كيف تُقرر إن كانت الفرصة مناسبة لدخول سوق جديد؟ مثال من آبل مع الطائرات المسيّرة

5 دقيقة
دخول سوق جديد
shutterstock.com/Roman Samborskyi

تخيل أنك تشغل منصب الرئيس التنفيذي لإحدى أقدم شركات التأمين البريطانية وأقلّها ابتكاراً، وهي شركة برودينشال (Prudential)، ثم يقترح عليك أحد المدراء المتميزين فكرة إنشاء بنك عبر الإنترنت. أو تخيل أنك عضو في مجلس إدارة شركة مانيسمان (Mannesmann)، وهي شركة هندسية ألمانية عريقة؛ إذ يقترح عليك فريقك التنفيذي أن تقدم الشركة عرضاً للحصول على رخصة لتشغيل خدمات الهاتف المحمول، فهل ستقبل الاستثمار في هذه الفرصة الجديدة المثيرة على الرغم من أنها لا تتناسب مع استراتيجيتك الحالية؟

تختلف الإجابة باختلاف الشخص الذي تسأله.

يرى بعض الخبراء أنه من الضروري الاستثمار في محفظة استثمارية تتضمن مشاريع جديدة ومختلفة وفق ما تسميه شركة ماكنزي (McKinsey) "الأفق الثالث" (third horizon). بناءً على هذا المنطق، تجب على شركتَي برودينشال ومانيسمان تجربة هذه الفرص الجديدة.

يدافع خبراء آخرون عن وجهة النظر المعاكسة؛ إذ يؤكدون أهمية الالتزام بالاستراتيجية الحالية وعدم الانشغال بالمشاريع الجديدة التي قد تشتت الانتباه ويشيرون إلى ضرورة الحذر من الإفراط في تنويع المشاريع الذي يُضعف القدرات الأساسية.

أي الرأيين هو الصحيح؟ على مدار أكثر من 30 عاماً من العمل الأكاديمي في مجال قضايا الاستراتيجية على المستوى المؤسسي، بالإضافة إلى خبرتي الاستشارية مع الشركات، تعلمت تجنب اتخاذ موقف حاسم لصالح طرف دون الآخر.

في كتابنا الجديد بعنوان "الاستراتيجية على المستوى المؤسسي" (Strategy at the Corporate Level)، عملتُ مع زملائي المؤلفين على تحديد 3 أسس لاتخاذ هذه القرارات الاستراتيجية، وهي منطق الأعمال ومنطق القيمة المضافة ومنطق أسواق رأس المال. لا ينطبق المنطق الأخير إلا في حالات الاستحواذ أو التصفية. نظراً لأن الفرصتين المذكورتين أعلاه تتعلقان بالنمو العضوي، فيمكننا البدء بتطبيق منطقَي الأعمال والقيمة المضافة لمساعدة القادة على اتخاذ القرار.

يشير المنطق الأول إلى حقيقة أساسية، وهي ضرورة سعي الشركات إلى الاستثمار في الأعمال التجارية الجذابة. تنتمي الأعمال الجذابة إلى القطاعات التي تتميز بهوامش ربح عالية ومعدلات نمو مرتفعة. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يمتلك العمل التجاري ميزة تنافسية أو أن يكون قادراً على بناء مثل هذه الميزة. بالنسبة لشركة برودينشال، فقد تبين أن قطاع الخدمات المصرفية الإلكترونية لم يحقق هامش ربح مرتفع، وعلى الرغم من نجاح الشركة في إطلاق بنك عبر الإنترنت، فإنها لم تحقق عائداً جيداً على استثمارها في هذا المجال. لذلك، كان يجب على الرئيس التنفيذي أن يكون حذراً في أثناء تقييم هذه الفرصة قبل اتخاذ قرار الاستثمار فيها.

من ناحية أخرى، من المحتمل أن يكون امتلاك رخصة لتشغيل الهاتف المحمول في ألمانيا عملاً ذا هامش ربح مرتفع، ونظراً لقلة عدد الرخص المتاحة، فقد تتمتع الشركات التي تمتلك هذه الرخص بميزة تنافسية. وبالتالي، كان يجب على أعضاء الهيئة الإشرافية الحرص على الاطلاع على مزيد من التفاصيل حول هذه الفرصة.

دعونا ننظر إلى المنطق الثاني. من المنطقي أن تمتلك شركة ما أعمالاً تجارية جديدة إذا كانت قادرة على إنشاء قيمة أكبر من خلال امتلاك هذا العمل مقارنة بالشركات الأم الأخرى. إذا لم تكن الشركة قادرة على فعل ذلك، فمن المرجح أن تتفوق عليها الشركات الأخرى. إذاً، كيف تستطيع الشركة إنشاء قيمة أكبر من خلال امتلاكها لأعمال تجارية مقارنة بالشركات الأخرى؟ تكون الشركة الأم أحياناً قادرة على تقديم الخبرات أو بعض الأصول المميزة للإسهام في المشروع الجديد، وفي بعض الأحيان، تضيف الأعمال التجارية الجديدة قيمة مميزة للأعمال الأخرى التي تمتلكها الشركة الأم بالفعل.

لكن للأسف، لم يكن أي من الشرطين متوافراً في حالتي شركتَي مانيسمان وبرودينشال، لذلك فقد كان من المتوقع أن يفشل كل من مشروعي الاستثمار الجديدين في اجتياز اختبار المنطق الثاني الذي يشير إلى ضرورة تحقيق قيمة مضافة.

يتضح من خلال الجمع بين المنطقين وتحليلهما أنه كان يجب على شركة برودينشال أن ترفض فكرة إنشاء البنك الإلكتروني إيغ (Egg) التابع لها رفضاً قاطعاً، في حين كان يجب على شركة مانيسمان الاستثمار في رخصة تشغيل خدمات الهاتف المحمول فقط إذا كانت تتوقع تغيير استراتيجيتها بحيث تتمكن من إنشاء قيمة إضافية من العمل التجاري الجديد (على سبيل المثال، من خلال تحولها إلى شركة اتصالات دولية) أو إذا كانت تتوقع بيع الرخصة بعد عام أو عامين لشركة اتصالات عالمية (وهي الاستراتيجية التي اختارت تنفيذها).

نظراً لأن هذه الفكرة الأخيرة تتضمن احتمال بيع عمل تجاري، فإننا بحاجة إلى تطبيق المنطق الثالث، الذي يتناول الظروف المحتملة لأسواق رأس المال في الوقت الذي قد تكون فيه الصفقة مطلوبة. هل من المحتمل أن تقدّر الأسواق الأصول المراد بيعها بأكثر من قيمتها الحقيقية أو بأقل من ذلك؟ نظراً لندرة الرخص المتاحة لتشغيل خدمات الهاتف المحمول في ألمانيا، كان من المنطقي أن تتوقع شركة مانيسمان أن تكون الرخصة محط أنظار العديد من الشركات التي ستتنافس على تقديم العروض للحصول عليها، ولا سيما مع توجه السوق نحو مزيد من عمليات الاندماج. من المتوقع أن يكون احتمال تقييم الأصول بأعلى من قيمتها الحقيقية أكبر، وبالتالي ستستفيد شركة مانيسمان، بصفتها بائعاً محتملاً للرخصة.

دعونا نستخدم منهجية التحليل المنطقي الثلاثي على حالة حديثة، وهي تقييم جدوى دخول شركة آبل مجال صناعة الطائرات من دون طيار. نظراً لاستحواذ شركتَي مايكروسوفت وجوجل على الأعمال التجارية المتعلقة بصناعة الطائرات من دون طيار، يمكنني أن أتخيل أن أحد المدراء في شركة آبل قد يقترح على الرئيس التنفيذي، تيم كوك، أن يفعل الشيء نفسه.

هل من المحتمل أن تكون صناعة الطائرات من دون طيار عملاً تجارياً ذا هامش ربح مرتفع؟ نظراً لأن هذا المنتج يتطلب تكنولوجيا فائقة، وبسبب إمكانية استخدامها في مجموعة واسعة من التطبيقات التي تستهدف قطاعات مختلفة، فإن الإجابة ستكون على الأرجح هي نعم.

هل من المحتمل أن تتمتع شركة آبل بميزة تنافسية في مجال صناعة الطائرات من دون طيار؟ سيعتمد ذلك على التفاصيل المتعلقة بالمشروع والاقتراحات التي ستقدمها الشركة. لكن على الرغم من اعتقاد أولئك الذين يقترحون الاستثمار في هذا المشروع أنهم يمتلكون عناصر فريدة ومميزة، فإنه من غير المرجح أن تحقق شركة آبل ميزة تنافسية كبيرة وحقيقية؛ وذلك نظراً لتعدد المنافسين في السوق، وبالتالي، يجب على تيم كوك أن يكون حذراً قبل اتخاذ قراره.

هل من المحتمل أن تنشئ شركة آبل قيمة أكبر من خلال امتلاك الأعمال التجارية المتعلقة بمجال الطائرات من دون طيار مقارنة بالشركات الأخرى؟ من غير المرجح ذلك. على الرغم من إمكانية تطوير تطبيقات مثيرة للطائرات من دون طيار، فإن تصنيع هذه الطائرات ليس شرطاً لتحقيق الاستفادة من هذه الفرص؛ إذ يمكن أن تحقق شركة آبل الفوائد نفسها من خلال التعاون مع شركات متخصصة في هذا المجال. لا يبدو أن الخبرات الإدارية المتميزة التي تتمتع بها شركة آبل في مجالاتها الحالية ستكون ذات قيمة كبيرة في مجال الأعمال التجارية المتعلقة بالطائرات من دون طيار. لذلك، فمن غير المرجح أن تحقق شركة آبل مكاسب وقيمة مضافة كبيرة، بل قد تواجه بعض المخاطر أو الخسائر المحتملة. لذلك، يجب أن يكون كوك أكثر حذراً وتحفظاً قبل اتخاذ أي قرار.

أخيراً، هل تُقدَّر قيمة سوق الأعمال التجارية المتعلقة بالطائرات من دون طيار بأكثر من قيمتها الحقيقية أم بأقل من ذلك؟ نظراً إلى النشاط الكبير الذي شهدناه مؤخراً، بالإضافة إلى شراء الشركات الكبرى والغنية لأصول الطائرات من دون طيار، فمن المحتمل أن تكون قيمة الأعمال التجارية في هذا المجال أعلى من قيمتها الحقيقية. حتى منطق أسواق رأس المال يتعارض مع هذا الاقتراح. بناءً على هذه التحليلات التي تشير إلى وجود مخاطر أو مشكلات محتملة وعدم جدوى الاستثمار، فإنه يجب على تيم كوك أن يرفض فكرة دخول هذا المجال.

في معظم الأحيان، تحذّر هذه المنهجيات الثلاث فريق الإدارة من الفرص الجديدة التي لا تتناسب مع استراتيجية الشركة الحالية. على الرغم من هذه التحذيرات، فإن ذلك لا يعني رفض أي استثمار خارج الاستراتيجية الحالية، إذ يوجد بعض الاستثناءات والحالات التي تجعل الاستثمار في مجالات جديدة أمراً مجدياً، على غرار مثال شركة مانيسمان. بالطبع، إذا قررت الشركة المضي قدماً في تنفيذ هذا المشروع، فإنها ستواجه تحدياً يتمثل في تحديد كيفية هيكلته وتنظيمه وإدارته.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي