لماذا على الشركات معرفة أين أسواقها الأكثر كثافة؟

4 دقائق

تُعتبر السيارات ذاتية القيادة من أكثر الفئات الجديدة تشويقاً وإثارة للجدل، والسؤال الكبير الذي يُطرح هنا هو: من هي الشركة التي ستنجح في إدخال هذا النوع من السيارات إلى السوق بشكل كبير؟ هل تتمكّن شركة تيسلا (Tesla) في فكّ الشيفرة كما يعد إيلون ماسك؟ أو هل تفعل ذلك شركة وايمو (Waymo) للسيارات ذاتية القيادة والتابعة لشركة ألفابت (Alphabet)؟ وهما شركتان تمتلكان كمّاً هائلاً من الموارد والأشخاص الأذكياء والتكنولوجيا لفعل ذلك.

لا نراهن هنا على من ينجح أولاً في تسويق السيارات ذاتية القيادة، لأن كلاً من تيسلا ووايمو ستصلان إلى السوق العام، بل نرى أنّ الفائز سيكون شركة السيارات ذاتية القيادة التي تكون أكثر تركيزاً.

لنأخذ على سبيل المثال شركة نورو (Nuro) التي تركّز على خدمات التوصيل من دون سائق، وشركة فويدج (Voyage) لسيارات الأجرة ذاتية القيادة بسرعة لا تتخطى 25 ميلاً في الساعة والتي تركّز على مجتمعات المتقاعدين. تعمل الشركتان على الابتكار في قطاع فرعي شديد التركيز في مجال السيارات ذاتية القيادة – مع اقتصاديات مختلفة إلى حدّ كبير وطلب مختلف وعوامل نجاح حاسمة أسهل في الكثير من الأحيان – وهو ما نسميه "أسواق الكثافة القصوى" (MDMs).

تُعدّ "أسواق الكثافة القصوى" قطاعاً فرعياً لفئة تضم تركيزاً كبيراً غير عادي للطلب في مجال صغير على أساس نصيب الفرد، وتُعد كثافة الطلب مهمة جداً لأنها توفر طريقاً مختصرة لقابلية التوسع باستثمارات أقل مما يتطلّبه تحقيق ذلك على أساس السوق العام.  تجعل كثافة السوق من التسويق الشفهي أسرع وأقوى، ما يقلّل الحاجة إلى إنفاق المال على التسويق (إذا لزم الأمر). ونظراً لأن السوق الأكثر كثافة توفر فرصة لنمو المبيعات بسرعة أكبر (عن طريق نفاذ أكبر في السوق)، فإنّها تغيّر من الحسابات عندما تحدد الشركات ما إذا كانت تستطيع تحمّل تكاليف إطلاق منتَج قابل للحياة بالحدّ الأدنى، مما يتيح لها الوصول إلى السوق بسرعة أكبر. ترتبط "أسواق الكثافة القصوى" أيضاً ارتباطاً وثيقاً بوجود مستهلكين خارقين (superconsumers) لا يكونون فقط المستهلكين الأكثر ربحية وشغفاً في الفئة بل يكونون أيضاً الأكثر تبصراً ويمكن أن يساعدوك في تحسين المنتج القابل للحياة بالحد الأدنى الخاص بك.

والنتيجة: سرعة وتوسع وأموال أقل على التسويق ووصول إلى أذكى المستهلكين، وهي أمور تساعدك في إيجاد الوصفة الأساسية اللازمة لإنشاء فئة ناجحة.

هناك ثلاث نسخ من "أسواق الكثافة الأقصى" يجب أن تضعها في الاعتبار عند التفكير في إطلاق المنتج الخاص بك.

أولاً، الجغرافيا المحلية، حيث يكون نصيب الفرد من الطلب مرتفعاً جداً. نطلق على هذه المجالات «المناطق الجغرافية الخارقة» نظراً لأنها تضم تركيزاً كبيراً وغير عادي من المستهلكين الخارقين والظروف السوقية المثلى (مثل المناخ والثقافة وظروف الطلب وما إلى ذلك) والتي تفسر ارتفاع نصيب الفرد من الطلب. على سبيل المثال، تُعتبر هاواي الولاية ذات المعدل الأعلى لنصيب الفرد من الطلب لشركة سبام (Spam). لماذا؟ على الأرجح لأن هاواي هي موقع عسكري استراتيجي وبعيدة آلاف الأميال عن مصادر الغذاء الرئيسة، والتغليف القوي ذو العمر الطويل لمنتجات سبام يجعل منها فكرة جيدة لإطعام الجيش والقاطنين في أماكن نائية. يمكن لإدراك عوامل مماثلة أن تساعد المسوقين على تحديد المواقع الجغرافية الخارقة المحتملة التي لا يكون نصب الفرد من الطلب فيها مرتفعاً إنما يمكن الاستثمار فيها.

هذا النهج مهم للغاية للشركات التي تحاول إنشاء فئة ناشئة منخفضة النفاذ ولقادة السوق، في إنضاج فئات يُبتغى زعزتها. وذلك في الحقيقة لأن فئة ناشئة مع نسبة مئوية ضئيلة من النفاذ تتكون من مئات أو آلاف الأسواق المحلية التي يكون بعضها يتمتع بنسبة مئوية كبيرة من النفاذ. وهذه لا تُعتبر فرصاً هائلة من أجل المخاطرة في سوق واعدة تبشّر بالنمو على المدى القريب فحسب، بل أيضاً تُعتبر فرصاً كبيرة للتعلم وإطلاق النمو في أماكن أخرى.

ثانياً، النسخة الثانية من "سوق الكثافة القصوى" تتمثل في فئة قطاع فرعي، غالباً ما تكون سوق للخدمات المقدمة من شركة إلى شركة (B2B) وليس من شركة إلى المستهلك (B2C). بدأت شركة كيوريج (Keurig) عملها في سوق قهوة المكاتب الذي تصل قيمته إلى 4 مليارات دولار أميركي، وكان "المنتج القابل للحياة بالحد الأدنى" الخاص بها لتحضير المشروبات يكلّف 10,000 دولار — وهو سعر بعيد كلّ البعد من سعر 100 دولار الذي وصل إليه المنتَج الآن. ولكنّ التركيز على هذا السوق الأولي كان له معنى استراتيجي، فقد كان سوق قهوة المكاتب شديد التركيز من حيث التوزيع (إذ كانت منتجات كيوريج تُباع بواسطة موزعي منتجات المكاتب) والأشخاص الذين يشربون القهوة في المكتب سيسرهم تجربة منتج جديد يدفع المكتب ثمنه. كانت هذه الاستراتيجية حاسمة بحيث فشل في فهمها المنافسون الآخرون مثل تاسيمو (Tassimo) من كرافت وسنسيو (Senseo) من سارة لي، بحيث أنّهم أطلقوا منتجات في السوق الاستهلاكية ثمّ رأوا حصتهم السوقية تنخفض لمصلحة كيوريج.

ثالثاً، تُنفّذ النسخة الثالثة من "سوق الكثافة الأقصى" عن طريق المناسبات الشخصية أو المحفزات المشتركة، وهي لا تُعرّف من خلال القرب المكاني بل من خلال التقارب الفعلي. لم يكن النجاح في "سوق الكثافة الأقصى" هذه ممكناً تاريخياً، ولكن التقارب والتوسع أصبحا أسهل الآن مع الإعلانات الرقمية، ووسائل التواصل الاجتماعي، ونماذج العمل القائمة على البيع إلى المستهلك مباشرة.

لنأخذ على سبيل المثال شركة تايني بينز (Tinybeans)، وهي شبكة خاصة لوسائل التواصل الاجتماعي سريعة النمو وتضم ما يزيد على 3 ملايين مستخدم، تقدّم موقعاً إلكترونياً لمشاركة الصور ومقاطع الفيديو يركّز على الأطفال حديثي الولادة والأحداث الهامة التي يمرّون بها في الأشهر التالية. على عكس فيسبوك الذي يمكّن الجميع من رؤية الصور ومقاطع الفيديو الخاصة بك، تُعتبر شبكة تايني بينز شبكة خاصة يمكن للأصدقاء والأقرباء الوصول إليها عن طريق تلقي دعوة فقط، ما يترك قدراً كبيراً من الثقة يشجّع المستخدمين على المزيد من المشاركة. ولذلك تجذب "سوق الكثافة القصوى" لحديثي الولادة المسوقين الذين لديهم منتجات تتعلّق بهذه المناسبات الشخصية، مثل التأمين على الحياة، وهو قطاع تصل قيمته إلى 700 مليار دولار ويُعتبر الحديث عنه غير سار في الكثير من الأحيان.

بالنسبة إلى أيّ ابتكار جديد، يمكن أن يكون الانطلاق في "سوق الكثافة القصوى" منطقياً من الناحية الاستراتيجية، بالإضافة إلى أنّه يوفّر نقطة انطلاق نحو دخول السوق العام في نهاية المطاف.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي