تقرير خاص

المشاركة المجتمعية: مفتاح نجاح المشاريع الكبرى

5 دقيقة
المشاريع الكبرى
shutterstock.com/KreativKolors

تشهد منطقة الشرق الأوسط زيادة ملحوظة في إنشاء المشاريع الكبرى الطموحة التي تهدف إلى إعادة تشكيل ورسم ملامح المنطقة. وتمنح العديد من تلك المشاريع أهمية خاصة لموضوع الاستدامة البيئية من خلال وضع وتنفيذ خطط شاملة من أجل خفض الانبعاثات الكربونية، والسعي نحو تلقي شهادات اعتماد المباني الخضراء. على سبيل المثال، يهدف أحد المشاريع الكبرى قيد التنفيذ في المنطقة إلى تحقيق الحياد الكربوني على امتداد فترة تنفيذ المشروع، فضلاً عن طرح مجموعة متكاملة من المبادرات الرامية إلى خفض الانبعاثات الكربونية الناجمة عن العمليات التشغيلية، وتعزيز التنوع البيولوجي، وتلقي عدد من شهادات الاعتماد من أنظمة مثل (LEED)، وبرنامج "مُستدام".

بالإضافة إلى ما تطرقنا إليه في المقدمة، لابد من بلورة فهم حول السياق المحلي ومراعاة خصوصيته من خلال المشاركة المجتمعية، لما لذلك من أهمية في ضمان نجاح المشاريع الكبرى؛ إذ تحتضنمنطقة الشرق الأوسط العديد من المجتمعات العريقة التي تمتلك جذوراً ثقافية راسخة، يعود تاريخ بعضها إلى آلاف السنين. إلّا أن حصر التركيز على جوانب التكلفة التشغيلية والجداول الزمنية عند تنفيذ المشاريع قد يفضي إلى تهميش المشاركة المجتمعية، والتطرق إليها فقط في حال بروز قضايا ذات صلة وليس بصورة استراتيجية مدروسة. وقد يؤدي هذا القصور في الرؤية إلى تقويض نجاح المشروع في مراحله الأولية، وإضعاف محفزات تحقيق القيمة على المدى البعيد مثل، الدعم المجتمعي والكفاءة التشغيلية والاستدامة.

لم تعد المشاركة المجتمعية أمراً اختيارياً، بل باتت ضرورة استراتيجية ومصدراً أساسياً لتحقيق الميزة التنافسية. ومن خلال اتباع نهج مُتكامل في تعزيز مشاركة المجتمعات المحلية، يمكن للمشاريع الكبرى إحداث تأثير إيجابي دائم، وضمان تنفيذ المشروعات الكبرى بصورة أكثر سلاسة واستدامة. واستناداً إلى خبراتنا الواسعة، حددنا 6 محاور رئيسية لتعزيز فاعلية المشاركة المجتمعية.

6 اعتبارات رئيسية عند وضع خارطة طريق لتعزيز المشاركة المجتمعية:

1. منح الأولوية لاحتياجات المجتمعات المحلية من خلال التقييم الشامل

تبدأ أولى خطوات عملية إعداد خارطة طريق فعالة لتعزيز المشاركة المجتمعية بإجراء تقييم دقيق لتحديد المجتمعات المحلية الأساسية وأبرز احتياجاتها. ويضمن هذا التقييم توجيه جهود المُشاركة نحو المجالات التي يمكن أن تُحدث فيها المشاريع التأثير الأكبر، مما يتيح الفرصة لتحقيق نتائج أكثر فاعلية وواقعية. على سبيل المثال، أجرت إحدى المؤسسات العالمية تحليلاً مُعمقاً شمل الدراسات الإثنوغرافية، والمقابلات الشخصية واللقاءات الجماعية، والاستبيانات، والتحليلات الديموغرافية، والمعلومات الجغرافية (GIS) لرسم الخرائط المجتمعية، وتقييمات التأثير المجتمعي. وقد أشارت النتائج إلى أن أبرز احتياجات المجتمع تمثلت في تلقي خدمات الرعاية الصحية ميسورة التكلفة، ما مكّن المؤسسة من تخصيص مواردها بطريقة استراتيجية، وإبرام شراكات مناسبة تصب في صالح تلبية احتياجات هذه المجتمعات. كما تم لاحقاً تصميم مبادرات مُحددة للاستجابةً لتلك الأولويات، مما وثق روابط المؤسسة مع المجتمع، وذلك بفضل مشاركة السكان المحليين في تصميم تلك الحلول.

2. تناغم المشاركة المجتمعية مع هوية المؤسسة واستراتيجية المشاريع الكبرى

يُشترط لنجاح المؤسسة في المشاركة المجتمعية، تحقيق التناغم مع هوية المؤسسة وجوهرها، واستراتيجيتها الشاملة للمشروع. ومن خلال ربط جهود المشاركة المجتمعية مع مواطن القوة الأساسية للمؤسسة وأهدافها طويلة الأمد، يُصبح بالإمكان تعزيز التأثير والتناغم. على سبيل المثال، أدخلت إحدى الشركات العالمية الرائدة في قطاع التكنولوجيا برامج لمحو الأمية الرقمية ضمن مبادراتها المجتمعية، ما عزز تركيزها الاستراتيجي على الابتكار والتكنولوجيا، ووفّر في الوقت ذاته فوائد ملموسة للمجتمعات المستهدفة.

3. ضمان التواصل المستمر والدائم

إن الموائمة والاستمرارية عنصران حاسمان لبناء جسرالثقة وتوطيد العلاقات مع المجتمعات المحلية. ولذلك يجب ألا يُنظر إلى المشاركة المجتمعية على أنها نشاط فردي مؤقت، بل أن تُبذل الجهود بصورة متواصلة ودورية تضمن فتح أبواب الحوار الدائم مع المجتمعات. وقد طبقت إحدى الشركات الكبرى هذا النهج خلال تنفيذ مشاريعها واسعة النطاق، بتنظيم فعاليات مجتمعية دورية تتضمن عقد ورش العمل التعليمية وتعزيز أنشطة السوق المحلية. إذ لم تقتصر أهمية هذه الأنشطة على تعزيز العلاقات المجتمعية، بل حافظت على قنوات تواصل مفتوحة تُتيح استكشاف الانطباعات والتعليقات التفاعلية المستمرة بين المشروع والمجتمع المحلي. كما أن المشاركة المجتمعية تقع على عاتق الطرفين؛ إذ تحتاج الجهة المُنفذة لمشاركة المستجدات وتقديم البرامج، فيما يجب تشجيع أفراد المجتمع على إبداء الرأي والملاحظات. وقد أثبتت التجربة أن أنجح المبادرات هي تلك التي تعزز مساهمة أفراد المجتمع في عملية تصميم الحلول.

4. مشاركة المجتمعات في أماكن معروفة يسهل الوصول إليها

يُسهم اختيار مواقع معروفة يسهل الوصول إليها في ضمان شمولية المشاركة المجتمعية واتساقها مع الثقافة المحلية، إلى جانب تذليل العقبات التي قد تعترضها. فالهدف هو تعزيز انتشارها من خلال ضمان توفير سُبل الراحة وتيسير الحضور لجميع الفئات. ويشمل ذلك تحديد مواعيد لإطلاق الفعاليات المجتمعية في أيام متعددة، وأوقات مناسبة، وأماكن متنوعة، أو في مواقع معروفة تشهد إقبالاً طبيعياً من المجتمع المحلي، كالمراكز المجتمعية أو الأماكن العامة. كما يشمل ذلك توظيف التقنيات المُتاحة عبر قنوات التواصل الإلكترونية أو الفعلية والإلكترونية معاً. وقد اعتمدت إحدى الشركات الرائدة هذا النهج من خلال استضافة فعاليات في أماكن مألوفة مثل المراكز المجتمعية والساحات العامة، ما أدى إلى تعزيز معدلات المشاركة وإثراء التواصل، وتعزيز التوجّه المشترك بين الشركة والمجتمع.

