قالت لي مديرة مجلس إدارة ذات مرة: “كنت متخوفة عدة سنوات في بداية مساري المهني بمجلس الإدارة لأنني لم أمتلك شهادة جامعية في إدارة الأعمال، وكنت أشعر أنني غير مستعدة لهذا المنصب”. وقالت مديرة أخرى وهي توضح ظروف نشأتها في ظل ذكريات العنصرية والاضطهاد: “مجالس الإدارة ما تزال حكراً على الرجال ذوي البشرة البيضاء، لذا دُهشتُ لأنني كنت أول امرأة أميركية إفريقية في مجلس الإدارة”.

بصفتي قائداً ممارساً على صعيد الولايات المتحدة الأميركية لخدمات الرؤساء التنفيذيين ومجالس الإدارة في شركة بويدن (Boyden)، المتخصصة في البحث عن المسؤولين التنفيذين، تواصلت مع مئات من مدراء مجالس الإدارة الحاليين والطامحين إلى الانضمام إليها. وتظلّ الأسئلة المطروحة حول امتلاك المؤهلات المطلوبة لخدمة مجالس الإدارة مصدر قلق للعديد من الأشخاص الذين تحدثت إليهم، لا سيما الذين ينتمون إلى فئات ضعيفة التمثيل.

وتتوافق خبرتي مع نتائج الأبحاث التي تُظهر أن الناجحين المنتمين إلى الفئات الضعيفة التمثيل يعانون في الغالب متلازمة المحتال، أو لا يثقون في مهاراتهم ومنجزاتهم أو يخافون من أن يُتّهموا بالاحتيال. ولعل النساء وأصحاب البشرة الملونة أكثر عرضة للشعور بعدم تلاؤم مؤهلاتهم مع مجالس الإدارة وأنهم غير مرحّب بهم فيها ولا يشعرون بالانتماء إليها.

يمكن أن تشلّك متلازمة المحتال نفسياً وعاطفياً، وتستنزف طاقتك وتركيزك، وتُشعرك بالعجز عن الأداء الذي تقدر عليه، وتزيد شكك بنفسك. وإذا كنت تعانيها فقد تفسّر نجاحاتك بسهولتها وقدرة أيّ شخص على تحقيقها، أو تنسبها إلى الحظ، أو تخشى أن يكون الآخرون مخطئين في اعتقادهم أنك موهوب. وعندما تتعثّر أو تواجه تحديات تتضخم نظرة انعدام الكفاءة التي تحملها عن نفسك أكثر من حقيقتها، ما يزيد فرص فشلك ويُديم المتلازمة التي تعانيها.

وإذا كان الوعي بهذه الدورة مفيداً، ففهم متلازمة المحتال لا يساعد كثيراً على الحدّ منها، لكن عليك أن تفعل شيئاً، ولهذا تحتاج إلى موكسي.

تعريف مفهوم موكسي

تعكس كلمة موكسي (Moxie) قوة الحافز (لكن تختلف عنها)، وترتبط بسمات مثل الإصرار وضبط النفس وقدرة التغلب على التسويف. شاع استخدام كلمة موكسي في عشرينيات القرن الماضي من خلال إعلان مشروب غازي يزعم منح شاربِيه الحيوية والجرأة والنشاط، وأصبحت الكلمة في الوعي الثقافي الأميركي رمزاً للقوة والقتالية والمهارة والخبرة بعد أن ساند لاعب فريق بوسطن ريد سوكس للبيسبول، تيد ويليامز، هذا المشروب.

ووجدتُ من خلال البحث الذي أنجزته أن سمات موكسي؛ أي قوة الإرادة والانضباط الذاتي والقدرة على الاستمرار على الرغم من التحديات، كانت حاسمة في نجاح مدراء الإدارة من الفئات الضعيفة التمثيل. وصفت مديرة من أصول لاتينية مصطلح موكسي بالآتي: “لاحظت أن زملائي من ذوي البشرة الداكنة يتجاوزون المعوقات التي تعترض مسارهم المهني، وكلمّا وضعوا أهدافاً نجحوا في تحقيقها. كانوا يتمتعون بعقلية رفض الفشل. وبمجرد تقليدهم ارتقيت بسرعة في سلم النجاح المؤسسي بمفردي”.

أوضح المدراء الذين قابلتهم أنهم لا يعتبرون العقبات التي تواجههم فشلاً شخصياً، كما لا ينسبونها إلى معوقات منهجية خارجية لا يمكن تجاوزها. عندما طلبت منهم تحديد المعوقات التي واجهتهم، تطلّب منهم ذلك بعض الوقت للتذكّر والإجابة لأنهم حوّلوا هذه العقبات التي واجهتهم إلى مصادر تحفيز. وتبيّن أن سمات موكسي التي ظهرت عندهم كانت ردّ فعل على تجارب العنصرية والتحيّز الجنسي والإساءات اليومية وغيرها من الصعوبات التي واجهوها خلال طفولتهم.

إذا كنتِ امرأة أو كنتَ من أصحاب البشرة الملونة وأردت أن تتقدّم في مسارك المهني، فستواجه عقبات وستفشل، وفي مثل هذه الظروف يتعيّن عليك أن تختار: هل ستسمح للعقبات والفشل أن يفاقموا متلازمة المحتال التي تعانيها أم ستنهض وتستخدم سمات موكسي للمثابرة من أجل تحقيق هدفك؟

إذا اخترت الاعتماد على سمات موكسي فقد لا يخيب ظنك. أظهرت دراسة أنجزتها أستاذة علم النفس جيسيكا كورتيس مع زملائها، أن سمات موكسي تتنبأ بالتحفيز الجوهري والعرَضي أكثر من أشكال التحفيز الأخرى مثل الإصرار وضبط النفس، كما أنها تنبئ إلى حد كبير بإمكانية تحقيق الأهداف لأن من يتميزون بها يستثمرون موارد أكثر لبلوغ آمالهم. اكتشفت إحدى المديرات اللواتي قابلتهنّ على سبيل المثال أن اختيارها قضاء سنوات في العمل مستشارة ثم العمل في منصب رئيسة تنفيذية في شركة صغيرة وضعا عقبات ملموسة أمام طموحها إلى عضوية مجلس إدارة شركة كبيرة. وأوضحت ذلك قائلة: “ما تزال مجالس الإدارة تميل إلى التوظيف وفقاً لقائمة مرجعية تضمّ الرؤساء التنفيذيين الحاليين في الشركات المتعددة الجنسيات. لذا عندما كنت أتصل بوكيل توظيف كان يجيبني قائلاً: سيتعيّن عليّ أن أبذل جهداً حقيقياً لإقناع مجلس الإدارة أن الأمر يستحقّ التواصل معك”. وفي هذه المرحلة كان من الممكن أن تتفق مع آراء الآخرين الذين يعتقدون أنها غير مؤهلة للعمل في مجلس الإدارة، لكنها أدركت بدلاً من ذلك الحاجة إلى تحويل خبراتها ومهاراتها إلى خطاب يمكن أن تفهمه مجالس الإدارة وتنجذب إليه. وبعد أن قضت 3 سنوات فقط في خدمة مجلس الإدارة، نالت اليوم العضوية في مجالس إدارة 3 شركات ذات أسهم مطروحة للتداول العام، و3 مجالس إدارة مؤسسات غير ربحية.

استثمر قوة سمات موكسي الخارقة

وفقاً لتجارب المدراء ذوي التمثيل الضعيفة الذين أجريتُ معهم مقابلات في إطار هذه الدراسة ومدراء مجالس الإدارة الحاليين والطامحين إلى الانضمام إليها الذين أواصل التفاعل معهم، أقترح 4 أساليب لمساعدتك على جعل سمات موكسي التي تتمتع بها قوتك الخارقة الخاصة:

1. استخدم مواطن القوة التي اكتسبتها من المعوقات الثقافية التي واجهتك

عانينا نحن أصحاب البشرة الملونة قروناً من الصعاب والقمع، واكتسبنا خلالها السلوكيات والأساليب التي تعطينا مزايا فريدة وفقاً لما توضحه الأبحاث التي اهتمّت بمسألتيّ التكيف المرتبط بالعنصرية ونمو ما بعد الصدمة الناتج عن الصدمة العرقية. ووجدت الباحثة تابيثا غرير ريد مع زملائها في جامعة مينيسوتا أن تعميق علاقاتك مع الآخرين واستخدام مواطن قوتك الداخلية وتطوير منظورات جديدة للحياة وتقديرها وتقوية ارتباطك بالجانب الروحي على وجه التحديد يساعدك على النمو والازدهار في مسارك المهني وحياتك.

أوضحت امرأة من ذوات البشرة الداكنة وعضو مجلس إدارة إحدى الشركات أن أجدادها ربّوها على فهم عدم تكافؤ الفرص المقدمة لأصحاب البشرة الملونة، لذلك ثابرت من أجل تجاوز المعوقات لأنها كما تقول: “لم يكن لدي خيار. كان الآباء والأجداد يقولون لي ولنساء كثيرات من بنات جيلي إن علينا أن نواجه واقعنا وننجز ما علينا. حقق هدفك وإذا أتيحت لك فرصة فأظهر للآخرين أنك تستحقها”. كما أوضح المدراء الآخرون الذين قابلتهم أنهم تعلّموا تجاهل أيّ معوقات تقف أمامهم أو الانحناء لها أو القفز فوقها أو الالتفاف من حولها أو تجاوزها؛ أي أنهم بعبارة أخرى كانوا يستثمرون سمات موكسي التي يتميزون بها.

لتحويل الصعوبات التي تواجهك إلى سمات موكسي، حدد موقفاً صعباً تغلّبت عليه في الماضي. فكّر كيف تجاوزت هذا الموقف وعالجته. ثم صغْ هذه التجربة في شكل مبادئ تعلّمتها ومواطن قوة اكتسبتها. تشكّل هذه المبادئ وهذه القوة مجتمعة بعضاً من مكونات سمات موكسي التي تميّزك.

على سبيل المثال تشتكي النساء والطلبة أصحاب البشرة الملونة من الصور النمطية السلبية التي تواجههم عندما يلتحقون بدروس العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. صرّحت امرأة قائلة: “كان عليّ أن أدرس مادة الكيمياء العضوية لكن دون الدروس التحضيرية التي تلقاها زملائي على مدار سنوات، فكنت أطرح الكثير من الأسئلة التي تبدو ابتدائية بالنسبة إلى الآخرين. لذلك كان الجميع سواء من الطلبة أو المحاضرين، أو حتّى موجّهِي يعتقدون أنه لا علاقة لي بهذا المجال، ويرفضون مساعدتي”. للتغلّب على هذا التحدي الهائل: “قضيت لياليَ عديدة دون نوم في قراءة مواد إضافية ومراجعة ملاحظات الدروس والمهام المنزلية عدة مرات، فاستدركت شيئاً فشيئاً ما ينقصني. وفي النهاية تخرجّت وحصلت على شهادتي بإحدى أعلى الدرجات”. أدركت هذه المرأة من خلال هذه التجربة أنها استمتعت بالتحدي واكتشفت أن بإمكانها الاعتماد على مواطن قوتها المتمثلة في الأخلاقيات المهنية المتماسكة والانضباط الذاتي والتركيز والقدرة على تعلّم معارف علمية غير مألوفة بدعم محدود. فساعدتها سمات موكسي على مواصلة الازدهار في مسارها المهني.

2. اسمح لنفسك باللعب

أشرفت الأستاذة بكلية لندن للأعمال، هيرمينيا إيبارا، على بحث موسّع حول ما تسمّيه “لعبة الهويات” التي تتطلب اختبار أفكار وسلوكيات جديدة خلال خوض تحديات أو أدوار مهنية جديدة، وتستخدم إيبارا مصطلح “لعبة” للتعوّد على أنك لن تؤدي دورك المهني الجديد كما تفعل في الأدوار الأخرى المعتادة.

من المهم التأكيد أن “اللعب” لا يعني هنا تبنّي موقف “التظاهر بالنجاح حتّى تحقيقه”، بل يتعلق بالنمو بصدق في الأدوار الجديدة من خلال تجربة سلوكيات جديدة واكتساب الثقة وإتاحة الوقت والمجال لنفسك للتطور. كان هذا أسلوباً حاسماً بالنسبة إلى مديرة قابلتها وقالت لي: “التمويل بالدَّين وأسواق السندات وقاعدة المستثمرين كانت مصطلحات غريبة بالنسبة إليّ. لذا عندما أتيحت لي الفرصة، قلت في نفسي يجب أن أحصل فقط على المعرفة الكافية كي أحافظ على موقعي، فواصلت المحاولة والتركيز على التعلّم”.

كي تعزز لعبة الهويات الخاصة بك، فكّر في أحد مواقف العمل التي ما زلتَ تتعلمها. يمكنك تقسيم هذا الموقف أو الدور إلى سلسلة من تجارب التعلّم الصغيرة مع التخطيط لإجراءات مدروسة والتجريب وجمع البيانات عن أدائك. ثم كرّر هذه الدورة.

3. تجاهلْ المعارضين

إذا كنت تعمل بجدّ لتحقيق الكثير من الأهداف في عملك وحياتك، فمن المؤكد أنك ستواجه المعارضين الذين سيحرصون على إبراز مواطن الخلل التي تحول دون تقدّمك. وصفت المرأة المهنية الرائدة في عالم الشركات الكبرى خلال السبعينيات، الراحلة كاليل جيميسون، هذه الرسائل بـ “القضْمات” التي تهدف إلى التقليل من قيمتك.

عندما تقبل عملية القضم (أو الأسوأ، عندما تبدأ أنت بها) فإنك تفاقم متلازمة المحتال التي تعانيها. لاحظت ذلك مؤخراً لدى متدربة شابة وموهوبة كانت تقود التغيير التحويلي في الشركة التي تعمل بها، على الرغم من أنها التحقت بها قبل أشهر فقط؛ بينما حظيت مبادرتها بمباركة مديرها ورئيسها التنفيذي عارضها أحد القادة الأعلى رتبة منها بقوله: “حسناً، خطتك هذه غير قابلة للتطبيق بتاتاً”. فوقعت في فخّ الشك بنفسها. بعد اطلاعي على الخطة التي اقترحتها عرفت أن هذا الانتقاد لم يكن له أساس، وشككت بوجود تفاصيل أخرى وراء هذه القصة. بمجرد أن قيّمنا الموقف اكتشفت أنها قدمت خطتها بأسلوب ينتقد عن غير قصد عمل القائد، ما أدى إلى رد فعله السلبي المتوقع. ثم ناقشنا المزيد من الأساليب الفعالة للحصول على دعم مختلف المعنيين بالخطة، بمن فيهم هذا القائد، فأعدَّت خطة أكثر نجاحاً ونفذتها وتعلّمت بالتالي من هذه التجربة وعزّزت كفاءاتها.

عندما تتعرّض للانتقادات أعِد صياغتها باعتبارها فرضية (أن تتقبّل على سبيل المثال ملاحظة القائد كأنه قال: “لن تنجح الخطة” بدلاً من “غير قابلة للتطبيق”)، ثم حدد أساليب اختبار هذه الفرضية مثل تلقي الملاحظات من الموجّهين المؤتمنين أو إجراء عمليات إثبات المفهوم المنخفضة المخاطر. وثالثاً اجمع البيانات واختبر الفرضية. مهما كانت النتائج ستنال تقييماً ملموساً وعملياً فإنه سيساعدك على التقدّم.

4. اعرف متى تتراجع

لاحظت الباحثتان روتشيكا تولشيان وجودي آن بوري بذكاء أن متلازمة المحتال تُستخدم غالباً لإخفاء التحيّز والعنصرية المنهجيين في أماكن العمل. هذا يعني أن سمات موكسي لن تنجح في المواقف كلها.

كانت إحدى المديرات اللواتي استجوبتهنّ تحلم منذ زمن طويل أن تصبح رئيسة تنفيذية للشركة التي تعمل بها، تقول: “أدركت في النهاية أنني لا أستطيع السيطرة على كيفية اتخاذ القيادة قرار اختيار ذوي المناصب العليا على الرغم من أدائي الجيد. لذا اتخذت قراراً صعباً وأصررت على أن أصبح رئيسة تنفيذية، لكن كان عليّ أن أغادر الشركة. وهذا ما فعلته”.

عندما تواجه عقبة معينة خذ وقتاً كافياً لتقييم ما ستحتاج إليه للتغلب عليها من الكفاءات والطاقة والشغف، ثم قيّم بجدية رغبتك في توظيف مواردك بهذه الطريقة. على سبيل المثال إذا اتضح لك أن النجاح يتطلب معرفة أو مهارات لا تمتلكها ولا يمكنك تطويرها واقعياً في الإطار الزمني المطلوب أو لا تستطيع الحصول على التوجيه والمناصرة اللذين تحتاج إليهما، فقد يكون من الحكمة أن تتراجع عن هدفك. عندما تقيّم بتأنٍّ المعوقات التي تواجهك فإما أن تقبل التحدّي وأنت على دراية كاملة بالمطلوب منك، وإما أن تخصص قدراتك لبيئات مناسبة لك أكثر.

أنا أول من يعترف بأن الخطوات التي شرحتها أعلاه ليست سهلة. يتطلب التخلص من متلازمة المحتال والتحلّي بسمات موكسي إعادة النظر في افتراضاتك وقيمك ومعتقداتك. كما يتطلب المخاطرة بتبنّي سلوكيات جديدة والالتزام أكثر بتطوير نفسك أكثر من أيّ وقت مضى. بعبارة أخرى، إن التحلّي بسمات موكسي يضعك على مسار التعلّم التحويلي الذي يرتكز على حقيقة بديهية هي أن النمو يأتي من المشقة، كما قال ذلك الرجل العجوز في مسرحية الكاتب جورج برنارد شو “العودة إلى ميتوشالح” (Back to Methusaleh): “ليس الغرض من الحياة أن تكون سهلة يا بنيّ، ولكن كن شجاعاً فقد تكون الشجاعة ممتعة”.