مفتاح العملاء السعداء هو الموظفون السعداء

5 دقائق

نعلم جميعاً أن الزبائن هم من يحددون مصير الشركات، وما أكّد هذه الحقيقة هي العبارة المأثورة التي صاغها كبار قادة متاجر التجزئة في أوائل القرن العشرين: "الزبون دائماً على حق". وقد بيّن جيف بيزوس الذي يُعتبر أحد أكثر رجال الأعمال شهرة اليوم أن نجاح شركة "أمازون" المذهل يكمن في هوسها بالزبائن قائلاً: "يمكنك التركيز على المنافسين، ويمكنك التركيز على المنتجات، ويمكنك التركيز على التكنولوجيا، أو التركيز على نموذج الأعمال... لكن في رأيي، أعتقد أن هوس التركيز على الزبائن هو ما يقود الشركة إلى القمة".

وفي حين يسعى قادة الشركات إلى التركيز على الزبائن، يقدّم بحثنا الأخير رؤى ثاقبة جديدة حول كيفية تحقيق هذه الغاية متمثّلة في جعل موظفيك مشاركين فاعلين وسعداء.

ويُعتبر موقع "غلاس دور" أحد المواقع الذي يضم بيانات هائلة حول تجارب الموظفين. لذلك، أجرينا دراسة على قاعدة بيانات الموقع والتي تتضمن الملايين من الرؤى الثاقبة حول الوظائف والرواتب وتقييمات الشركات والمراجعات، وحدّدنا تأثير رضا العمال على الاستبقاء وجذب المواهب وأداء الأسهم وغير ذلك.

وطرحنا السؤال التالي في دراستنا الجديدة: هل يمكن للشركات تحقيق نسبة عالية من رضا الزبائن من خلال الاستثمار في الموظفين والتأكد من أن الأفراد الذين يقدمون السلع والخدمات راضون عن وظائفهم؟

وكانت الإجابة واضحة، إذ يوجد رابط إحصائي قوي بين تقارير رفاهة الموظفين المبينة في موقع "غلاس دور" ورضا الزبائن بين عينة كبيرة من بعض أكبر الشركات اليوم. ومن الواضح أن سعادة العمال والموظفين ترتبط بقدرة الشركات على تحقيق مستويات أفضل من رضا الزبائن، وخاصة في الصناعات التي تنطوي على تواصل وثيق بين الموظفين والزبائن، بما في ذلك قطاع البيع بالتجزئة والسياحة والمطاعم والرعاية الصحية والخدمات المالية.

علاقة الموظفين السعداء بالزبائن السعداء

جمعنا مصدرين من مصادر البيانات بهدف دراسة هذا الارتباط بين الموظفين ورضا الزبائن، ألا وهما مراجعات الموظفين في موقع "غلاس دور" وتقييمات مؤشر رضا الزبائن الأميركي (ACSI) الذي يتضمن آراء 300,000 زبون من الولايات المتحدة بشأن المنتجات والخدمات. وأجرينا دراسة على 293 شركة كبيرة في 13 صناعة، بما في ذلك متوسط درجات تقييمها الشامل على موقع "غلاس دور" (على مقياس من واحد إلى خمسة) ودرجة مؤشر رضا الزبائن الأميركي (على مقياس من صفر إلى 100) سنوياً من عام 2008 وحتى عام 2018. وقيّمنا تأثير الموظفين على درجة رضا الزبائن باستخدام معطيات موحدة، مع مراعاة الاختلافات بين الشركات والسنة والصناعة.

ووجدنا أن كل تحسين متمثّل في نجمة واحدة في تصنيف موقع "غلاس دور" لشركة ما يقابله تحسن بمقدار 1.3 نقطة من أصل 100 نقطة في درجات رضا الزبائن، وهو تأثير ذو دلالة إحصائية، وكان هذا التأثير أكبر من الضعف في الصناعات التي يتفاعل فيها الموظفون مع الزبائن بشكل وثيق ومتكرر.

ويُعتبر هذا الاكتشاف مطابق تقريباً لدراسة حديثة أُجريت حول نفس الموضوع باستخدام بيانات مماثلة. وتقدّم هذه المجموعة المتنامية من الأبحاث مجتمعة رسالة قوية إلى الرؤساء التنفيذيين مفادها إذا كنت ترغب في بناء استراتيجية خاصة بالعميل أولاً، فإنَّ رفع معنويات الموظف شرط مسبق ضروري (وإن لم يكن كافياً).

ومن المحتمل أيضاً أن يعزز وجود الزبائن السعداء من رضا الموظفين، وليس العكس. وعلى الرغم من أن بياناتنا لا تُثبت العلاقة السببية، إلا أننا واثقون في نتائجنا لعدة أسباب، أولاً، شهدنا العديد من الأمثلة التي يرتفع فيها رضا الموظفين أو ينخفض مسفراً عن إحداث تغييرات في رضا الزبائن، في حين كانت الأمثلة المعاكسة لهذه الحالة نادرة. ثانياً، تتناول البيانات التغييرات التي طرأت على رضا الزبائن والموظفين داخل كل شركة على حدة، وهو ما يعالج المخاوف من أن تكون النتائج مدفوعة بالاختلافات بين الشركات وزبائنها. أخيراً، حتى إذا أظهرت دراستنا أن الموظفين الأكثر سعادة هم مجرد مؤشر على نجاح الزبائن وليس السبب الرئيس، فلا تزال هذه النتيجة مؤشراً مفيداً.

مجال الصناعة مهم، لكنه مثل كل القطاعات لا يتمتع بالحصانة

تمثّلت إحدى أقوى النتائج التي توصلنا إليها في وجود بعض الصناعات التي يكون رضا الموظفين والزبائن فيها أكثر ارتباطاً.

وتُعتبر قطاعات البيع بالتجزئة والخدمات الغذائية والرعاية الصحية وغيرها من الصناعات التي تتفاعل فيها المجموعتان بشكل روتيني أبرز مثال على ذلك، حيث أسفر كل تحسين متمثل في نجمة واحدة في تصنيفات موقع "غلاس دور" لشركة ما عن زيادة قدرها 3.2 نقطة في رضا الزبائن. ويُعد موظفو المبيعات والمحاسبون والنَدَل وموظفو المصارف أمثلة بارزة في بياناتنا عن العاملين في مجال الخدمات الذين يشكلون جزءاً كبيراً من القاعدة العمالية لدى الشركات، والذين ينقلون خبراتهم الشخصية وثقافة شركاتهم إلى الزبائن يومياً، سواء كانت جيدة أو سيئة. وعلى النقيض من ذلك، تُظهر بياناتنا أنه ليس لمهندسي البرمجيات وموظفي المستودعات أي تأثير يُذكر على رضا الزبائن، إذ نادراً ما تعمل هذه الشريحة من العمال بشكل وثيق مع الزبائن. (يمكنك قراءة تحليلنا بنفسك هنا).

في الوقت نفسه، تستفيد شركات التكنولوجيا والتصنيع حتى من الاستثمار في رضا الموظفين، ولا يشمل استثمارهم هذا العاملين في المناصب التي تنطوي على التفاعل مع الزبائن مثل خدمات المبيعات والدعم، وإنما الجنود المجهولين في الشركة أيضاً. ويجب على هذه المؤسسات التي تستثمر جهودها في سبيل خلق ثقافات إيجابية في مكان العمل إيجاد طرق تهدف إلى زيادة التفاعل بين الزبون والموظف. على سبيل المثال، على الرغم من أن شركة آبل هي شركة مصنعة في مجال التكنولوجيا، إلا أن الملايين من المتسوقين يزورون متاجرها التقليدية للبيع بالتجزئة يومياً ويتفاعلون مع موظفيها بشكل دائم، وهو ما يفيد صورة علامتها التجارية.

الشركات التي بلغت الوضع الأمثل

وجدنا من خلال دراسة بيانات مئات الشركات لأكثر من عقد من الزمان بلوغ العديد من الشركات الوضع الأمثل بمعدل عالٍ من رضا الموظفين (أربعة نجوم أو أعلى حسب تصنيف موقع "غلاس دور") بالإضافة إلى معدل عالٍ من رضا الزبائن (بتصنيف 80 نقطة أو أعلى حسب مؤشر رضا الزبائن الأميركي).

وتتصدر شركتا "ساوث ويست أيرلاينز" و"هيلتون" القائمة في مجال السفر والسياحة، بالإضافة إلى شركات البيع بالتجزئة مثل "كوستكو" (Costco) و"تريدر جوز" (Trader Joe’s). ولم تكن هذه النتائج مفاجئة، حيث إن الارتباط بين رضا الزبائن والموظفين يبرز بوضوح في كثير من الأحيان في مراجعات موقع "غلاس دور" بالنسبة إلى العديد من هذه الشركات. وكما كتب أحد موظفي "تريدر جوز"، "نحثّكم على قضاء وقت ممتع مع الزبائن، والإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالمنتجات [...] والأهم من ذلك هو إبداء اللطف مع الزبائن".

كما يمكننا ملاحظة نسبة رضا الموظفين والزبائن العالية خارج قطاع الصناعات الخدمية أيضاً. على سبيل المثال، تكتسب شركة "جونسون آند جونسون" تقييمات جيدة في كلتا المجموعتين، على الرغم من قلة العاملين لديها في الخطوط الأمامية. وقد كتب أحد موظفي "جونسون آند جونسون" مراجعة قائلاً: "نحن مثل لاعبي فريق واحد، ينجز المهمات وخدمة زبائننا".

الفوائد المادية المترتبة على وضع الموظفين في المقام الأول

نقدم في دراستنا أيضاً نظرة شاملة حول كيفية تأثير ثقافة الموظف على قيمة الشركة المالية من خلال استقطاب المزيد من الزبائن الراضين.

وقد توصّلت دراسة نُشرت عام 2006 في مجلة التسويق (Journal of Marketing) أن كل تحسن بنسبة 1% في درجات رضا الزبائن عن الشركة حسب مؤشر رضا الزبائن الأميركي كان مرتبطاً بزيادة ذات دلالة إحصائية بنسبة 4.6% في القيمة السوقية الإجمالية للأسهم. ومن خلال تطبيق هذه المعلومات على النتائج التي توصلنا إليها، يمكننا القول إن التأثير المحتمل للتحسن بمقدار نجمة واحدة في تقييمات الشركات في موقع "غلاس دور" يُسفر عن زيادة قدرها من 7.8% إلى 18.9% في قيمة الشركة السوقية على المدى الطويل، بالنظر إلى التحسن المتوقع غير المباشر في درجات رضا الزبائن.

إن هدف الشركة المتمثل في التركيز على الزبائن هو هدف يستحق العناء، لكن بحثنا يذكر قادة الشركات بأن التركيز على الزبائن وإهمال الروح المعنوية في مكان العمل هو استراتيجية سيئة وغير حكيمة. بدلاً من ذلك، يجب اعتبار رضا الزبائن والموظفين وجهان لعملة واحدة. ويوضح بحثنا السابق ما يمكن لأصحاب العمل القيام به لتحسين مشاركة العمال ورفاههم، بينما يظهر بحثنا الجديد أن هذه الاستراتيجيات نفسها قد تؤتي ثمارها في شكل زبائن أكثر سعادة.

اقرأ أيضاً: 3 طرق سهلة تدخل من خلالها السعادة إلى قلوب موظفيك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي