في ظل التطور التقني والتحول السريع في بيئة الأعمال والمنظمات العالمية والمحلية، ظهر دور منصات الابتكار لمساعدة الشركات والجهات الحكومية والمنظمات غير الربحية والشركات الخاصة في مواكبة هذا التطور التقني من خلال استخدام أدوات منصات الابتكار المختلفة والتي تعتمد على إشراك الأفراد والجماعات من دوائر الخبرات المختلفة للخروج بحلول ومنتجات وخدمات وشراكات ذات مرونة عالية وذات نسبة تسارع مرتفع في سوق الأعمال.
تتمثل هذه المنصات بأشكالها المختلفة في حاضنات الأعمال والمسرعات التقليدية والافتراضية ومصانع الشركات وبرامج الابتكار وأقسام الابتكار المؤسسي داخل الشركات والمؤسسات. ولنجاح هذا النوع من المنصات، يجب أن تنفصل عن إدارة المؤسسة ليزيد من مساهمتها في نموها من خلال التأثير المباشر كالخروج بمنتجات وخدمات أو بالتأثير غير المباشر من خلال التأثير في ثقافة المؤسسة والموظفين واستخدام أساليب الابتكار في جميع عناصر العمليات الداخلية والخارجية عبر التجارب العالمية العديدة التي تمثلت في رفع نسبة نجاح الشركات الناشئة داخل مراكز ريادة الأعمال المختلفة.
حاضنات الأعمال
تتنوع صور منصات الابتكار في احتضان الأعمال ومساعدتها في حل المشاكل التي قد تواجهها وفي تأمين ورش العمل المشتركة التي قد تساعد في تنمية مخرجات منتجاتها وتقدم الاستشارة والإرشاد المهني والتدريب الذي من شأنه تطوير موظفي الشركات والمؤسسات المعنية وقد تؤسس حاضنات الأعمال من خلال التعاون بين شركة في قطاع خاص وجهة حكومية. وتصنف حاضنات الأعمال إلى نوعين وهما:
1- الحاضنات التقليدية: التي تخدم مشروع معين وتحتضنه وتقدم الخدمات الاستثمارية وتوفر المساحات المكتبية والأدوات اللازمة للتطوير والتعليم، كما تهيئ الشركات لدخول سوق العمل سواء كان السوق العالمي أو المحلي.
2- الحاضنات الافتراضية: وهي المنصات الرقمية التي تعمل عن بُعد لتقديم خدماتها الافتراضية في كل أنحاء العالم؛ ما يجعلها تعمل بمرونة أكبر. ولا تختلف مسرعات الأعمال عن الحاضنات فكليهما يمكنهما احتضان الأعمال الناشئة والمشاريع التجارية. لذلك تعد مسرعات الأعمال إحدى منصات الابتكار المقصودة بتسريع الأعمال الناشئة من خلال توفير الاستثمارات الأولية والإرشادات والفرص التعليمية لتعزيز الاقتصاد للشركات الناشئة. وتتم برامج مسرعات الأعمال خلال فترات محددة تتراوح ما بين ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر. كما توفر مسرعات الأعمال التقليدية نسخة افتراضية منها لتعمل على الخدمات التي توفرها لأي عميل خارج نطاق المنطقة للمسرعة التقليدية.
تقدم مصانع الشركات الدعم اللازم للشركات الناشئة عبر تقديم خدمات الموارد البشرية لتمكين المشاريع وتحقيق أهدافهم ورفع مستوى الخدمات والتوجيه الاستراتيجي للشركة الناشئة وتمويلها برأس المال الذي يعزز من وصولها إلى سوق العمل وتحقيق الأرباح وتعد مصانع الشركات المسمى الآخر لمنصات الابتكار.
مراحل بدء منصات الابتكار
قد تختلف مراحل البدء لمنصات الابتكار بين المؤسسات والشركات التي تولدها فكل مؤسسة تنشئ منصات ابتكارها بالطريقة التي تتناسب مع معطياتها؛ لكن غالباً ما تبدأ مراحل الابتكار كما يلي:
الإنشاء: في أغلبية منصات الابتكار يتداول إنشاؤها بين الجهات الحكومية المتخصصة بذلك لكن لا تقتصر عليهم فقط فيمكن لأي صاحب مصلحة البدء في إنشاء منصة ابتكار.
تعيين مجال المنصة: يفضل أن تكون منصة الابتكار في مجال أو قطاع واحد يمكن إتقانه من مدراء المنصة وقد تتوسع المنصة في القطاعات بعد النجاح فيها.
تحديد الأساليب: تعتمد هذه المرحلة على تحديد الأساليب والأدوات والتقنيات التي يستخدمها أعضاء مجلس الإدارة في منصة الابتكار من أجل تقديم الحلول وأفضل النتائج.
اختبار الحلول: تبدأ المرحلة الرابعة لإنشاء منصات الابتكار باختبار الحلول التي يتم تقديمها وتحسينها من قبل فريق مختص. ويتم فيها تقييم سوق العمل لإنشاء تقنيات ومنتجات جديدة تواكب متطلبات السوق وتراقب هذه التجارب لتحقيق النجاح التام فيها.
تطوير قدرات العاملين: يعمل أعضاء الإدارة والمدراء في المرحلة الخامسة على تطوير قدرات العاملين في المنصة في مختلف القطاعات من أجل إنجاح وتنمية الحلول والمنتجات التي يتم تقديمها لتحديد منصات الابتكار الاحتياجات اللازمة للتطوير بعد التجارب الضعيفة التي تم المرور بها.
تقييم وتحليل الابتكارات: في المرحلة السادسة يجب تقييم وتحليل الابتكارات الخاصة بكل منتج في المنصة ثم إرسال التقييمات إلى الجهات المختصة حتى يتم تحديد التغييرات التي يلزم إجراؤها.
تنفيذ منتج الابتكار: تأتي المرحلة السابعة بعد نجاح منتج الابتكار، حيث تأتي مرحلة التنفيذ والتوثيق بعد موافقة أعضاء مجلس الإدارة وتنمية في نطاق أوسع. تستخدم منصات الابتكار في شتى المجالات والقطاعات في العالم فقد تُستعمل في المؤسسات الزراعية للبحث عن التقنيات التي تسهل عملية البحوث الزراعية ونشر النتائج بين المهتمين في مجال الزراعة والبيئة الزراعية عامة. وقد تستخدم المؤسسات والجهات الحكومية الوطنية منصات الابتكار لربطهم مع المواطنين بصورة أسهل ولتحسين صنع السياسات المحلية. تتعدد فوائد منصات الابتكار ولا تحصى في القطاعات كافة، ولكن أبرز فوائدها في المنصات الافتراضية والتقليدية هي أن لدى المنصات قدرة عالية على زيادة الاستيعاب في استقبال الشركات الناشئة وخاصة في منصات الابتكار الافتراضية.
نماذج عن منصات الابتكار الرائدة
توفر منصات الابتكار مساحات أكبر لتوجيه الابتكارات وإرشادها في السوق المحلي والعالمي كما توفر أيضاً فرصاً للاستثمارات في الابتكارات التي يتم احتضانها. وتضمن هذه المنصات الحلول لجميع الأزمات والمشاكل التي قد تواجه الشركات الناشئة مع استمرارية الأعمال في الأوقات الصعبة. في السوق العالمي تعد مؤسسة "هايب" (HYPE) أحد الأمثلة العالمية على منصات الابتكار الافتراضية والتقليدية فهي منظومة مختصة في عالم التقنية وإدارة الابتكار. أنشأت "هايب" في عام 2001 في ألمانيا. وتوسعت أعمال المؤسسة بافتتاحها مكاتب حول العالم في فرنسا والولايات المتحدة الأميركية. تقدم الشركة سلسلة من الخدمات مثل خدمات إدارة الابتكار والهاكثونات وتطوير الشركات الناشئة وتمكين الأفكار الناشئة. كما تعمل شركة هايب مع أشهر المنظمات والشركات العالمية مثل شركة "نوكيا" وشركة أرامكو السعودية.
لا شك في أن أحد أبرز الأمثلة في منصات الابتكار المحلية شركة "بياك". حيث تعد من ممكنين الابتكار في المملكة العربية السعودية. فهي شركة تابعة لشركة التنمية والاستثمار التقني "تقنية" والتي بدورها تعد مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة (Public Investment Fund) أو (PIF). تمكن "بياك" الابتكار في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية من خلال تقديم خدمات التعهيد وتشغيل الخبرات والمعرفة للشركات الناشئة عبر 3 منتجات رئيسية وهي: إدارة دعم الابتكار وإدارة الابتكار وإدارة خدمات شراكات الابتكار. ويعد قسم إدارة الابتكار القسم المعني بإدارة منصات الابتكار في الشركة فيقدم من خلاله حاضنات الأعمال والمسرعات الافتراضية والتقليدية والهاكاثونات والمعسكرات التدريبية ومصنع الشركات. تقوم منصات الابتكار بتشغيل وإدارة المنصات المتخصصة التي تساعد الشركات الناشئة في النمو. تمكن شركة "بياك" الابتكار مع القطاعين العام والخاص.
سيرفع تطبيق التجارب التي تم خوضها والعمل بها داخل المؤسسات والشركات بأشكالها وتنفيذ برامج الابتكار بكل تأكيد كفاءة الخدمات والمنتجات المقدمة، وسيحسن تجربة المستهدفين مهما كان نوعهم وسيساهم في تطوير البنية التحتية المؤسسية، حيث إن الابتكار في عصرنا الحالي لم يعد من أنواع الرفاهية، بل إنه من الركائز التي يجب أن يستعان به في جميع النواحي المهنية. فالإنسان بطبيعته يرفض كل مبتكر غريب، وهنا يأتي دور مراكز ومنصات الابتكار داخل وخارج المؤسسات في تحفيز عملية الابتكار وتسريع عجلة النمو الابتكاري، ويمثل دور ممكني الابتكار في مقدمة العملية. ذلك من المهم أن يكون مُمكن الابتكار صاحب نظرة استراتيجية وخبرة مهنية في ذات المجال وفي نفس الوقت لديه جوانب إنسانية عالية المستوى ليستطيع أن يواكب المجتمع ويتوافق مع أفراد المؤسسة ويتمكن من تطويع الردود السلبية التي قد تؤثر في عملية نمو وتطوير الابتكار. وهذه النقطة تقودنا إلى أهمية وجود إدارة داعمة للابتكار، وإلا فإن عملية إنشاء هذا النوع من المراكز والمنصات لن تكون ذات جدوى إذا لم تجد البيئة الحاضنة الصحيحة.