ملخص: يعتبر الخداع أو عدم تحري الصدق التام من الأمور الشائعة في المفاوضات. وقد أثبتت تجربتان أنه قد يكون أمراً ذا تأثير ضار على مؤسستك، لأن عدوى ممارسة الكذب قد تنتقل إليها. وتناقش هذه المقالة نتائج البحث وتقدم عدة تدابير احترازية يمكن أن تحد من ممارسة الخداع المفرط وتتلافى آثاره المُعدية.
تخيّل أنك تحاول إبرام صفقة مع أحد المورّدين أو أنك مورّد تحاول إبرام صفقة مع عميل محتمل وأن الشخص المسؤول عن التفاوض معك من الشركة الأخرى يمارس الكذب والتضليل. فهل: أ) تتحرى معه الصدق، أم ب) تكذب عليه كما يكذب عليك؟
يمكن اعتبار الخيار (أ) من أخلاق الفرسان النبلاء الذين يحرصون على اتباع الفلسفة الأخلاقية لإيمانويل كانط التي تقضي بضرورة التصرف بالطريقة التي نريد أن يتصرف بها الآخرون. لكن الكثيرين يختارون سلوك "الرد بالمثل"، وبالتالي يفضّلون الخيار (ب): أي أنهم يكذبون على مَنْ يكذب عليهم.
ولكن بحثنا المنشور في مجلة إدارة العمليات (Journal of Operations Management) أثبت أن هناك جانباً سلبياً لاتباع هذا السلوك، فالكذب ولو مرة واحدة قد يكون مُعدياً. وقد يمهّد الطريق للكذب مرة أخرى في التفاعلات أو المفاوضات الأخرى التي تجري مع مسؤولي الشركات الأخرى. لذا هناك إجراءات يجب على الشركات اتخاذها للحد من مثل هذا السلوك والحيلولة دون انتشاره.
النتائج التي توصلنا إليها
لقد أجرينا تجربتين مع 350 و424 مندوب مبيعات لديهم خبرة في التفاوض بشأن المبيعات المرتبطة بالتعامل التجاري بين الشركات. وكان المشاركون في كلتا التجربتين قد عملوا مدراء مبيعات لدى شركات مستحضرات التجميل ومنتجات العناية بالمنزل وشاركوا في مفاوضات حول أسعار المنتجات مع مدراء المشتريات.
وكشفت نتائجنا عن وجود آثار واضحة لانتقال العدوى. فقد أظهرت تجربتنا الأولى أن 16% فقط من المشاركين الذين كانوا في الطرف المتلقي للصدق مارسوا الكذب في المفاوضات النهائية، لكن 55% من المشاركين الذين شهدوا سلوكاً مخادعاً مارسوا الكذب.
وفي تجربتنا الثانية، أجرينا تعديلات لجعل ممارسة الكذب أقل جاذبية إلى حدٍّ ما وللتأكد من صحة النتائج. وظل تأثير العدوى واضحاً: فقد اختار أكثر من ضعف عدد المشاركين ممارسة الخداع عندما تعرّضوا له سابقاً، مقارنةً بأولئك الذين تعرضوا للصدق في السابق. وقد أكّدت التجارب أيضاً انتقال عدوى الصدق. ومن المثير للدهشة أن معدلات تكرار تعرُّض المشاركين لسلوك ما لم تغيّر من آثار العدوى بشكل عام. وكان موقف واحد كفيلاً بنقل العدوى.
الإجراءات الوقائية
تشير تجاربنا إلى أنه يجب على الشركة توخي الحذر بشأن الأشخاص الذين تتعامل معهم، لأن سلوكها سيتأثر في النهاية بسلوكهم. ولكن كيف تحمي شركتك من الإصابة بعدوى الكذب؟ قد تساعد الإجراءات التالية على الوقاية من انتشاره:
تأكد أن فريقك التفاوضي يضم شخصين على الأقل.
يسهم وجود فرد آخر ضمن الفريق التفاوضي في جعل المفاوض الرئيسي أكثر وعياً بسلوكه، ونتيجة لذلك يقاوم السلوكيات الاندفاعية التي قد تحثه على ممارسة الأكاذيب.
عزّز بقوة مدونة السلوك المطبَّقة في شركتك.
على سبيل المثال، يمكنك أن تطلب من الموظفين الذين يشغلون مناصب تفاوضية أن يخضعوا لتدريب أخلاقي بصورة نصف سنوية بدلاً من الاكتفاء بحضور دورة الآداب المهنية التي يتلقاها الموظفون الآخرون مرة واحدة في بداية تعيينهم. يمكنك أيضاً أن تطلب من قادة الفريق تذكير الموظفين بالآداب المهنية الأساسية المتبعة في الشركة خلال اجتماعات الفريق الشهرية. وأخيراً، يمكن لفرق المفاوضات مراجعة سلوكياتهم بشكل مشترك بعد أي عملية تفاوضية لدراسة ما إذا كان قد تم انتهاك مدونة السلوك من عدمه، فحينما يعرف المرء أن سلوكياته التفاوضية غير النزيهة ستخضع لمراجعة الزملاء، فيستأثّر بضغط الأقران، ما يؤدي إلى التزام هذا الشخص بقواعد مدونة السلوك.
تعرَّف بعناية على مفاوضي الشركة الأخرى.
يمكن اعتبار درجة معينة من الكذب جزءاً من لعبة التفاوض بكل تأكيد، ولكن نظراً لأن مثل هذا السلوك يمكن أن يصيب فريقك بالعدوى وتكون له آثار سلبية دائمة، فيجب ألا تتسامح مع التطرف في الكذب. ولتحقيق هذه الغاية، يمكنك الاحتفاظ بسجل لسلوكيات الأطراف الأخرى أو مطالبة مفاوضي فريقك بمقارنة الملاحظات حول التفاعلات السابقة مع الشخص المعني.
وإذا اتضح أن هذا الشخص لم يُحسن تمثيل الشركة الأخرى، فيمكنك مطالبتها باستبداله، وأوضح سبب تقديمك لهذا الطلب، أو يمكنك اتخاذ قرار بعدم التعامل مع تلك الشركة من الأساس.
وفي أثناء المفاوضات، يمكنك أيضاً استخدام برمجيات لتحديد الجهات المعادية السيئة التأثير. فقد استخدمنا برنامجاً للتحليل اللغوي المؤتمت يسمى "الاستعلام اللغوي وعدد الكلمات" (Linguistic Inquiry and Word Count)، واستطعنا بمساعدته تحليل طريقة صياغة العبارات المستخدمة في العملية التفاوضية، ووجدنا أن العبارات الصادقة كانت تحتوي في المتوسط على الكثير من الكلمات التي تعكس التفكير التحليلي (مثل: "أعرف"، "السبب") والأصالة (مثل: ضمير المتكلم "أنا" وأفعال المضارع) والكثير من الكلمات العاطفية (مثل: "خوف"، "سعادة")، مقارنةً بالعبارات الكاذبة.
وعلى الرغم من عدم وجود علاج قاطع لمنع انتقال العدوى، فقد تساعد هذه الإجراءات شركتك على أن تصبح أكثر مرونة ضد انتشار عدوى ممارسة الكذب.