ملخص: تكلّف الطرود غير المسلّمة الشركات مليارات الدولارات سنوياً، وتؤثر أيضاً في رضا العملاء وسمعة تجار التجزئة. ويشارك المؤلف نتائج من بحوث أصلية مستندة إلى بيانات العمليات التجارية والتوصيل من تاجر تجزئة للتجارة الإلكترونية في أميركا اللاتينية وشركة توصيل في سنغافورة. وأجرى وزملاؤه مقابلات شخصية مع سائقي التوصيل لفهم المشكلات التي يواجهونها في أثناء أدائهم المهام على الطريق. وقدّم استناداً إلى هذه الرؤى الثاقبة 3 اقتراحات لكيفية توصيل الطرود بنجاح: 1) التخطيط لتسلسل توصيل الطلبيات للتعامل مع الطرود التي يتوقع أن تفشل محاولة تسليمها. 2) تقليل الحمولات على الشاحنات وتنظيم جداول مواعيد سائقي التوصيل. 3) اللامركزية وتوزيع مناطق التسليم في المدن. وستقلل هذه الحلول المنخفضة التكلفة من محاولات التسليم الفاشلة بنسبة تصل إلى 10%، بما في ذلك في المناطق الحضرية والبلدان النامية المكتظة بالسكان.
أدرسُ إحدى المشكلات الشائعة التي نواجهها جميعاً هذه الأيام، وهي عدم وصول المنتجات التي طلبناها عبر الإنترنت في الوقت المحدد. في الواقع، تصل نسبة بضائع التجارة الإلكترونية التي لا تُسلم في محاولة الطلب الأولى إلى 20%، ما يكلّف الشركات مليارات الدولارات سنوياً، ويؤثر أيضاً في رضا العملاء وسمعة تجار التجزئة.
يُعد توصيل الطرود بنجاح من الأولويات الرئيسية في مجال التجارة الإلكترونية نظراً لارتفاع الإنفاق عبر الإنترنت إلى 6 تريليونات دولار سنوياً، ما يمثّل خُمس إجمالي مبيعات التجزئة على مستوى العالم. لذلك قررت أنا وزملائي معالجة هذا التحدي من خلال البحث عن وسائل ترفع فعالية عملية التوصيل وكفاءتها.
حلّل بحثنا بيانات العمليات التجارية والتوصيل من تاجر إلكتروني في مدينة كبيرة في أميركا الجنوبية، وتتبّعنا على مدار عام واحد 87,000 طلب من 12,000 مستهلك تقريباً. قدّم لنا التاجر معلومات مفصّلة حول العمليات التجارية وعمليات التوصيل، تضمنت مثلاً الرموز البريدية وتواريخ الشراء والتوصيل ونتائج محاولات التوصيل وعدد التوقفات في كل مسار.
واستخدمنا هذه البيانات، إضافة إلى بيانات جمعناها من المقابلات التي أجريناها مع مدراء المحطات والسائقين، لإجراء تحليل شامل على المشكلات المتعلقة بعمليات التوصيل في مدينة كبيرة ومتنامية. ثم اختبرنا الحلول المقترحة بالتعاون مع شركة توصيل في سنغافورة للتحقق من صحة نتائجنا في بيئة حضرية نشطة.
وتمكنّا من خلال إجراء بعض التعديلات البسيطة على عملية التوصيل من تحسين الكفاءة بدرجة كبيرة. في المتوسط، قلّل نهجنا في توجيه المركبات حالات فشل محاولات التوصيل بنسبة 10%، وخفض تكلفتها اليومية بمقدار 13 دولاراً لكل مسار، وقد يوفر تطبيقه على مستوى العالم المليارات من الدولارات، ويقلّل من انبعاثات الكربون، ويوفّر وقت المستهلكين.
لمَ تفشل عمليات التوصيل؟
كشفت المقابلات الشخصية التي أجريناها مع السائقين عن عدة تحديات رئيسية تعترضهم:
التنظيم السيئ للمدن الحضرية
قليلة هي نسبة الأشخاص الذين يعيشون في مجتمعات مثالية التصميم والتخطيط والتنقل فيها سهل؛ بل يعيش معظمنا في مدن مترامية الأطراف تعاني ازدحاماً في طرقاتها يُصعب حركة المرور. ويزداد بالفعل عدد السكان في الدول التي تعاني سوء التخطيط الحضري، مثل الهند وإندونيسيا ونيجيريا والبرازيل، والتي تمثّل نسبة هائلة ومتزايدة من سوق التجزئة العالمية عبر الإنترنت.
فمثلاً، قد لا تكون المساكن مسجّلة أو مُرقمة بدقة، ما يُجبر السائقين على قضاء بعض الوقت في البحث عن المنزل الصحيح. ويواجه السائقون صعوبة أيضاً في العثور على مواقف للسيارات في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، وكذلك في التنقل عبر طرق حالتها سيئة. من جهة أخرى، تكون المستودعات الرئيسية الكبيرة بعيدة عن المواقع التي يجب توصيل الطرود إليها عادة، ما يُجبر السائقين على القيادة مسافات طويلة عبر تضاريس غير مألوفة.
ظروف العمل المجهدة
تحاول الشركات ملء الشاحنات بالطرود إلى أقصاها لتوصيل أكبر قدر من الطلبات في المسار الواحد بهدف خفض التكاليف، ما يخلق ظروف عمل مجهدة ويزيد عبء العمل على السائقين. بالإضافة إلى ذلك، يستعين عدد متزايد من الشركات بعمال مستقلين لتسليم الطرود، وتدفع أجورهم بناءً على عدد الطرود التي يتولون توصيلها، ما يحفّزهم على الإسراع في مساراتهم، ففي شركة التوصيل التي أجرينا دراسة عليها في سنغافورة مثلاً، كانت نسبة الطرود التي تولى موظفون بدوام كامل توصيلها 8.5% فقط، ما أدى إلى تراجع في أداء عمليات التوصيل.
تشكّل السلامة مصدر قلق رئيسي أيضاً؛ إذ يشعر السائقون بالقلق بشأن سلامة الطرود وسلامة مركباتهم وسلامتهم الشخصية عند دخولهم مناطق معينة. وعلى الرغم من أن السرعة عامل حاسم في عمليات التوصيل، فالعجلة تزيد احتمالية حدوث الأخطاء. ويصبح التعرض للسرقة مصدر قلق حقيقي أيضاً عندما يحمل السائق منتجات بقيمة آلاف الدولارات، لا سيما إذا لم يمتلك تأميناً صحياً وكانت مركبته ملكاً للشركة، أو الأصل الوحيد الذي يملكه.
مستوى التحفيز على مدار اليوم
قد نفترض أن يتعب السائقون وينخفض مستوى الدقة في أدائهم خلال اليوم، لكن بياناتنا تظهر العكس؛ أي تزداد نسبة نجاح عمليات التوصيل في الجزء الأخير من مسار السائق (بغض النظر عن وقت بدئه)؛ إذ أظهر السائقون في عيّنتنا نمطاً يُعرف بفرضية المدى الهدف، بمعنى أنهم يبذلون مزيداً من الجهد حين يشارف يوم عملهم على الانتهاء.
وقد يكون هذا التوجه مدفوعاً بالعوامل النفسية إضافة إلى اعتبارات عملية أخرى. عموماً، يُطلب من السائقين تسجيل عمليات التوصيل الفاشلة ومعالجتها في أثناء العمل، ولعل رغبتهم في ذلك لتجنب أعباء الأعمال الورقية في نهاية اليوم تحفزهم على الالتزام بذلك، فهم لا يرغبون في أداء عمل إضافي غير مدفوع.
حلول بسيطة لتحسين نسب نجاح عمليات التوصيل
يكون بعض العوامل التي تعترض سير عملية التوصيل السلسة خارجاً عن سيطرة الشركات، فمن الصعب تحقيق تحسين فوري في مجالات مثل التخطيط الحضري أو البنية التحتية أو السلامة العامة.
من جهة أخرى، قد تكون الحلول الأخرى عالية التكلفة وتنفيذها معقد. على سبيل المثال، قد يزيد بعض الحلول نسب نجاح عملية التسليم ورضا العملاء بالفعل، لكنه يتطلب استثمارات مالية كبيرة في الحلول التكنولوجية والأنظمة ذات الصلة، مثل التتبع في الوقت الحقيقي والإشعارات وتحديد مهل زمنية أضيق لعمليات التوصيل، وتشجيع الزبائن على المشاركة في جدولة عمليات التوصيل. وقد تفرض صناديق التسليم أو خيارات استلام الطلبيات من متاجر محلية قريبة مسؤولية على الزبائن، ما يُضيف تحديات جديدة في مجال البنية التحتية وتكاليفها.
حدّد بحثنا 3 تغييرات بسيطة ومنخفضة التكلفة في عمليات التوصيل تقلّل معدلات الفشل.
