هذا هو الجزء الثالث والأخير من تحليل يتكون من ثلاثة أجزاء عن سوق الوسائط الإعلامية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويمكنكم الاطلاع على الجزأين الأول والثاني بالضغط على الرابطين.
دور الحكومات
نظراً لأن عدداً صغيراً نسبياً من شركات التقنية الدولية الكبرى يستحوذ على حصة أكبر بشكل متزايد من استهلاك الوسائط الإعلامية ومن عائداتها، فقد تزايدت الدعوات إلى التدخل الحكومي في سوق الوسائط الإعلامية. ويطالب البعض بقطع العلاقة مع شركات التقنية الكبرى، ويطالب آخرون بوضع سياسات حمائية لإنقاذ الشركات الإعلامية المحلية، بينما يطالب البعض الآخر بتشريعات تنظيمية جديدة. إذن، ما الذي ينبغي للحكومات في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر وبقية بلدان المنطقة القيام به لتعزيز بيئة عمل متكاملة إيجابية للوسائط الإعلامية؟
على سبيل المثال، يؤدي عدم الكشف عن الهوية بشكل كامل والتوقف عن جمع البيانات من قبل الشركات إلى صعوبة مكافحة الجرائم عبر الإنترنت. وغالباً ما تنجم عن التشريعات التنظيمية الجديدة لحماية المستهلكين من إساءة استخدام البيانات تبعات غير مقصودة يترتب عليها تقليل المنافسة. وكلما ناقشنا هذه المقايضات الصعبة بمزيد من الصراحة، كان من الأسهل تهيئة بيئة تنظيمية مفيدة يتفهمها المستهلكون والأوساط الأكاديمية والشركات على حد سواء ويتبعونها.
أمثلة على المفاضلات في السياسات الحكومية
ويُعد وجود بيئة أعمال تنافسية من بين أقل العوامل المساهمة إثارة للجدل وأكثرها تأثيراً في المشهد الإعلامي السليم. وفي حين أن المنافسة في صناعة الوسائط الإعلامية ظلت، في العادة، تفتقر إلى الكمال، يمكن للحكومات القيام بدورها للمساعدة في تهيئة ساحة منافسة متكافئة. ومن شأن أطر القوى التنافسية الخمس الذي طوّره مايكل بورتر – لا سيما فيما يتعلق بالتهديد النابع من الوافدين الجدد إلى السوق والحواجز التي تحول دون دخول منافسين جدد – أن يساعد في فهم المجالات التي يمكن للحكومات أن تؤدي فيها دوراً لتشجيع المنافسة، حيث إن معظم شركات الإعلام والتقنية الرائدة في عالمنا المعاصر تستفيد من مزيج يتكون من التكاليف الناجمة عن التحول إلى مقدم خدمة آخر والآثار المترتبة على وجود الشبكات ووفورات الحجم واللوائح التنظيمية الحكومية التي تجعل من الصعب على المنافسين الجدد أو المصادر البديلة التنافس معها. ويمكن للحكومات أن تؤدي دوراً فاعلاً في الحد من بعض هذه العوائق أمام دخول المنافسين الجدد، وفي تطبيق التشريعات التنظيمية المعقولة وإنفاذها وفي تعزيز بيئة عمل متكاملة سليمة بشكل عام.
يمثل إطار القوى التنافسية الخمس الذي طوّره مايكل بورتر أداة لتحليل المنافسة التجارية. وتشمل القوى التنافسية الخمس: التهديد النابع من دخول منافسين جدد وتهديد المنتجات أو الخدمات البديلة وحدة المنافسة في المجال والقوة التفاوضية للموردين والقوة التفاوضية للعملاء.
تقليل التكاليف الناجمة عن التحول إلى مقدم خدمة آخر وفوائد الشبكات
على غرار أهمية إمكانية نقل رقم الهاتف لتقليل التكاليف الناجمة عن التحول إلى مقدم خدمة آخر في الاتصالات، تعد إمكانية نقل البيانات مهمة لتقليل التكاليف الناجمة عن التحول إلى مقدم خدمة آخر في قطاع التقنية والوسائط الإعلامية. إذ إن تسهيل نقل أصدقاء الشخص والمخطط البياني لاهتماماته إلى شبكة اجتماعية أخرى، على سبيل المثال، يقلل من التكاليف الناجمة عن هذا التحول ويسهّل على المشتركين الجدد استخدام المنصة. كما يتيح للمشتركين الجدد الاستفادة بوتيرة أسرع بكثير من الآثار المترتبة على الشبكات المتعلقة بالطلب وبالتالي يزيل عائقاً آخر من العوائق التي تعتمد عليها شركات تجميع المعلومات كثيراً للحيلولة دون دخول منافسين جدد. وهذا يجعل من الإطار التنظيمي الذي يضمن إمكانية نقل البيانات وقابلية الاستخدام التبادلي ركيزة مهمة لضمان المنافسة السليمة في هذا العصر الرقمي.
اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: ما هي المقايضة؟
وفي حين أن إمكانية نقل البيانات من منصة إلى أخرى تحقق فوائد واضحة للمنافسة، إلا أنه توجد مقايضات يجب مراعاتها. وإحدى هذه المقايضات هي أن إمكانية نقل البيانات تسري في العادة على الطرفين، وهو ما يعني أن شركات تجميع المعلومات الرائدة سيكون بوسعها أيضاً استجلاب البيانات من الشركات الأصغر حجماً. بيد أن المقايضة الأكبر لا تتعلق بالمنافسة بل بخصوصية البيانات وأمنها. إذ تزيد إمكانية نقل البيانات، للأسف، احتمالات إساءة استخدام البيانات من قبل جهات أخرى. ويُعد قيام ألكسندر كوجان الذي كان باحثاً مشاركاً في جامعة كامبريدج بنقل البيانات، التي جمعها عبر أحد التطبيقات باستخدام واجهة برمجة تطبيقات تسجيل الدخول إلى موقع فيسبوك، إلى مؤسسة "كامبريدج أناليتيكا" (Cambridge Analytica)، خير مثال على إساءة استخدام إمكانية نقل البيانات.
واجهة برمجة التطبيقات هي مجموعة من القواعد والمواصفات التي تتيح للبرامج الحاسوبية المختلفة التفاعل مع بعضها البعض.
لذا، عندما تضع الحكومات تشريعات تنظيمية لتعزيز إمكانية نقل البيانات، فمن الأهمية بمكان وجود قواعد واضحة بشأن أدوار كل طرف والمسؤوليات الملقاة على عاتقه والنتائج المترتبة عليه عند نقل المعلومات، بما في ذلك السيناريو الأسوأ الذي يُساء فيه استخدام المعلومات من قبل الطرف الذي تُنقل إليه هذه المعلومات.
تطبيق شفافية البيانات والمعاقبة على إساءة استخدامها
يبدو أن معظم المستهلكين موافقون على تقديم البيانات لشركات التقنية والإعلام لكي يتسنى لها تحسين منتجاتها الاستهلاكية والإعلانية في المقابل. وفي نهاية المطاف، يتيح هذا للشركات تقديم تجربة مستخدم رفيعة وغالباً ما تكون مجانية.
وينبغي ألا تتدخل الحكومات في القرارات التي يتخذها المستهلكون. بيد أنه ينبغي لها وضع ضمانات تكفل معايير رفيعة لسلامة بيانات المستهلكين والشفافية بشأن كيفية استخدام الشركات لبيانات المستهلكين. إذ إنه لا يمكن للمستهلكين اتخاذ القرارات الصحيحة لأنفسهم إلا عندما تكون المقايضات الحقيقية واضحة بالنسبة إليهم. وعندما لا يتسم استخدام البيانات بالشفافية بالقدر الكافي أو يُساء استخدام هذه البيانات، ينبغي للحكومات اتخاذ إجراءات صارمة ومعاقبة الشركات التي تسيء استخدام بيانات المستهلكين.
كان عدم وضوح الممارسات فيما يتعلق بإمكانية نقل البيانات من موقع "فيسبوك" بواسطة التطبيقات الخارجية، بالقدر الكافي، بالنسبة إلى المستخدمين أحد الأسباب الرئيسة وراء الغرامة التي فرضتها لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية على شركة "فيسبوك" في عام 2019، على سبيل المثال.
الحد من إساءة استخدام القوة السوقية
على الرغم من حسن نوايا الحكومات إزاء تهيئة ساحة منافسة متكافئة، إلا أن أوجه القصور في السوق يمكن أن تؤدي إلى حالات تسيء فيها الشركات الرئيسية استخدام قوتها السوقية للحد من المنافسة أو للحصول على مزايا غير مستحقة. ومن الأمثلة على هذا النوع من السلوك اتفاقيات التوريد الحصرية والربط بين المنتجات وسياسة البيع بالخسارة.
خضعت شركة "جوجل"، في عام 2018، للغرامة لربطها "متصفح جوجل للبحث" وتطبيقاتها الأخرى الخاصة بالبحث بمتجر جوجل للتطبيقات "جوجل بلاي"، على سبيل المثال.
وينبغي حظر جميع هذه السلوكيات إذا أفضت إلى تقويض المنافسة السليمة، لاسيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعتمد فيها العديد من الشركات الأصغر حجماً على الوصول الهائل لشركات التقنية العالمية إلى المستهلكين. فهل من العدل، على سبيل المثال، أن تدفع شركة "أنغامي" إلى شركة "آبل" نسبة 30% (أصبحت 15% بعد عام واحد) عن الإيرادات التي تحققها من خلال متجر التطبيقات "آب ستور" الخاص بشركة "آبل"؟ ومن المسلّم به أن متجر تطبيقات "آبل" يحقق فوائد مهمة للمستهلكين والمطورين (مثل الأمن)، بيد أن نسبة 30% (وهي تكلفة لا تتحملها خدمة البث التي تقدمها شركة "آبل") مبلغاً معقولاً نظير القيمة المقدمة والتكاليف المتكبدة؟
وتُعد قوانين مناهضة الاحتكار والتدابير المتخذة لمكافحته معقدة، ولا تقوم الهيئات الحكومية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي دائماً بالأمور الصائبة في هذا الصدد، بيد أنها تعتبر إحدى الوسائل المهمة في هذا الشأن. ويتعين على حكومات البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إضافة ذلك إلى مجموعة أدواتها وتعزيز تشريعاتها التنظيمية لمكافحة الاحتكار وإنفاذ هذه التشريعات لضمان التنافسية في الأسواق.
في حالة شركة "آبل"، على سبيل المثال، يجب أولاً إثبات أن شركة "آبل" تتمتع بالفعل بمركز مهيمن وأنها تسيء استخدامه بشكل مجحف.
الوجه الآخر للتشريعات التنظيمية
يمكن أن تؤدي التشريعات التنظيمية دوراً مهماً في ضمان وجود فرص متكافئة للمنافسة. بيد أن هذه التشريعات يمكن أن تكون أيضاً مصدراً من مصادر تقليل المنافسة، حيث تساعد التشريعات العامة لحماية البيانات التي أصدرها الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، في حماية خصوصية مواطني الاتحاد الأوروبي، بيد أنها على الأرجح ستفضي إلى تقليل المنافسة. ويعود ذلك ليس فحسب إلى أن تنفيذها مكلف، بل أيضاً لأنها تؤدي إلى وجود منصات أكثر إغلاقاً. إذ تستفيد شركات تجميع المعلومات الكبيرة، التي تحظى بكميات ضخمة من البيانات التي تجمعها عن المستخدمين بصفتها طرفاً أول، من التتبع بصفتها طرفاً ثالثاً، بيد أن الشركات الأصغر حجماً والمنافسين الجدد هم الذين يعتمدون على بيانات شركات تجميع المعلومات بصورة أكبر. لذا، من المهم عند وضع تشريعات تنظيمية جديدة، أن تظل تكاليف تنفيذها منخفضة قدر الإمكان، بأن تكون جهوداً إقليمية تتماشى مع المعايير الدولية بدلاً من أن تكون جهوداً يقوم بها كل بلد على حدة، وأن تخضع المقايضات بشأنها للنقاش بصورة علانية.
تهيئة بيئة إيجابية للشركات الإعلامية بشكل عام
يمكن للحكومات في شتى أنحاء المنطقة العربية أيضاً القيام بدورها في زيادة احتمالية نجاح كل من نماذج الأعمال القائمة على الإعلانات ونماذج الأعمال القائمة على الاشتراكات، بشكل عام.
وبالنسبة إلى نماذج الأعمال القائمة على الاشتراكات، تتمثل أبسط طريقة يمكن للحكومات في المنطقة العربية من خلالها دعم بيئة العمل المتكاملة لسوق الوسائط الإعلامية في التعامل مع مكافحة القرصنة بصورة أكثر جدية. ولا يساعد اتخاذ إجراءات صارمة ضد الخدمات غير القانونية للقنوات الفضائية والبث التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية وخدمات بث المحتوى عبر الإنترنت، إلى جنب تعزيز توعية المستهلكين القنوات التلفزيونية المتوفرة بالاشتراك على المدى القصير فحسب، بل إنها ستغيّر أيضاً عقليات المستهلكين وتفيد جميع الخدمات المستندة إلى الاشتراكات على المدى الطويل.
وبالنسبة إلى الشركات القائمة على الإعلانات، يمكن أن يكون الدعم الذي تقدمه الحكومات لبيئة العمل المتكاملة لسوق الوسائط الإعلامية ذا طابع غير مباشر بدرجة أكبر. ويُعد الحجم الصغير لسوق الإعلانات في الوسائط الإعلامية أحد أكبر التحديات التي تواجه أي شركة إعلامية تعتمد على الإعلانات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي حين يتساوى عدد السكان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (باستثناء إيران وتركيا) تقريباً مع عدد سكان الولايات المتحدة، إلا أن سوق الإعلانات في الوسائط الإعلامية في المنطقة أصغر من مثيله في الولايات المتحدة بنحو 50 مرة. ويوضح انخفاض الناتج المحلي الإجمالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حوالي ثمانية أسباب لهذا التفاوت، بيد أن هذا لا يزال يترك ستة أسباب إلى سبعة أسباب لعوامل أخرى. وفي حين يبلغ الإنفاق الإعلاني 1.25% تقريباً من إجمالي الناتج المحلي في الولايات المتحدة، فإنه لا يتجاوز 0.2% من إجمالي الناتج المحلي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وحتى عند أخذ قطاع النفط والغاز الضخم في الاعتبار، وهو قطاع ينفق مبالغ أقل بكثير على الإعلانات، لا يزال يوجد تفاوت هائل بين الإنفاق الإعلاني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبين الولايات المتحدة.
يشير الإنفاق الإعلاني، في هذه الحالة، إلى الأموال التي تُنفق لدى الشركات الإعلامية التقليدية وكذلك شركات التقنية التي تعمل في منطقة وسطى بين الإعلام والتقنية. ويُستثنى من ذلك الأشكال الأخرى من التسويق (مثل التسويق التجاري) التي لا تدعم بيئة العمل المتكاملة للوسائط الإعلامية.
وتمثل مسؤولية هذا القطاع إحدى المشكلات التي تتسبب في هذا التفاوت. وخير مثال على ذلك هو عدم وجود نظام قياس موثوق ومستقل لجميع أشكال الوسائط الإعلامية، حتى الآن. بينما تُعد المشكلات الأخرى التي تتسبب في هذا التفاوت مشكلات هيكلية يمكن للحكومات التأثير عليها. ولا تزال حصة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي بالمنطقة صغيرة مقارنة ببقية أنحاء العالم. إذ لا تمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة، على وجه الخصوص، سوى جزء صغير من الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصادات الخليجية الرائدة مثل المملكة العربية السعودية. وفضلاً عن ذلك، لا تزال العديد من القطاعات الأساسية تفتقر إلى المنافسة السليمة. وتعيق كل هذه العوامل نمو سوق الإعلانات في المنطقة. ومن شأن تمكين الشركات الخاصة والشركات الصغيرة بقدر أكبر وزيادة المنافسة في القطاعات الرئيسة أن يقطع شوطاً طويلاً في إنشاء سوق إعلامية سليمة.
الدعم المالي للوسائط الإعلامية الجيدة
وثمة وسيلة أخرى تمتلكها حكومات البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدعم قطاع الوسائط الإعلامية، تتمثل في تقديم الدعم المالي لهذه الوسائط. ويحدث هذا بالفعل في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر والعديد من البلدان الأخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبقية أنحاء العالم، بدرجات متفاوتة وبأشكال مختلفة. ويوجد أيضاً مسوّغ منطقي بشأن تقديم الحكومات الدعم المالي للوسائط الإعلامية يتفق عليه كثير من الاقتصاديين.
كما تتحقق فوائد للمجتمع من هذا الدعم المالي (تُعرف أيضاً باسم العوامل الإيجابية الخارجية)، تتمثل في حسن اطّلاع المواطنين وزيادة تثقيفهم، وهما عاملان لا يتحققان بشكل كامل في أسواق الوسائط الإعلامية الخاصة، حتى إن كانت هذه الأسواق الإعلامية الخاصة تتحلى بالكفاءة.
وفي حين يوجد مسوغ منطقي لتقديم الدعم المالي للوسائط الإعلامية الجيدة، إلا أن مقدار هذا الدعم وأشكاله والمستفيدين منه هي جوانب تخضع للنقاش المحِق بشأنها.
وتتميز منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالتنوع الواسع، ويختلف النهج الحكومي في وضع التشريعات التنظيمية الخاصة بالوسائط الإعلامية وتقديم الدعم المالي لها اختلافاً كبيراً من بلد إلى آخر. وما آمله، بشكل عام، هو تقليل الدعم المالي المقدم للمؤسسات الإعلامية التي تتبنى نماذج أعمال عفا عليها الزمن وتقدم محتوى حشواً ذا طابع سلعي. وبالأحرى، آمل زيادة الدعم المالي للمحتوى المتوازن ذي المستوى الرفيع، الذي يعرض منظوراً متفرداً عن المنطقة.
العوامل الإيجابية الخارجية
الخاتمة
يختلف قطاع الإعلام والإعلانات اليوم اختلافاً جذرياُ عما كان عليه قبل ظهور شبكة الإنترنت. ليس من حيث أنماط الاستهلاك فحسب، بل كذلك من حيث ديناميات الصناعة واستدامة نماذج الأعمال، وهو الأمر الأكثر أهمية.
ومما يؤسف له أن العديد من الشركات الإعلامية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تزال متوقفة في عصر ما قبل ظهور شبكة الإنترنت، متجاهلة الواقع الماثل الذي يتسم بما يلي:
- أن المحتوى غير المتميز لا قيمة له، من الناحية الفعلية.
- أن سوق نماذج العمل القائمة على العلاقة المباشرة مع المستهلكين (لاسيما الاشتراكات) ستكون هي ساحة التنافس الرئيسة لأي شركة إعلامية تتكبد تكاليف محتوى كبيرة.
- أن استدامة الإعلانات بصفتها نموذج عمل أساسياً تتحقق فقط عندما تكون تكاليف المحتوى منخفضة والحلول الإعلانية المقدمة هي الأفضل في السوق.
- أن الشركات التي تستخدم استراتيجية الذيل الطويل في الإعلانات في الوسائط الإعلامية (الشركات الصغيرة والمتوسطة) قد تفوقت على كبار العملاء.
- أن تجربة المستخدم (بما في ذلك المحتوى وتنقيته وتنسيقه وإضفاء الطابع الشخصي عليه) قد حلت محل التوزيع بصفتها الميزة التنافسية الرئيسية.
- أن المقايضات، بدلاً من الحلول السحرية، تُعد هي السمة الأساسية لمعظم التشريعات التنظيمية الحكومية.
وستفشل الشركات التي تتجاهل هذه الحقائق وتلقي باللوم على تباطؤ الاقتصاد أو على شركات التقنية الكبرى في انخفاض الإيرادات والأرباح التي تحققها. بيد أن ثمة فرصة متاحة أمام منشئي المحتوى وشركات الوسائط الإعلامية، الذين يتبنّون ديناميات الصناعة الجديدة، لإنشاء مؤسسات أعمال تُدر أرباحاً وتعمل على صعيد عالمي أكبر بكثير.
وفيما يتعلق برفاه المستهلكين والمعلنين، فإن الوضع أفضل بكثير مما يشير إليه معظم المحللين. إذ سيؤدي التغيّر التقني السريع وتغيّر تفضيلات المستهلكين إلى إبقاء "الشركات الرابحة" في الوقت الحاضر في حالة استعداد وتحفّز، لاسيما إذا كانت الحكومات في المنطقة تأخذ مسؤولياتها على محمل الجد بينما تحرص على المقايضات عند وضع اللوائح التنظيمية.
ويبدو المشهد الإعلامي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الوقت الراهن، وسيبدو في المستقبل، مختلفاً اختلافاً جذرياً عما كان عليه في الماضي. بيد أن هذا الاختلاف لا يعني أنه أضحى أسوأ. بل على العكس من ذلك، إذا واجهت الشركات والحكومات الواقع الماثل وقامت بما يجب عليها، فإن الفرصة متاحة أمام المشهد الإعلامي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ليبدو أكثر تنوعاً وإيجابية مما كان عليه في السابق.