بينما كنت في جولة للمستثمرين في أوروبا، أنهيت يوماً مزدحماً بأن انضممت إلى رئيسي في مطعم جميل. وبعدما قال شيئاً مضحكاً، استجبت بأسلوبي المعتاد بأن دفعت رأسي إلى الوراء وأطلقت ضحكة من القلب من دون خجل. فوجئ الناس بذلك والتفتوا إليّ محدقين في وجهي. سألت مديري الذي احمر وجهه إذا كانت ضحكتي قد أحرجته. وردّ متمتماً بصوت منخفض: "إنها صاخبة جداً".
وفي وقت لاحق من ذلك المساء وبّخت نفسي. أستلقي في سريري مستيقظة، متسائلة كم مرة غير هذه المرة سببت ضحكتي إزعاجاً في المواقف المهنية. هل يجب أن أحاول كتمها؟ هل يجب أن أتخلى عن منصبي التنفيذي وأعود إلى إدارة المبيعات، التي كانت تتمتع بجو أكثر بهجة؟ هل يجب أن أبحث عن وظيفة جديدة؟
عند شروق الشمس، اتخذت قراري بأنني أحب الضحك وسأستمر في الضحك وفي عملي وسأظل صادقة مع ذاتي الحقيقية.
ونجح الأمر. الآن بعدما تنبهت إلى ضحكتي، نظرت إلى أثرها. اكتشفت أنها لم تُعق تقدمي. وأصبحت، في الواقع، جزءاً من شخصيتي. وعندما أعود من الإجازات، يخبرني الزملاء أنهم اشتاقوا إليها. كانت مكاتبنا بحاجة إلى جرعة جيدة من الضحك وكان قراري بعدم كبحها مساعداً. فقد كانت شيئاً يتطلع إليه الناس كل يوم.
واتضح أن سلسلة من الدراسات تظهر الأثر الإيجابي الذي يمكن أن تحدثه الفكاهة في المكتب. ففي مقالة في هارفارد بزنس ريفيو تحمل العنوان "القيادة بالفكاهة" تكتب أليسون بيرد قائلة: "وفق بحث أجرته جامعات جادة مثل وارتن (Wharton)، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) وكلية لندن لإدارة الأعمال، فإن كل ضحكة أو قهقهة تجلب معها مجموعة من المنافع التجارية. فالضحك يخفف الإجهاد والملل، ويعزز المشاركة والرفاه، ولا يحفز الإبداع والتعاون فحسب، بل أيضاً الدقة التحليلية والإنتاجية". كذلك وجدت الأستاذة أليسون وود بروكس في كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد، أن إطلاق النكات في العمل يمكن أن يجعل الناس أكثر كفاءة.
ماذا لو أنك الطرف المتلقي لمزحة، وضحكت من قلبك؟ هذا أيضاً يمكن أن يجلب مجموعة من المنافع لموظفيك. تشرح ذلك مجموعة "مايو كلينك" الطبية قائلة: "عندما تبدأ في الضحك، لا يخفف ذلك فقط الأعباء الذهنية، بل يؤدي أيضاً إلى حدوث تغييرات في جسمك". فهو يعزز استنشاق "الهواء الغني بالأكسجين"، ما يزيد من إفراز دماغك مادة الإندورفين. و"يمكنه أيضاً أن يحفز الدورة الدموية ويساعد على استرخاء العضلات، وكلاهما يمكن أن يساعد في تقليل بعض الأعراض الجسدية للإجهاد".
حتى "مايو كلينك" تشيد بضحكة صادحة مثل ضحكتي "فالضحكة الحيوية تندفع ثم تهدئ استجابتك للإجهاد، ويمكن أن تزيد من معدل ضربات القلب وضغط الدم. والنتيجة؟ شعور جيد ومريح".
ونظراً إلى كل الأبحاث التي تبين أن انخفاض الإجهاد يفيد الموظفين ويقلل من نسبة الانفصال عن العمل، فإن حرية الضحك لا تبدو جيدة فحسب، بل ضرورية أيضاً في العمل. في الواقع، وجدت مجموعة من الباحثين أن الموظفين كانوا أكثر إنتاجية بنسبة 10% مقارنة بنظرائهم بعد مشاهدة مقطع كوميدي.
بالطبع، يمكن أن يثير الكثير من الفكاهة أو الضحك سلبيات. مثلاً، يمكن للقادة الذين يمازحون الموظفين أو يرددون نكاتاً قذرة أن يمهدوا الطريق أمام موظفين آخرين للتصرف في شكل سيئ. وتشير روزبيث موس كانتر أستاذة كلية إدارة الأعمال في جامعة هارفارد إلى أن ضحك من ينتمون إلى الأقليات في المواقف المهنية، امرأة مثلاً بين مجموعة من الرجال، قد تحط من شأن هذه الأقلية. وتقول: "إن ثمن ذلك هو قلة احترام جميع" من هم في فئة الأقلية.
لكن الضحك على وجه العموم أمر جيد ولا يتعارض مع ضوابط الحشمة، بل تفوق منافعه أضراره بكثير.
نصيحتي لك هي: أطلق العنان لضحكاتك ولكن ليس طوال الوقت كل يوم بالطبع. فمن الجيد دائماً أن تكون واعياً لمستوى الضحكة في بيئة عملك وأن تتجنب إلهاء الزملاء. لكن كما لاحظ كارل مارسي، الأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد" فإن "الضحك هو إشارة اجتماعية بين البشر، إنه مثل علامات الترقيم يحمل معنى ودلالة".