ما هو أفضل مسار مهني لك إذا كنت قائد شركة تبحث عن فرصة لترك أثر حقيقي على شركتك وتسعى لتهيئة نفسك لتولي منصب أعلى؟ أهو رئيس قسم الشؤون المالية؟ أم رئيس قسم التشغيل؟ أم رئيس قسم التسويق؟ ماذا لو أخبرناك أن منصب رئيس قسم الموارد البشرية قد يكون هو الفرصة الحقيقية لإعادة تشكيل المؤسسة، وعلى الرغم من أنه قد يبدو محدوداً مهنياً للوهلة الأولى، إلا أن أثره أكبر من أثر جميع المناصب الأخرى التي تلي منصب الرئيس التنفيذي مباشرة؟
أجل، هذا ما استنتجناه بالضبط. لقد أجرينا مقابلات مع أخصائيين في الأبحاث ورؤساء تنفيذيين ورؤساء موارد بشرية يتمتعون بخلفيات غير تقليدية، واكتشفنا ما يحصل عندما يستلم قائد الشركة رئاسة قسم الموارد البشرية وهو غريب عنه. وتأكدنا من أنّ الرؤساء التنفيذيين واعين تماماً لأهمية المواهب، ويصنفون العثور على أفضل الأصول البشرية كأحد أصعب التحديات التي تواجههم، ولذلك فهم يعون أيضاً تردد قائد الشركة في استلام منصب رئيس قسم الموارد البشرية إذا لم يمتلك خبرة كافية في هذا المنصب، وذلك بسبب نظرته السلبية له وخوفه من عدم قدرته على تحقيق أثر من خلال هذا المنصب ومخاوفه بشأن افتقاده المعرفة التشغيلية اللازمة له.
لوسيا كوين هي رئيسة الموظفين في قسم أبحاث شركة فورستر. تركت في وقت سابق من مسيرتها المهنية منصب نائب الرئيس الأول لتطوير الشركة والشركات الجديدة وانضمت إلى شركة بوسطن ساينتيفيك (Boston Scientific) في منصب رفيع المستوى. وعند وصولها قابلت عرض الرئيس التنفيذي لها باستلام منصب رئيس قسم الموارد البشرية بالرفض القاطع. واضطر لعرضه عليها أربع مرات إضافية، إحداها كانت أثناء اجتماع عبر الهاتف مع فريق الإدارة بأكمله، إلى أن استسلمت ووافقت أخيراً.
يؤكد فيل جونستون، وهو قائد تنفيذي في الأبحاث في شركة سبنسر ستيوارت، عدم استغرابه رد فعل كوين الأول بقوله: "عندما يطلب الرئيس التنفيذي من قائد شركة إدارة الموارد البشرية، يكون الرد غالباً: بم أخطأت؟، فهذا المنصب ليس مرغوباً، بل يعتبر عقوبة. وبالطبع لم يتسنّ لهؤلاء القادة التفكير بالأمر ملياً ولكن هذا هو رد فعلهم الأولي".
ولكن يقول القادة الذين استلموا منصب قيادة الموارد البشرية، بمن فيهم كوين، أنه أكثر دور مؤثر في مسيرتهم المهنية بأكملها، وقال الكثير منهم أنهم لن يقبلوا بمنصب قيادة في المؤسسة إذا لم يتضمن منصب رئاسة قسم الموارد البشرية.
يتفق كثير من الرؤساء التنفيذيين الذين تحدثنا إليهم، بمن فيهم أوين ماهوني، الرئيس التنفيذي لشركة نيكسون، على أن منصب رئيس الموارد البشرية هو أحد أهم الأدوار الاستراتيجية التي يمكن للقائد استلامها. يقول أوين: "تنمو الشركة أو تموت بناء على جودة موظفيها. ولذلك يمكننا القول بأن منصب مدير تنفيذي في الموارد البشرية هو الأهم في الشركة. ولو لم أكن الرئيس التنفيذي الآن لرغبت أن أكون رئيس الموارد البشرية".
ووفقاً للرؤساء الذين قابلناهم، هناك أربعة أسباب وراء نجاح القائد الغريب عن قسم الموارد البشرية في قيادته على عكس من يملك الخبرة التقليدية فيه. وهذه الأسباب هي:
تركيزه على نتائج الشركة وليس على نتائج الموظفين فحسب
يعتبر الرئيس غير التقليدي للموارد البشرية أن النتائج مثل التفاعل أو الاحتفاظ هي سبل لتحقيق نتائج الشركة، في حين يعتبرها الرئيس التقليدي نتائج نهائية. قالت جاكلين ريسز، التي كانت تعمل في استثمار الأسهم الخاصة ثم أصبحت رئيسة الموارد البشرية لدى شركة ياهو: "يجب علينا تحريك الموارد البشرية على أنها هيئة منتجات تحدد أهم حالات الاستخدام لدى عملائنا ومن ثم تبني منتجات لتلبية هذه الاحتياجات. ويجب ألا ننفذ برامج لا تخدم الشركة. كما أن الكثير من المهنيين المختصين بالموارد البشرية يفكرون بمهام الوظائف، مثلاً: يجب علينا أن نغير هيكلية المؤسسة، أو يجب علينا إطلاق برنامج تدريب. بينما أفكر أنا بنتائج الشركة التي أرغب بتحقيقها، ثم أكتشف كيف سأقوم بذلك".
يتمثل دوره في تحفيز زملائه القادة، وليس مجرد دعمهم أو خدمتهم
ثانياً، يرى رئيس الموارد البشرية غير التقليدي أن دوره يتمثل بتحفيز القادة، ولكنه غالباً ما يجد أن قائد الموارد البشرية التقليدي يفكر من منطلق الشراكة مع القادة أو خدمتهم. تقول ريسز: "أنظر إلى كل قائد على حدة وأقرر ما إن كان مناسباً للعمل، فأنا أحفّز القادة وأدفعهم لتقديم أداء أفضل". عندما قبلت كوين بدور رئيس الموارد البشرية في بوسطن ساينتيفيك، كانت هيئة الموارد البشرية التي ترأستها قد خططت لتطبيق برنامج على الرغم من احتمال فشله المعلوم. لماذا؟ لأن قادة المؤسسة أرادوا ذلك. أصرت كوين على أن يقوم فريقها في الموارد البشرية بابتكار برنامج يؤمنون بنجاحه وألحت على قادة المؤسسة للموافقة عليه وتبنيه كبديل أفضل. ستتمكن من تحقيق أثر كبير في المؤسسة بأكملها إذا كنت رئيس قسم الموارد البشرية الذي يفكر من منطلق تحفيز النجاح بدلاً من تأييد القادة.
رغبته بتبني الفرصة وليس تخفيض المجازفة فحسب
ثالثاً، يقبل رئيس الموارد البشرية غير التقليدي بالمجازفة من أجل توليد الفرصة، في حين قد يركز الرئيس التقليدي على تخفيض المجازفة حصراً. ولا يكتفي القائد غير التقليدي بالسماح بالمجازفة وإنما يسعى لها بلهفة على اعتبارها تحدياً هاماً تترافق المجازفة فيه مع فرصة وجود جانب إيجابي محتمل. خذ مثلاً ريك جنسن الذي غادر منصباً مهماً في التسويق لكي يصبح نائب الرئيس الأول ورئيس قسم المواهب في شركة إنتويت (Intuit). يتذكر جنسن درساً تعلمه في التسويق قائلاً: "عليك أن تقع في حب المشكلة". بينما قد يشعر قائد الموارد البشرية التقليدي أنه مجبر على تقديم حلول محافظة بدلاً من المجازفة ومحاولة طرق غير مألوفة من أجل حلّ عقد مشكلة ما.
ازدهرت زابين هيرجي رئيسة الموارد البشرية في بنك رويال الكندي في منصبي إدارة مصارف التجزئة وإدارة العمليات قبل الانتقال إلى قسم الموارد البشرية. تطبق هيرجي نوعاً من الاختبار الذاتي، تقول: "إذا لم أقدم أفكاراً يرفضها الفريق الإداري الأعلى أعرف أني ألازم الجانب الآمن أكثر مما ينبغي، فوظيفتي هي الابتكار وتجاوز الحدود المألوفة". وأحد الأمثلة الحديثة عن المجازفات التي كان بإمكانها تفاديها بسهولة، هو مشروع إقامة فعالية تشمل المؤسسة بأكملها على الإنترنت بهدف إشراك الموظفين في إعادة تحديد أهداف المؤسسة وقيمها. كان من الممكن أن تفشل الفعالية التي أقيمت ببث مباشر على الإنترنت بطرق شتى، وكان التراجع عن المشروع هو التصرف الأكثر أماناً. إلا أن هيرجي لم تنظر إلا إلى الجانب الإيجابي المحتمل للمشروع، فتابعت العمل على الفعالية وأثارت حماسة الموظفين بشأنها، وشارك فيها ما يزيد عن 20,000 موظف. ولكن لا يتمثل الدرس الذي نستمده من هيرجي في نجاح مشروعها نجاحاً باهراً، بل في عزمها على المجازفة بالفشل.
ريسز هي خير مثال عن الشخصية التي تقبل المجازفة. فقد تنقلت بين قطاعات العمل، من استثمار الأسهم الخاصة إلى التقنية، وتنقلت بين المناطق الجغرافية بانتقالها من نيويورك إلى سان فرانسيسكو، كما تنقلت بين الوظائف، من الاستثمار وإدارة الاندماج والاستحواذ إلى الموارد البشرية. والمثير للاهتمام هو قول ريسز أنها عندما عملت في الاستثمار كانت تقود الموارد البشرية بصورة أساسية، إذ ساعدت رؤساء تنفيذيين ليستثمروا في الموارد الصحيحة والموظفين الملائمين من أجل بناء شركاتهم. إذا رأيت أن هذا النوع من التحديات يثير حماستك، سيكون انتقالك إلى الموارد البشرية حركة عظيمة نسبة لمسيرتك المهنية.
يطبق مهاراته المتنوعة في الأعمال على عمل المنصب
رابعاً، يتعامل رئيس قسم الموارد البشرية غير التقليدي مع قسمه مستعيناً بمهارات وأطر عمل تعكس مجموعة نظم عمل متنوعة، في حين قد يعتمد الرئيس التقليدي فقط على نظم عمل محددة للموارد البشرية. تقول ريسز: "تفاجأت بأني أستمتع بإدارة الموارد البشرية أكثر من متعتي في منصب رئيس الشؤون المالية، فقد أتاح لي المنصب الاطلاع على أكبر التحديات التي يواجهها الجميع في شركاتهم، كمشاكل القيادة وكيفية توزيع الموظفين على الفرق، وكان وسيلة لتغيير مسار نمو الشركة.
وقالت كوين: "لا أحب إخبار الناس أني أعمل في قسم الموارد البشرية على الرغم من حبي لقيادته، إذ يكون الكثير من القادة في إدارة قسم الموارد البشرية سبباً في عرقلته بدلاً من دعمه وتمكينه. إلا أنني اكتشفت أني لست مجبرة أن أكون كذلك، وإنما يمكنني الاستفادة من جميع المهارات التي تعلمتها في السابق للعمل في هذا المنصب".
لم نتفاجأ عندما أشارت نتائجنا إلى أن تغيير قسم الموارد البشرية وجعله تحويلياً ليس حكراً على القائد غير التقليدي، وإنما يمكن للقائد الذي يتمتع بالخبرات التقليدية تحقيق ذلك أيضاً، عن طريق امتلاك النظرة الصحيحة للنتائج، وبناء العلاقات مع زملائه من القادة واتخاذ المواقف تجاه المجازفة والفرص وامتلاك المهارات المتنوعة في الأعمال.
يتطلب العمل في الموارد البشرية، مثل جميع المهن الأخرى، مواهب ومعارف متخصصة. ويشدد القادة غير التقليديين في قسم الموارد البشرية على أن دورهم التحويلي لم يكن ممكناً إلا بدعم قادة الموارد البشرية الذين يتمتعون بمعارف وقدرات تقليدية عميقة.
إن منصب رئيس قسم الموارد البشرية هو أداة مهملة لا تستثمر بما يكفي لرفع أثر الأعمال التجارية. وإذا انتقلت إليه بالصورة الصحيحة سيشكل خطوة مهنية عظيمة لصالحك.