هل تمنح الموظفين ما يشعرهم بالفخر بما يفعلونه؟

4 دقائق

زرت مؤخراً "جامعة ويك فوريست" (Wake Forest University) في مدينة وينستون-سالم بولاية نورث كارولينا حيث أعمل في المجلس الاستشاري للكلية. وقد كان الحرم الجامعي مزدحماً وصاخباً للغاية لسببين، لأن الطقس كان رائعاً، ولأن فريق كرة القدم فاز بالبطولة الوطنية لكرة القدم "توب 25" (Top 25). ولكن يُعزى قدر كبير من تلك المشاعر الدافئة إلى الشعور الجميل التالي للرقصة الرائعة الخارجة عن المألوف التي انتهت مؤخراً، وكانت بطولة موظفي الصيانة والمرافق.

نعم، ما قرأته صحيحاً. لثلاث ليال، ما يقرب من 70 من الحراس ومنسقي الحدائق وعمال الكهرباء وطاقم عمال البناء، أدوا هذه الرقصة في الساحة الكبرى بالجامعة في حضور الآلاف من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والخريجين الذين هتفوا لهم وشجعوهم بشدة. تخيل أنك في "سيرك دي سولي" (Cirque du Soleil) ولكن بماكينات جز العشب والشاحنات والسلالم والمكانس والمطارق والحفارات. أُطلق على العرض اسم "فروم ذا جروند أب" (From the Ground Up) وقد كان مليئاً بالألوان وخارج عن المألوف. فهؤلاء الأشخاص الذين يقومون بالأعمال الأقل روعة (والأقل وضوحاً للعيان أيضاً) في الحرم الجامعي عرضوا مهاراتهم وقدراتهم الإبداعية وحسهم الفكاهي لإسعاد الحضور.

كما أظهروا اعتزازهم وفخرهم بما يقومون به، وأعتقد أن هنا تكمن أهمية تلك العروض بالنسبة إلى هؤلاء العمال، فمن خلالها يعلموننا درساً سيظل باقياً ويعبرون فيها عن ما يقدمونه للمؤسسة في جميع المجالات. في كل مكان حولك ستجد أن البيئة التنافسية أصبحت شاقة أكثر من ذي قبل، وهو ما يعني أن الأشخاص على كل مستوى، وخاصة هؤلاء الذين يعملون في الخطوط الأمامية، عليهم أن يبذلوا قصارى جهدهم وأن يكونوا أكثر تصميماً وعزماً كل يوم. لا شك أن منح الموظفين علاوات من شأنه أن يحسن أدائهم، وأنا أتفق مع هذا تماماً. لكني مقتنع بأنه إذا كنت تريد حقاً أن تحسن أداء الموظفين، عليك أولاً أن تغرس داخلهم الشعور بالفخر. فمن المحتمل بدرجة كبيرة للغاية أن يفعل الأشخاص الأشياء بطرق استثنائية إذا كانوا يؤمنون بعمق بما يفعلونه.

تناول جون كاتزنباخ، المستشار الإداري المؤثر، هذا الموضوع في كتابه الذي يلخص عنوانه رسالته الأساسية "لماذا يُعد الشعور بالفخر أكثر أهمية من المال" (Why Pride Matters More Than Money). حيث يقول كاتزنباخ إن الشعور بالفخر ينبع من "السعي الدؤوب إلى المساعي التي تستحق العناء". وأن هذا "الفخر المتأصل" هو عنصر "لبناء المؤسسات" عندما "يحفز السلوكيات الفعالة التي تركز على العملاء" والتي تميز المؤسسة عن منافسيها. ويضيف أن الالتزام القائم على "خدمة المصالح الذاتية والمكاسب المادية" يتصف بأنه "قصير الأجل وعابر ومحفوف بالمخاطر". كما أنه لا يطلق العنان لـ "نوع الالتزام العاطفي" الذي يبني "الاستدامة طويلة الأجل".

تتضمن العديد من الأمثلة التي ذكرها كاتزنباخ مجموعة من الصفوة مثل مستشاري شركة "ماكنزي" (McKinsey) ومهندسي شركة "مايكروسوفت". ولكن قد يكون الشعور بالفخر أكثر قوة، بالإضافة إلى أنه بالتأكيد لا يُنسى، عندما يشعر به موظفو الخطوط الأمامية الذين نادراً ما يُسلط الضوء عليهم.

على سبيل المثال، قبل بضع سنوات كنت أستكشف التحول الحاصل في خدمة العملاء في شركة "مرسيدس-بنز الولايات المتحدة"، وهي ذراع المبيعات والخدمات لشركة صناعة السيارات الألمانية. لم يستطع القادة فهم السبب الذي يجعل تجربة العميل في وكلاء بيع السيارات غير مميزة، على الرغم من أن السيارات نفسها تتسم بأنها استثنائية للغاية. وقد كان لديهم الكثير من السياسات والممارسات والحوافز المالية التي يقدمونها لموظفي الخطوط الأمامية. ولكن تكمن المشكلة، كما أخبرني أحد كبار القادة، في أن "الفخر بالعلامة التجارية لم يكن قوياً كما كنا نتصور، وأيضاً لم يكن مستوى الانخراط والاندماج في العمل عميقاً كما كنا نتصور". كان من الممكن لوكلاء مرسيدس أن يوفروا مزيداً من التدريبات أو حتى أن يدفعوا رواتب أعلى لموظفي الخطوط الأمامية، ولكن لحين أن يجعلوا موظفي الخطوط الأمامية يهتمون بخدمة العملاء بشكل أكبر، كان من الصعب على الموظفين أن يخدموا العملاء وهم لا يشعرون بالارتباط والاتصال بالعلامة التجارية.

لذا أعدت "مرسيدس" مجموعة مبتكرة من المبادرات الشعبية لغرس الشعور بالفخر وإثارة الشغف. على سبيل المثال، دعت الشركة أكثر من 20 ألف موظف من موظفي الخطوط الأمامية، الغالبية العظمى منهم لم يسبق لهم قيادة سيارة مرسيدس خارج مقار الوكلاء، لقضاء 48 ساعة مع سيارة مرسيدس من اختيارهم، ليس فقط كي يشعروا بأداء السيارة، ولكن أيضاً كي يشعروا بالفخر عندما تنجذب الأنظار إليهم عندما يركنون السيارة في ساحة انتظار الكنيسة أو عندما يذهبون إلى مباريات كرة القدم. كما أنشأت الشركة أيضاً "مركز الانغماس في العلامة التجارية" (Brand Immersion Center) في مصنعها الضخم الواقع بالقرب من مدينة برمنغهام بولاية ألاباما ليزوره الموظفون لكي ينغمسوا في العلامة التجارية ويتعرفوا أكثر على تاريخ "مرسيدس-بنز"، وأيضاً كي يروا بأنفسهم كيف تُصنع السيارات. حيث قال لي مسؤول تنفيذي في الشركة: "بمجرد أن يتعرف الموظفون على مستويات التميز التي نعتمدها لتصنيع السيارات، سيتفهمون أننا ملتزمون بتقديم تجربة للعملاء تتوافق مع هذا المستوى من التميز".

وقد شهدت أيضاً ظاهرة مماثلة عندما كنت أدرس ثقافة الأداء الرفيع في شركة "دافيتا" (Davita)، وهي شركة حققت نتائج مذهلة في مجال عمل صعب للغاية، فهي تقدم خدمة غسيل الكلى إلى 200 ألف مريض بأمراض الكلى. يصف الرئيس التنفيذي كينت ثيري، الذي ظل في منصبه لوقت طويل واستقال منه مؤخراً شركة" دافيتا" بأنها "تولي الأولوية للمجتمع ثم للشركة". كما أخبرني أيضاً أنه إذا عرف موظفو الشركة، البالغ عددهم 55 ألف موظف، كيف يمكنهم الاعتناء والاهتمام ببعضهم البعض، سيتمكنون من الاعتناء بالمرضى بطبيعة الحال، وبالتالي ستزدهر أعمال الشركة. ولذلك فإن الحياة الوظيفية في "دافيتا" مليئة بالأمور الرمزية والتقاليد وحتى الأغاني التي لا تتشابه إلا قليلاً مع الحياة داخل المؤسسات التقليدية، فجميعها مصممة خصيصاً لغرس روح الانتماء والشعور بالفخر. وفي هذا السياق يحب ثيري أن يستشهد بهذا القول المأثور المألوف "لا يمكن للمرء أن يصب الماء من كوب فارغ"، ما يعني اهتم بنفسك أولاً كي تتمكن من الاهتمام بالآخرين. الدرس المستفاد: إذا كنت ترغب في أن يقدم موظفوك أداءً متميزاً كل يوم، وخاصة إذا كانوا يعملون في وظائف شاقة وغير ممتعة بالمرة، قدّم لهم ما يجعلهم يؤمنون بما يفعلون.

لقد اتضح أن العرض الذي قُدم في "جامعة ويك فوريست" لم يكن الوحيد من هذا النوع. فقد نظمته وصممت رقصاته شركة تسمى "فوركليفت دانس ورك" (Forlklift Dance Works) في مدينة أوستن بولاية تكساس. وهذه الشركة تعاونت مع عمال النظافة في مدينة أوستن لتقديم عرض بعنوان "تراش دانس" (Trash Dance) ومع مقدمي خدمات الطعام في "كلية ويليامز" ليؤدوا عرضاً بعنوان "سيرفيد" (Served)، ومع موظفي الخطوط الأمامية لتقديم عرض يبرز جميع أنواع التجارب اليومية التي يواجهونها.

يجب عليك بالتأكيد أن تمنح موظفيك علاوات وامتيازات، بكل ما يحمل ذلك من معانٍ. ولكن أتح لهم أيضاً فرصاً تغرس من خلالها الشعور بالفخر داخلهم، وإن كانت حتى إتاحة فرصة للرقص!

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي