تخيل هذا الموقف المتعلق بموضوع منع الموظف من الرحيل، أنت تدير فريقاً مميزاً في أدائه، أفراده رائعون، حقق هذا الفريق طفرة كبيرة، بتعاون جميع الأفراد وتكاملهم بطريقة ساعدتهم في مواجهة التحديات وإنهاء المهمات قبل المواعيد النهائية.
ثم يعطي عضو أساسي من أفراد المجموعة إشعاراً برحيله.
منع الموظف من الرحيل
من السهل حين ذاك الافتراض بأن الإبقاء عليه يمثل أفضل نتيجة ممكنة للشركة وللفريق وللعمل ولك. ومن أجل ذلك، تحاول بطبيعة الحال معرفة كيفية الحفاظ على هذا العضو الأفضل في فريقك. فهل يمكن ترقيته؟ أم على الأقل منحه علاوة؟ أم أن إعطاءه مزيداً من المسؤوليات سيقنعه بالبقاء؟
اقرأ أيضاً: الفوائد التي تجنيها الشركة في حال اختيار الموظف للمغادرة
عملت في مجال التدريب على القيادة مدة تناهز عشر سنوات، ووجدت أنه عندما يواجه المدراء حالة عضو الفريق تلك بإنسانية وتعاطف، أي إعطاء الأولوية لاحتياجاته والسماح له بالرحيل إن كان ذلك أفضل خيار له، سيعطي ذلك غالباً نتيجة أفضل لكل من الفرد والشركة معاً.
ويعود السبب في البداية إلى أنه عندما يجري المدراء مناقشات صادقة مع موظفهم حيال الأسباب التي دفعته للبحث عن فرصة جديدة، يركزون في مناقشتهم على ما يريده الموظف، وما يمكن للمدير فعلياً التحكم فيه. ففي بعض الأحيان، يكون الموضوع متصلاً بعلاوة أو تغيير منصب، وهو ما قد يوفر بدوره فرصة للوصول إلى حل يكون تأثيره أقل في الفريق.
ولكن عندما تكون دوافع الفرد للرحيل خارجة عن سيطرة الإدارة، سيصبح استخدام المال أو الترقية كحافز للبقاء حلاً قصير الأجل لمشكلة أكبر، وسيؤجل فقط التكاليف المالية الحتمية المترتبة على توظيف وتدريب من سيحل محله. وإذا ظلت هموم الموظف الخاصة به دون معالجة، فستزيد احتمالات شعوره بانخفاض في روحه المعنوية وستقل إنتاجيته، ما سيكون له تبعاً لذلك آثار سلبية في المحيطين به. وسيكون من الأفضل لجميع الأطراف في هذه الحالات السماح له بالرحيل.
اقرأ أيضاً: هل تعرف كيف يحب أن يعمل كل فرد في فريقك؟
ثانياً، هناك فرصة مجهولة. فعلى الرغم من وجهة نظرك الأولية التي تعتبر أن حدوث تغيير كبير في فريقك قد لا يكون أمراً إيجابياً، فإن رحيل أحدهم قد يخلق مساحة لأعضاء الفريق الآخرين لزيادة الأدوار التي يؤدونها والمساهمة بطرق جديدة، فضلاً عن إعادة تخيل الأدوار التي يرغبون في أدائها. كما أنها تمثل لحظة طبيعية لجذب مساهمين جدد ذوي وجهات نظر جديدة، واستكشاف اتجاهات وإمكانيات عمل مختلفة.
وأخيراً، يؤدي التعامل العاطفي مع الموظفين والإظهار لهم أنهم ذوو قيمة كبيرة كأشخاص، وليس فقط كعاملين، إلى وجود آثار ذات مردود إيجابي كبير، وتؤثر بدورها في بقية أفراد الفريق وحتى على المدى البعيد. فبحسب دراسة أجرتها مؤسسة "غالوب" (Gallup) في عام 2015 فإن "الموظفين الذين يشعرون بأن مديرهم الذي يهتم بالجانب الإنساني في تعامله معهم يكونون ذوي احتمالية أكبر للمشاركة الإيجابية" في العمل ويتسم سلوكهم بقوة الارتباط بمحصلة الأعمال مثل الإنتاجية والابتكار والربحية.
الفوائد التي تجنيها الشركة في حال اختيار الموظف للمغادرة
أما الفوائد التي تجنيها الشركة في حال اختيار الموظف للمغادرة فستعتمد بشكل كبير على طريقة تقديمك لهذا الأمر أمام بقية أفراد الفريق. ذلك أنه يجب عليك وضع حالة من التفاؤل بدلاً من التعامل مع الأمر كخطر محدق. شارك حماسك تجاه تطور عضو الفريق المغادر. واشرح الفرص المتاحة للفريق. واعترف بالآثار العاطفية والعملية على الفريق. وأجب عن أسئلة الخاصة بأسباب مغادرة هذا العضو، ولماذا لم يكن في الإمكان إقناعه بالبقاء، وكيف سيتأثر الفريق بذلك. وعليك تقديم ذلك مع المزيج المناسب من الشفافية والتعاطف والاحترام.
اقرأ أيضاً: كيف تدير معنويات فريقك عندما يغادر موظف محبوب العمل؟
ولننظر إلى تجربتي مع شادي، حيث كنتُ فيها مرشدة له عندما عملنا معاً في شركة سابقة. فعندما توليتُ منصباً جديداً أقود فيه فريقاً يحتاج إلى المشاركة بأفكار إبداعية وتنفيذها، عرفت أن شادي سيكون الشريك المثالي الواجب عليّ ضمه إلى الفريق. وكان خياراً مثالياً، إذ كان لديه القدرة على التصميم البصري وتطوير البرمجيات وحل المشكلات بشكل مبتكر مع امتلاكه روح الدعابة. كما أنه كان شخصاً يمكنني الاعتماد عليه ليكون صوت المنطق الخاص بي. عمل فريقنا بشكل مذهل على مدار الـ 18 شهراً التي تلت ذلك. ولكن بعد ذلك، جاء شادي بخبر كان كفيلاً بأن يؤدي إلى انقلاب كل ما حققناه رأساً على عقب، إذ قال لي إنه تلقى عرضاً من شركة أخرى.
وجاء هذا الخبر في أسوأ توقيت ممكن في نظري، فقد كان شادي مطور البرامج الوحيد لديّ، وكنا في خضمّ بناء منتج تعليمي مع موعد نهائي وشيك، الأمر الذي لن يكون بمقدور أي شخص سينضم حديثاً لنا، متابعة العمل فيه وإنهاؤه بهذه البساطة. كنت على يقين بأن المشروع لن ينجح دونه.
النظر إلى الاحتياجات الخاصة للموظفين
ولكن شادي كان يثق بي بصورة كافية لدرجة البوح بالعرض الذي وصله قبل أن يعطيه قراره النهائي، وبعدها شعرتُ بأنه يجب عليَّ النظر إلى احتياجاته أيضاً. وعندما بدأتُ بالتراجع قليلاً والتفكير في الأمر من وجهة نظر شادي، وجدتُ أن رحيله كان أمراً منطقياً. فبينما أنجزنا معاً الكثير من المهمات المبتكرة، كان هو في حاجة بدوره إلى تحديات أكثر تعقيداً ومجتمع به أفراد آخرون يماثلونه في طريقة التفكير لمساعدته في التطور. وعندما تحدثنا عن الخيارات المتاحة له، بما في ذلك التفاوض على منصب جديد وراتب مختلف في شركتنا، بدا من الواضح أنني غير قادرة على تلبية طلباته، وأن الخيار الأفضل له كان قبول ذلك العرض.
وكان علينا معاً توصيل رسالة صعبة التقبل إلى فريقنا، وجعلناهم يشاركوننا في عملية اتخاذ القرار، وسمحنا لهم بطرح أسئلة حول كيفية تأثير ذلك فيهم. وشاركتهم اعتقادي أن غياب شادي سيشكل فرصة لتصوّر اتجاهات جديدة حيال عملنا، وأظهرت لهم التزامي بدعم كل فرد فيهم خلال رحلة التغيير هذه باتخاذ الوقت الكافي لتعميق المحادثات المتصلة بالتطوير وتقديم الحيّز الكافي للأفراد لتجربة أدوار ومشاريع جديدة.
اقرأ أيضاً: كيف تغذّي إبداع فريقك في العمل؟
فضلاً عن حرصي على تحفيز الفريق لتصور الاحتمالات والإمكانات المستقبلية. وأعدنا تنظيم أنفسنا وقررنا الاضطلاع ببعض الأعمال التي كنا بصدد إنجازها في الماضي. وتولى بعض أعضاء الفريق مسؤوليات جديدة. وعند توظيف أعضاء جدد، كانوا ذا أهمية استراتيجية للفريق بدلاً من مجرد بدلاء لشادي، حتى نظل كما نحن الفريق الذي اعتدنا عليه.
اقرأ أيضاً: كيف تضمن شعور الأعضاء الجدد في فريقك بأنهم مندمجون منذ اليوم الأول؟
ولطالما آمنتُ بأن دور المدير هو ذلك الدور الذي يتجاوز العمل إلى الحياة كلها. فأنت تخطو إلى دور تقدم من خلاله الدعم والتطوير والاهتمام بأفراد الفريق جميعاً خلال تعرّضهم لبعض القرارات التي قد يكون لها تأثير كبير فيهم مثل القرارات المتصلة بحياتهم المهنية.
ماذا حدث للفريق منذ مغادرة شادي؟ ترقى بعضهم في المناصب القيادية، واكتسب بعض آخر مهارات جديدة، في حين استخلص آخرون أفكاراً جديدة حول أنفسهم غيرت مسار حياتهم المهنية بالكامل. وأين شادي اليوم؟ إنه يتخيل مستقبلاً جديداً لنفسه، ويمكنه أن يجدني بجواره لأقدم له التوجيه والتدريب وأحياناً الإصغاء فحسب، كانت تلك خلاصة تجربة منع الموظف من الرحيل.
اقرأ أيضاً: كيف تستخدم برامج اليقظة والتنبه الذهني لزيادة الإبداع لدى فريق العمل؟