لماذا يكسب الذكور من خريجي الجامعات أكثر من نظرائهم الإناث بنسبة 55%؟

4 دقائق

بات من الواضح وجود فجوة في الأجور بين الذكور والإناث في الولايات المتحدة والدول الأخرى. وأظهرت معظم الدراسات أن النساء يتقاضين أجوراً أقل بما يقرب 20% من نظرائهن الرجال.

وباستخدام قواعد البيانات الضخمة لـ "مكتب التعداد العام" (Census Bureau)، التي أتاحت المجال للباحثين بتتبع الشركات، والعاملين فيها خلال فترة زمنية، درسنا فجوة الأجور بين الجنسين وذلك لمتوسط الأجور الفصلية من عام 1995 حتى عام 2008. ووجدنا أن فجوة الأجور بين الرجال والنساء الحائزين على التعليم الجامعي، تكون صغيرة في بداية حياتهم المهنية، ولكن بمجرد أن يصل هؤلاء الأفراد إلى ذروة حياتهم المهنية تتسع لتصبح كبيرة جداً، حيث يكسب الذكور من خريجي الجامعات في أوائل الأربعينيات من العمر حوالي 55% أكثر من نظرائهم النساء.

مكنتنا هذه البيانات من تعقب الأفراد في وظائفهم الحالية، بالإضافة إلى إمكانية تعقبهم عند تغيير وظائفهم. وأظهرت الدراسات أن أعلى معدلات التباين في الأجور تحدث داخل الشركة الواحدة: عندما يبقى كل من الرجال والنساء في نفس الشركة، يتمتع الرجال بنمو سريع لأجورهم مقارنة مع النساء. كما وجدنا أيضاً أن فجوة الأجور هذه تتسع مع تغيير الرجال والنساء لوظائفهم. ومع تقدم العمر، يميل الرجال ذوو التعليم الجامعي إلى الانتقال للعمل في الشركات ذات الرواتب الأعلى أكثر من النساء. ولكن ما زال هذا الفارق أصغر بكثير بالمقارنة مع فارق الأجور بين الأشخاص الذين استمروا بالعمل في شركة واحدة.

وأتاحت لنا بياناتنا مراقبة بعض الآليات المحتملة التي تزيد من حجم فجوة الأجور بين الجنسين، حيث أظهرت دراستنا الأولى أن للزواج الدور الحاسم فيما يتعلق بفجوة الأجور "بين الشركات"، وهي الفجوة التي تتسع عندما يغيّرالرجال والنساء وظائفهم. في الحقيقة، نجد أن القدرة الإيرادية للمرأة العاملة المتزوجة لم تحقق سوى قدراً طفيفاً من الفائدة جراء تغيير الوظائف، حيث كان لهذا العامل التأثير القوي، ما يفسر جزءاً كبيراً من أسباب اتساع فجوة الأجور. باختصار، على الرغم من أن النساء المتزوجات يغيرّن وظائفهن بالوتيرة نفسها التي يتبعها الرجال تقريباً، فإنهن لا يستفدن من هذه التنقلات من حيث الزيادة في الأجور كما الرجال، حيث تميل التنقلات المهنية للرجال نحو الشركات ذات الأجور الأفضل، على خلاف التنقلات المهنية للنساء المتزوجات. فقد تكون هذه التنقلات مرتبطة بظاهرة تسمى "الهجرة المقيدة". إذ تتخذ الأُسر القرارات المتعلقة بتحديد أماكن إقامتها وفقاً "للمهنة الأساسية" في العائلة، التي عادة ما تكون مهنة الزوج. ولهذا السبب نجد أن التنقلات الوظيفية غالباً ما تعود بالفائدة على هذه المهنة الأساسية فقط، بل ويمكن لهذه التنقلات أن تضر المهنة الثانوية أيضاً. وفي المقابل، نجد أن النساء غير المتزوجات يملن إلى الاستفادة من الحراك الوظيفي بطريقة مماثلة لما يفعله الرجال سواء كانوا من المتزوجين أو غير المتزوجين.

أما في الدراسة الثانية، فقد وجدنا أن ارتباط فجوة الدخل بين الجنسين في بداية الحياة المهنية ونموها مع التقدم في العمر، بالخيارات المهنية المختلفة للرجال والنساء، هو ارتباط جزئي فقط. صحيح أن المرأة تميل للعمل في القطاعات ذات الأجور المنخفضة مثل تجارة التجزئة والخدمات، وأن النساء في معظم قطاعات الأعمال يشغلن بطريقة غير متكافئة المهن ذات الأجور المنخفضة. وصحيح أيضاً أن الوظائف في العديد من المهن التي تهيمن عليها الإناث تبدأ بأجور أقل نسبياً من تلك التي يهيمن عليها الذكور، ولكن الأهم من كل ذلك هو الاختلاف الكبير لإمكانية نمو الأجور بين الجنسين بمرور الوقت. ويشرح لنا الاختلاف في القطاعات والصناعة معاً حوالي ثلث أسباب اتساع فجوة الدخل بين الجنسين التي تحدث بمرور الوقت.

بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن حجم فجوة الأجور بين الجنسين ومدى نموها يختلفان تماماً من قطاع إلى آخر. ففي الذروة المهنية للموظف نجد أن أكبر فجوات الدخل بين الجنسين بالنسبة للموظفين الحائزين على التعليم الجامعي، هي في القطاعات الصحية والقانونية والمالية (بما في ذلك التأمين والعقارات). وعلى العكس من ذلك، نجد اتساعاً محدوداً لفجوة الأجور بين الجنسين مع تقدم العمر في قطاع التكنولوجيا. تشير التحليلات السابقة التي أجرتها كلوديا غولدن إلى وجود اختلاف في المرونة عندما يتعلق الأمر بالتعاطي مع الجداول الزمنية بين الجنسين، خاصة فيما يتعلق بالمتطلبات اللازمة في التفاعل مع العميل والوقت الممنوح له "المقابلة الشخصية". قد تفسر هذه التحليلات سبب شيوع فجوات الأجور هذه في بعض القطاعات أكثر من غيرها، كما تبيّن سبب ظهور هذه الفجوات أكثر عندما لا تتمتع النساء بالمرونة اللازمة فيما يتعلق بمسؤوليات العناية بالعملاء. 

إن ديناميكيات فجوة الأجور تبدو أقل وضوحاً للموظفين الحائزين على الشهادة الثانوية فقط دون التعليم الجامعي. وهنا أيضاً نجد أن فجوة الدخل بين الذكور والإناث تتسع مع تقدم العمر، حيث يحدث الاختلاف في الأجور بين الجنسين خلال السنوات الخمس الأولى بعد التخرج من المدرسة الثانوية تقريباً، عندها ينمو دخل الرجال بسرعة كبيرة مقارنة مع دخل النساء. ولكن بعد ذلك، تبقى هذه الفجوة راكدة بنسبة 30%. أما الموظفين الذين لم يكملوا مرحلة التعليم الثانوي، فإن فجوة الأجور بين الجنسين لا تتزايد ولكنها تظل ثابتة عند 30%.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه المساواة النسبية في أجور مجموعة الموظفين غير المؤهلين جامعياً هي بالدرجة الأولى انعكاس لنقص النمو في أجور الرجال الأقل تعليماً على مدار العقود القليلة الماضية، حيث لا تلعب السرعة في تسلق السلم الوظيفي داخل الشركة أي دور للموظفين في هذه المجموعة. كما يعد الاختلاف البسيط في أجور الرجال والنساء من خريجي المدارس الثانوية في بداية الحياة المهنية، السبب وراء انتقال الرجال إلى الشركات ذات الرواتب الأفضل في السنوات الأولى من حياتهم المهنية.

سنعمل في الأبحاث المستقبلية على استخدام هذه المجموعة من البيانات للتركيز على وجود الأطفال، وذلك لاستيعاب مسارات أجور النساء المتزوجات الحائزات على التعليم الجامعي، ودور ضريبة الأمومة، والآثار المختلفة للهجرة العائلية على أجور الرجال والنساء. فما يحدث داخل الأسرة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بما يحدث في مكان العمل، حيث توفر بياناتنا الإمكانيات الاستثنائية للنظر إلى هذا التقاطع لعدد كبير جداً من العائلات والشركات.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي