تصميم منتجات منازل ذكية يستخدمها الناس فعلاً

6 دقائق

في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين، عرّفت شركة "آر سي أي ويرلبول" (RCA Whirlpool) العالم على "المطبخ العجيب"، وهو بمثابة رؤية شجاعة لمستقبل يكون فيه كل شيء في المنزل أوتوماتيكياً ومترابطاً، إذ تكون مهمته أن يجعل الحياة أسهل وأكثر أماناً. لاقى المطبخ العجيب، الذي شكّل في جزء منه إثبات جدوى مستقبلية ودعاية للشركة، إعجاب المستهلكين وأثار حادثة "الجدل حول المطبخ" الشهيرة بين ريتشارد نيكسون ونيكيتا خروتشوف. وكانت ثمة مشكلة واحدة فقط: لم تكن التكنولوجيا جاهزة بعد.

بعد مرور ستين عاماً، أصبحت التكنولوجيا جاهزة أخيراً، ولكن الكثير من المستهلكين ليسوا كذلك.

على الرغم من البيئة المتنامية من الأجهزة والبرمجيات والخدمات المخصصة للمنازل، إلا أننا لم نلحظ بعد نمواً في سوق المنازل الذكية. وبعيداً عن بعض المهووسين بالتكنولوجيا، لا يزال المستهلكون يجدون صعوبة في تخيل العلاقة بين منتجات المنازل الذكية أو خدماتها وبينهم في حياتهم اليومية، ناهيك عن فهم جميع دورات تطوير التكنولوجيا وخيارات المنصة والتكامل. ويثبت بحثنا ذلك. حسب استطلاع أجرته شركة "أكسنتشر" (Accenture) على أكثر من 6,000 شخص يتوزعون في 13 منطقة جغرافية، فإنّ 25% من مستهلكي منتجات المنازل الذكية وخدماتها يعتبرون أنفسهم "مستكشفين" (أي معتمدين أوائل)، بينما يقول 63% إنهم "متنقلون" (تابعون). ولهذا السبب، فإنّ المنازل الذكية عالقة في فجوة منحنى الاعتماد على التكنولوجيا، ومحاصرة في مرحلة الاعتماد المبكر وتواجه صعوبات في الانتقال إلى مرحلة الاعتماد في الأسواق الضخمة.

استخدمنا هذا الاستطلاع كنقطة انطلاق لنتوصل إلى فهم أفضل لما يحدث مع تكنولوجيا المنازل الذكية. كما راقبنا بشكل مباشر 40 شخصاً في منازلهم، ما سمح لنا بالتعمق في سلوكياتهم وعاداتهم واتصالاتهم، والتعرف على كيفية تأثير التكنولوجيا على هوياتهم وحوافزهم. ثم اختبرنا نتائجنا مع أكثر من 25 عميلاً عالمياً خلال جلسات ابتكار استراتيجي في مركزنا المتخصص بالبحث والتطوير، واستخدمنا آراءهم لصقل أفكارنا.

من خلال منظور هذا العمل، نرى فرصة نادرة للشركات، كي تعيد التفكير في جانبين من عملها: تصميم المنتج والتسويق. نحن نرى أنّ تصميم المنتج ما زال بعيداً جداً عن المستهلك، وما زالت استراتيجيات التسويق تُركز بشكل كبير على بيع المنتجات وفقاً لشخصية المشتري التي عفا عليها الزمن، والعناصر السوقية التقليدية.

صنفنا زبائن المنازل الذكية إلى مجموعة جديدة تضم ثمانية شخصيات للمشترين، ونقترح أن تأخذ الشركات بعين الاعتبار الطابع المختلف لهذه الشخصيات قبل تصميم منتجات المنازل الذكية وتسويقها.

الأنواع الثمانية للزبائن

تبني معظم الشركات شخصيات للمشترين، وهي بمثابة تصوير شبه تخيلي لأفكار الزبائن، بناء على التركيبة السكانية وأنماط السلوك لدى الزبائن الحاليين. تنص الفكرة التي استحدثها المبرمج ومصمم البرمجيات آلان كوبر على أنك إذا أردت تصميم منتج ناجح، يتعين عليك التصميم من أجل شخص معين. وتكمن المشكلة بالنسبة لصناعة المنازل الذكية في أنّ أغلب الشخصيات قائمة على المعرفة بالمستخدمين الحاليين الذين هم في معظمهم من المهووسين بالتكنولوجيا العنيدين والذين لا يتحدثون للشركات عن أي شيء آخر.

والحقيقة هي أنّ كل شخص يمتلك مفهوماً مختلفاً لما يتعين أن يعنيه "المنزل"، ويوصله إلى العالم الخارجي. تختلف الحاجات تبعاً للصلة الشخصية والنظرة المستقبلية والاهتمام والذوق والوقت والمجال والعمر والجغرافيا. وبأخذ ذلك كله في الحسبان، وجدنا أنّ الناس يميلون إلى الاعتماد على واحدة من العقليات الثمانية، والتصرف بطريقة معينة في المنزل

1. ملازم البيت المبدع. يستخدم هذا المشتري التكنولوجيا لتعزيز التجارب الشعورية وخلق فضاء شخصي داخل بيته. حدثنا أحد المستخدمين قائلاً "صمّمت كل شيء بالطريقة التي أردت أن يكون منزلي بها. دهنت السقف باللون الأسود، وثبّت أوتاداً حديدية عليه لتبدو مثل النجوم. وتضيء اللمبة مثل القمر".

2. حضريّ نشط. يستخدم هذا المشتري التكنولوجيا لمساعدته في إدارة حياة المدينة المرهقة أثناء وجوده في المنزل. ويقول "أعيش في مدينة الأشياء فيها مربكة، وأنا أثمِّن مكاناً أستطيع أن أسميه منزلي، وأن أشعر بالأمن والاسترخاء فيه".

3. منظّم شخصي. يستخدم هذا المشتري التكنولوجيا ليكون أكثر فعالية وإنتاجية أثناء وجوده في المنزل. يقول "أحاول أن أبقى دائماً نظيفاً ومنظماً في المنزل. أرتب مواعيدي للتدريب على ركوب الدراجة، حتى لا أزعج جيراني. وأمتلك جهازين للنوم ومنع ضوضاء المرور القادمة من الخارج".

4. معتمدو التكنولوجيا المعارضون. يستخدم هذا المشتري التكنولوجيا على سبيل توفير الراحة، ولكنه أكثر تردداً في الاستثمار مقارنة بالمعتمدين الأوائل. يقول "منزلي يمثل بالنسبة لي وقتي الخاص. أريد أن أنعزل عن الخارج وأن أحتضن هواياتي الخاصة في المنزل".

5. آباء وأمهات مشغولو البال. يستخدم هذا المشتري التكنولوجيا حرصاً على سلامة أسرته، إلى جانب إدارة جدول مواعيد البيت، وجعل المهمات اليومية أكثر كفاءة. يقول "أشعر أنني أتحكم في المنزل بشكل أكبر لأنني أمتلك رؤية كاملة. استخدمت كاميرا متحركة لمراقب للأطفال. أستطيع الآن مراقبة أسرتي لمعرفة فيما إذا كانوا في المنزل".

6. آباء وأمهات محبون للمرح. يستخدم هذا المشتري التكنولوجيا لجمع أفراد أسرته معاً للاستمتاع بوقت جيد. يقول "أشعر بسعادة وإبداع وحب في المنزل. السبت هو يوم المرح. إنه يومي المفضل".

7. جامعوا الأدوات الفاخرة. يحتضن هذا المشتري التكنولوجيا في المنزل للتعبير عن حس بالمكانة الاجتماعية والبراعة في التكنولوجيا. يقول "المنزل هو مقرك الشخصي الذي يزيد من التعريف بموقعك ومكان نموك الشخصي".

8. من يجمعون شمل العائلة. يستخدم هذا المشتري التكنولوجيا للتواصل الاجتماعي. يقول "أمتلك جداراً مليئاً بصور عائلتي. عائلتي تعني كل شيء بالنسبة لي. أنشر على فيسبوك كل يوم للبقاء على اتصال بالأصدقاء والأقارب".

من خلال تطبيق هذه العقليات الثمانية، تستطيع الشركات الإجابة بشكل أفضل على سؤالين مهمين:

مَن الجهة المستهدفة من المنتج أو الخدمة؟ خذ بعين الاعتبار منتجاً يستهدف "الآباء والأمهات". الآباء والأمهات مشغولو البال يريدون منزلاً نظيفاً ومنظماً وخاصاً وآمناً، بينما يريد الآباء والأمهات المحبون للمرح رؤية منزلهم كمكان للراحة والاسترخاء وإطلاق العنان لأنفسهم. هل منتجك ذو صلة بتصنيف واحد؟ بالتصنيفين معاً؟ أم هل يمكن أن يندرج في مكان ما بين الاثنين ويفشل في إثارة اهتمام أي منهما؟

ما هي الوظيفة التي يساعد فيها المنتَج أو الخدمة الزبون لتنفيذها؟ حتى مقتني الأدوات الفاخرة، الذين قد يرون منتجات المنازل الذكية في بداية الأمر كأشياء مرتبطة بالمكانة الاجتماعية، يريدون تكنولوجيا جديدة لتنفيذ وظيفة محددة. وهذه الرغبة أهم بكثير بالنسبة لتصنيفات الزبائن الآخرين. وبالتالي، إذا لم يكن لمنتجك علاقة بوظيفة مهمة، فأنت تخاطر باستخدامه لعدة مرات فقط ثم تركه.

ستفهم الشركات زبائنها من خلال فهم مهماتهم. على سبيل المثال، الأسباب الثلاثة الأبرز التي وجدناها لاستخدام الناس لمكبرات الصوت الذكية هي التسلية والمعلومات والإنتاجية. إحدى المهمات في تصنيف التسلية قد تكون اختيار مطعم ما، في حين أنّ إحدى المهمات في تصنيف الإنتاجية قد تكون إعادة ملء المناديل الورقية وأوراق المرحاض.

اجعل الناس مرتاحين أكثر إزاء التكنولوجيا في المنزل

يجد الكثير من المستهلكين أنفسهم عالقين بين رغبتين متناقضتين؛ فمن جانب تتوفر لديهم الرغبة بالاتصال والفعالية والتسلية، ومن الجانب الآخر يرغبون في منع التكنولوجيا من التغلغل في حياتهم بشكل أكبر. قال بعض الأشخاص الذين أجرينا عليهم دراستنا إنّ وسائل التواصل الاجتماعي تمنحهم شعوراً بالارتباط، ولكنها قد تُشعرهم أيضاً بالانفصال عن الواقع والتفاعلات البشرية الحقيقية. كما عبّر نصف المستطلعة آراؤهم ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً عن قلقهم من الاعتماد الزائد على التكنولوجيا، بينما خشي 43% من الفئة العمرية نفسها من أنّ الأجهزة الذكية تعرف الكثير جداً عن تفاصيل حياتهم الشخصية. وقال نصف الأشخاص المستطلعة آراؤهم، من جميع الفئات العمرية، إنّ التكنولوجيا في المنزل يمكن أن تجعلهم كسولين.

يجب أن يراعي تصميم منتجات المنازل الذكية وتسويقها هذه المخاوف. ويتعين على الشركات، أن تدرس أفضل الممارسات التالية على الأقل:

التركيز على الراحة. تجعل منتجات المنازل الذكية وخدماتها الحياة أكثر أمناً وسهولة، ويرحب المستهلكون بذلك، ولكن ثمة حاجة أخرى للتفكير في "الراحة". عندما سألنا الناس عما يجعلهم يشعرون بالأمان في المنزل، أشار كثيرون منهم إلى أشياء تدل على الراحة، مثل الشموع والبطانيات. ويمثل هذا فرصة للشركات لتحسين تصميم منتجاتها من خلال فهم الروابط بين الأمن والراحة في المنزل.

فمثلاً، يمكن تغيير الكثير من منتجات الإضاءة الذكية للإضاءة بتدرجات مختلفة. ماذا لو كان بالإمكان تعديل الإضاءة وفقاً لشعور الأشخاص في أوقات مختلفة من اليوم أو ما سيفعلونه في منزلهم؟ هل تريد مشهد ورود ربيعية؟ ظلال من اللون الوردي والأحمر والأبيض. هل تريد إنهاء مشروع عمل في المنزل؟ أضواء زرقاء رائعة للتركيز.

تفسير الفوائد بشكل واضح، مع بيان الفئة المستهدفة قد تفشل منتجات المنازل الذكية في الكثير من الحالات لأنّ الشركة لم تنشئ علاقة واضحة بين التكنولوجيا والفائدة بالنسبة للمستهلك. تفسير الفوائد بشكل واضح من شأنه أن يساعد في التغلب على مخاوف التكاليف، فقد قال 55% من المستطلعة آراؤهم إنّ التكلفة كانت أحد الاعتبارات الأساسية عند شراء الأجهزة الذكية.

تستطيع دراسة مثالين عندما تكون الفائدة واضحة. يمكن لمنظم الحرارة من نوع "نيست" (Nest) أن يُخبر مالكي المنزل عن كمية استهلاك منزلهم من الطاقة، وأن يُذكرهم بتغيير الفلاتر، وأن يبدل بين أنظمة الحرارة بشكل أوتوماتيكي (المضخة الحرارية في مقابل الفرن الذي يعمل بالزيت مثلاً). وبالنسبة لكبار السن الذين يعانون من مشاكل صحية مزمنة، يستطيع جهاز "أمازون إيكو" (Amazon Echo) تذكيرهم بتلقي العلاج في وقت محدد كل يوم.

توفير أدوات سهلة الاستخدام. يتمثل أحد الأسباب التي أدت إلى صعوبة إيجاد أنظمة أتمتة المنازل لجمهور واسع في أنها تتطلب درجة من المهارة التكنولوجية. يمكن أن يكون التوازن بين التعقيد وإمكانية الاستخدام في أنظمة المنازل الذكية ممتازاً بالنسبة للمستخدمين. إذا كان نظام ما مرهقاً جداً، فسيتركه الناس. لذا يتعين عليك أن تفكر في بعض الأسئلة عند التصميم:

  • ما بدى بساطة استخدام النظام بالنسبة لغير العارفين بالتكنولوجيا؟ إذا كانت أضواء المنزل مبرمجة للتشغيل عند الساعة الخامسة مساءً أثناء فصل الشتاء، فما مدى سهولة تغيير الوقت عند تغير الفصول؟
  • ما مقدار المسؤولية التي يتحملها المستخدم لصيانة النظام؟ وما مدى استجابة خدمة الزبائن لديك؟ إذا تطلب النظام من الزبائن إجراء صيانة عملية دورية، فقد يكون ذلك عقبة بالنسبة لهم.
  • ما الوظيفة التي يؤديها المنتج أو الخدمة؟ يتعين أن تكون الوظيفة التي يقوم بها أصحاب المنزل مدرجة على الواجهة البينية للمستخدم.

التعامل مع البيانات بذكاء. إعطاء المستخدمين فائدة ملموسة لجمع بياناتهم من شأنه أن يساعد في التخفيف من مخاوفهم إزاء الخصوصية. مع فرشة ذكية، على سبيل المثال، قد يكون المستخدمون أكثر ميلاً لمشاركة بياناتهم إذا أعطتهم الفرشة شيئاً في المقابل (مثلاً، تعديل أوتوماتيكي لدرجة الحرارة وملاءمة الفرشة وفقاً لدورة نومهم).

ولكن يجب على الشركات أن تلتزم الشفافية إزاء طريقة استخدامها للبيانات من أجل تقديم فائدة ملموسة ومتصلة وفورية. إذا أرادوا أن يعرفوا ما يدور في بيوت الناس، فعليهم أن يفهموا مدى قدسية المنزل وخصوصيته.

شكر خاص إلى زملائنا في شركات "أكسنتشر"، و"بول بارباغالو" و"راشيل إيرلي"، و"لورنس ماكين"، و"كلير كارول" و"إيانا فاسيليفا"، على مساهماتهم في هذه المقالة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي