نسمع كل يوم في الأخبار قصصاً عن معالجة أزمة قروض الطلاب وأزمة تكاليف التعليم الجامعي، ولكن ما هي الأزمة التي نسعى لمعالجتها؟ هل هي حجم ديون الطلاب المهول؟ أم تكاليف التعليم العالي التي تزداد بسرعة كبيرة؟ أم الفوائد المفروضة على قروض الطلاب؟ أم ارتفاع معدل التخلف عن سداد قروض الطلاب؟ أم هي جميع ما سبق؟
معالجة أزمة قروض الطلاب
تتمثل المشكلة الرئيسة بالنسبة لكثيرين بالديون المتراكمة على قروض الطلاب. إذ تبلغ ديون قروض الطلاب حوالي 1.6 تريليون دولار تقريباً، أي أنها تتعدى قروض السيارات المتراكمة، وحتى ديون بطاقات الائتمان. وهذه أزمة بكل معنى الكلمة، هي بالتأكيد أزمة لمن لديهم ديون قروض طلابية تمتد جداول تسديدها لعقود، مع دفعات شهرية كبيرة. كما أنها أزمة للمقرضين الذين يعانون من معدلات عجز كبيرة، ولربما كانت أزمة للحكومة الاتحادية أيضاً، لأنها ضامنة لهذه القروض الطلابية. ويقول كثيرون إنها أزمة بالنسبة لاقتصاد أمتنا أيضاً، فتسديد هذه الديون له تأثير مخيف على بيع المنازل والسيارات والأجهزة والأثاث، فضلاً عن الإنفاق على الإجازات وسلع الرفاهية.
لكن ديون الطلاب ليست سوى جزء من أزمة أكبر بكثير. والمؤسف أن هذه الديون تتجه نحو نمو مستقبلي أكبر بكثير. يتوقع الاقتصاديون أن تبلغ ديون قروض الطلاب المتراكمة 2 تريليون دولار بحلول عام 2021، وبمعدل نمو يبلغ 7% في السنة، ستصل إلى 3 تريليونات دولار أو أكثر بنهاية العقد القادم.
تتعدى الآثار المترتبة على أزمة القروض الطلابية الوضع المالي للمدينين. فبالإضافة إلى الضغوط والالتزامات المالية العادية المترافقة مع سن البلوغ، تبين الدراسات أن كثيراً من الذين يعانون من صعوبة في تسديد هذه القروض الطلابية المتراكمة يعانون أيضاً من مشاكل خطيرة في صحتهم النفسية، والتي تنشأ بسبب ثقل هذه القروض الساحق بنسبة كبيرة.
إن تاريخ أزمة القروض الطلابية وحجمها وتعقيدها، بالإضافة إلى شبكات التعليم العالي المتشابكة والمترابطة، وهي الجامعات ومؤسسات الإقراض والوكالات الحكومية، يشكلون تحدياً للإصلاحات المبسطة ويحمون صناعة القروض الطلابية إلى حد كبير من الاضطرار إلى إجراء تغييرات هامة. وقد شيدت هذه المؤسسات والوكالات بنية تمويلية فوقية تلبي الاحتياجات النقدية الفورية للطلاب والجامعات، ولكنها عاجزة إلى حد كبير عن اختبار فعالية التكلفة والاستدامة الاقتصادية على المدى الطويل.
والخطوة الفورية هي إيجاد طريقة لإغاثة الطلبة السابقين الذين أخذوا قروضاً كبيرة لمدة عدة أعوام وقد أصبحت مستحقة الآن. وهناك مواقف فردية معقدة ضمن هذه المجموعة المتنوعة من الطلاب المدينين تضمن عملياً أنه لن يكون هناك حل واحد يناسب الجميع. يطالب اقتراح حالي بتحويل مجموع هذا الدين الذي يبلغ 1.6 تريليون دولار إلى دافعي الضرائب على الرغم من وجود من يبنون قضية لإنقاذهم، إلا أنه لا يجتاز اختبار الإنصاف، خصوصاً في ظل واقع سحب الحكومة الأميركية لعدة مؤسسات إقراض كبيرة بالفعل.
ومع ذلك، يمكن إيجاد حلول واقعية تعترف باختلاف الأوضاع الشخصية والظروف الاقتصادية للطلاب المدينين. سيكون تشكيل مجلس الشيوخ للجنة حزبية خاصة بإصلاح قروض الطلاب نقطة بداية جيدة. إذ يمكنها تحديد واقتراح استراتيجيات طويلة الأجل معقولة ومقبولة على نطاق واسع، ويمكن لمجلس الشيوخ أن يدعمها ويطبقها. وأحد الأمثلة على ذلك هو النقاش الدائر حول السماح للشركات بالمساهمة في أقساط تسديد قروض الطلاب الخاصة بموظفيها بطريقة تحقق مزايا ضريبية لجهة التوظيف والموظف معاً.