5. تشجيع القيادة الطموحة لجهود المشاركة المجتمعية

تُعد القيادة الطموحة والاستشرافية عاملاً أساسياً لضمان استدامة المشاركة المجتمعية، لاسيما في ظل الضغوط التشغيلية اليومية التي قد تُشتت الانتباه عن هذا الجانب الحيوي. وتحتاج جهود المشاركة المجتمعية إلى دعم مباشر من القيادات العليا في الشركة، والمُؤمنة بأهميتها والقادرة على توجيهها ضمن الأولويات الاستراتيجية. ويمكن للقادة المُلتزمين بالأهداف المجتمعية بعيدة المدى إحداث تأثير ملموس. على سبيل المثال، وضع الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات التكنولوجية البارزة مشاركة المجتمع المحلي بمثابة أولوية استراتيجية، من خلال إطلاق مبادرات وظّفت خبرات الشركة التكنولوجية في دعم التعليم الحكومي. ومن خلال إدخال هذه المبادرات في الاستراتيجية الشاملة للشركة، أسهمت القيادة في تحفيز التغيير الاجتماعي الإيجابي، وترسيخ القيم المؤسسية ومزايا الشركة في آن واحد.

6. ترسيخ المشاركة المجتمعية في جميع مستويات الهيكل التنظيمي

وأخيراً، ليكون للمشاركة المجتمعية تأثير حقيقي ومستدام، يجب ترسيخها في جميع مستويات الهيكل التنظيمي، وألا يُعهد بها فقط إلى فريق واحد؛ إذ لابد من تحقيق التكامل بين الإدارات المختلفة بما يضمن مشاركتها جميعها في تصميم وتنفيذ المبادرات المجتمعية، والاستفادة منها. كما يسمح هذا التكامل بالاستفادة من المهارات المتخصصة لكل فريق. مثلًا، استغلال قدرات قسم التسويق للترويج للفعاليات، أو خبرة الموارد البشرية في التوظيف السريع. وقد طبّقت إحدى شركات التطوير العقاري والبنية التحتية العالمية هذا النموذج بنجاح، حيث تولّى فريق مركزي وضع الاستراتيجية العامة، بينما تولّت فرق محلية تنفيذ مبادرات مُصممة خصيصاً حسب احتياجات كل منطقة. وقد مكّنها هذا النهج اللامركزي من الاستجابة بفعالية للاحتياجات المحلية، مع تعزيز التعاون الداخلي والتأثير المجتمعي في الوقت ذاته.

نهج منضبط للمشاركة المجتمعية

تُعد عملية التواصل والتعامل المثمرة مع المجتمعات المحلية من الصعوبة والأهمية بمكان، وتتطلب تخطيطاً دقيقاً، وأهدافاً واضحة، وفهماً عميقاً لديناميكيات المجتمع. ويستند نهج مجموعة بوسطن كونسلتينغ جروب (BCG)، المُطبّق في مشاريعها الكبرى في دول مجلس التعاون الخليجي، إلى التعاون متعدد الأطراف منذ المراحل الأولية للمشاريع. ومن خلال مواءمة أهداف المشاركة المجتمعية مع الأهداف العامة للمشروع، نُرسي أسس النجاح.

وقد بدأنا بتحديد المجتمعات المحلية ذات الأولوية بناءً على الأهداف المشتركة، وتناولنا قضايا مثل، التخفيف من آثار الإنشاءات وتحسين جودة الحياة. ثم أجرينا أبحاثاً ميدانية مُفصلة، مكّنتنا من تصميم برامج مُوجهة تعود بمنافع ملموسة. كما تم وضع جدول زمني للأنشطة لضمان استمرارية المشاركة عبر قنوات متعددة، إلى جانب وضع نموذج للحوكمة ينطوي على المسؤوليات، ومؤشرات الأداء الرئيسية، وخطة مرحلية لبناء القدرات التنظيمية.

إن المشاريع الكبرى بطبيعتها طويلة الأمد ومُعقدة، وبالتالي فإن مشاركة المجتمع تصبح بدورها أيضاً مشروعاً مستمراً. ومن خلال اتباع نهج مُنظم ومتسق وحقيقي، تستطيع هذه المشاريع تحقيق أثر إيجابي دائم في المجتمعات المحلية المحيطة بها، مما يعزز المنافع لجميع الأطراف ويضمن النجاح المستمر.

 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي