ملخص: إذا كنت قد اتخذت قراراً شجاعاً بترك مكان عملك المؤذي، فأنت الآن تستحق أن تستعيد ثقتك بنفسك وأن تترك خلفك كل ما تعرضت له في هذا المكان. تقدم المؤلفة في هذه المقالة استراتيجيات لمساعدتك على التعافي من مكان العمل المؤذي والمضي قُدماً والنجاح في دورك الجديد: 1) ابحث عن إجابات، 2) تحكم فيما يقع تحت نطاق سيطرتك، 3) ضع خطة للتعامل مع المحفزات، 4) تذوق اللحظات الإيجابية. اعلم أنه بالصبر والتعاطف مع ذاتك، يمكنك أن تتجاوز ما حدث لك وأن تصبح أكثر صلابة من ذي قبل.
لا يخفى على أحد أن العاملين يبحثون اليوم عن بيئات يمكنهم فيها الازدهار ذهنياً وعاطفياً. فقد أصبحوا أقل تسامحاً إزاء المعاملة العدائية وقلة التواصل والمشاحنات التي تحدث في المكتب. في الواقع، أظهرت دراسة حديثة أجرتها كلية سلون للإدارة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن ثقافة مكان العمل المؤذية هي السبب الأول وراء ترك الموظفين وظائفهم وأنها تتسبب في زيادة معدل تناقص الموظفين بنسبة أكبر بـ 10.4 مرات من التعويضات.
يمكن أن يكون الهروب من التوتر المصاحب للعمل في أجواء سيئة مفيداً لرفاهك، لكن التحرر التام من تأثيرات مكان العمل المؤذي قد يكون صعباً. خلال عملي مدربة تنفيذية، شاهدت الكثير من العاملين الأذكياء والبارعين يكافحون من أجل التعافي مما تعرضوا له من تهديدات بل وحتى تنمر. وأحياناً ينتقلون إلى دورهم التالي مصطحبين معهم فرط الحذر والحساسية، ما يؤثر في أدائهم واستمتاعهم بالعمل.
لنأخذ مثالاً على ذلك: جلال الذي أمضى 3 أشهر في منصبه الجديد مدير مشاريع في شركة برمجيات. كانت أول 90 يوماً له في العمل ناجحة بكل المقاييس. وقد نفَّذ إجراءات جديدة وضرورية وبنى علاقات إيجابية مع أصحاب المصلحة الرئيسيين. وعلى الرغم من هذه النتائج، لم يستطع جلال التخلص من الشعور بعدم الارتياح تجاه مديره الجديد. فقد قال لي: "أنا متأثر بما تعرضت له في دوري الأخير. فقد كان عليّ اختيار كلماتي بحذر شديد لكيلا أترك لمديري فرصة لتحريفها أو استخدامها ضدي. ولم يكن بإمكاني إثارة أي موضوعات شائكة لأنه كان ينفجر غضباً".
كان من الواضح أن تجربة جلال السابقة مع مكان العمل المؤذي قد أثرت فيه سلباً، وهو ليس الوحيد الذي يحدث له ذلك. إذ تُعد "صدمة مكان العمل" مشكلة حقيقية ولا تتم مناقشتها بجدية، ومن المهم للغاية معالجتها نظراً إلى ارتفاع معدلات الاحتراق والدوران الوظيفي. يمكن أن تنشأ هذه المشكلة من أي عدد من السلوكيات المؤذية مثل المضايقات اللفظية والعزلة الاجتماعية والتمييز العِرقي وانعدام الأمن الوظيفي. لخّص أحد الخبراء الاستراتيجيين في مجال التكنولوجيا التجربة اليومية لمن يعانون صدمة مكان العمل بطريقة جيدة بقوله: "هل سبق أن عانيت اضطراب ما بعد صدمة العمل في مكان مؤذٍ؟ على سبيل المثال، هل يثير صوت إشعار استلام رسالة عبر البريد الإلكتروني استجابة 'الكر أو الفر أو التجمد' لديك؟ أم أنا فقط؟".
قمتَ بالجزء الأصعب بالفعل: اتخاذ القرار الشجاع بترك مكان العمل المؤذي. وتستحق الآن أن تستعيد ثقتك بنفسك وأن تترك خلفك كل ما تعرضت له في هذا المكان. سأوضح لك فيما يلي كيفية التعافي والمضي قدماً والنجاح في دورك الجديد.
ابحث عن إجابات
قد تشعر بالاستياء من الأشخاص الذين أساؤوا معاملتك أو ربما تسترجع المواقف والمحادثات مراراً وتكراراً في رأسك، متسائلاً عما كان من الممكن أن تفعله أو تقوله بطريقة مختلفة. هذا النوع من اجترار الأفكار شائع ومفهوم. إذ يكره الدماغ الغموض وسيحاول البحث عن أسباب للأفعال الخاطئة، حتى إن لم يكن ذلك سيعود علينا بالنفع.
تُعد الحاجة إلى "الإغلاق المعرفي" (cognitive closure) قوية، ويمكن أن تساعدنا على تقبُّل الأمر الواقع، ما يسمح لنا بالابتعاد عما مضى والتركيز على ما هو جديد. على سبيل المثال، كان جلال لا يزال غاضباً من مديره السابق لأنه لا يقدّره ويهاجمه عندما يحاول المساعدة. وأدرك أنه لن يتلقى اعتذاراً من مديره أبداً وأنه ليس بحاجة إلى اعتذاره أيضاً، بل يحتاج إلى المسامحة وتقدير نفسه. لذا، طلبت من جلال أن يكتب رسالة إلى نفسه في الماضي، معترفاً أنه بذل قصارى جهده باستخدام الأدوات والمعرفة والخبرة التي كان يمتلكها في ذلك الوقت، إذ ثَبُتَ أن هذا التمرين فعال للتعافي الذاتي.
يُعد الانتقال من وظيفة، سواء أكانت مؤذية أم لا، شكلاً من أشكال الخسارة، فامنح نفسك مجالاً للحزن. يمكنك ممارسة أي نشاط للتنفيس عن مشاعرك مثل كتابة رسالة "وداع" (دون إرسالها)، أو أرشفة ملفات عملك أو حذفها، أو تقطيع المستندات القديمة.
تحكَّم فيما يقع تحت نطاق سيطرتك
لا أحد يستحق أن يُعامَل بشكل غير منصف أو سيئ أو أن يتعرض للتنمر، ومع ذلك فإن لوم الذات من بين الاستجابات الشائعة للصدمات. قد تجد أن بالك مشغول بتساؤلات تبدأ بـ "ماذا لو" (ماذا لو كنت عبّرت عن رأيي في وقت مبكر؟) أو أنك تشعر بالخزي بسبب المعاملة التي عانيتها. يقطع التعاطف مع الذات شوطاً طويلاً في استعادة ثقتك بنفسك، وكذلك استعادة طاقتك من خلال السلوكيات البناءة التي تقوي إحساسك بالذات.
لنفترض أنه كان من المتوقع أن تكون متاحاً للعمل على مدار الساعة في دورك الوظيفي السابق، في هذه الحالة لن يكون من المجدي لوم نفسك لأنك كنت "ضعيف الشخصية". فصاحب العمل السابق هو المسؤول عن الإبقاء على بيئة "الإتاحة على مدار الساعة" وتكليفك بأعباء عمل تفوق طاقتك. وسيكون توجيه طاقتك صوب تحسين المهارات التي تجعلك أكثر حزماً أكثر فائدة بكثير، لأن ذلك سيساعدك على التعبير عن رأيك عندما تشعر أن هناك مشروعاً غير قابل للتنفيذ أو الاستمرار في دورك الجديد. استفد مما تعلمته من دورك الأخير من خلال توضيح حدودك وتوقعاتك.
ضع خطة للتعامل مع المحفزات
انتبه إلى المواقف التي تمُر بها في وظيفتك الجديدة وتشعر أنها مألوفة لك لأنها تثير ردود الفعل التوترية القديمة. فتحديد مواقف محددة من المحتمل أن تحفز رود فعل معينة يمكن أن يمنحك القوة لوضع خطة للتعامل مع تلك المواقف. تشمل المحفزات الشائعة الشعور بالاستبعاد أو العجز أو الرفض المتصوَّر.
كان تاريخ جلال مع مديره المتنمر يجعله متوتراً في اجتماعاته مع مديره الجديد. ولذلك فإن الربط بين هذه النقاط سمح لجلال بتهدئة أعصابه من خلال التنفس بعمق قبل الاجتماعات، كما اكتسب عادة ملاحظة القصص التي كان يقولها لنفسه. على سبيل المثال، إذا لم يقدم مديره ملاحظات إيجابية له، كان يقول: "ها نحن ذا مجدداً، هذا ما كان يحدث لي تماماً في وظيفتي السابقة. مديري لا يقدرني". تعلَّم جلال أن يميز الحديث الداخلي غير المفيد وأن يحكم على علاقتهما بناءً على مزاياها دون التأثر بما حدث في الماضي.
تذوق اللحظات الإيجابية
دائماً ما يترقب الدماغ أي خطر محتمل، وخاصة بعد التعرض لصدمة. هذا هو السبب في أنك قد تترقب الإهانات والانتقادات والتهديدات المحتملة حتى بعد أن تبدأ دوراً جديداً في بيئة أكثر أماناً. يمكنك تغيير هذا الميل من خلال "تذوق حلاوة الحياة"؛ وهي تقنية نفسية تتضمن تحويل اللحظات الإيجابية العابرة إلى تجارب ومعتقدات إيجابية. فقد ثَبُتَ أن هذا التذوق يزيد من الشعور بالسعادة والرضا والكفاءة الذاتية.
فيما يلي بعض الممارسات التي يمكنك تجربتها:
- استعادة الذكريات الإيجابية. قضاء 10 دقائق يومياً في التأمل في الأفكار والمشاعر المتصلة باللحظات الممتعة.
- كتابة 3 أشياء جيدة. اكتب 3 أحداث إيجابية كل يوم وفكّر في سبب حدوثها.
- ملاحظة مَن جعلك تشعر بالسعادة والحماس. بناء ممارسة يومية تنطوي على ربط "الأنشطة اليومية التي جعلتك تشعر بالسعادة والحماس" بزميل أو شخص عزيز.
- تهنئة الذات. الاستمتاع بلحظات القوة والأوقات التي استفدت فيها من مواطن قوتك طوال اليوم.
- التخيل الإيجابي. التفكير في اليوم التالي وتخيُّل كل الأشياء الجيدة التي يمكن أن تحدث بالتفصيل.
أخيراً، فكر في فتح قلبك للآخرين بمجرد أن ترسي الثقة في وظيفتك الجديدة. سيكون لدى كل شخص مستويات مختلفة من الراحة حيال البوح بالمشاعر، لكن التحدث عن تجاربك السابقة يمكن أن يكون خطوة مهمة للتعافي.
الأهم من ذلك كله هو أن تعتني بنفسك. إذ يمكن أن يكون التكيف مع وظيفة جديدة مثيراً للتوتر في ظل أفضل الظروف، فما بالك إذا كنت تحاول التكيف بينما تتعافى من تأثيرات بيئة مكان العمل المؤذي. اعلم أنه بالصبر والتعاطف مع ذاتك، يمكنك أن تتجاوز ما حدث لك وأن تصبح أكثر صلابة من ذي قبل.