يتسم القادة الذين أدرّسهم وأدرّبهم بتنوع كبير في جوانب مختلفة، لكن يجمعهم شيء مشترك واحد، وهو الضغوط التي يواجهونها. يواجه كل من هؤلاء القادة تحديات غير مسبوقة ناجمة عن التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية والمؤسسية، وبالتالي، يعانون صعوبة في الحفاظ على مستوى عالٍ من النشاط والتركيز لأنفسهم ولفرقهم ومؤسساتهم. يشعر الكثير من القادة بأنهم على وشك الوقوع في حالة من الإرهاق الشديد أو الإحباط والاستسلام.
إن ممارسات اليقظة الذهنية علاج فعال لمثل هذه المشاعر. وفقاً لما ذكرتُه في مقال كتبته مؤخراً، فقد أظهرت الأبحاث أن التأمل المنتظم يحسّن جودة عملية صناعة القرار ويعزز شعور الآخرين بحضورك ويرفع مستوى الذكاء العاطفي ويحسّن قدرتك على التعامل مع التوتر، وبالتالي، تساعدك هذه العوامل جميعها على أن تكون قائداً أفضل.
على الرغم من ذلك، يقول العديد من المسؤولين التنفيذيين إنهم لا يملكون الوقت الكافي لممارسة التأمل، والبعض الآخر لا يكلف نفسه حتى عناء المحاولة، وفي المقابل، يحاول الآخرون البدء بممارسة التأمل لكنهم يتوقفون عن ذلك عندما يزداد ضغط العمل وتقترب المواعيد النهائية لتسليم المهام. عندما تكون جداول الأعمال والمواعيد مزدحمة وغير متوقعة، فقد يصبح من الصعب تخصيص وقت محدد يومياً لممارسة التأمل.
لذلك، بدأت أنصح بعض القادة المرتبطين بالكثير من الالتزامات باللجوء إلى اليقظة الجزئية، التي تتضمن ممارسات قصيرة لليقظة الذهنية خلال ساعات العمل بهدف تعزيز الوعي الذاتي وإعادة ضبط النفس وتحسين التركيز واستعادة التوازن.
ممارسات اليقظة الذهنية الجزئية
فيما يلي بعض أساليب اليقظة الذهنية الجزئية البسيطة والفعالة التي يمكن دمجها بسلاسة في روتينك اليومي المزدحم عندما تشعر بالتوتر أو حتى خلال فترات الانتظار القصيرة بين المكالمات أو الاجتماعات:
- تنفس بعمق 3 مرات: عندما تشعر بالتوتر، توقف عن العمل وتنفس ببطء وتركيز 3 مرات. خذ شهيقاً عميقاً، بحيث تشعر بتوسع معدتك، ثم احبس نفسك قليلاً، ثم أخرج الزفير ببطء حتى يخرج الهواء كله. كرر هذه الطريقة عدة مرات إذا كان ذلك ممكناً.
- افحص حواسك: خذ استراحة مدة 30 ثانية للتركيز على اللحظة الحالية. ركّز انتباهك على ما يمكنك إدراكه من خلال حواسك الخمس. ركّز على ما تراه حولك وحاول أن تشعر بملمس المكتب أو الكرسي الذي تجلس عليه واستمع بانتباه إلى الأصوات المحيطة.
- افحص جسدك: احرص على إجراء فحص سريع لجسدك من رأسك حتى أخمص قدميك لتحديد مناطق التوتر. تحقق من وجود أي تشنج في الكتفين أو الفك أو أي مناطق أخرى، ثم حاول الاسترخاء بتركيز ووعي.
- خصّص دقيقة لممارسة التأمل الواعي: توقف عن أي نشاط تفعله وأغمض عينيك إذا كان ذلك ممكناً، ثم حوّل انتباهك وتركيزك إلى عملية التنفس. لاحظ الارتفاع والانخفاض الطبيعيين لصدرك والإحساس بتدفق الهواء عبر فتحتي أنفك. إذا لاحظت شرود ذهنك وانشغاله بأفكار أخرى، فاحرص على إعادة تركيز انتباهك بلطف نحو عملية التنفس.
- مارس التأمل في أثناء المشي: عند انتقالك من مكان إلى آخر، ركز على الإحساس بحركة جسدك بدلاً من تصفح هاتفك أو التفكير فيما ستقوله في اجتماعك التالي. ركز انتباهك على الشعور بقدميك وهما تلامسان الأرض في أثناء المشي، بالإضافة إلى الإحساس بحركة ساقيك وذراعيك والشعور بالهواء وهو يلامس بشرتك.
- توقف للتفكير بأشياء تشعر بالامتنان تجاهها: خصص 30 ثانية للتركيز على الأشياء التي تشعر بالامتنان تجاهها. قد تكون تلك الأشياء متعلقة بجانب مهم من عملك، أو توافر الزملاء الداعمين حولك، أو مرورك بتجربة إيجابية، أو حتى الأمور البسيطة التي تبعث الراحة في النفس مثل الاستمتاع بفنجان قهوة دافئ.
- الأكل الواعي: تجنب تنفيذ مهام متعددة خلال تناول الوجبات. حتى لو كان الوقت المخصص لتناول وجبة الغداء محدوداً، فمن الأفضل محاولة الابتعاد عن المكتب بدلاً من تناول الطعام وأنت تعمل. خصّص هذا الوقت للتركيز على تجربة الأكل والاستمتاع بها. انتبه إلى قوام الطعام ورائحته ومذاقه.
محفزات اليقظة الجزئية
يتطلب دمج اليقظة الجزئية في جدول أعمالك ومواعيدك تخطيطاً مسبّقاً وتبنّي عادات جديدة. يمكن استخدام 3 أنواع من المحفّزات لتذكّرك بضرورة التوقف عن عملك مؤقتاً وممارسة التأمل:
- المحفزات الزمنية: احرص على إعداد إشعارات على هاتفك أو جدول مواعيدك لتنبيهك في أوقات محددة، مثل كل ساعتين، أو في بداية يوم العمل ونهايته، أو قبل 5 دقائق من الاجتماعات.
- محفزات الانتقال: تتضمن ساعات العمل فترات انتقال طبيعية ننتقل خلالها من مهمة إلى أخرى، وتمثل هذه الفترات فرصاً مثالية لممارسة اليقظة الجزئية. عند تحضير القهوة، أو أخذ استراحة قصيرة للذهاب إلى الحمام، أو عندما تكون في طريقك إلى اجتماع، أو عند إغلاق الكمبيوتر المحمول، أو الانتقال بين التطبيقات، أو إرسال الرسائل الإلكترونية، اغتنم الفرصة للتوقف قليلاً ووجه انتباهك وتركيزك لفحص جسدك، أو التنفس بعمق، أو التوقف للتفكير بالأشياء التي تشعر بالامتنان تجاهها.
- المحفزات التكنولوجية: يتوافر العديد من تطبيقات اليقظة الذهنية، مثل تطبيق كام (Calm) وتطبيق إنسايت تايمر (Insight Timer)، وإضافات المتصفح التي تقدم تأملات قصيرة موجّهة وتمارين التنفس وتذكيرات بممارسة اليقظة الذهنية. إن أكثر المحفزات فعالية هي تلك التي تندمج بسلاسة وتتناغم مع نمط عملك الحالي وتراعي تفضيلاتك الشخصية. جرّب أنواعاً مختلفة من المحفزات والممارسات واختر منها ما يناسبك.
نصيحة أخيرة: ابدأ بخطوات صغيرة وبسيطة ثم طوّر هذه الممارسات تدريجياً. اختر محفزاً واحداً وعدداً قليلاً من الممارسات واعمل على تحويلها إلى عادات روتينية. إذا حاولت اعتماد العديد من الممارسات والتغييرات، فسيؤدي ذلك إلى شعورك بالضغط والانشغال المفرط. من المهم أن تتذكر أنك إذا نسيت استخدام المحفزات أو لم تتمكن من تنفيذها بسبب عدم التركيز، فلا تقلق ولا تلوم نفسك. المهم هو أن تبذل قصارى جهدك لاستئناف الممارسة والعودة إلى المسار الصحيح.