التقينا لأول مرة في أبريل/نيسان من عام 2009، وكانت شركة "ماستركارد" تبحث عن اسم جديد لشغل منصب الرئيس التنفيذي وسط أزمة مالية عالمية. كان أحدنا (ريك) رئيس مجلس الإدارة وقائد عملية البحث، والآخر (أجاي) مسؤولاً تنفيذياً في شركة "سيتي غروب" تم اقتراح اسمه كمرشح محتمل. تم ترتيب ذاك اللقاء الأول في فترة بعد ظهيرة يوم ربيعي في منزل ريك الريفي في مقاطعة ساسكس الإنجليزية، في موسم تفتح أزهار الأجراس الزرقاء (بلو بيل)، وكان الهدف هو تقييم درجة التوافق بين أجاي وشركة "ماستركارد". سرعان ما تحول اللقاء إلى جلسة نقاش حول الاستراتيجية، وتحدثنا عن رؤيتنا المستقبلية للشركة والقطاع على مدى عامين و5 أعوام و10 أعوام و20 عاماً، وعن طرق تطوير الثقافة والمواهب والفرق كي تحقق النجاح.
ركزنا بالتأكيد على الرئيس التنفيذي الجديد الذي كنا بصدد اختياره، لكن صدق أو لا تصدق، ناقشنا أمر خليفته أيضاً. قبل أن يحصل أجاي على الوظيفة، بدأنا بتخيل خليفته، وعبر كلانا عن إصراره على ألا نضطر لتعيين شخص من خارج الشركة في المرة القادمة. كان هذا التفكير الاستشرافي المشترك ما جعلنا ندرك من خلال المحادثة التي استمرت على مدى بضع ساعات أن أجاي هو المرشح الملائم فعلاً، فقد كان مستعداً لقيادة شركة "ماستركارد" وقادراً على إخراجها من فترة الاضطرابات والمضي بها قدماً إلى المستقبل الرقمي. اتفقنا أيضاً على أنه إذا نجح في هذا الدور، فسيستمر عمله فيه قرابة 10 أعوام مع الاستمرار بالتخطيط لتعيين الخليفة التالي واعتباره جزءاً لا يتجزأ من الجهود اليومية لتطوير القدرات القيادية للمناصب العليا من اليوم الأول. كان ذلك وعداً حالماً في البداية، لكنه تحول تدريجياً إلى جهد ملموس مع ظهور المرشحين.
انضم أجاي إلى شركة "ماستركارد" كرئيس لها ورئيس تنفيذي للعمليات في شهر أغسطس/آب من عام 2009، وانتقل إلى منصب الرئيس التنفيذي في شهر يوليو/تموز من عام 2010. وأمضينا الأعوام الخمسة التالية نعمل جنباً إلى جنب مع بقية أعضاء مجلس الإدارة لتوسيع شركتنا وتحويلها، لكن بحلول عام 2015 تابعنا محادثات تحديد الخليفة التالي بطرق ملموسة أكثر. وشمل ذلك تحديد قائمة واسعة ومتنوعة من المرشحين من داخل الشركة، وتوضيح العملية وأهدافها لجميع أعضاء مجلس إدارة الشركة وتطوير المواصفات الأولية للدور ومراجعتها مراراً وتكراراً. في غضون بضعة أعوام أخرى، استعنا بخدمات شركة "إيغون زيندر" (Egon Zehnder) للعمل على تطوير القدرات القيادية لدى هؤلاء الموظفين ذوي الإمكانات العالية، وتسمية المرشحين النهائيين وتقييمهم، وتسليط الضوء على القادة النجوم من خارج الشركة من أجل إظهار تنامي المواهب المحلية في شركتنا.
وفي شهر فبراير/شباط من عام 2020، وصلت هذه العملية التي استمرت عدة أعوام إلى نهايتها الطبيعية. فبعد التفكير بجدية في المرشحين النهائيين الأربعة (جميعهم من داخل الشركة)، صوّت مجلس الإدارة بالإجماع على مايكل ميباك، وهو مسؤول تنفيذي قديم في الشركة، ليكون في منصب الرئيس التنفيذي التالي.
بالنسبة لرئيس مجلس الإدارة، يصعب التفكير ببديل لرئيس تنفيذي مثل أجاي، يتمتع بشخصية ملهمة ورؤية قوية، وتمكن من زيادة عائدات الشركة 3 أضعاف، وزيادة دخلها الصافي 6 أضعاف، ورفع قيمتها السوقية التي كانت أقلّ من 30 مليار دولار إلى ما يزيد عن 300 مليار دولار. وربما كان أصعب على الرئيس التنفيذي التفكير بطريقة للعثور على بديل لنفسه يرى أنه قادر على أداء العمل على نحو أفضل مما قام هو به على مدى 10 أعوام متتالية. لكن بما أننا اتخذنا خطوات مدروسة ومنهجية للقيام بهذه العملية، فنحن واثقون من أننا اتخذنا القرار الصائب. إذ فكرنا في أكثر من 40 موظفاً في الشركة، وبضعة أشخاص مميزين من خارجها، قبل أن نتمكن من اختيار المرشحين النهائيين؛ والتزمنا باتباع أسلوب الشمول في صناعة القرار من خلال الحرص على مشاركة جميع أعضاء مجلس الإدارة؛ وكنا مصرين على اعتبار معالجة مشكلات الغد، وليس مشكلات اليوم، عنصراً مهماً في توضيح نوع القائد الجديد الذي نحتاج إليه؛ وركزنا على تطوير جميع نجومنا الحاليين والمستقبليين والاحتفاظ بهم، وليس العثور على من يشغل المنصب القيادي الأعلى فحسب؛ وأخيراً، تعهدنا بالاستمرار في تقبل آراء الآخرين والاحتفاظ بآرائنا الشخصية حتى اللحظة الأخيرة، مع عدم قبول انحياز أعضاء مجلس الإدارة إلى تفضيلات مبكرة وانجرارهم وراء تفكير القطيع.
وفي حين نخوض عملية انتقال خاصة بنا، حيث يخرج ريك من منصب رئيس مجلس الإدارة ليستلمه أجاي بعد تسليم منصب الرئيس التنفيذي إلى مايكل، نرغب في تقديم مزيد من التفاصيل عن خطتنا التي اتبعناها.
أساس قوي
أولاً، سنقدم بعض المعلومات عن أنفسنا: أصبح ريك رئيساً تنفيذياً لمجموعة "مؤشر فاينانشال تايمز للأسهم 100" (FTSE 100) بصورة مفاجئة بسن 42 عاماً. وظفته شركة الإسمنت العملاقة "بلو سيركل إندستريز" (Blue Circle Industries)، لكن القيادة أخبرته أنه لن يصل إلى منصب الرئيس التنفيذي. وعلى الرغم من ذلك، كان ترشيحه للمنصب قيد الدراسة بعد عامين فقط، وكانت تلك أول مرة يتعرف فيها على عملية تعيين خليفة الرئيس التنفيذي. ومنذئذ، شغل منصب الرئيس التنفيذي لمجموعة الشركات الهندسية "إنفينسيس" (Invensys)؛ وكان عضواً في مجالس إدارة كثير من الشركات ومنها "إمبيريال كيميكال إندستريز" (Imperial Chemical Industries) و"برميير أويل" (Premier Oil) و"لاند سيكيوريتيز" (Land Securities) و"لافارج" (Lafarge) التي استحوذت على شركة "بلو سيركل"؛ وقاد عمليات البحث عن رؤساء تنفيذيين بوصفه رئيس مجلس الإدارة في عدد من الشركات مثل "نيتوورك ريل" (Network Rail) و"سنتريكا" (Centrica) و"كيو آي أوه تكنولوجيز" (QiO Technologies) و"ساوث بانك سنتر" في مدينة لندن (Southbank Centre) ومسرح "ألميدا" (Almeida Theatre)، ومرتين في شركة "ماستركارد".
بدأ أجاي مسيرته المهنية في الهند، أولاً في شركة "نستله" في أدوار وظيفية تشمل المبيعات والتسويق والإدارة العامة، وبعد ذلك في شركة "بيبسيكو"، حيث أطلق برامج الامتياز التجاري لمطاعم الوجبات السريعة المحلية. انضم بعد ذلك إلى مجموعة "سيتي غروب" (Citigroup)، وبعد العمل في مناصب إدارية حول العالم لما يزيد عن عقد من الزمن، أدار أعمالها الاستهلاكية العالمية وشغل منصب الرئيس التنفيذي لمجموعة "سيتي غروب" في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. كان لا يزال في تلك الوظيفة عندما اتصل به ريك، وعلى الرغم من أنه كان سعيداً في عمله لدى شركة "سيتي غروب"، فقد أدرك أن قيادة شركة "ماستركارد" كانت فرصة لا تفوت، إذ إنه سيعمل على تحويل شركة بطاقات ائتمانية تقليدية ورصينة إلى شركة تتمتع بذكاء تقني تقدم خدمات مالية أوسع.
لم يكن جوهر استراتيجيتنا عند انتهاء أزمة عامي 2008-2009 المالية يتمثل في التنافس مع شركتي "فيزا" و"أميركان إكسبرس"، بل في التنافس مع استخدام المال النقدي الذي كان حينئذ يستخدم في 85% من عمليات الدفع في العالم. وعندما قيّمنا استخدام المال النقدي، أصبح المسار الذي سنتبعه في تقدمنا مركز اهتمامنا. كان علينا الفوز في مجال الدفع المالي الأساسي عن طريق دعم تعدد الخيارات، وجعلها أكثر بساطة وبديهية كي يتمكن الناس من استخدامها كيفما يشاؤون بصورة آمنة، سواء لتحويل الأموال من حساب إلى آخر أو للدفع عن طريق بطاقة الائتمان أو بطاقة المدين (السحب المباشر من الرصيد) أو البطاقات مسبقة الدفع أو أي نظام آخر قابل للتطور، مثل البلوك تشين. كان يترتب على ذلك 3 آثار غير مباشرة. أولاً، سيتعين علينا تبني التقنيات الناشئة والمساعدة في بناء أدوات متطورة لجعل هذه التقنيات أكثر أماناً وسلاسة. ثانياً، يجب علينا التنويع عن طريق التوسع إلى المجالات المجاورة، مثل الأمن السيبراني وتحليلات البيانات، من أجل إضافة القيمة إلى العروض الأساسية. ثالثاً، كان علينا معالجة مشكلة الشمول المالي بطريقة مستدامة ومجدية من الناحية التجارية، وإذا كان نموذج عملنا المتمثل في توفير خيار جديد للدفع سيحقق النجاح، فلا بد أن يكون هذا الخيار متاحاً للجميع.
لذا، قمنا باستثمارات كبيرة على تقنيات كانت محورية لمستقبلنا وتمسكنا بها على الرغم من المعوقات والعراقيل لأننا كنا واثقين من أنها ستثمر بلا شك. وبنينا قدراتنا في مجالات التحليلات المحوسبة والأمن السيبراني والبيانات والذكاء الاصطناعي، وهي الآن مسؤولة عن ثلث عائداتنا. ومؤخراً، وسّعنا أعمالنا لتشمل عمليات الدفع التجارية، من أجل منح الشركات خيارات أكثر وفاعلية أكبر في معاملاتها التجارية. تعهدنا بإدخال 500 مليون شخص ممن لا يتعاملون مع المصارف إلى الاقتصاد الرقمي بحلول عام 2020، وحققنا هذا الهدف بالفعل. واليوم، أصبح هدفنا يتمثل في الوصول إلى مليار شخص بحلول عام 2025، إلى جانب 50 مليون شركة صغيرة ومتناهية الصغر وما لا يقل عن 25 مليون سيدة أعمال.
وفي أثناء تعلم طريقة التنافس مع أكثر من جهة في السوق، اكتسبنا سمعة جيدة بسرعة فيما يخص اللباقة والاحترام. لا نكتفي بالحديث عن نسبة الذكاء العقلي ونسبة الذكاء العاطفي فحسب، بل نتحدث كثيراً عن نسبة الاحترام أيضاً. يبدأ الاحترام بدعم الموظفين، فرسالتنا لهم دائماً هي: "أنا هنا لأجلك دائماً. أنا أدعمك"، وهذا يترجم إلى تقديم امتيازات وفق معايير عالمية مثل إجازات الأمومة والأبوة مدفوعة الأجر بالكامل لمدة 16 أسبوعاً، وتطبيق برنامج لملكية الأسهم يتيح تأهيل 95% من موظفينا له، ورفع مستوى المساهمة في مدخرات التقاعد ليصبح أعلى مما يتوفر في السوق، إلى جانب جداول استحقاق بعض الأصول في الشركة مثل الأسهم. كما يمتد الاحترام إلى التزاماتنا بالشمول المالي، المتمثلة في تعهدنا بتقديم 250 مليون دولار من أجل دعم الشركات الصغيرة بالتقنية والخدمات في أثناء الجائحة، ودعوتنا الجديدة إلى تعزيز سلوكيات الإنفاق التي تراعي البيئة بدرجة أكبر بين عملائنا. ومع مرور الوقت، أجرينا عملية تحويل حقيقية لكل جوانب شركتنا التي تشمل الاستراتيجية والبنية التنظيمية والمنتجات والمواهب والثقافة.
يعتقد كلانا أن تنمية الموظفين هي جانب مهم ومجزٍ من عمل القائد. إذ يجب على رئيس مجلس الإدارة أو من يحتل منصب الرئيس التنفيذي أن يفكر دوماً بشأن أصحاب مجموعات المهارات التي تلائم استراتيجياته المستقبلية، وتحديد الموظفين الذين يتمتعون بإمكانات التعلم والنمو، وتحديد الأدوار التي يمكنهم التناوب عليها من أجل مساعدتهم في التعلم والنمو. لذا، فنحن نحث الموظفين الذين يطمحون للوصول إلى المناصب الإدارية العليا على التنقل بين الوظائف التنفيذية حيث يتحكمون بالأرباح والخسائر، والوظائف الاعتيادية حيث يكون تأثيرهم أكبر من سلطتهم.
مثلاً، منذ عدة أعوام، عندما كان مايكل ميباك ينهي مهمة ناجحة بوصفه رئيساً لعملياتنا في الشرق الأوسط وإفريقيا، كان مهتماً بقيادة شركتنا في آسيا. لكن أجاي رفض تسليمه قيادة الشركة، لماذا؟ لأن هذا العمل كان سيبقيه في منطقة الراحة التي اعتاد عليها، وسيقوم فيها بنفس العمل الذي يقوم به بالفعل لكن على نطاق أوسع. سأله أجاي: "كيف سيجعلك عملك في شركة آسيا والاستمرار 5 أعوام أخرى في أداء عملك على أكمل وجه أكثر جاذبية بنظري؟" أدرك مايكل أن ذلك لن يحصل. بل كان يجب عليه استكمال خبراته في تطوير السوق والمبيعات وإدارة العملاء والتعامل مع جوانب التكنولوجيا والبيانات من أعمالنا، وذلك عن طريق الذهاب إلى الولايات المتحدة التي تعتبر أهم منطقة جغرافية بالنسبة لشركتنا، وتوسيع خبراته لتصل إلى أدوار تتسم بغموض أكبر ووضوح أقل، فأصبح الرئيس التنفيذي للمنتج.
شجع أجاي جميع مرؤوسيه المباشرين على تطوير أنفسهم بنفس الطريقة، ونتوقع من جميع المدراء في الشركة أن يفعلوا المثل مع فرقهم. كما تدخل هذه العقلية في ممارسات الموارد البشرية أيضاً. في شهر يونيو/حزيران من كل عام، يجري كل مدير محادثة مع جميع مرؤوسيه المباشرين بصورة فردية من أجل تقييم مجالات التطوير لدى كل منهم (أي ما يجيده، وما يمكن أن يقوم به على نحو أفضل، وتقييمه فيما يخص المجازفة المدروسة، وإحساسه بالضرورة الملحة، وقدرته على تبسيط الأمور المعقدة والتمكين مع تحمل المسؤولية)، إلى جانب تقييم طموحاتهم المهنية وكيف يخططون لتحقيقها. ثم نقارن التقييمات النهائية مع استراتيجية كل وحدة عمل للعام التالي، والمهارات اللازمة لتنفيذها وخطة التعاقب الوظيفي. وبهذه الطريقة، نستطيع دراسة تنقلات الموظفين بين الأدوار بالشكل المنطقي الأنسب لهم ولأعمالنا على نحو يشمل الشركة بأكملها.
كانت رئيسة عملياتنا في شمالي أميركا، ليندا كيركباتريك، تعمل في قسم العلاقات مع المستثمرين عندما لاحظ أجاي للمرة الأولى أسلوبها الاستراتيجي المبتكر ومهاراتها التنفيذية، ومنذئذ تنقلت بين عدة أدوار على مدى عامين أو ثلاثة أعوام. كما انتقل مستشارنا العام، تيموثي مورفي من قسم الشؤون القانونية إلى قيادة فرق المنتجات ثم إلى دوره الحالي، وهو مسار حوّله إلى محام لرجال الأعمال. وكذلك الرئيس التنفيذي للشؤون المالية، ساتشين ميرا، فقد انتقل من دوره في لجنة التشغيل في قسم الشؤون المالية إلى دور رئيس المنتجات التجارية قبل أن يعود ليستلم دور نائب الرئيس التنفيذي للشؤون المالية، ثم حصل على ترقية وأصبح قائد الفريق.
ليس من السهل استبدال الرئيس التنفيذي الذي تمكن من زيادة عائدات الشركة 3 أضعاف، وزيادة دخلها الصافي 6 أضعاف، ورفع قيمتها السوقية التي كانت أقلّ من 30 مليار دولار إلى ما يزيد عن 300 مليار دولار.
التحضير المبكر
لم تكن خطة التعاقب الوظيفي في البداية موضوع نقاش محصوراً بكلينا فقط، فقد طرحنا فكرة المهمة المستمرة على مدى 10 أعوام على بقية أعضاء مجلس الإدارة والمستثمرين والموظفين في الاجتماعات العامة. لماذا؟ لأن الموظفين عادة يتوقفون عن معارضة القائد الذي يحقق نجاحاً على مدى هذه الفترة الطويلة. وأردنا أن نحث ألمع موظفينا وأصحاب أفضل المواهب على المساعدة في بناء شركة عظيمة وإدارتها يوماً ما. وعلى مدى عقد من العمل ضمن بيئة تتسم بالتغيير المتسارع الدائم، قد نشعر جميعنا بالحاجة إلى تجديد القيادة. لم نعتبر أي أمر مسلماً به، ورغبنا في البدء بتطوير المسار التنفيذي لهذه الاستراتيجية بأسرع وقت ممكن. كان هدفنا أن نبني مصنعاً للمدراء العموم والرؤساء التنفيذيين المحتملين لشركة "ماستركارد"، والوقت يمر.
يعاني كثير من الرؤساء التنفيذيين من صعوبة في تصور مستقبل لا يقودون فيه شركاتهم، بل يلتصقون بمناصبهم ويرغبون في البقاء فيها إلى الأبد. هذه ليست رؤيتنا. لذا، بعد قرابة 5 أعوام من عمل أجاي في دور الرئيس التنفيذي، بدأنا بالبحث بجدية أكبر عن الخلفاء المحتملين. ولو تأخرنا أكثر من ذلك فسيكون الأوان قد فات بالنسبة لشركة بحجم شركة "ماستركارد" وتعقيدها. فالمؤسسات التي تبدأ بالتفكير في خليفة الرئيس التنفيذي قبل عامين أو ثلاثة أعوام فقط من الموعد المحدد لانتهاء ولايته ونقل القيادة، تغفل عن أشخاص كان من الممكن أن يكونوا منافسين ذوي ثقل لو أنهم مُنحوا مزيداً من الاستثمار والتطوير والوقت.
أردنا الحفاظ على تفاعل الجميع ومشاركتهم، والاستمرار بالتفكير في أهم المرشحين لأطول فترة ممكنة كي نضمن التوصل إلى أفضل قرار ممكن.
والبدء في وقت مبكر أتاح لنا القيام بما نعتبره أساساً لتعيين خليفة قوي ومناسب لشغل منصب الرئيس التنفيذي. بدأنا بالبحث في مجموعة واسعة من موظفينا، وبمساعدة من برنامج التقاعد الطبيعي، تمكنا من إزالة الطبقة العليا من السلّم الوظيفي كي ينضم 30 مسؤولاً تنفيذياً إلى لجنة الإدارة الجديدة، حيث تخضع مساراتهم المهنية لتوجيه أجاي. كانت هذه مجموعة جديدة من القادة الذين يتلاءمون مع مستقبل الشركة، لذا بدا لنا أن الوقت مناسب لاستكمال نظامنا الداخلي الحالي لتطوير القدرات القيادية عن طريق "برنامج التميز في الإدارة العليا" الموسع والذي تحول في نهاية المطاف إلى عملية ذات طابع رسمي أكثر للتعاقب الوظيفي. وحددنا 42 رجلاً وامرأة في مجموعة من المناصب المختلفة، وكانوا جميعهم قد خضعوا لبرامج التدريب والتوجيه القيادي الجماعي والمخصص. تمكن هؤلاء المسؤولون الذين كانوا من مستويات وظيفية أدنى بمرتبة ومرتبتين وحتى ثلاث مرتبات من إبراز أنفسهم أمام مجلس الإدارة، عن طريق تقديم العروض التقديمية في الاجتماعات والتفاعل المباشر مع أعضائه في لقاءات غير رسمية لتناول القهوة أو لقاءات سريعة ضمن اجتماعات ربعية مصممة خصيصاً لإنشاء أكبر قدر ممكن من الروابط بين أعضاء مجلس الإدارة وأهم المسؤولين التنفيذيين. وتم تعيين موجهين من أعضاء مجلس الإدارة لبعض هؤلاء التنفيذيين، مثلاً اقترح أجاي أن يعمل ريك على توجيه مايكل، الذي كان عندئذ نجماً صاعداً في عمليات الشرق الأوسط.
حقائق وبيانات مالية
ماستركارد
وبحلول عام 2018، كان عدد من المرشحين الواعدين ذوي الإمكانات الكبيرة مستعدين تقريباً لاستلام منصب الرئيس التنفيذي، لذا عملنا على زيادة مستوى تنظيم عملية صنع القرار التي نتبعها. كانت الشركة تحقق نجاحاً كبيراً، وكان أعضاء مجلس الإدارة يواجهون صعوبة في تقبل مغادرة أجاي، لكنهم فهموا أننا لا نريد أن يبدأ أصحاب أفضل المواهب بمغادرة الشركة بسبب عدم توفر الفرص أمامهم للوصول إلى القيادة. لن يكون سهلاً انتقال القيادة من يد رئيس تنفيذي محترم وناجح بدرجة كبيرة، لكن أجاي تمكن من إقناع الجميع داخل الشركة وخارجها أن الجيل التالي من القادة سيكون مناسباً أكثر لتحقيق نتائج تضمن استمرار نجاح الشركة.
كنا نتمسك أيضاً بمبدأ أساسي آخر منذ البداية وأكدنا عليه مع تقدمنا في عملية نقل القيادة، وهي إشراك جميع أعضاء مجلس الإدارة فيها. فمن غير الممكن تفويض مهمة اختيار الرئيس التنفيذي للجنة فرعية. كما حرصنا على أن تكون جميع المحادثات والنقاشات التي تجرى بشأن هذه المسألة جماعية. توقفت عمليات الإرشاد والتوجيه لأصحاب الإمكانات العالية مع اقتراب ربيع عام 2016، لأننا لم نرغب بأن يظهر أي منهم على أنه مفضل لدى المجلس، أو أن يتصرف على هذا الأساس. لكن استمر المرشحون في تقديم العروض التقديمية في اجتماعاتنا ربع السنوية ضمن مسار عملهم الاعتيادي، وخوض أنشطة اجتماعية مع أعضاء مجلس الإدارة ضمن فعاليات وجبات الإفطار وحفلات التعارف والدعوات على العشاء. طلبنا من كل عضو في مجلس الإدارة أن يلتقي بكل مرشح مهم بصورة شخصية مرة واحدة على الأقلّ.
عملنا معاً لحل مشكلات الغد بدلاً من مشكلات اليوم، وحددنا وصفاً مرناً واستشرافياً لمن سيشغل المنصب مرة تلو الأخرى بعناية ودقة في أثناء تقدمنا في عملية الانتقال. وفي حفل عشاء مجلس الإدارة الذي يقام في شهر ديسمبر/كانون الأول من كل عام، والذي نخصصه دوماً لموظفي الشركة وثقافتها، خصص أجاي وقتاً طويلاً لشرح الميزات التي يجب أن تتوفر لدى الرئيس التنفيذي التالي. والآن أصبحنا جميعنا نتباحث في هذه الأفكار سعياً لتحديد مواصفات الشخص الذي نريده في هذا المنصب. وأدركنا أن الشخص المناسب لن يكون نسخة عن أجاي، إلا أن الوصف الأول الذي اتفقنا عليه لم يكن مختلفاً عنه بدرجة كبيرة، في حين كان وصفنا التالي يرسم بطلاً خارقاً يتفاخر بامتلاك جميع الصفات التي قد نرغب بها. كانت هذه العملية بمثابة عجلة تدور بلا توقف.
عملية ذات طابع رسمي أكثر
في شهر يونيو/حزيران من عام 2017، قررنا أن نستعين بخدمات شركة استشارية خارجية كي تغني عمليتنا بنظامها ومنهجيتها ورؤاها المحايدة. لم نرغب في أن يشعر أي من الأطراف المعنية أننا توصلنا إلى الاختيار النهائي تبعاً لأهوائنا أو تحيزاتنا. لذا، أجرينا مقابلات مع ممثلين من 3 شركات واخترنا في نهاية المطاف شركة "إيغون زيندر"، وكنا نعلم أنها ستلعب دوراً مهماً في تقديم النصح والدعم للمرشحين النهائيين، وأنها ستساعدنا في التوصل إلى الشخص الذي سيخوض النقلة الكبيرة والصعبة إلى دور الرئيس التنفيذي. لكن يجب الانتباه إلى ملاحظة واحدة تخص المستشارين، فهم قادرون على مساعدتك في تحقيق نجاح أكبر، لكنهم لن يقوموا بعملك نيابة عنك، لا سيما فيما يخص تعيين خليفة الرئيس التنفيذي. بدأت العملية وانتهت في مجلس الإدارة، ودعمتها مجموعة الأمانة التنفيذية المغلقة والصغيرة جداً والتي تم اختيار أفرادها بعناية، ونخص بالذكر منهم رئيس قسم إدارة شؤون الموظفين حينها، الموهوب مايكل فراكارو.
وبمجرد الاتفاق مع شركة "إيغون زيندر"، ضاعفنا التزامنا بالاستثمار في تطوير المهارات كي يشعر كل مشارك أنه يحظى بأفضل تجربة ممكنة، ويرغب بالبقاء في شركة "ماستركارد" حتى وإن لم يقع عليه الاختيار لمنصب الرئيس التنفيذي. أخضعت شركة "إيغون زيندر" نخبة المرشحين لبرامج إدماج خارجية، وخطط تطوير وتدريب مخصصة، واختبارات القياس النفسي ومراجعات بطريقة 360 درجة، جميعها مصممة لمساعدة هؤلاء المرشحين على اكتساب مصداقية أكبر،
وضمان أن يستمدوا قيمة شخصية من العملية. وبحلول شهر أبريل/نيسان من عام 2019، كان لدينا 4 مرشحين متقدمين شعرنا بإيجابية شديدة حيالهم، إذ شاركوا جميعاً بحماس في العملية وقاموا بخطوات كبيرة كقادة.
ساعد فريق شركة "إيغون زيندر" مجلس الإدارة في وضع الصيغة النهائية لمواصفات من سيشغل المنصب. إذ أجرى الفريق مقابلات فردية مع جميع أعضاء المجلس من أجل معرفة المزيد عن رؤية كل منهم عن دخول شركة "ماستركارد" إلى المستقبل بقيادة الرئيس التنفيذي الجديد، ثم أسقط المعلومات التي جمعها على مجموعة المرشحين. ومع اقتراب نهاية العملية، طلبنا من فريق الشركة الاستشارية تقديم أفضل المرشحين الخارجيين على الإطلاق، ليس ممن تعامل معهم من قبل، وإنما قادة في شركات أخرى ممن تخبرنا سيرهم الذاتية وسجلاتهم أنهم قد يكونوا قادرين على شغل منصب الرئيس التنفيذي لشركتنا في حال رغبنا بتعيين أحد من خارجها. ومن خلال الحديث عن هؤلاء المرشحين الخارجيين وما أعجبنا فيهم وما لم يعجبنا ومهاراتهم وخبراتهم وميزاتهم التي تفيد مستقبل شركتنا، تمكنا من تحديد المواصفات الأساسية التي يجب أن تتوفر في الرئيس التنفيذي الجديد. وهي تشمل المصداقية منذ اللحظة الأولى، وفهم عميق لطبيعة عملنا المعقدة وشراكاتنا مع القطاعين الخاص والعام، وامتلاك معارف عامة تقنية ودولية، وعقلية استراتيجية تكملها الخبرة في التنفيذ وتحقيق النتائج، والقدرة على التحمل، وامتلاك ذكاء الشارع (الحنكة في التعامل مع المشكلات الحضرية)، والشخصية القوية، وإحساس قوي بالرسالة الاجتماعية نظراً لإيماننا بأن الشركات لها دور فاعل حالي ومستقبلي في المجتمع. وبعد أن توصلنا إلى كل ذلك، قررنا عدم إجراء مقابلة مع أي مرشح خارجي، فقد كنا واثقين من أننا سنعثر على الرئيس التنفيذي المناسب بين المرشحين الداخليين الأربعة.
والطريقة الأخيرة التي ساعدتنا على الاستمرار وفق عملية عادلة هي الاستمرار بتقبل وجهات نظر الآخرين وإسكات تفضيلاتنا حتى جلسة النقاش الحاسمة الأخيرة. لماذا؟ ما أن تسمح لأعضاء مجلس الإدارة بالتعبير عن وجهات نظرهم، لن تتمكن من إسكاتهم مجدداً، وستبدأ الأصوات المهيمنة في التأثير على المحادثة، لا سيما إذا كان لرئيس مجلس الإدارة أو الرئيس التنفيذي رأي محدد وعبر عنه. يجب ألا يشارك أي عضو في مجلس الإدارة أو مرشح لمنصب الرئيس التنفيذي في عملية تبدو وكأنها مصممة وفقاً لقرار محدد مسبقاً. أردنا الحفاظ على تفاعل الجميع ومشاركتهم، والاستمرار بالتفكير في أهم المرشحين لأطول فترة ممكنة كي نضمن التوصل إلى أفضل قرار ممكن. لذا، لم يلمّح أي منا إلى المرشح المفضل لديه. وقلنا لأعضاء المجلس: "عندما تصبحون مستعدين للتصويت سنخبركم برأينا".
المناظرة واتخاذ القرار
في شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2019، قررنا مناقشة مسألة الخلافة مرة أخرى في اجتماع نهاية العام. أصغينا إلى أعضاء مجلس الإدارة بإمعان، وبدأنا نشعر بأن كلاً منهم يميل باتجاه مرشحه المفضل. لطالما افتخرنا بمجلس إدارتنا وشركتنا البعيدين عن السياسة نسبياً، لذا رغبنا في منع تشكل أي تكتل أو تحزب. استدعى ذلك خوض مناقشة أكثر جدية في شهر ديسمبر/كانون الأول، وبدأنا بالاستعداد لها على نحو جاد. إذ اتصل ريك بأعضاء مجلس الإدارة بصورة فردية من أجل معرفة ما يرونه من إيجابيات وسلبيات في كل مرشح، والمرشح الذي سيختارونه في ذاك الاجتماع. بقيت كلّ هذه المعلومات سرية، وعندما اجتمع مجلس الإدارة أخيراً على العشاء، اعتبر ريك هذه المناسبة نموذجاً عن اجتماع المناقشة الأخير، وشجع الحاضرين على الدفاع عن مرشحيهم المفضلين وحرص على الاستماع إلى آراء الجميع. ثم طلب منهم التفكير بالسبب الذي يمنع كل مرشح من الحصول على منصب الرئيس التنفيذي. يقول شرلوك هولمز: "عندما تستبعد المستحيل، فلا بد أن يكون الباقي، مهما كان، هو الحقيقة". وفي نهاية ذاك الاجتماع الذي استمر 3 ساعات، شعرنا أننا مستعدون للتصويت، وكان تصويتاً بالإجماع. كان مايكل ميباك، الذي رأينا أنه مواطن عالمي وفاعل استراتيجي ومدير مواهب لامع ومتعلم دائم، هو الرئيس المنشود.
بالطبع، عندما تتعامل مع مسألة في غاية الحساسية كتعيين رئيس تنفيذي، يجب أن يتم اتخاذ القرار بالإجماع، وليس إصداره كقرار رسمي. فالقرار الذي يتم اتخاذه بالإجماع يتيح لك إزالة التفاصيل الإضافية، أما إصدار قرار رسمي فيلزمك بإعلام المعنيين على الفور وإصدار إعلانات عامة. تمثلت المرحلة التالية من حل الأحجية في خلافة منصبينا. فريك مستعد للتنحي، وأجاي مستعد ليحل محله. كنا واثقين من أن جميع المرشحين سعداء بتولي أجاي زمام الأمور لأن رؤاهم الاستراتيجية تتوافق مع رؤيته المتمثلة في تفادي الصدامات الفلسفية، ولأنه سيكون عوناً كبيراً للرئيس التنفيذي التالي في المرحلة الانتقالية. كما كنا واثقين من أن هذه الخطوة ستحظى باحترام السوق. اختار مجلس الإدارة المتابعة وفق تلك الخطة، بعد أن فكر في عدد من البدائل.
وفي 22 من شهر فبراير/شباط من عام 2020، قبيل انتشار الجائحة في العالم، توصلنا إلى قرار نهائي بتعيين مايكل في منصب الرئيس التنفيذي لشركة "ماستركارد". قابل ريك كلاً من مايكل والمرشحين الثلاثة الآخرين بصورة فردية لإعلامهم بالقرار، وكان سرور مايكل جلياً. وعلى الرغم من خيبة أمل المرشحين الآخرين، فقد تقبلوا القرار وأكدوا استمرارهم في العمل والتقدم في الشركة كفريق. وهم معنا حتى الآن، ونحن نكتب هذه السطور، ولا يمكن وصف مدى افتخارنا بأدائهم وأداء الشركة بأكملها بقيادة الرئيس التنفيذي المختار، مايكل، طوال عام 2020 وقبل أن يستلم منصبه رسمياً في شهر يناير/كانون الثاني من عام 2021.
إن قرارات خلافة الرئيس التنفيذي ليست سهلة على الإطلاق. لكن يمكن تخفيف صعوبتها بدرجة كبيرة إذا بدأت المحادثات بشأنها منذ وقت مبكر جداً والتزمت بقواعد محددة. فكر في مجموعة واسعة من موظفيك أولاً؛ وأشرك مجلس الإدارة بأكمله والرئيس التنفيذي المنتهية ولايته؛ وفكر بحل مشكلات الغد عند تحديد القائد الذي ترغب في تعيينه؛ واستثمر أكثر في تطوير المرشحين، لا سيما النخبة؛ وفكر في أفضل المواهب من خارج شركتك أيضاً، فذلك سيثري تفكيرك؛ وأخيراً، شجع على التزام الحياد إلى أن يحين الوقت الذي سيخوض فيه أعضاء مجلس الإدارة النقاش الذي سيوصلكم إلى القرار النهائي. في النهاية، بالطبع، يجب أن يكون المرشح الذي سيشغل منصب الرئيس التنفيذي والذي سيقع عليه الاختيار هو الشخص المناسب تماماً لهذه الوظيفة، ويجب على جميع المعنيين الآخرين قبول هذا القرار على أنه القرار الأنسب للشركة. نرجو أن نكون قد حققنا هذه الأهداف في شركتنا "ماستركارد".