إذا أمعنا النظر في الاقتصاد العالمي اليوم، فإليك ما يمكن أن يثير الدهشة: تتفرد شركة آبل عن غالبية شركات التكنولوجيا، ومنها شركات منافسة كثيرة تسعى إلى إزاحتها عن عرشها، فهي الوحيدة التي وصلت على ما يبدو إلى ذروة الأداء الثوري، مستغنية عن منافسة الآخرين على الحد الأدنى المشترك من النجاح. إذاً، كيف تمكّن ستيف جوبز من إعادة بناء الشركة على هذا النحو، بعد عقد أسطوري قضاه في المنفى بعيداً عن جزيرته التي بناها بنفسه، وهو يراقبها تتحول إلى كيان رمادي وباهت وفاقد للحياة خاضع لسيطرة الآخرين، بل إلى مؤسسة أصابها جمود كلي؟
لقد بحثت في هذه الخلاصة الرائعة من اقتباسات جوبز، ووجدت 7 دروس لأصحاب رؤوس الأموال من الأفراد والشركات الساعين إلى أن يكونوا أصحاب رؤوس أموال النجاح في القرن الحادي والعشرين.
افرض أهميتك
"هل تريد أن تمضي بقية حياتك وأنت تبيع الماء المحلى بالسكر، أم تريد أن تغير العالم؟" هذا هو السؤال الشهير الذي وجهه ستيف جوبز إلى جون سكولي. الترجمة: هل تريد فعلاً أن تمضي أيامك وأنت تبذل جهوداً ضخمة في عمل لا يلهم أحداً وأشياء لا أهمية لها ولأسباب لا تلامس قلب أي شخص؟
أتقن عملك
"التصميم كلمة غريبة. يعتقد البعض أن التصميم يتعلق بالمظهر، إلا أن المعنى الأعمق للتصميم يتعلق بطريقة العمل في الواقع". مهما كان مجالك، فلا بد أنك تقدّر تأثير آبل في مجال التصميم؛ فقد بلغت في إتقان التصميم مستوى متقدماً جداً أحدث تغييراً شاملاً في المجال بأكمله. هل تعتقد أن شركة غاب (Gap) للأزياء أحدثت تغييراً شاملاً في مجال المنسوجات؟ هل تعتقد أن شركة ماكدونالدز أحدثت تغييراً شاملاً في مجال التغذية؟ الإجابة هي لا في كلتا الحالتين.
حقِّق إنجازات رائعة حد الجنون
"إذا كنت نجاراً يصنع خزانة أدراج جميلة، فلن تستخدم قطعة من الخشب الرقائقي الرخيص على الجهة الخلفية، على الرغم من أنها تواجه الجدار ولن يراها أحد على الإطلاق". نحن غارقون في بحر كامل من الرتابة والملل والأمور المُتَوَقعة. إذا كنت تسعى إلى التفرد والتميز عن الجموع المكتفية بالأداء المتوسط العادي، فلا يكفي بعد الآن أن تضيف 99 ميزة أخرى كل شهر وتسمي عملك "ابتكاراً"؛ أنجز منتجاً رائعاً ببساطة.
لا تتخلَّ عن الذوق
"المشكلة الوحيدة التي تعانيها شركة مايكروسوفت هي افتقارها إلى الذوق ببساطة. لا أثر للذوق في منتجاتها أبداً". لا يقتصر العمل الرائع على الاستعانة بجحافل كاملة من المحاسبين أو جيوش من العاملين الراغبين في العمل، بل يتطلب أيضاً القدرة على إصدار أحكام ثقافية؛ أي: الذوق. لا أريد أن أكون فظاً (بل أريد أن أكون واضحاً دون مواربة)، لكن إذا كان المصطلح المعاكس للذوق هو الابتذال، فأنا أرى أننا ربما نقترب من أكثر المراحل ابتذالاً على الإطلاق في التاريخ؛ نحن نعيش في عالم حيث لا يستطيع العاملون في خدمة العملاء لفظ اسمك (وأنت لا تستطيع لفظ أسمائهم أيضاً)، وحيث لا تكلف متاجر التجزئة الكبرى نفسها حتى عناء ترتيب الرفوف المكتظة، وحيث تصبح الأشياء أقل تكلفة يوماً بعد يوماً، لكنها تبدو كأنها في الوقت نفسه من تصميم مجموعة من الهمج، ولهذا فإن لمسة صغيرة من الذوق ربما تمثل سلاحاً تنافسياً له قدرات خارقة.
شيِّد مقراً ملهماً
"سيشغل عملك حيزاً كبيراً من حياتك، والطريقة الوحيدة لتكون راضياً حقاً هي أن تفعل ما تعتقد أنه عمل رائع. والطريقة الوحيدة لتأدية عمل رائع هي أن تحب عملك". إذا كانت لديك الجرأة لتأدية عمل رائع، فمن المحتمل أن هذا العمل يستحق مقراً جديراً بحمل اللقب الذي تمنحه إياه، لا مجرد مكان باهت. إن وضع عمل رائع في متجر تقليدي ضخم يشبه إلى حد ما تقديم أسطورة عالم الطهي فيران أدريا -الذي يمكن وصفه بأنه أكثر طهاة العالم إبداعاً- لأطباقه المذهلة والمبتكرة التي يعدّها باستخدام فن الطهو الجزيئي في مطاعم الوجبات السريعة، فقد يفي هذا بإنجاز العمل المطلوب لكن الزبائن سيتناولون هذا الطعام المميز مثل أي طعام آخر، بدلاً من الاستمتاع به والتلذذ بنكهته وتقديره حق قدره. دائماً ما تكون الفروق الدقيقة والتعقيدات والعناية بالتفاصيل والإلهام والمهارات الفنية جوانب متأصلة في الأعمال العظيمة، وهذه الجوانب كلها في حاجة إلى مقرات ملهمة تحتضنها، وهي أماكن ومساحات تتيح استكشاف هذه الجوانب واستقصاءها والوقوف عليها، حيث يمكن للناس أن يشعروا بالسرور ويصابوا بالدهشة والذهول.
يمكن التفكير في الأمر على أنه قصة عن التكامل الاقتصادي الذي يعمل في كلا الاتجاهين: إذا أردت أن تعلم لماذا لم يحقق متجر سوني ستايل (Sony Style) النجاح، فالسبب بسيط جداً، وهو أنه لم يكن عملاً رائعاً، فالمتجر مجرد مقر فارغ. يمثل متجر آبل (Apple Store) أحد أكثر مساحات تجارة التجزئة نجاحاً في الاقتصاد الحديث، فهو ليس مجرد دليل على تأثير العمل الرائع أو التصميم المتطور، بل هو أيضاً دليل على أهمية منح الناس مساحات جميلة يرغبون في قضاء الوقت فيها للاستمتاع بكل ما سبق. تخيل أن تطبّق ذلك على عملك.
لا تبنِ مؤسسة شبيهة بالكازينو
"خفض التكاليف لا يعالج مشاكل شركة آبل، فعلاجها يكمن في الاعتماد على الابتكار لإخراجها من أزمتها الحالية". هذه فكرة سهلة من حيث المبدأ لكنها صعبة من حيث التطبيق، وكي أوضحها أطرح السؤال الآتي: هل تعلم كم تبلغ ديون آبل؟ لا شيء. ليس المقصود بهذه الإجابة أن الديون لا تتجاوز "بضعة ملايين من الدولارات فحسب"، بل المقصود بها أن آبل "ليست مدينة بفلس واحد". نحن نعيش في حقبة تزداد فيها، يوماً بعد يوم، صعوبة مقاومة إغراءات رأسمالية الكازينو (حيث تخاطر الشركات الخاصة بمبالغ كبيرة من المال في الاستثمارات والأسهم وما إلى ذلك)، وفي هذه الحقبة، حققت آبل عملياً ما تعاني غالبية الشركات صعوبات جمّة لتحقيقه، وهو بناء مؤسسة تتمتع بإدارة مالية صارمة لدرجة حولتها إلى ما يشبه الحصن. لم يدخل ستيف هذا المجال لتحقيق الأرباح السريعة والمدوية، بل كان يسعى إلى بناء مؤسسة تدوم طويلاً.
لا تسعَ إلى إرضاء الآخرين، بل حسِّن عملك
"لم نبنِ كمبيوتر ماك لأي شخص آخر. بل بنيناه لأنفسنا". تقول الحكمة المتفق عليها إن ستيف لم يكن يصغي إلى عملائه قط، وكان يتعمد التعبير عن هذه الفكرة بصراحة في أغلب الأحيان. لكن، ما عدد الرؤساء التنفيذيين الذين تعرفهم ممن كانوا يصغون باهتمام شديد إلى عملائهم إلى درجة التفاعل مع رسائل البريد الإلكتروني المعتادة التي يرسلها المعجبون أو حتى المتصيدون؟ لم يكن هدف ستيف من التركيز الشديد على كل ما يتعلق بآبل مجرد "الإصغاء" بل ملاحظة أغرب التوقعات لدى الناس، ومن ثم تحقيق نقلة نوعية وحاسمة تتجاوزها، بدلاً من مجرد اكتشاف الحد الأدنى من القواسم المشتركة لأبرز متطلبات الناس اليوم، ثم الإذعان لرغباتهم؛ إن تجاوز أفكار العملاء يعني إنشاء أسواق جديدة لا منتجات جديدة فحسب، وقد أنشأت آبل (أو جددت) الأسواق واحدة تلو الأخرى بتطبيق هذا المنطق.
هذه ليست الدروس الوحيدة، بل ربما ليست الدروس الأفضل، لكن هذا ما فكرت فيه على عجالة. ومن الممكن أن تستنتج الآتي: واجه ستيف التحدي المتمثل في إثبات أن فن إدارة المشاريع الناجحة ليس من المفترض به أن يفضي إلى بركة راكدة من الجهل، وفاز في هذا التحدي، ولعله بنى ما يكاد يمثل أخطر شركة متنورة في العالم الحديث. هل تستطيع أنت فعل ذلك؟