شغلي الشاغل: مقابلة شخصية مع مدرب كرة السلة مايك كرزيزفسكي

6 دقائق

حقق مايك كرزيزفسكي (70 عاماً) أكثر من 1,000 فوز، وحصد 5 بطولات في "الرابطة الوطنية لرياضة الجامعات" الأميركية (NCAA)، و3 ميداليات ذهبية أولمبية، وهذا على مدار 4 عقود من تدريب الرجال على كرة السلة، بما في ذلك فترة دراسته في مدرسته الأم "الأكاديمية العسكرية الأميركية" المعروفة باسم "ويست بوينت" (West Point)، و36 موسماً كاملاً في "جامعة ديوك" (Duke University)، و11 عاماً متتالية في تدريب المنتخب الأمريكي لكرة السلة. يُعد مايك، المعروف باسم "كوتش كيه" (Coach K)، متعهداً ومرشداً ومديراً رائعة للمواهب.

هارفارد بزنس ريفيو: كيف تمكنتَ من القيام بالوظيفة نفسها بنجاح ساحق لسنوات عديدة؟

كرزيزفسكي: لأنني أحب ما أفعله، عندما كنت في السادسة عشرة من عمري، كنت أحلم أن أصبح معلماً ومدرباً لكرة السلة، ومن الرائع أنني حظيت بهذه الفرص كلها، وما زلت أتبع شغفي، كما أنني أعمل في جامعة "ديوك" وهي مؤسسة مذهلة ذات بيئة مفعمة بأناس رائعين، وقد قضيت الأعوام الأحد عشر الماضية في تدريب المنتخب الأميركي لكرة السلة، وأمضيت أعوامي الخمسة الأولى في التدريب في مدرستي الأم "الأكاديمية العسكرية الأميركية"، وجميعها مؤسسات رائعة مع أناس رائعين. وهذا هو ما أدى إلى تحقيق نتائج رائعة.

إذاً ألم تشعر أبداً بالإنهاك الشديد؟ لقد أخذتَ إجازة هذا العام لإجراء عملية جراحية.

لسوء الحظ لم أستطع الانتظار، اضطررت لإجراء العملية، لكنني تركت الفريق في أيدٍ أمينة وأخطط للعودة عندما أتعافى. في الواقع، المرة الوحيدة التي شعرتُ فيها بالإنهاك الشديد كانت عند أجراء أول عملية جراحية لي في الظهر، في منتصف التسعينيات، فقد عدت إلى العمل بعد يومين. وفي ثلث الموسم تقريباً فقدت قوتي الجسدية والنفسية، واضطررت إلى الابتعاد لبضعة أشهر. لكن في السنوات التسعة السابقة لذلك، وصلنا إلى 7 أرباع نهائية. كان جدول أعمالي جنونياً، ولم يكن لدي الوقت لأنتقد طريقتي في التعامل مع الأمور، كنت أمضي قدماً فحسب. لكن هذه الانتكاسة دفعتني إلى تغيير الكثير: فوضت المزيد من المسؤوليات، وتوقفتُ عن الإدارة التفصيلية، وأصبحت قائداً مختلفاً، ومنذ ذلك الحين، لم تهن قوتي وشغفي أبداً.

هل تختلف طريقة إدارتك للاعبي "جامعة ديوك" عن طاقم التدريب؟

أعمل بوصفي القائد نفسه للاثنين، محاولاً بناء الثقة والتعاون والولاء والمسؤولية الجماعية. إلا أن الأمر يتعلق بالفرق بين التعامل مع الرجال الذين بنوا جسوراً من العلاقات بأنفسهم معك، وبين الشباب الذين تحاول أن تبني علاقات معهم تدوم للأبد.

كيف تُقنع أفضل اللاعبين أن يلعبوا في فريقك؟

لدي منتج رائع أقنعهم به، ألا وهو سجل إنجازاتي الرائع. الوافدون الجدد يتحسنون من جميع النواحي. لكن هذا مبتغى البرامج الأخرى أيضاً، لذا لا يتعلق الأمر بالإقناع أو الترويج، بل يتعلق بتوخي الصراحة حول ما أنت عليه، وكيف ستفعل ذلك، ثم محاولة التعرف على اللاعب، ومعرفة ما إذا كان هذا هو ما يرغب به حقاً. نحن نبحث أيضاً عن ثلاثة أشياء: موهبة جديدة تضاف إلى فريق من الأبطال، وشخص محب للأوساط الأكاديمية وعازم على الاجتهاد، لأنهم يحتاجون إلى هذا في "جامعة ديوك"، وشخصية ذات خلق، وربما هذا هو الشيء الأهم. وأيضاً ما إذا كان شخصاً صالحاً، ويُحسن التعاون مع الغير، وأيضاً كيف يتعامل مع والديه وزملائه في الفريق ومعلميه. من حسن الحظ أننا وجدنا عدداً من الشباب الذين تنطبق عليهم هذه المواصفات.

من المعروف أن لاعبي "جامعة ديوك" يستعدون للتخرج في يوم ما. والكثيرون يلعبون لمدة عام واحد ثم يغادرون للعب في "الرابطة الوطنية لكرة السلة" (NBA). كيف تكيفتَ مع هذا النموذج الجديد؟

لقد تغير الوضع، إذا كان كريستيان ليتنر وغرانت هيل هنا اليوم، فستكون هناك ضغوط كبيرة عليهما ليحترفا بعد عام واحد. لم نعد نحصل على لاعبين بهذا المستوى في أربع سنوات، ولكننا ما زلنا نضم اللاعبين بالطريقة نفسها، أي ما زلنا نبحث عن تلك الصفات الثلاثة. إذا وجدنا لاعباً متميزاً، وأبلى بلاءً حسناً، وأتيحت له فرصة الالتحاق في وقت مبكر، فهذا قرار عملي خاص به وبعائلته، وعليه أن يفعل ما هو أفضل بالنسبة إليه. لكن السؤال الذي لا يزال يتعين على كل لاعب طرحه هو: كيف ستجعلني هذه الجامعة أفضل؟ وما زالت جامعتنا تفعل ذلك، ولو حتى في فترة زمنية أقل. وبطبيعة الحال ما يحدث هو أنني لا أعرف دائماً مَن سيكون في فريقي العام المقبل، ويجب أن نبذل جهداً أكبر في عملية ضم اللاعبين، لأن اللاعبين أمثال هؤلاء يستغرقون عامين أو ثلاثة أعوام للانضمام. وعندما تفقدهم بعد عام واحد، فأنت بحاجة إلى العمل بجد للحفاظ على المستوى نفسه من النجاح.

هل يجب تعويض لاعبي الجامعة بسخاء عن كل ما يقدمونه؟

أنا مؤمن جداً بإعطاء الشباب أكبر قدر ممكن تحت ما أُطلق عليه "مظلة المنح الدراسية"، ومن خلال توفير تأمين ضد الإصابات، وتقديم أفضل كساء وغذاء لهم، وإعطائهم مصروفات الدراسة الحالية. أعتقد أنه في السنوات الثلاث الماضية، ما يحصل عليه اللاعب الجامعي قد ازداد على نحو كبير.

يميل الناس إما إلى حب "جامعة ديوك" أو كراهيتها. ماذا تقول للاعبين حول كيفية التعامل مع كل من التوقعات العالية والنقد الحاد؟

أول شيء أقوله لهم "من حسن حظك أنك في مكانة تلفت أنظار الناس إليك، لكن تذكر أنك جزء من شيء أكبر منك". سيكوِّن الجميع انطباعات، ويضعون توقعات مع وجود بعض الغيرة، لذا يتعين على لاعبينا أن يتعلموا العيش في بيئة من هذا النوع، والتحسن داخلها أيضاً.

عندما يرتكب اللاعبون أخطاء أو يفشلون في الارتقاء إلى المعايير التي وضعتها لهم، كيف تتعامل مع هذا الأمر؟

أفعل كل ما يتطلبه الوضع، وأحاول ألا أتصرف وفق نموذج محدد في مثل هذه المواقف، ولا أؤمن أنه يجب عليّ فعل ما يُخبرني الناس أنه من المفترض عليّ فعله. فعندما يقولون "لقد فعل فلان ذلك، فينبغي لك فعله"، حينها ما أقوله هو: لم يكن ينبغي له أن يفعل ذلك، نحن نتحمل المسؤولية هنا، ولا أحتاج أن أخبرك كيف نقوم بذلك. بصفتي معلماً، أحترم حق الفرد في أن يُتم تعليمه في خصوصية قدر الإمكان.

ما السبيل لتحفيز الفريق، سواء كان يؤدي أداءً جيداً أم لا؟

يجب أن يبدو التحفيز جلياً في نفسك، يجب أن يروا ذلك من خلالك كل يوم. يتفهم اللاعبون المحترفون الأكبر سناً أن عليهم الحضور كل يوم مهما يكن، وأنه لا توجد أعذار. أما في حالة الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و23 عاماً، فيكون هذا الالتزام أصعب، لذا يجب عليك محاسبتهم وطرح أسئلة عليهم من قبيل: لماذا لم تحضر اليوم؟ هل ترغب بشدة في أن يتحسن أداؤك؟ هل أنت خائف من شيء ما؟ هل السبب في ذلك عاداتك في النوم أم نظامك الغذائي؟ وفي النهاية تصل إلى المرحلة التي يُحفزون فيها أنفسهم.

بأي طريقة كيَّفت أسلوبك لتتمكن من تدريب اللاعبين المحترفين في المنتخب الوطني؟

مع لاعبي الجامعة، أنا أدرّس وهم يتعلمون، وأغير حدود ما يعتقدون أن بإمكانهم تحقيقه، وأسرّع الخطى التي تسير بها الأمور، مع جعلهم يعرفون أنهم ليسوا اللاعبين الجيدين الوحيدين في الفريق، ومساعدتهم على اللعب معاً والتعلم من بعضهم البعض، وأن يثقوا في أنهم إذا أخفقوا سيكون هناك شخص ليقدم لهم الدعم والعون. أما مع المنتخب الوطني، فبعض أفضل أساليبهم تُعد أفضل أو أكثر ملاءمة من أساليبي. لذا، نحن نتكيف مع بعضنا البعض، ونتولى جميعاً زمام الأمور. وللتواصل أهمية كبيرة بالطبع، فأنا أتحدث مع كل لاعب حول عاداته وطريقته المفضلة في اللعب. في أحد تدريباتي الأولى في الألعاب الأولمبية، سألني جيسون كيد، أحد أفضل لاعبي الهجوم الخلفي العظماء، عما أريد منه فعله. وقد قلت له: فقط كن على طبيعتك. فالحقيقة أنه لا ينبغي أن تُغيّرهم، ولكن فقط أن تجعلهم يدمجون مواهبهم الاستثنائية مع مواهب اللاعبين الآخرين. ومن المهم أن تسأل نفسك دائماً: مَن الذين أقودهم؟ وما التجارب التي أمر بها معهم؟ وما هي مهمتي؟ فلا يوجد أسلوب قيادة محدد يناسب المواقف كلها.

كيف أثّرت تدريبات الجيش على الطريقة التي تُدرب بها اللاعبين؟

أثّرت كثيراً، أعتقد أن "الأكاديمية العسكرية الأميركية" هي أفضل مدرسة لتعليم القيادة في العالم، تعلمتُ هناك أنه من أجل تغيير الحدود، قد تظهر بمظهر سيئ في بعض الأحيان، وقد تفشل، ولكنك سوف تتعلم من هذا الفشل، وسوف تعرف كيف تصبح أفضل، وكيف تتأكد أن هذا لن يحدث مجدداً، فالفشل ليس وجهة، ومواطن الضعف تصبح مع الوقت مواطن قوة، ويجب أن تتعلم طوال حياتك، وتؤمن أنه بإمكانك أن تصبح أفضل. والأمر أيضاً يتعلق بالعمل الجماعي، فأنت لن تفعل هذا بمفردك.

لقد لعبتَ مع بوب نايت وخدمت تحت قيادته، ما هي بعض أهم الدروس التي علمك إياها؟

لقد كان مدرباً رائعاً من الناحية الفنية، مما ساعدني على تعلم اللعبة، وكان أيضاً مخططاً محنكاً، وإذا دمجتَ هذا التخطيط مع الشغف بالفوز، فلديك فرصة جيدة لأن تكون ناجحاً. لقد أعجبتُ أيضاً بارتباطه العاطفي بكل فريق من فرقه، وكذلك بكل مباراة.

كيف ساعدتك المنافسات، مثل تلك التي كانت مع دين سميث؟

أحاول ألا أدرب فريقي للفوز على مدرب الفريق الآخر، وإنما للفوز على لاعبي الفريق الآخر. عندما كنت مدرباً مبتدئاً لم أفكر قط بعقلية "بما أننا تغلبنا على فريق دين سميث، إذاً فقد وصلنا للقمة"، فهذه ليست الطريقة التي يجب أن نفوز بها بالبطولات. ولكنك تتعلم الكثير عندما تلعب ضد فرق ومدربين عظماء، لأنك تتعلم من استراتيجياتهم، وكيف عرفوا نقاط ضعفك، وما الذي يفعلونه في أثناء المباريات، فهذا ما يجعلك تستعد وتعمل بجهد أكبر. لقد كان دين واحداً من أعظم المدربين في التاريخ، ورجل صالح حقاً، وقد غرس شيئاً سيدوم للأبد، فمنافسة شخص كهذا تجعلك أفضل بالتأكيد.

لطالما شاركت زوجتك وبناتك في عملك. لماذا اخترت مزج الحياة الشخصية بالحياة المهنية؟

لقد حدث هذا بشكل طبيعي دون تخطيط، زوجتي ذكية، ومنذ البداية كانت الاقتراحات التي قدمتها والأشياء التي قامت بها جيدة ومناسبة، كما أنها جعلتني أنا والبرنامج أفضل حالاً، وبالطبع يختلف منظور أربع نساء عن منظوري من واقع عالم الرجال الذي أعيش فيه، وهذا ساعدني على النمو والنجاح، ونحن نطلق على أنفسنا اسم "اللاعبين الخمسة الأساسيين".

كان أحد أكبر قراراتك المهنية هو رفض عروض التدريب في "الرابطة الوطنية لكرة السلة". ما السبب؟

لقد كنتُ محظوظاً بما يكفي لأن تُقدَّم لي تلك العروض عدة مرات. أصعب عروض رفضتها كانت عرض فريق "بوسطن سلتكس" (Celtics) عام 1990، وعرض فريق "لوس أنجلوس ليكرز" (Lakers) عام 2004. ولكنني كنت أجد أنني أحب فريق الجامعة لكرة السلة أكثر، فأنا حقاً أحب فريق "جامعة ديوك"، وأنا سعيد للغاية لأنني بقيت معهم. ولم تكن تلك قرارات صعبة.

متى تتوقع أن تتقاعد، وكيف؟

لا أرغب في التخطيط لهذا، فإذا حان الوقت وأنت غير مستعد، فسيكون هذا سيئاً، تماماً مثل انتظار الوقت الذي خططت لأن تتقاعد فيه عندما كان يجدر بك أن تكون تقاعدت بالفعل. أعمل في التدريس والمحاورة وأشياء أخرى، ويمكنني الاستمرار في ممارستها إذا توقفت عن التدريب، لكنني لست مستعداً لترك منصبي في الوقت الحالي، فما زلت متحمساً تجاه دوري بوصفي قائداً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي