إذا كنت ترغب في مراقبة كيفية قضاء أطفالك أوقاتهم على الأجهزة اللوحية أو الهواتف الذكية، فإن آبل تمتلك تطبيقاً يمكّنك من ذلك. ولكن ماذا عن التطبيقات الموجودة بالفعل لمراقبة الوقت على الشاشة؟ "لقد عملت آبل على مدار العام الماضي على إزالة أو تقييد ما لا يقل عن 11 تطبيقاً من أكثر التطبيقات السبعة عشر التي تم تنزيلها حول مراقبة وقت الشاشة والرقابة الأبوية"، وجاء ذلك بحسب تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في شهر أبريل/ نيسان. وفي وقت سابق من شهر يوليو/ تموز، عكست آبل سياستها هذا، حيث سمحت لهذه التطبيقات باستخدام التقنيتين التي سبق ذكر أنهما كانتا سبب إزالة هذه التطبيقات من أجهزة آيفون، فماذا عن منافسة الشركات التكنولوجية لبعضها؟
تتوافق عمليات إزالة التطبيقات هذه مع شكوى شائعة من قبل أطراف ثالثة حول أعمال المنصات، حيث تعمل شركات المنصات على استكشاف الخدمات والمنتجات الناجحة على منصاتها الأساسية، ومن ثم الشروع في تقديم أكثر المجالات ربحية بنفسها، وهو ما يُسفر عن إقصاء الأطراف الثلاثة في هذه العملية. وقد اقترحت المرشحة الرئاسية الأميركية والسيناتور إليزابيث وارين حلاً سياسياً لمواجهة هذه المشكلة. وحددت القضية الأساسية في هذا الاقتراح والمتمثّلة في
استخدام الأسواق المسجلة الملكية للحد من المنافسة. وتمتلك العديد من شركات التكنولوجيا الكبرى بالفعل أسواقاً يمارس فيه المشترون والبائعون أعمالهم التجارية، وتساهم هي نفسها في السوق في الوقت نفسه. وهو ما قد يخلق تضارباً في المصالح يقوض المنافسة. على سبيل المثال، تقوم شركة "أمازون" بسحق الشركات الصغيرة عن طريق تقليد البضائع التي تبيعها هذه الشركات في سوق موقع "أمازون" ومن ثم بيع نسختها التي تحمل علامتها التجارية. ويُزعم أن "جوجل" قضت على محرك بحث صغير منافس عن طريق تخفيض معدل ظهور هذا المحرك في خوارزمية البحث الخاصة بها، كما أنها منحت تصنيفاتها للمطاعم الأولوية على تصنيفات موقع "يلب" (Yelp).
ومن شأن الاقتراح الذي قدمته وارين أن يمنع الأسواق الرقمية التي تحقق إيرادات عالمية سنوية تبلغ 25 مليار دولار أو أكثر "من امتلاك الخدمات في المنصة وأي مشاركين على هذه المنصة".
لكن ما هو مدى تكرار دخول المنصات في منافسة مباشرة مع المشتركين فيها؟ وماذا يحدث للمشتركين عندما تعمل المنصة على اقتناص فرصة تقليد منتجاتهم؟ لقد نشرتُ في العام الماضي مراجعة للدراسات التجريبية التي أُجريت حتى الآن بشأن هذه المسألة، وخلصتُ إلى أن كلاً من دوافع دخول المنصة في هذه المنافسة وتأثيره مدروس بعناية.
لماذا تقدم المنصات منتجاتها الخاصة؟ وماذا عن منافسة الشركات التكنولوجية بين بعضها؟
لماذا تصنع آبل تطبيقاتها الخاصة بدلاً من الاعتماد على أطراف ثالثة؟ لماذا تقرر "أمازون" بيع منتج ما بنفسها إذا كان باعة الطرف الثالث يعرضونه بالفعل في سوقها؟ لماذا تقدم "جوجل" تصنيفاتها الخاصة للمطاعم؟ لماذا استحوذت منصة "تويتر" على برنامج "بيري سكوب" لخدمة البث المباشر للفيديو؟ لقد كان المنتج المعني في كل حالة من هذه الحالات مكملاً للمنصة، بمعنى أن وجوده جعل المنصة أكثر قيمة. والتفسير الذي خلُصت إليه البحوث حول السبب الذي يجعل مالك المنصة يبتكر بعضاً من هذه المنتجات بنفسه هو أن هذه التطبيقات المكملة تساعد في حل مشكلة من يأتي أولاً الدجاجة أم البيضة، بمعنى أنه دون وجود قاعدة حالية من مستخدمي المنصة، لن تهتم أي شركة مكملة بدعم هذه المنصة، ودون التطبيقات المكملة، لن يهتم المستهلكون باعتماد المنصة. لكن هذا التفسير لا ينطبق على العديد من الأمثلة المذكورة أعلاه لأنه في كل حالة من هذه الحالات، كانت المنصة قائمة بالفعل.
وقد حددت الدراسات العديد من الدوافع وراء دخول مالك المنصة في المنافسة بما يتجاوز دافع الاحتفاظ بالقيمة.
واقترحت دراسات متعددة أن قرار المنصات في الدخول في منافسة مباشرة ينطوي على تحسين الجودة. على سبيل المثال، ربما اعتقدت "آبل" أن بإمكانها ابتكار تطبيق أفضل لمراقبة وقت الشاشة. كما نظرنا في إحدى أوراقي البحثية الخاصة في توقيت تقديم "جوجل" لتطبيق المصباح الكشاف الخاص بها الذي يشير إلى احتمالية تأثر جوجل بمخاوف خصوصية المستخدمين بشأن بعض تطبيقات "المصباح الكشاف" التي طورتها أطراف ثالثة. بالإضافة إلى ذلك، نظراً إلى أنه قد تم تطوير المئات من تطبيقات المصابيح الكشافة، ومن المتوقع تطوير الكثير منها في المستقبل، فقد يكون دخول "جوجل" في المنافسة قد قلل من الجهود المبذولة في تطوير ميزات زائدة عن الحاجة. وفي دراسة حالة شاركتُ في تأليفها حول شركة "جيه دي" (JD)، وهي واحدة من أكبر شركات التجارة الإلكترونية في الصين، وجدنا أنها اختارت أن تعرض منتجاتها الخاصة في فئات معينة من أجل تقليل التزييف.
إن دخول المنصة في المنافسة يرسل إشارة سلبية إلى مزودي الطرف الثالث. وكلما تكرر دخول المنصات في المنافسة، قل حافز الأطراف الثالثة في عرض منتجات مكملة على المنصة. في الواقع، تعمل بعض المنصات بجد للتأكد من جعل الشركات المكملة على ثقة أنها ستكون قادرة على جني الأموال. ويتمثّل أحد الأمثلة على ذلك في شركة "إنتل" (Intel) التي تعمل معالجاتها الدقيقة كمنصة تمكّن الشركات المكملة من عرض أجهزة مختلفة مثل عصي الذاكرة وبطاقات الشبكة وبطاقات الصوت، وقد حاولت شركة "إنتل" تجنب التنافس المباشر مع شركاتها المكملة في العديد من خطوط منتجاتها للتأكد من استمرارهم في تقديم استثمارات خاصة بالمنصة بهدف خلق قيمة لمنصة "إنتل". ومع ذلك، تُعتبر هذه الديناميكية أقل صحة عندما تحجم الشركات المكملة عن القيام باستثمارات خاصة بالمنصة. كما كان إضافة الأجهزة إلى معالجات "إنتل" الصغيرة مكلفاً، وهو ما يعني أن الشركات لم تكن لتُقدم على هذه الخطوة ما لم تكن واثقة من عدم دخول "إنتل" في منافسة معها. وعلى النقيض من ذلك، ينطوي إدراج منتجات على موقع "أمازون" تكلفته منخفضة، وهو ما يزيد احتمال عرض البائعين الخارجيين منتجاتهم، بغض النظر عن السبب، وهو ما يعني أن "أمازون" قد تكون أقل قلقاً بشأن تثبيط قدراتهم من خلال الدخول في منافسة مباشرة معهم.