1. التخطيط الدقيق لتسلسل توصيل الطلبيات
تتيح الخوارزمية التي طورناها في إطار الدراسة التنبؤ بالطرود التي قد تفشل المحاولة الأولى لتسليمها، وسيؤدي تعديل جداول العمل لتوصيل هذه الطرود في الأوقات والمسارات التي تزيد احتمالات النجاح في تسليمها إلى زيادة معدلات العمليات الناجحة من دون تكبّد تكاليف إضافية.
واكتشفنا في عينتنا أن جدولة الطرود العالية المخاطر في وقت متأخر من اليوم زاد احتمالية توصيلها بنجاح، ما قلّل معدل فشل التوصيل العام لكل الطرود، لأن السائقين كانوا أكثر حذراً مع اقتراب نهاية وقت عملهم. وقد يختلف التسلسل الأمثل للتوصيل بناءً على الموقع، لذلك يجب على الشركات تحديد أسلوبها الأمثل.
2. تجنب تحميل السائقين عبء عمل زائداً
من المغري وضع عدد كبير من الطرود في كل شاحنة، لكن الحرص على أن يكون عبء عمل السائق ملائماً يقلّل الفشل في عمليات التوصيل، ما يُسهم بدوره في تحقيق إيرادات أعلى على المدى الطويل. فعدم تعبئة الشاحنات بنسبة 100% من سعتها الإجمالية يجعل عملية تحديد الطرود وفرزها واستخراجها أسهل على السائق، وسيزداد حافزه لتقديم أداء أفضل أيضاً حين يدرك أن عبء عمله لن يرهقه.
كما أنه من المفيد عدم ضغط جداول عمل السائقين، على سبيل المثال، تُشير مقابلاتنا مع السائقين إلى أن تخصيص فترات زمنية محددة ومدفوعة الأجر خلال يومهم لإكمال العمليات الورقية سيقلل إحساسهم بالعجلة ويزيد نسبة نجاح عمليات التوصيل.
ومن المهم أن تحرص الشركات على أن تكون الفوائد الناتجة عن تقليل أعباء العمل على السائقين أكبر من التكاليف. لكن وجدتُ بحسب بحوثي الحالية أن عبء العمل الأمثل يجب أن يكون أقل من العبء الذي تفرضه الشركات. واكتشفتُ أنا وزملائي في دراسة جديدة أن عبء العمل الأمثل لتقليل معدلات فشل التوصيل بلغ 47 طرداً يومياً لكل سائق، وهو أقل بكثير من سعة شاحنة بأربع عجلات تتسع لمتوسط 300 طرد.
3. اللامركزية
بدلاً من أن تعتمد الشركات على مستودع ضخم واحد لتخزين الطرود، يجدر بها النظر في الاعتماد على عدة مستودعات صغيرة منفصلة بعقود إيجار أرخص وأكثر مرونة. حلّلت في آخر بحث لي بيانات من شركة توصيل في جنوب شرق آسيا. وأظهرت النتائج فعالية النهج اللامركزي في تحسين عمليات التوصيل لأنه يجنّب السائقين السفر مسافات طويلة إلى موقع واحد، ومن ثم بدء العمل في مسارات بعيدة. بمعنى آخر، تتيح عقود الإيجار القصيرة والمرنة للشركات تحديث شبكات التوصيل بسهولة للتكيّف مع التغيرات في طلبات المستهلكين وعدد العمال.
كما تتيح المستودعات القريبة من المناطق المخدومة للسكان المحليين التقدّم للعمل سائقين في أحيائهم التي يعرفون تفاصيل شوارعها، ما يساعدهم على التنقل فيها بسهولة. كما أن تقسيم المدن إلى مناطق أصغر يعزّز مرونة توجيه المركبات، ما يسهّل على السائقين تغطية المناطق بفعالية ويحسّن مهل تسليم الطلبيات.
لن تصل كل الطرود إلى وجهتها في الوقت المحدد، لكن بحثنا يُظهر أن إجراء بعض التعديلات البسيطة يعزز أداء السائقين ويقلّل عدد عمليات التوصيل الفاشلة دون الحاجة إلى حلول تكنولوجية باهظة التكلفة. ويمكن للشركات من خلال تقييم الظروف الفعلية وتحسين الأنظمة القائمة توفير ظروف عمل أفضل للعمال، وتحقيق رضا أكبر للزبائن، وتحقيق توفير في التكاليف في الوقت نفسه.