ملخص: ما هو مقدار القيمة التي يحصل عليها عملاؤك من منتجاتك؟ صافي نقاط الترويج (NPS) هو إحدى الأدوات المُستخدمة للإجابة عن هذا السؤال، لكن مؤلفي المقالة يقدمون أداة أخرى، وهي "فائض قيمة العميل" (CSV). تستند فكرة هذه الأداة المستمدة من العلوم الاقتصادية إلى سؤال العميل عن مقدار المال الذي يجب أن يحصل عليه نظير التخلي عن مُنتَجك فترة من الزمن. وكلما زاد المبلغ الذي يطلبه لقبول العرض، زادت قيمة المُنتَج. وقد أظهرت تجربة في شركة لينكد إن (LinkedIn) كيفية تكامل هذا المقياس مع نتائج صافي نقاط الترويج باعتبارهما وسيلة لقياس رضا العملاء.
لطالما حظي مقياس "صافي نقاط الترويج" (NPS) باهتمام كبير واعتمده الكثيرون على نطاق واسع، خلافاً لغيره من مقاييس تقييمات العملاء. كان فريدريك رايكهيلد أول من قدّم مفهوم صافي نقاط الترويج قبل عقدين من الزمن في مقالته الملهمة بمجلة هارفارد بزنس ريفيو بعنوان "أهم رقم يجب تنميته" (The One Number You Need to Grow)، واشتهر منذئذٍ بوصفه نهجاً ثورياً لرصد نمو الشركات والتنبؤ به. وكانت بساطته إحدى أهم مميزاته؛ إذ يستند إلى سؤال واحد يقيس استعداد العملاء للتوصية بالمنتج أو الخدمة للآخرين، وأصبح أداة فعالة تستخدمها الشركات لقياس تقييمات العملاء. اعتمدت الشركات في مختلف القطاعات والمناطق هذا المقياس، ووجدت أن ثمة علاقة ترابطية بين درجات صافي نقاط الترويج العالية وتعزيز الربحية واستبقاء العملاء والنمو.
يقيس صافي نقاط الترويج رضا العملاء، لكنه لا يقيس بالضرورة مدى سهولة انتقالهم إلى منتجات أو خدمات بديلة. ثمة مقياس آخر فعّال، وهو "فائض قيمة العميل" (Customer Surplus Value - CSV) الذي يكمِّل مقياس صافي نقاط الترويج من خلال التركيز على مفهوم أساسي بعلم الاقتصاد الجزئي، وهو "الفائض الاستهلاكي" (Consumer Surplus). يشير هذا المفهوم إلى الفرق بين المبلغ الذي يُبدي المستهلك استعداده لدفعه مقابل الحصول على مُنتَج أو خدمة معينة وسعرها الحالي. فإذا كنت على استعداد لدفع ما يصل إلى 5 دولارات حداً أقصى مقابل فنجان قهوة، لكنك تشتري واحداً مقابل 3 دولارات فقط، فالفائض الاستهلاكي يساوي دولارين في هذه الحالة. وعلى المدراء اعتباره "الرقم الآخر الذي يجب تنميته".
استعرض أحدنا (كوليس) المنهج الرائد الذي يستند إليه فائض قيمة العميل في مجلة هارفارد بزنس ريفيو عام 2019، لكن باعتباره وسيلة لقياس قيمة الاقتصاد الرقمي. ومنذ ذلك الحين، انتبهت الشركات إلى هذا المنهج وبدأت تستخدمه لتقييم منتجاتها وخدماتها؛ إذ يقيس فائض قيمة العميل القيمة المالية الإجمالية التي يكتسبها المستهلك عند شراء مُنتَج أو خدمة. يستند هذا المفهوم البديهي إلى أسس اقتصادية، ويلقى استحسان المسؤولين التنفيذيين والمدراء ويتيح لهم تتبُّع مقدار القيمة التي تخلقها الشركة للعميل.
قياس فائض قيمة العميل
يعتمد قياس فائض قيمة العميل على تجارب قائمة على الاختيار بين أمرين، التي تطلب من العملاء اختيار إما الاحتفاظ بإمكانية الوصول إلى منتج أو خدمة وإما التخلي عنها مدة شهر واحد مقابل الحصول على تعويض نقدي. على سبيل المثال:
عند توزيع التعويضات النقدية بين العملاء عشوائياً، تُظهِر النتائج منحنى الطلب الذي يمثل نسبة العملاء المستعدين للتخلي عن السلعة عند نقاط سعرية مختلفة.
على سبيل المثال، عند عرض دولار واحد فقط مقابل التخلي عن خدمة معينة، نلاحظ أن معظم العملاء يفضّلون الاحتفاظ بها، ما يعني أن قيمة الفوائد التي يجنونها من شراء هذه الخدمة تتجاوز دولاراً واحداً. ومع ذلك، فنسبة لا بأس بها من العملاء تقبل الأموال أيضاً؛ وتضم غالباً العملاء الذين يرون قيمة منخفضة في المنتج ومن المحتمل أن يتوقفوا عن التعامل مع الشركة.
ويحدث العكس عادةً عند عرض مبالغ كبيرة جداً على العملاء، بقيمة 1,000 دولار مثلاً، مقابل التخلي عن خدمة معينة مدة شهر واحد، في حين يرى بعض العملاء أن خدمات معينة لها قيمة كبيرة جداً لدرجة أنهم يُبدون عدم استعدادهم للتخلي عنها حتى عند عرض مبالغ كبيرة عليهم، ويحدث هذا أيضاً عند عرض أموال حقيقية على العملاء، بدلاً من عرض أموال افتراضية. ونحن نستخدم نقطة السعر التي يكون عندها نصف العملاء على استعداد للتخلي عن السلعة باعتبارها مقياساً يلخص فائض قيمة العميل (أي الوسيط الحسابي للتقييم).
ترصد هذه التجارب ما نسميه "الاستعداد للقبول" الذي ينطوي على اختلافات دقيقة تميّزه عن أفكار أكثر شيوعاً، مثل الاستعداد للدفع والفائض الاستهلاكي، لكنها أفكار متشابهة بطبيعة الحال؛ فارتفاع تقييمات فائض قيمة العميل يعني أن المستهلك يحصل على قيمة أكبر من منتجك. ونستعرض فيما يلي التقييم الإجمالي على مستوى العلامات التجارية، دون تعديلات على سعر الشراء أو الاشتراك.
يقارن الجدول السابق بين مقياس فائض قيمة العميل وغيره من مقاييس تقييمات العملاء في دراسة شملت أبرز العلامات التجارية الأميركية. ونلاحظ عموماً أن مقياسَي صافي نقاط الترويج وفائض قيمة العميل يقدمان رؤى قيمة حول تقييم العملاء للشركات والمنتجات، لكنهما لا يعكسان تقييماتهم من الزوايا نفسها دائماً.
على سبيل المثال، حصلت شركة آبل على تقييم مرتفع بكلا المقياسين، وهو ما تجلى في حصولها على أعلى الدرجات بمقياس صافي نقاط الترويج وعدم استعداد العملاء للتخلي عن منتجات آبل وخدماتها مدة شهر كامل إلا بعد تلقيهم تعويضات كبيرة (711.5 دولاراً)، وهو ما يرجع في المقام الأول إلى ارتفاع فائض قيمة العميل لهاتف آيفون (البالغ 400 دولار عند قياسه بمعزل عن غيره من منتجات آبل). وعلى العكس من ذلك، بدت ماكدونالدز أقل جاذبية بمقياسَي صافي نقاط الترويج وفائض قيمة العميل، فقد أبدى العملاء استعدادهم للتخلي عن خدماتها مدة شهر مقابل 81 سنتاً فقط.
أظهرت شركات أخرى، مثل أمازون وأيه تي آند تي، تناقضات مثيرة للاهتمام؛ إذ يوصي العملاء باستخدام أمازون غالباً (ما يعني ارتفاع صافي نقاط الترويج)، لكن درجاتها بمقياس فائض قيمة العميل منخفضة (19 دولاراً شهرياً)، ما يشير إلى أن العملاء يحبون الشركة، لكنهم لا يرون خدماتها ضرورية أو صعبة الاستبدال. في المقابل، حققت شركة أيه تي آند تي درجة سلبية بمقياس صافي نقاط الترويج، لكنها حصلت على درجة عالية بمقياس فائض قيمة العميل، ما يشير إلى تقديمها خدمات أساسية أو حصرية.
يوضح مثال شركة مايكروسوفت أهمية السياق في هذه التجارب؛ فعلى الرغم من تحقيقها درجة متوسطة فقط بين العملاء بفائض قيمة عميل بلغ 98 دولاراً وصافي نقاط ترويج قدره 1، وجدنا أن المشاركين يطلبون حافزاً كبيراً يتجاوز 1,000 دولار شهرياً مقابل التخلي عن استخدام برنامج مايكروسوفت إكسل (Microsoft Excel) وحده، عندما أجرينا التجربة نفسها مع الموظفين في سياق عملهم؛ إذ يعكس التقييم المرتفع غالباً الدور الأساسي الذي يؤديه برنامج إكسل في الاستخدامات اليومية بعالم الأعمال، حيث يعتبره مهنيون كثيرون عنصراً لا غنى عنه في تخصصاتهم الوظيفية، ما يؤدي بالتالي إلى زيادة تقييم المستخدمين له.
خلاصة القول، نرى أن فائض قيمة العميل يرتبط بقوة بالجهد المبذول للحصول على الخدمات أو المنتجات واستبدالها (أي "تكلفة" الاستبدال)، في حين أن صافي نقاط الترويج باعتباره مقياساً للرضا شديد الارتباط بـ "المنفعة" التي توفرها السلعة. كلا الجانبين، الفوائد والتكاليف، ضروريان لفهم الأبعاد المختلفة لقيمة العميل فهماً تاماً.
استخدام فائض قيمة العميل في لينكد إن
مثلنا زميلنا ماركو في العمل مع روهير ممثلاً عن شركة لينكد إن لتوظيف منهجية فائض قيمة العميل لقياس قيمة خدمات لينكد إن وميزاتها وتتبعها بين مستخدميها المشتركين في حساباتها المدفوعة والمجانية، علماً أن الشركة تستخدم أيضاً صافي نقاط الترويج دوماً باعتباره مقياساً لتقييمات العملاء. أتاح لنا ذلك التحقق من صحة منهجية فائض قيمة العميل وقياس أدائها التنبؤي مقارنةً بصافي نقاط الترويج بين 1,581 من مستخدمي لينكد إن المشتركين بالولايات المتحدة الذين اختاروا الاشتراكات المدفوعة للوصول إلى الميزات المتقدمة.
نلاحظ في هذه السوق، مثلاً، أن المنتقدين (الذين يعطون المنصة من 0 إلى 6 درجات في سؤال صافي نقاط الترويج) يقدّرون لينكد إن بنسبة 10% فقط من القيمة التي يراها المحايدون (الذين يعطون المنصة من 7 إلى 8 درجات في سؤال صافي نقاط الترويج)، في حين يمنح المروجون (الذين يعطون المنصة من 9 إلى 10 درجات في سؤال صافي نقاط الترويج) قيمة للخدمة أعلى من القيمة التي يمنحها المحايدون لها بمقدار 4.9 مرات.
ولمعرفة كيفية المقارنة بين صافي نقاط الترويج وفائض قيمة العميل، حللنا عدد العملاء الذين ظلوا مشتركين في حسابات مدفوعة بعد عام ونصف عام من إجراء الدراسة وعدد المستخدمين الذين انتقلوا إلى حسابات مجانية. ووجدنا أن كلاً من صافي نقاط الترويج وفائض قيمة العميل نجح في توقع الولاء بصورة ملحوظة. وكان لكلٍّ منهما القوة التنبؤية نفسها، لكن استخدامهما معاً يزيد القدرة التنبؤية مقارنة باستخدام أي منهما منفرداً، وبالتالي تزداد قوة المقياسين عند استخدامهما في مزيج واحد يجمع بينهما.
وعندما استخدمت لينكد إن مزيج فائض قيمة العميل وصافي نقاط الترويج، أتاحت لأعضاء الفريق فهم الاختلافات بين المنتقدين والمروجين فيما يتعلق بقيمتهم المدركة على نحو أدق وأكثر تفصيلاً. أدى ذلك إلى توفير البيانات اللازمة لإجراء مناقشة أكثر استنارة مع القيادة وبناء قاعدة معرفية أفضل حول الجوانب ذات الأولوية.
وظائف فائض قيمة العميل وضوابط استخدامه
عند دراسة إمكانية تنفيذ منهجية فائض قيمة العميل، لا بد من فهم ضوابطها لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من الرؤى التي توفرها. فائض قيمة العميل يشبه صافي نقاط الترويج، فكلاهما مقياس إجمالي يمثل منحنى الطلب لقطاع معين من العملاء، ما يوفر تقييماً وسيطاً، لكنه لا يتيح التوصُّل إلى استدلالات مفصلة على المستوى الفردي.
وفي سياق متصل، نستخدم السعر الذي يطلبه 50% من أفراد العيّنة البحثية للتخلي عن منتج أو خدمة معينة باعتباره مقياساً تلخيصياً. واعتماداً على شكل دالة الطلب، قد يكون من المثير للاهتمام أيضاً أن نشير إلى الأسعار التي سيتخلى عندها 10% أو 25% أو 75% أو 90% من أفراد العينة البحثية عن المنتج أو الخدمة.
أثبتت دراساتنا أن مبدأ الامتناع عن استخدام المنتج أو الخدمة مدة شهر فكرة جيدة؛ لأن الفترات الأقصر قد لا تكون كافية لجعل العملاء يفتقدون المنتج أو الخدمة (حتى إن الفكرة قد تعجبهم باعتبارها وسيلة للتخلص من السموم الرقمية، اعتماداً على الخدمة)، في حين أن استخدام فترات أطول يتيح للعملاء تعلُّم كيفية العيش من دونها والعثور على البدائل المناسبة.
علاوة على ذلك، قد يكون من المغري استخدام فائض قيمة العميل لتحديد الأسعار، لكن يجب تجنُّب هذا النهج؛ لأن فائض قيمة العميل باعتباره مقياساً للفائض الاستهلاكي لا يعكس استعداد المستهلك لدفع المال ولا يمكن ترجمته مباشرة إلى استراتيجيات تسعير مثالية.
من الأهمية بمكان أن يفهم المدراء تقييمات العملاء. وننصح باستخدام فائض قيمة العميل باعتباره نهجاً مباشراً ومتميزاً لقياس قيمة العميل مالياً، وبالتالي فمن المنطقي أن يعمل مسؤولو التسويق على فهمه وتطبيقه؛ ففي حين يساعد صافي نقاط الترويج على تحديد فرص النمو من خلال قياس اهتمام العملاء الجدد المحتملين، يسلط فائض قيمة العميل الضوء على ولاء العملاء الحاليين. ويؤدي الجمع بين طريقتي التقييم هاتين إلى فهم قيمة العميل بدرجة أقوى وأدق.