للتركيز في حياتي. وقد بدأت مؤخراً برؤية كيف كنت عالقاً في متاهة الانشغال.
لقد كنت أعمل خلال عامين ونصف مضت على مشروع مع باحثين من مؤسسة "آيدياز42" (ideas42)، وهي مؤسسة غير ربحية تستخدم العلوم السلوكية لحل مشاكل العالم الحقيقي، لاستكشاف ما إذا كان من شأن تصميم العلوم السلوكية أن يساعد في حل مشاكل الصراع بين العمل والحياة. يجد بحثنا أنّ هذا الصراع، وهو سبب قوي للتوتر ومساهم رئيس في تدهور الحالة الصحية وانخفاض الإنتاجية والتراجع في المساواة بين الجنسين، ناتج إلى حد كبير عن كيفية تعامل الموظفين مع الانشغال.
وربما يكون الأمر الأكثر أهمية، هو أننا توصلنا إلى أنّ إنهاء دورة الانشغال قد يكون شيئاً يتعذر على الموظفين فعله بأنفسهم. والحلول المبشرة هي على المستوى التنظيمي وليس الشخصي.
كيف يتعامل الموظفون مع الصراع بين العمل والحياة
استغرق الوصول إلى هذه الرؤى بعض الوقت. في المرحلة الأولى من المشروع، أمضى الباحثون في "آيدياز42" نحو سنة في العمل مع ثلاث مؤسسات خيرية غير ربحية من أرجاء البلاد. كما أجروا عدداً من الزيارات الميدانية بغرض مقابلة الموظفين والمدراء والقادة، وملاحظة أنماط عملهم، وثقافة العمل، وكيفية تفاعل الكوادر مع بيئة العمل، وذلك حتى يصلوا إلى فهم أفضل للعوامل التي تؤدي إلى الصراع بين العمل والحياة. وفي المرحلة الراهنة، تنظر "آيدياز42" في خمس مؤسسات غير ربحية أخرى، وتعمل مع ثلاث مؤسسات التزمت بتصميم تدخلات سلوكية تهدف إلى تقليل ذلك الصراع، واختبار هذه التدخلات.
وبينما نراجع بعض الأعمال الميدانية الأخيرة، أصابتني الدهشة من انفصال قوي ظهر مرة تلو الأخرى: في المؤسسات كلها تقريباً، قال جميع من قابلناهم إنّ التوازن بين العمل والحياة، أي القدرة على العمل بكفاءة مع امتلاك الوقت الكافي لحياة هانئة وصحية خارج إطار العمل، يُعتبر قيمة جوهرية لدى المؤسسة. ومع هذا، فإنّ كل مؤسسة (بما في ذلك آيدياز42 ومختبر "بتر لايف" (Better Life Lab)، وهو برنامج غير ربحي أتولى إدارته حالياً) تُصارع من أجل الإيفاء بتلك القيمة. تُرسَل رسائل البريد في أي وقت. يمتد العمل إلى الليل، وفي أيام العطلات الأسبوعية، والإجازات، وغرف الانتظار في المستشفيات، والاحتفالات العائلية. ويشعر الموظفون بالاحتراق الوظيفي. ورغم ذلك، يتلبس الكثير من الموظفين هذه الحالة المنهكة والاستماتة في العمل رغم المعاناة من أجل إتمام العمل الشاق علانية وكأنها وسام شرف على صدورهم. قال الموظفون في إحدى المؤسسات إنهم شعروا ألا أحد يجب أن يعمل لأكثر من 45 ساعة أسبوعياً. ومع ذلك، يعمل الموظف العادي أكثر من 52 ساعة.
وتواجه المؤسسات غير الربحية، التي ترتكز على رسالة ما، صعوبة من نوع خاص، إذ يعتقد الموظفون هناك أنّ أعمالهم مهمة جداً لدرجة تفوق أجورهم أو صحتهم، أو ضرورة توازنها مع حياتهم. وفي الحقيقة، وجدت إحدى الدراسات التي أجريت مؤخراً أنّ ما يصل إلى نصف عدد الموظفين في جميع المؤسسات غير الربحية يعانون من الاحتراق الوظيفي، أو على وشك الإصابة به. قال بعض الموظفين، في الزيارات الميدانية، إنهم رغم رؤيتهم لفوائد التوازن بين العمل والحياة، إلا أنهم عملوا إلى حد الإصابة بالاحتراق الوظيفي، لأنهم يحبون ما يفعلونه. أحد المشاركين قال لنا "نعقد أنّ [عملنا] مهم، لذا فهو يخلق عقبة بطريقة ما لتجاوزها، وإذا كرهنا جميعاً وظائفنا، فسيكون من السهل جداً إيجاد توازن بين العمل والحياة".
ولم يقدم القادة أداءً أفضل. ففي حين عبّروا عن رغبتهم في توازن أفضل بين العمل والحياة، إذا لم يكن لهم، فعلى الأقل لبقية الكادر الوظيفي، كانوا في أحوال كثيرة أسوأ المذنبين، لأنهم يرسلون رسائل نصية عند الساعة التاسعة مساءً، ويرسلون رسائل بالبريد الإلكتروني في أيام العطلات الأسبوعية أو ليلاً، ونادراً ما يأخذون إجازات. ولم يكن بعض القادة على علم بكيفية تقويض ما فعلوه (العمل الإضافي)، لصالح ما قالوا إنهم مؤمنين به (التوازن بين العمل والحياة مهم). وعلِم قادة آخرون أنهم لم يكونوا يترجمون أقوالهم إلى أفعال، حيث قال أحدهم "نحن نقوم بعمل سيئ في تمثيل التوازن بين العمل والحياة".
أدركت حينها أنّ إيجاد فعالية أفضل للعمل والحياة ستتطلب أكثر من مجرد إخبار الموظفين أن يسجلوا خروجهم من البريد الإلكتروني ليلاً. عرف جميع من في مواقع العمل أن هذا ما كان عليهم أن يفعلوه، ولكن القيام بذلك فعلاً كان موضوعاً آخر. لذا، كان يتعين على التدخلات السلوكية التي صممها الباحثون أن تراعي ثقافات مكان العمل المقيدة بمفارقة انشغال واسعة.
مفارقة الانشغال
فيما يلي كيف تعمل المفارقة: يقل مستوى انتباهنا وقدرتنا على التركيز عند انشغالنا وشعورنا بالذعر الشديد لضيق الوقت، وهو ما يسميه أحد المشاركين "لحظات مستمرة من القلق" طوال اليوم. يسمي الباحثون السلوكيون هذه الظاهرة بـ "التأثير النفقي". وكما هو الأمر بالنسبة للبقاء داخل نفق، نكون قادرين على التركيز فقط على المهام الأكثر إلحاحاً، والتي توجد أمامنا مباشرة، وغالباً ما تكون ذات قيمة منخفضة. (وقد بيّنت الأبحاث أننا نخسر حوالي 13 نقطة في اختبار الذكاء في هذه الحالة). نركض في الأرجاء ونطفئ النيران طوال اليوم، ونسارع لحضور الاجتماعات، ونمر على رسائل البريد الإلكتروني، ونصل إلى الساعة الخامسة أو السادسة مساء، مع الإدراك العقيم بأننا لم نبدأ العمل الأكثر أهمية في يومنا حتى الآن.
لذا نبقى لساعات متأخرة في المكتب، أو نأخذ العمل معنا إلى البيت في ساعات المساء أو أيام العطلات الأسبوعية، ونسرق الوقت على نحو فعال من بقية حياتنا. قال ماثيو دارلنغ، نائب رئيس "آيدياز42" وقائد أحد مشاريعها "إذا كنت في وضع مكافحة الحريق فيما يتعلق بضغط عامل الزمن والتأثير النفقي، فإنك لا تخصص وقتاً لتحقيق هذه الأهداف طويلة الأجل، ولا تتعامل مع أي من الأسباب الرئيسة التي أدت إلى مكافحة الحريق في المقام الأول. الميل هو القيام بالشيء الذي يسهل إنجازه. هذا كل ما لديك القدرة لفعله". يضيف دارلنغ أنّ التأثير النفقي والاحتراق الوظيفي يعزز الواحد منهما الآخر، فيقول "يمنعك التركيز على المهام قصيرة الأجل من وضع خطط استراتيجية، ما يسبب انشغالك".
