6 خطوات تساعد في مكافحة التحرش الجنسي في مكان العمل بالبلدان العربية

5 دقائق
مكافحة التحرش الجنسي
shutterstock.com/Lightspring

تحرز الحكومات في كل أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تقدماً بطيئاً في صياغة سياسات وقوانين مكافحة التحرش الجنسي وإنفاذها، مع التركيز على أماكن عمل أكثر أماناً في كل من القطاعين العام والخاص. وتُعد أهمية قوانين مكافحة التحرش الجنسي وإنفاذها من خلال سياسات أصحاب العمل جزءاً لا يتجزأ من عملية التحول نحو مجتمعات أكثر أماناً. مع ذلك، لا تزال ممارسة هذه القوانين غائبة، ولا يزال أصحاب العمل الإقليميون متأخرين عندما يتعلق الأمر بإنفاذ هذه القوانين في مكان العمل.

وفقاً لدراسة حديثة أجراها مركز الأعمال والقيادة الشاملة للمرأة (CIBL)، في كلية العليان لإدارة الأعمال (OSB)، بالجامعة الأميركية في بيروت، يُوصي مؤشر "المعرفة القوة" (KIP Index) بأن تتخذ الحكومات الإقليمية الخطوات اللازمة لتجريم التحرش الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي. أظهر مؤشر "المعرفة قوة"، الذي شمل ما يقرب من 1,700 صاحب عمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بالإضافة إلى أكثر من 550 امرأة من 6 قطاعات مختلفة، أن غياب السياسات الرسمية لمكافحة التحرش الجنسي والتمييز يجبر النساء على مغادرة مكان العمل عند تعرضهن لمثل هذه الحوادث. إن هذه هي الحصيلة السائدة في كل أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي لا يجري الإبلاغ عنها رسمياً.

ندرة في البيانات وحالات تحرش لا يتم الإبلاغ عنها

في حين أن البيانات الرسمية حول التحرش الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي في أماكن العمل الإقليمية لا تزال نادرة، فقد أظهر مؤشر "المعرفة قوة" أنه من بين دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المشمولة بالدارسة، تنص قوانين العمل في 5 دول على الحماية من التحرش الجنسي وهي: البحرين والعراق والأردن وليبيا والمغرب. بالإضافة إلى ذلك، تجرّم 6 دول شملتها الدارسة التحرش الجنسي في قانون العقوبات، وهي: المملكة العربية السعودية ولبنان والكويت وتونس والجزائر واليمن. وأدخل لبنان أخيراً، اعتباراً من ديسمبر/كانون الأول 2020، القانون التاريخي رقم 205، الذي يُشكّل نقطة انطلاق لتجريم التحرش الجنسي ويوفّر الحماية لضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي.

هناك العديد من الدراسات التي تُظهر خطورة الوضع عندما يتعلق الأمر بالتحرش الجنسي في أماكن العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والذي يحدث بأشكال مختلفة. على سبيل المثال، يستكشف استطلاع الباروميتر العربي-الدورة الخامسة (Arab Barometer Wave V) قضية التحرش الجنسي اللفظي والجسدي عبر 12 دولة في المنطقة العربية. حيث كشف هذا الاستطلاع أن أعلى درجات التحرش الجنسي سُجلت في مصر بنسبة 44% ثم السودان بنسبة 38%، بينما شهدت ليبيا وتونس أدنى المستويات حيث سجّلتا 20% و15% على التوالي.

ووفقاً لدليل مؤشرات الأداء الرئيسية، فإن سياسات التحرش الجنسي أساسية لضمان استبقاء النساء في المؤسسات. في الإطار الذي تم الاضطلاع به، كشفت الاستطلاعات من مدراء الموارد البشرية في قطاع التعليم أن سياسات التحرش الجنسي قليلة في دول مثل البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية؛ وبالتالي هناك تطبيق أقل لمثل هذه السياسات. يظهر هذا الاتجاه أيضاً في قطاع الخدمات المالية، حيث ذكر 65 من مدراء الموارد البشرية الذين شملهم الاستطلاع أنه لم يتم بذل الكثير من الجهود فيما يتعلق بتبني سياسات التحرش الجنسي وتطبيقها. ويتم تسجيل نفس هذا الاتجاه أيضاً في قطاعات الرعاية الصحية والعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.

في بلدان مثل الجزائر والعراق وليبيا واليمن، تكشف النساء وجود آليات للحماية من التحرش الجنسي في مكان العمل في كل القطاعات باستثناء قطاع الخدمات المالية. بالنسبة لبلدان أخرى مثل البحرين والأردن ولبنان والكويت والمغرب والمملكة العربية السعودية وتونس، تشير النساء إلى وجود آليات تحميهن من التحرش الجنسي في مكان العمل في كل القطاعات، بما في ذلك قطاع الخدمات المالية. تكتسب هذه الآليات طبيعة غير رسمية مثل قواعد الممارسة والشعور بالحماية من قبل الزملاء والمدراء والأصدقاء في مكان العمل.

مع ذلك، يظهر اتجاه بين النساء فيما يتعلق بعدم الرغبة في الإبلاغ عن التحرش ضمن قطاع الخدمات المالية في الجزائر ولبنان. إن هذا الاتجاه المقلق يظهر أيضاً في قطاع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في الأردن وكذلك في قطاع التعليم في البحرين والكويت. علاوةً على ذلك، أبلغت النساء عن عدم وجود سياسات مناهضة للتحرش الجنسي في قطاع التعليم والخدمات المهنية في الجزائر والبحرين والمغرب واليمن.

بالإضافة إلى ذلك، في العالم الرقمي، ووفق لتقرير "العنف ضد المرأة في الفضاء الإلكتروني: رؤى من دراسة متعددة الأقطار في الدول العربية" الذي نشره المكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في الدول العربية، فإن "49% من مستخدمات الإنترنت في المنطقة العربية أعربن عن عدم شعورهنّ بالأمان من التحرش الإلكتروني. والأمر المثير للصدمة هو أن 21% من النساء اللاتي تعرضن للعنف الإلكتروني نُصحن بحذف الحسابات الخاصة بهن على وسائل التواصل الاجتماعي، و23% أُلقي اللوم عليهن، و36% نُصحن بتجاهل الواقعة أو تناسيها.

على الرغم من الجهود المبذولة على المستوى الوطني وحركات الضغط المكثفة من قِبل النشطاء التي عملت على الترويج للحماية من التحرش الجنسي، فإن نتائج مؤشر "المعرفة قوة" تكشف عن ندرة آليات إنفاذ مناهضة التمييز والتحرش الجنسي عبر القطاعات والبلدان التي شملتها الدراسة.

ما الذي يشكل تحرشاً جنسياً في مكان العمل؟

في كل من مكان العمل والأماكن العامة، يمكن أن يكون للعنف القائم على النوع الاجتماعي والتحرش الجنسي العديد من التعريفات، ويمكن تفسيره بناءً على فهم الفرد. وعلى هذا الأساس، فإن تعريف منظمة العمل الدولية لما يشكل تحرشاً جنسياً، يشمل كلاً من المعاكسات اللفظية وغير اللفظية. وتُعرِّف منظمة العمل الدولية التحرش الجنسي بأنه "سلوك قائم على الجنس ويكون غير مرحب به ومسيء لمتلقيه". وقد تم توسيع نطاق التعريف أكثر ليوضح أن التحرش الجنسي موجود في شكلين رئيسيين في مكان العمل، يتعلق أولهما بالمزايا الوظيفية، حيث تكون الترقيات أو الزيادات في الأجور أو الأمن الوظيفي مرتبطة بأشكال مختلفة من الانخراط القسري أو المقترح في السلوك الجنسي، بينما يكون الشكل الثاني من خلال تخويف الضحية أو إذلالها؛ ما يخلق بيئة عمل غير مريحة.

لمنع حدوُث التحرش الجنسي، يجب أن يكون كلا النوعين غير قانونيين ومُجرَّمين، ويتطلبان آليات إبلاغ آمنة وتنفيذ سياسات عدم التسامح المطلق المطبقة.

إذن، ما الذي يجب على أصحاب العمل الإقليميين فعله لتوفير أماكن عمل أكثر أماناً؟

يجب أن يبدأ أصحاب العمل النقاش حول العنف القائم على النوع الاجتماعي ورفع مستوى الوعي باستمرار لتوفير الحماية للموظفين والموظّفات، الذين لا يغطيهم القانون. وتتضمن النصائح التي يجب على أصحاب العمل مراعاتها عند صياغة السياسات والأطر وتنفيذها ما يلي:

وضع سياسات قوية، مع تعريفات واضحة: يتعين على صانعي السياسات وأصحاب العمل أن يأخذوا على عاتقهم مهمة وضع وتنفيذ سياسات وأطر عمل قوية لمكافحة التحرش الجنسي في مكان العمل. ضمن السياسات، يجب تحديد تعريفات واضحة لما يشكل تحرشاً جنسياً، بما في ذلك المعاكسات اللفظية وغير اللفظية، حتى لا تترك مجالاً للتأويل. يحتاج أصحاب العمل أيضاً إلى التأكيد على أن التحرش الجنسي هو شكل من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي الذي يمكن أن يحدث بين نفس مجموعات الجنس ومجموعات الجنس الأخرى.

تحديد الغرض من السياسة: يحتاج أصحاب العمل إلى تحديد الغرض من السياسة بوضوح، وهو منع التحرش الجنسي، وحماية الناجيات، واتخاذ تدابير رادعة ضد الجاني.

حماية الناجييات والشهود: يجب على أصحاب العمل أيضاً اتخاذ كل التدابير اللازمة لضمان حماية الناجية والشهود، في جميع مراحل التحقيق وفي أثناء المحاكمة.

تنفيذ سياسات عدم التسامح المطلق: يجب أن تتضمن السياسات الداخلية شروط عدم التسامح المطلق، والإجراءات التأديبية والعقوبات، وخيارات التحقيق ونتائجه، والطرق القضائية، ونتائج الشكاوى الباطلة عمداً، فضلاً عن طرق تسوية المنازعات الداخلية.

توفير آليات إبلاغ آمنة: يجب على أصحاب العمل توفير أنظمة إبلاغ آمنة وواضحة، من أجل إبراز الحالات في الوقت المناسب. وهذا من شأنه أن يشجع الناجيات على الحضور والإبلاغ عن الحوادث.

أخذ التقارير على محمل الجد: في حالة ادعاء متعلق بتحرش جنسي، يكون دور أصحاب العمل أساسياً، لمحاولة إشراك الضحية وتثقيفها بشأن عملية التحقيق ونتيجته، لاتخاذ قرارات مستنيرة. يجب على أصحاب العمل أن يأخذوا على عاتقهم الالتزام بإجراء تحقيق شامل وسريع وسري (حيثما أمكن) في الحادث أو الشكوى المبلغ عنها. وفي الحالات التي يثبت فيها وقوع الحادث، يجب على صاحب العمل معاقبة المتحرش بطريقة تتناسب مع جسامة الفعل.

باتباع هذه الخطوات وزيادة الوعي حول هذا الموضوع باستمرار، يمكن لأصحاب العمل البدء في ضمان بيئة عمل أكثر أماناً وخالية من التحرش الجنسي. وقد تتأثر معدلات استبقاء النساء والفئات المهمّشة الأخرى بصورة إيجابية أيضاً، إذا وفّر أصحاب العمل بيئات عمل أكثر أماناً.

على سبيل المثال، تعتبر شركة "بيزلين" (Beesline) التي لديها أكثر من 600 موظف منتشرين في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أحد الأمثلة على شركة إقليمية نفذت بنجاح سياسات مناهضة للتحرش الجنسي.

هل يمكن أن تكون أماكن العمل الإقليمية خالية من التحرش الجنسي؟

ينتشر التحرش الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي في كل أنحاء العالم، حتى في البلدان التي لديها سياسات عدم تسامح مطلق وتطبّق عقوبات قاسية على مرتكبيها. يعتقد مركز الأعمال والقيادة الشاملة للمرأة (CIBL) أن إصدار قوانين مكافحة التحرش الجنسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يمثّل خطوات مشجعة لحماية الموظفين والموظّفات من التعرض للتحرش الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي. مع ذلك، بدون إنفاذ القانون من خلال تنفيذ سياسات أصحاب العمل داخل المؤسسات العامة والخاصة أو آليات الإبلاغ الواضحة والآمنة، سيستمر الجناة في الإمعان في سوء معاملة الناجيات، وقد تستمر الناجيات في المعاناة بصمت.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي