ألا يبدو هذا مألوفاً؟ أنت تسوّق منتجاً جديداً أو خدمة، ولنفترض أنه يتضمن زيادة في الحجم بنسبة 20% أو زيادة في عدد دقائق خطة اتصال بنسبة 50%، لكن لا يمكنك حمل الزبائن على دفع تكاليف جزء بسيط من القيمة الإضافية. لا يلاحظ البعض هذا الأمر. ومع ذلك، في اللحظة التي تلغي فيها بضع نقاط مئوية فحسب من الكمية المعتادة، يلاحظ نفس الزبائن ذلك فوراً، ويطالبون بحسومات ويتذمرون بصخب على وسائل التواصل الاجتماعي أو يطلبون حتى التماساً لإعادة الحجم القديم. أنا لا أبالغ بوصفي هذا، إذ أُطلقَت خمسة التماسات مختلفة على موقع (Change.org)، لحمل شركة الأغذية موندليز الدولية (Mondelez International) على إعادة طرح ألواح شوكولا توبليرون (Toblerone) التي تُصنّعها بحجمها الأصلي، والتي كانت قد قلّصت حجمها في محاولة للحد من التكاليف.
أعيننا خداعة
لماذا يستشيط الأشخاص غضباً بشأن تقليص حجم المنتج؟ يتلخص جزء من الإجابة في أنّ أعيننا تُجيد اكتشاف النقصان في حجم المنتجات أكثر من الزيادة.
توصلنا في سلسلة من الدراسات التي أجريناها مع نيلا أورداباييفا، الزميلة في جامعة بوسطن، إلى أن العيون البشرية فاشلة جداً في علم الهندسة. عندما يتضاعف حجم غرض ما بزيادة متناسبة في جميع أبعاده، يبدو أصغر حجماً مما هو عليه في الواقع. ويعود ذلك إلى أنّ عيوننا ترى كما لو كانت تجمع الزيادة الحاصلة في ارتفاع الأشياء وعرضها وطولها بدلاً من مضاعفتها. على سبيل المثال، تساهم الزيادة في ارتفاع أي غرض وعرضه وطوله بنسبة 26% في مضاعفة حجمه (لأن 1.26 × 1.26 × 1.26 = 2)، لكن يبدو المنتج وكأنه قد أصبح أكبر بنسبة 78% فقط (لأن 26% + 26% + 26% = 78%).
على الرغم من ذلك، عندما يتعلق الأمر بتقلّص الحجم، تُبين آخر البحوث التي أجريناها أن تمييز الأحجام دقيق بصورة مدهشة، ما يفسر رد الفعل السلبي عندما تحاول الشركات تقليص حجم منتجاتها. على سبيل المثال، طلبنا من 510 أشخاص أن ينظروا إلى خمسة أكواب تحتوي على 37، و74، و148، و296 و592 قطعة حلوى. في حالة "الأحجام الكبيرة جداً"، أُعلم المشتركون بعدد الحلوى في أصغر حصة (37) وطَلب منهم تقدير عدد قطع الحلوى في الحصص الأربع الأكبر حجماً. بلغ متوسط التقديرات 57، و102، و184، و296، وهذا يعني أنهم أغفلوا بالضبط نصف قطع الحلوى الموجودة في الكوب الأكبر حجماً. وأُعلم الأشخاص في مجموعة "تقليص الحجم" أنّ عدد قطع الحلوى في الحصة الأكبر حجماً كان (592)، وطُلب منهم تقدير عدد قطع الحلوى في الحصص الأصغر حجماً. بلغ متوسط تقديراتهم 346، و163، و74، و36 على التوالي. لقد أخفق الأشخاص وسطياً في تقدير حجم أصغر كوب بمقدار قطعة حلوى واحدة فقط!
كرّرنا هذه الظاهرة، التي أطلقنا عليها اسم دقة الكميات الأقل، في خمس دراسات تضمنت 4,842 تقديراً للحجم قام بها خبراء ومتسوقون عاديون، مثل الطهاة في معهد بول بوكوس (Paul Bocuse Institute). كمعدل وسطي، وجدنا أنّ الحصة ذات الحجم المضاعف اعتبرت أكبر من الحجم الفعلي بنسبة 72% فقط، بينما اعتبرت الحصة التي قُسمت إلى النصف أصغر من الحجم الأصلي بنسبة 53%. لمعرفة ما إذا كانت تقديرات الأشخاص تتأثر بالكرب النفسي المتمثل في خسارة شيء شهي، اختبرنا أيضاً أنواعاً أخرى من الأطعمة. ولكننا وجدنا نمط نتائج مماثل حتى بالنسبة للأطعمة غير الشهية التي لن يعتبر أحد حصة فائقة الحجم منها بمثابة مكسب وحصة مخفضة الحجم بمثابة خسارة.
في النهاية، وجدنا أن هذا التفاوت قائم لأنه لا يمكن للحجم أن يتناقص وصولاً إلى تحت الصفر، ما يساعد الأشخاص على تقدير الأحجام أثناء تناقصها. ومع ذلك، يمكن للأحجام نظرياً أن تنمو وصولاً إلى اللانهاية عندما يزداد حجمها. ومن الصعب بالنسبة للأشخاص أن يُقدّروا مدى ضخامة الحجم الذي وصل إليه شيء ما دون حد أعلى.
حمل الزبائن على دفع ثمن الأحجام الضخمة
على الرغم من أنّ الموضوع بسيط بصورة خادعة، يتمثل الحل الناجع لهذه المشكلة في توضيح وتكبير المعلومات حول المنتج والكمية.
لا يتوافر حجم المنتج أبداً في معظم الأحيان (فهو يُكتب مثلاً على أكواب المياه الغازية في المطاعم بحروف ضئيلة، وكذلك على معظم المنتجات المعلبة)، أو يصعب تبيّنه. ولا تزود الأرقام أو الرسوم البيانية أو البيانات المادية الزبائن بالمعلومات التي يحتاجون إليها؛ تخيّل الفرق بين تقديم 350 ملليلتراً من القهوة لك ورؤية الكوب الذي ستُقدم فيه. فرؤية الكوب أوضح بكثير، والوضوح أمر يُقدره الزبائن. اكتشفت أرادنا كريشنا من جامعة ميشيغان وزملاؤها أنّ المستهلكين مستعدون لدفع 20% أكثر ثمناً لقطعة البيتزا إذا تمكنوا من رؤية أحجامها الفعلية معروضة على قائمة الطعام، عما كانوا ليدفعونه عندما تُعطى المعلومات العددية حول قطرها (يُعدّ إعطاء المقاسات الرقمية مفيداً خاصة في ثلاث دول لا تستخدم النظام المتري وهي: الولايات المتحدة وليبيريا وميانمار).
لكن عندما يحصل الزبائن على المعلومات التي يحتاجون إليها، نجد أنهم يفسرونها بدقة. في دراستنا، ساهم إخبارنا للأشخاص بأنه يمكن للكوب البلاستيكي استيعاب حد أقصى من قطع الحلوى وقدره 629 قطعة في تحسين تقديرهم للحصة الكبيرة، ما جعل تقديراتهم للزيادة في الحجم دقيقة بمقدار تقديراتهم لتقلّص الحجم. وتساعد زيادة الدقة هذه المستهلكين على اتخاذ قرارات أفضل عندما يواجهون حصصاً أو رزماً ضخمة الحجم. وسيزيد هذا احتمال اختيار بعض المستهلكين لحصص أصغر حجماً (التي غالباً ما تُمثّل الخيار الأسلم في قطاع الأغذية)، في حين سيزيد استعداد الزبائن الذين يفضلون الحجم الأكبر بحقّ لدفع ثمنه.
يتمثل حل آخر في تحفيز الناس على التمعن في كم مرة تبدو حزمة تقلّص حجمها أصغر بالمقارنة مع الحجم الأصلي. وجدنا أن نسب تقديرات الحجم خفضت التفاوت في تقديرات زيادة الحجم ونقصانه، وجعلت الزبائن أقل عزوفاً عن انخفاض الحجم وأكثر تقبلاً للحصص والرزم التي تقلّص حجمها.
مثلاً، عندما طلبنا من 70 طباخاً ونادلاً أن يقدروا وزن أو حجم 12 وجبة غذائية، أغفلوا ثلث الزيادة الفعلية في الكمية ولكنهم أغفلوا النقصان في حجم الوجبة بنسبة 9% فقط، ما يدل على أن الخبراء حتى أكثر دقة في ملاحظة نقصان الحصة. وعلى الرغم من ذلك، عندما طلبنا منهم أن يقدّروا نسب الحجم من خلال إكمال جمل على غرار "الحصة ذات حجم كبير جداً أكبر بـ __ مرات من الحصة ذات حجم صغير"، بدلاً من تقدير حجم الحصص بحد ذاتها، كانت تقديراتهم مماثلة بصرف النظر عما إذا كانت الكميات تتزايد أم تتناقص. حدث هذا لأن نسب الحجم مثل "مقاس كبير جداً أكبر بثلاث مرات ونصف من المقاس الصغير" تتمتع بحد واحد فقط (تتراوح بين الواحد واللانهاية) للزيادة والنقصان في الكمية على حد سواء. وبالتالي، يُلغي تقدير نسب الحجم حدّ الصفر الطبيعي الموجود عند تقدير وزن الحصص الفعلي أو حجمها.
تتمثل الفكرة الأخيرة في تسليط الضوء على الزيادة في الكمية باعتبارها نسبة مئوية، لأن هذه النسبة المئوية تعد دوماً أكبر حسابياً من النسبة المئوية للانخفاض في التكاليف لنفس القيمة الاسمية. على سبيل المثال، تؤدي زيادة كمية المنتج (حجم الرزمة) بنسبة 50% إلى زيادة مماثلة في سعر وحدة المنتج باعتبارها حسماً على السعر بنسبة 33%. لنبحث مثلاً الأمر في حالة قطع الحلوى المباعة حسب وزنها بسعر 6 دولارات أميركية لكل 450 جراماً. قد يعني عرض للحصول على كمية أكبر من الحلوى بنسبة 50% بنفس السعر أنه يمكنك شراء 680 غراماً منها بسعر 6 دولارات أميركية، وبالتالي لو قسّمنا 6680 = 4 دولارات أميركية لقاء 680 جراماً. يمكن الحصول على سعر الوحدة ذاته وهو 4 دولارات مقابل 680 جراماً من خلال تخفيض السعر بنسبة 33%، ما يتيح للناس شراء كل 450 جراماً من الحلوى بسعر 6 - 33% = 4 دولارات أميركية. إذاً، تساوي الزيادة في المنتجات بنسبة 50% انخفاضاً في السعر بنسبة 33%. وبالمثل، تساوي زيادة كمية المنتج بنسبة 33% حسماً على السعر بنسبة 25% وهكذا دواليك. ويعود تساوي هاتين النسبتين (50% = 33%) إلى أن الأولى تُطبّق على المقام (الكمية)، في حين تُطبّق الأخرى على البسط (السعر). ربما ليس من المستغرب أن أتوصل وزملائي بافيا موهان، وجيسون رايس إلى أن معظم المستهلكين محتارون بشأن هذه العروض بالنسب المئوية ويركزون على قيمة النسبة المئوية الاسمية فقط، دون مراعاة ما إذا كانت النسبة عبارة عن فائدة أو تغير في التكلفة. مثلاً، في حال عرضت شركة منافسة حسماً على السعر بنسبة 35%، سيعتقد معظم المستهلكين أن عرضك الذي يُقدم لهم زيادة في الكمية بنسبة 50% دون مقابل هو تحسين كبير، في حين أنه يمثل صفقة أسوأ فعلياً لأن زيادة الكمية بنسبة 50% تعادل انخفاضاً في السعر بنسبة 33% (وليس 35%).
سيتفوق المسوقون الذين يفهمون آلية تفكير المستهلكين على منافسيهم، كما سيساعدون الزبائن على اتخاذ قرارات أكثر حكمة أيضاً. إذا كنت ستعرض خياراً هائل الحجم، تأكد أنه سيكون خياراً سيدفع المستهلكون ثمنه حقاً.