ماذا يحدث عندما تتنافس المنصات مع الشركات المكملة لها؟
إن تأثير دخول المنصة في منافسة مع الشركات المكملة متباين. حيث وجدت بعض الدراسات أن دخول المنصة في المنافسة قد يخلق تأثيرات إيجابية غير مباشرة على الأطراف الثالثة ويزيد من طلب المستهلكين على الخدمات. وهذا ما حدث بالفعل عند دمج "فيسبوك" وإنستغرام"، وعند غزو "جوجل" تطبيقات التصوير الفوتوغرافي. إذ أسفرت هذه الممارسات عن جعل المستخدمين أكثر وعياً بتطبيقات الصور، وهو ما أدى إلى زيادة الطلب على تطبيقات الصور التابعة لأطراف ثالثة بدلاً من خفض الطلب عليها. وينطوي المثال الآخر على سوق أجهزة التحكم بألعاب الفيديو المنزلية، حيث قامت شركات تصنيع ألعاب الفيديو الكبرى التي تطرح ألعابها من خلال شركات تصنيع أجهزة التحكم، مثل "مايكروسوفت" و"سوني" و"نينتندو"، بزيادة تصنيع القواعد المركبة لهذه الأجهزة، وهو ما أدى إلى زيادة الطلب على ألعاب الفيديو التي تطرحها الأطراف الثالثة.
ومع ذلك، وجدت بعض الدراسات الأخرى أن تأثير الدخول في منافسة مع الشركات المكملة قد يكون سلبياً. على سبيل المثال، قلّل تقديم "جوجل" لخطط رحلات الطيران على محرك البحث الخاص بها النقرات على النتائج العضوية الأخرى. كما إن استغلال "أمازون" شعبية منتج ما أثبط البائعين الخارجيين من عرض المنتج نفسه. كما أن دخول "جوجل" في المنافسة في منصة "أندرويد" قلّل من الطلب على تطبيقات الأطراف الثالثة المتأثرة. وفي غضون ذلك، لم ينثني مطورو التطبيقات هؤلاء عن الابتكار بالكامل، بل حولوا مجال تركيزهم بدلاً من ذلك إلى ابتكار فئات غير متأثرة وتطبيقات جديدة.
وتُعتبر أكبر قيود هذا التدفق البحثي حتى الآن هو تركيز البحوث على الآثار قصيرة الأجل لدخول المنصات في المنافسة. لكن تمخّضت بعض النتائج الرئيسة من العديد من الدراسات التي أجريناها حتى الآن. أولاً، لم تجد أي من الدراسات التجريبية التي اطلعتُ عليها آثاراً سلبية على مستخدمي المنصة - على الأقل على المدى القصير - إذ يحصل مستهلكو مالكي المنصة بعد دخولها في المنافسة على وصول أسهل إلى هذه الخدمات المكملة أو يحصلون عليها بتكلفة أقل. ثانياً، لا ينطوي السبب الرئيس لدخول المنصات الأسواق الجديدة على التنافس مع الشركات المكملة فقط، وإنما قد تتخذ هذه الخطوة لعدة أسباب أخرى. ثالثاً، إن الآثار على الشركات المكملة متباينة. إذ قد تستفيد الشركات في بعض الأحيان من زيادة الطلب على الخدمات، إلا أنها قد تكافح في أحيان أخرى في سبيل كسب المنافسة، وقد تعتزل العمل تماماً في بعض الحالات. لذلك يوجد حاجة إلى إجراء تحليل تجريبي دقيق قبل عملية التدخل السياسي.
أخيراً، من المهم أن ندرك في موضوع منافسة الشركات التكنولوجية أن مالكي المنصات يمتلكون وسائل أخرى للاحتفاظ بالقيمة بالإضافة إلى الدخول المباشر في المنافسة على سبيل المثال، يمكنهم زيادة رسوم الخدمة أو اعتماد سياسات لصالح الأطراف الثالثة التي تشترك في الحصول على القيمة معها. ولا تبين هذه النتائج بالضرورة أهمية التنظيم من عدمه، ولكن يجب على صانعي السياسة، الراغبين في تنظيم دخول المنصات إلى أسواق جديدة، أن يضعوا في الاعتبار مجموعة الدوافع الكامنة وراء هدف المنصات، ودمجها في أي قوانين جديدة.
اقرأ أيضاً: