العائد التراكمي معجزة من معجزات الكون، هكذا يراه آلبرت آينشتاين أيضاً، والذي قال إن عجائب الدنيا 7 وثامنها العائد التراكمي فمن يفهمه يكسبه ومن يجهله يخسره.
وعلى الرغم من أن المصطلح معروف في الأمور المالية (مع ذلك قليل من الناس يعرفونه) إلا أنه لا ينطبق فقط على هذا القطاع، بل ينطبق أيضاً على أمور كثيرة في الحياة كالسمعة والصحة والعلاقات والمعرفة والتفكير، فالشخص الذي يعمل على بناء سمعة جيدة لفترة طويلة لابد للحياة أن تكافئه، والشخص الذي يستثمر في صحته ونفسه وعلاقاته لمدة طويلة لابد أن يجني ثمارها لاحقاً.
ما هو العائد التراكمي وكيف يعمل؟
العائد التراكمي هو أن تستثمر في شيء ما وتحصل على نتيجة (ربح) ثم تعيد استثمار هذا الربح مرة أخرى حتى تتراكم الأرباح في النهاية.
أولاً: العائد التراكمي في الاستثمار
في هذا المقال نستعرض بعض الأمثلة، ولنفترض أنك استثمرت مبلغ 1,000 دولار بمعدل عائد 10% فقط ولم تقم بعمل شيء آخر، بحسبة بسيطة ستعرف أن السنة القادمة سيصبح لديك 1,100 دولار وفي السنة التي تليها 1,210 دولار لأنك كسبت عائد 10% تراكمي على العائد الذي حققته السنة الماضية. الآن المبلغ ليس كبيراً لكنك ستدرك مع الوقت أنه سيصبح كبيراً لو عرفت أنك تركت 1,000 دولار وأعدت استثمارها مع الأرباح لأنها ستنمو إلى 53,000 دولار فقط من استثمار 1,000 دولار.
وفي مثال آخر، لنفترض أن شخصاً ورث مبلغ 200 ألف دولار وهو بعمر العشرين وقرر أن يستثمره بمعدل عائد سنوي 10% وقرر ترك المبلغ حتى يصبح عمره 40 عاماً، فكم سيصبح المبلغ بعد 20 عاماً؟ سيصبح 1,345,499 دولاراً أي نحو 1.4 مليون دولار أي أن المبلغ تضاعف أكثر من ست مرات دون أي مجهود حقيقي منه وبدون إضافة أي مبالغ جديدة.
ماذا لو أضاف عليه مبلغاً بسيطاً، 20 ألف دولار سنوياً؟ سيصبح المبلغ حينها 2,491,000 دولار أي نحو 2.5 مليون دولار.
إذا فهمت قوة العائد التراكمي ستفهم معنى الصبر. فقط يتطلب منك ذلك إعادة استثمار الأرباح لكي تحصل على تأثير التراكم، ولو سحبت العوائد وصرفتها لن تستفيد من فكرة التراكم.
ثانياً: العائد التراكمي في عالم المعرفة والخبرة
يقول وارن بافيت إن القوة الحقيقية تكمن في مبدأ التراكم في المعرفة، فمن الضروري أن نستثمر في التعلم والقراءة والاطلاع في المجال الذي نهتم فيه وألا يقتصر الأمر على الاستثمار التقليدي.
يقول خبير التنمية الذاتية براين تريسي إن القراءة لمدة نصف ساعة يومياً في مجال معين تعني قراءة خمسين كتاباً في المتوسط سنوياً، ما يعني 900 ساعة خلال خمس سنوات وهذا بحد ذاته يؤهلك لتصبح خبيراً دولياً في أي مجال بعد خمس سنوات.
ثالثاً: العائد التراكمي في العلاقات والصداقات
هناك كتاب عنوانه "لا تأكل بمفردك" (Never Eat Alone)، يناقش فكرة وأهمية الاستثمار في العلاقات وكيف يمكن أن تخلق فرصاً عظيمة، والمؤلف هو خبير العلاقات الأمريكي كيث فيرازي الذي لخص فيه العديد من الدراسات واللقاءات مع الناجحين في أكبر شركات العالم.
من أهم الأفكار التي ناقشها كتاب "لا تأكل بمفردك":
- الحصول على شبكة علاقات جيدة شرط ضروري للنجاح وخاصة في الحصول على وظيفة:
يقول الكاتب إن الأشخاص ذوي العلاقات الجيدة لا يعانون في الحصول على وظيفة، والنجاح في العمل بدون علاقات جيدة أمر في غاية الصعوبة.
وجدت دراسة وردت في كتاب (Getting a Job)، أن 56% من الموظفين حصلوا على وظائفهم عن طريق العلاقات بطريقة ما، بينما 19% حصلوا على وظائفهم من الإعلانات الوظيفية و10% حصلوا عليها عن طريق البحث بأنفسهم.
- يجب أن تكون لديك رسالة مميزة، واسأل نفسك الأسئلة الأربعة التالية:
- ما الذي يجعلني مختلفاً عن الآخرين؟
- ما الإنجازات التي تميزني؟
- ما الذي يجعل لي قيمة؟
- مالذي يفكر فيه الناس عند سماعهم باسمي؟
- الناجح يبني علاقاته قبل أن يحتاج إليها
بناء العلاقات عند الحاجة فقط أشبه بالبحث عن شراء طوق النجاة والسفينة تغرق، وفي هذه الحالة سينظر إليك الآخرون على أنك شخص تستغلهم لمصالحك الشخصية، وهذا يؤكد مرة أخرى أهمية مبدأ التراكم وفهمه بشكل جيد والبدء بالتدرج فهذه الأمور لا تأتي بين يوم وليلة بل تأخذ الكثير من الوقت وينطبق عليها مبدأ التراكم.
- ماتبذله دائماً يعود إليك بالفائدة من حيث لا تدري
أشياء بسيطة تقوم بها لها تأثير كبير على مر السنين. الأمر يأخذ وقتاً لكن يجب أن نصبر لنرى النتائج، فمعظم الناس تتوقف وتستسلم، لكن من المهم أن لاترفع سقف توقعاتك وتريد الحصول على نتائج فورية.
رابعاً: العائد التراكمي في الصحة والقوة الجسدية
كما ذكرنا بدايةً، فإن مفهوم العائد التراكمي ينطبق على كل شيء في الحياة، ومنها الصحة، وإذا كنت تطمح لبناء جسد صحي يجب أن تقوم ببعض العادات البسيطة اليومية لفترات محددة ثم تزيدها تدريجياً.
لو أخذنا مثلاً رياضة الجري، يمكن أن تضيف 10% إلى الأميال التي تمشيها يومياً كمعدل متوسط، ولو افترضنا أن الشخص مبتدىء ولا يستطيع أن يمشي أكثر من 10 أميال في الأسبوع الأول، في الأسبوع الثاني يزيدها إلى 11 ميلاً (لا يوجد فرق كبير) لكن لو استمر على زيادة ميل واحد ونظر إليها من مفهوم التراكم بعد عشرة أسابيع، بافتراض أنه استمر، سوف يتمكن من الجري 26 ميلاً، وبعد 15 أسبوعاً سيصل إلى 42 ميلاً، وبعد فترة يمكن إضافة 15 ميلاً بالأسبوع. طبعاً هناك حد معين للزيادة وعلى المدى الطويل سيحصل على الفائدة المرجوة.
الآن فكّر في مجال واحد تستطيع من خلاله تطبيق مبدأ التراكم، سواء رياضة جديدة أو لغة جديدة أو مهارة جديدة كالكتابة. ابدأ الآن.