ومن ناحية نظرية، يستطيع الموظفون تجاهل أي عمل لم يكملوه قبل الساعة الخامسة مساء، على سبيل المثال، وأن يتوقفوا عن العمل. ولكن من الصعب الخروج من النفق الآن: على العكس مما كان عليه الوضع قبل قرن من الزمان، عندما أظهر الأميركيون مكانتهم الاجتماعية عبر وقت الفراغ، لقد أصبح الانشغال بمثابة وسام الشرف الجديد. إذاً، حتى ونحن نتحسر على أماكن العمل التي يكون الجميع فيها مشغولين ولا أحد ينتج، قد أصبح الانشغال بالفعل طريقة للإشارة إلى الإخلاص للعمل والقدرات القيادية. وأحد الأسباب التي يُعزى إليها ذلك يكمن في أنه رغم اعتبار قياس الإنتاجية سهلاً نسبياً على أرض المصنع، أو على أرض المزرعة، إلا أنه لا يزال علينا تطوير مقاييس جيدة لقياس الإنتاجية لدى أصحاب المهارات المعرفية. لذا نستند بشكل كبير إلى ساعات العمل ومقابلة الأشخاص في المكتب كإشارات على الجهد المبذول، ومع ظهور التكنولوجيا والقدرة على العمل عن بعد، أصبح الاتصال بالشبكة والاستجابة طوال الوقت هو الشكل الجديد لمقابلة الأشخاص. يوضح دارلنغ أنّ التأثير النفقي لم يعد بمثابة شيء يحدث مصادفة. بل هو حالة تُجبر الممارسات الإدارية المعيارية الموظفين عليها.
إذاً، كيف يمكن لتدخلات العلوم السلوكية أن تبدأ بالتعامل مع الميل القوي إلى الانشغال، والذي يُبقينا جميعاً متوترين؟
أحد الحلول سيكون بإنشاء نماذج ذهنية للموظف المثالي. في الوقت الحالي، يمثل النموذج القائم شخصاً يأتي في وقت مبكر، ويتناول وجبة الغداء على مقعده، ويبقى إلى وقت متأخر، ويستقبل رسائل البريد الإلكتروني ويرسلها طوال الوقت، ويكون مشغولاً دائماً، ومتاحاً ليضع العمل على رأس أولوياته. وهو تعريف يستثني الجميع من مسؤولياتهم تجاه تقديم الرعاية (والذي يُعبر عن النساء بشكل رئيس في الولايات المتحدة) أو الرغبة في التوازن بين العمل والحياة.
وبالتالي فقد ينتهي الأمر بالتدخلات التي تصممها "آيدياز42" لتحسين كفاءة العمل والتوازن بين العمل والحياة إلى تعزيز فكرة أنّ الموظف المثالي في القرن الحادي والعشرين هو شخص يقوم بعمل رائع، ويحظى بقدر كاف من الراحة، ويتمتع بصحة جيدة، ويملك حياة جيدة خارج مكان العمل، وليس شخصاً مقيداً في نفق الانشغال، ويطارد السراب، ويفكر على نطاق ضيق، وفي طريقه نحو الاحتراق الوظيفي. صُمِّمت هذه التدخلات مع أخذ ذات الأسس التي تستند إليها العلوم السلوكية في الحسبان: تتشكل عملية اتخاذ الإنسان للقرارات ليس بشخصية الفرد أو قوة إرادته، إنما بالبيئة.
3 طرق لإخراج موظفيك من مفارقة الانشغال
اعترف بقوة الإشارات الاجتماعية. عندما نكون في عملنا، فإن ما نراه هو أنّ الآخرين يعملون. وعندما نرى رسائل نصية أو رسائل بالبريد الإلكتروني في وقت متأخر من الليل، نفترض أنّ زميلنا أو رئيسنا في العمل كان يعمل طوال اليوم أو الليل دون انقطاع، بينما قد يكون أمضى وقته في الخارج برفقة كلبه أو يتناول العشاء مع عائلته. ولكن تلك الحياة خارج العمل لا تُسجَّل لأننا لا نراها. (كما أننا في أحوال كثيرة لا نريد مشاركة تفاصيل حياتنا الخاصة مع زملائنا ورؤسائنا في العمل حتى نحافظ على خرافة الانشغال التي تقول إننا نعمل دائماً).
ويوضح دارلنغ ذلك بقوله "يصل بك الأمر إلى سوء القياس"، أو الاعتقاد بأنّ الموظفين يعملون أكثر مما هم عليه في الحقيقة، لذا تعتقد تلقائياً أنّ عليك العمل بالدرجة نفسها أيضاً، حتى تتماشى معهم. يشير الباحثون إلى دراسة تقليدية حول "سوء الفهم للمعيار"، ومدى انتشاره والضرر الذي قد يتسبب به. إذ وجد استبيان على المستوى الوطني أنّ كثيرين من طلاب الجامعات بالغوا في تقدير كمية الكحول التي استهلكها نظراؤهم. ومع مرور الوقت، كان أفضل مؤشر على كمية شرب التلاميذ يتمثل في القدر الذي اعتقدوا أنّ نظرائهم يشربونه، رغم أنّ نظرائهم في واقع الأمر لا يشربون تلك الكمية.
ولتصحيح سوء الفهم الدائم، يختبر الباحثون في مؤسسة "آيدياز42" فكرة إبراز وقت عدم العمل على نحو أكبر. وهم يطلبون من المدراء أن يكونوا منفتحين أكثر حول أخذ استراحات لتناول الغداء، ومغادرة المكتب في الموعد، والعمل بمرونة، والذهاب في إجازة، والحديث حول الحياة خارج العمل أو مسؤوليات الرعاية، وتشجيع الآخرين على نحو واضح لفعل الشيء ذاته، بما في ذلك، وضع المناسبات الحياتية على الجداول الزمنية المشتركة. وتتضمن تجربة أخرى رسائل تذكير تلقائية. تُرسَل هذه الرسائل في بداية كل عام، وتحفز الأشخاص لجدولة مواعيد إجازاتهم.
يعمل الباحثون أَيضاً مع فِرق لتصميم بروتوكولات للبريد الإلكتروني والهاتف والرسائل النصية، بغرض تقليل الاتصال بالعمل أو إنهائه خارج ساعات العمل الرسمية، خصوصاً من القادة الذين وضعوا توقعات بالنسبة للآخرين. يمكن رصد السلوك وجعله شفافاً من خلال دفعة قوية من المقارنة الاجتماعية حتى يتم تحميل الموظفين والقادة المسؤولية، وتميل الأنظمة الجديدة إلى البقاء.
أوجد لحظات فراغ لإنجاز الأعمال المهمة. البشر فظيعون في تقدير الوقت والجهد المطلوب بالفعل لإنجاز الأشياء. وهذا ما يُسمى خطأ التخطيط، وتُفاقم مفارقة الانشغال ذلك الميل إلى الاستخفاف بالأمور والإفراط في الوعود. وبالتالي، يتمثل أحد التدخلات التي يتم اختبارها، بالنسبة للموظفين، في إيجاد فراغ في جدولهم الزمني كل أسبوع. وبعبارة أخرى، تحديد أوقات فراغ عمداً لإنهاء أي عمل تم تأجيله بعد بروز حالة طوارئ ما، أو إنهاء مشروع استغرق وقتاً أطول مما تخيلت. توصّل فريق "آيدياز42" إلى فكرة قائمة على دراسة أجريت على غرف العمليات بالمستشفيات، وجدت أنّ الإبقاء على غرفة واحدة في حالة عدم استخدام حصراً لحالات الطوارئ، بدلاً من حجز جميع الغرف، أدى في واقع الأمر إلى زيادة عدد العمليات الجراحية والعائدات، مع التقليل من الأعباء المترتبة على طاقم العمل هناك.
وتمثلت فكرة أخرى في إيجاد "أيام الانتقال" في العمل قبل الإجازات وبعدها، إذ يكون من المتوقع أن يُنهي الموظفون عملهم قبل المغادرة، واستدراك ما فاتهم في هذه الأثناء. وهذا ما سيعطي الموظفين فرصة أفضل للانفصال حقاً، واستعادة طاقتهم خلال الإجازات، ويساعد الكوادر على العودة إلى العمل تدريجياً فيما بعد. لا يشعر الموظفون أنهم مضطرون للإجابة على جميع رسائل البريد الإلكتروني خوفاً من التأخر في العمل، أو خشية التعامل مع صندوق الرسائل الواردة الذي ينتظر طلبات عمل فورية. ويوضح دارلنغ ذلك قائلاً "تكاد دائماً تحتاج إلى الكثير من الفراغ، أكثر مما تعتقد، وهذا في الحقيقة مهم لدرجة كبيرة كي تقوم بعمل جيد".
ويتطلب وقت الفراغ نموذجاً ذهنياً جديداً، بالاعتراف أنه بغض النظر عن درجة حذرنا في التخطيط، ستظهر حالات طوارئ في العمل وطلبات غير متوقعة دائماً على نحو مفاجئ، وستتطلب المشاريع والمهمات وقتاً أكبر مما خصصناه لها. وبالتالي فإن إيجاد مساحة فارغة ليس إهمالاً، فهي تُمثل وقتاً يمكِّنك من إنجاز معظم أعمالك المهمة بكفاءة ويمنع تمددها إلى باقي أيام حياتك.
قم بزيادة الشفافية في عبء العمل لدى الجميع. شعر الكثير من الأشخاص المشاركين في مشروعنا أنهم مشغولون دائماً، فهم يذهبون إلى الاجتماعات ويجيبون على رسائل البريد الإلكتروني ويتعاونون مع الآخرين، ولكنهم ليسوا بالضرورة منتجين. ووجدوا أنّه من الصعب العثور على فترات غير منقطعة من الوقت للتركيز على مشروع كبير، أو التخطيط أو التفكير أو وضع الاستراتيجيات على نحو أقل. حتى أن بعضهم قالوا إنهم استخدموا إجازتهم المدفوعة ليحظوا بيوم من العمل المستقل غير المنقطع.
ويتمثل أحد التدخلات التي يختبرها باحثو "آيدياز42" في جهد لـ "ترسيخ" العمل من خلال تحديد مواعيد له على أولويات الأسبوع، وجعل عبء العمل الحقيقي واضحاً بالنسبة للرؤساء والزملاء. وتكمن الفكرة هنا في أنّ الوضوح سيؤدي، على الأرجح، إلى احتكاك إيجابي في كل مرة يريد فيها شخص ما الدعوة إلى اجتماع. ومع تحويل العمل الذي يتمتع بالأولوية إلى عمل أكثر وضوحاً، لن تُرى الدعوة إلى اجتماع على أنها مجانية، بل مفاضلة على مستوى القيم: ما الذي لا يفعله الجميع لأنهم في هذا الاجتماع؟ وهل الاجتماع هو الاستخدام الأفضل لوقت الجميع؟
وتنطوي فكرة أخرى على "صحة الاجتماع"، أي هل تستطيع الاجتماعات أن تصبح أكثر كفاءة مع جدول الأعمال المطلوب والوقت المحدد وخطة الإجراءات الملموسة؟ وقد يختبر الباحثون الاجتماع وأيام منع البريد الإلكتروني، لتعزيز وقت عمل مُركّز.
وفي نهاية المطاف، يبقى الأمل في أن تساعد هذه التدخلات الموظفين على البدء في العمل بأساليبهم الخاصة باتجاه طريقة تفكير جديدة. فإذا رأوا أنّ بإمكانهم العمل بكفاءة أكبر وامتلاك توزان صحي بين العمل والحياة، ربما بدلاً من مدح موظفين يتفاخرون بكونهم مشغولين جداً ويعملون طوال الوقت، سيبدؤون بالتفكير: إذا لم ينجز الموظفون أهم أعمالهم، وكانوا على وشك الإصابة بالإنهاك الشديد، وكان لديهم القليل من الوقت لحياتهم الخاصة، ما الذي يجب تغييره في هذه المؤسسة؟