ولكن المشكلة الأكبر، التي تشكل المصدر الأساسي لأزمة قروض الطلاب، هي التكلفة المرتفعة للتسجيل في الجامعة وتحصيل شهادة جامعية. فمع ارتفاع رسوم الدراسة والغرف ومجالس الكليات والكتب والرسوم الإلزامية سنوياً، أدت التكاليف المتزايدة للتسجيل في الجامعة إلى زيادة معدل التضخم على مدى عقود لدرجة تجعل الشهادة الجامعية أمراً بعيد المنال لمعظم الأسر إذا لم تلجأ للقروض الكبيرة. ولذلك، يرغب الآباء والسياسيون وحتى رعاة التعليم العالي في معرفة السبب، والأهم من ذلك، معرفة ما يمكن فعله من أجل تقليل تكلفة الجامعة أو حتى إبطاء معدل الزيادات السنوية.
وليس من الصعب التعرف على الأسباب الأساسية لارتفاع تكاليف الجامعة، فبالنسبة للمؤسسات العامة التي يزيد عددها عن 1,600، كان المتهم الرئيس هو التخفيض الكبير في الدعم الذي تقدمه الدولة، وتراجع الاستثمار العام في التعليم العالي في الولايات منذ عام 1980 تقريباً، وذلك وفقاً للمجلس الأميركي للتعليم. إذ تم تخفيض ما يزيد عن 7 مليارات دولار مما تقدمه الحكومة من تمويل وإعانات بين عامي 2008 و2018. وقد نقل ما يطلق عليه الكثيرون "خصخصة التعليم العالي العام" معظم حصة الولايات من التكاليف التعليمية إلى عاتق الطلاب وأسرهم، مع ما يترتب على ذلك من نتائج مزعزعة بالنسبة للطلاب والمؤسسات على حد سواء.
زيادة التكاليف الدراسية
أما الأسباب الأخرى لزيادة تكاليف الطلاب في الجامعات الخاصة والعامة فهي التزايد السريع لأعداد الرواتب التي تتجاوز قيمتها عدة ملايين من الدولارات، والتي يتقاضاها الرؤساء والعديد من المدراء في المناصب الإدارية العليا. كما يزداد انتشار وقبول مرتبات المدربين التي تبلغ عدة ملايين من الدولارات أيضاً، ورواتب المدربين المساعدين التي تبلغ ضعفي أو ثلاثة أضعاف رواتب أعضاء هيئة التدريس.
كما أدى النمو في حجم الإدارة، وهو ما يطلق عليه البعض "الانتفاخ الإداري"، إلى زيادة كبيرة في التكاليف المرتفعة للطلاب. يصف روبرت رايخ، وزير العمل الأميركي الأسبق، الإدارات الجامعية بأنها: "أكبر مما يجب ولا لزوم لها". إذ تنتشر برامج الشهادات الجامعية المتخصصة الازدواجية ذات التكلفة العالية والتي لا لزوم لها في جامعات كل الولايات. وأحد الأمثلة العديدة على ذلك عدد كليات الحقوق في الجامعات العامة. ففي ولايتي، أوهايو، هناك ست كليات قانونية تابعة لجامعات عامة، بالإضافة إلى ثلاث كليات تابعة للجامعات الخاصة. كما أن مكاتب أنظمة التعليم العالي المكلفة التابعة للدولة، التي توظف عدة مئات من الموظفين غير الأكاديميين وغير المدرسين، تزيد كثيراً من تكاليف الطلاب. ولدى بعض الولايات مثل تكساس وكاليفورنيا عدة مكاتب لهذه الأنظمة تؤدي إلى زيادة إضافية في التكاليف النهائية التي يتحملها الطلاب ودافعو الضرائب.
ومع توفر التقنيات الجديدة على مدى العقود القليلة الماضية، لاحظت وجود تفاد هادئ واستراتيجي لفرص تقليص التكاليف التي تولدها زيادة استخدام تقنيات التعليم والتعلم المتقدمة، وهناك مقالات علمية حول مقاومة الكوادر التدريسية للتعليم عبر الإنترنت، وهي موجودة ضمن منشورات جميع التخصصات تقريباً. وبالمثل، كثيراً ما تُرفض فرص التعاون لأجل تخفيض التكاليف مع مؤسسات أخرى حفاظاً على استقلال حرم الجامعة وحكمه الذاتي. إذ إن المرافق غير الأكاديمية عالية التكلفة في الحرم الجامعي، مثل صالات السينما المجانية وجدران التسلق وبرك السباحة في أقبية أبنية الإقامة وصالات البولينغ وأحواض الاستحمام الساخنة وغيرها، مصممة لجذب الطلاب للتسجيل في الجامعة، وهي تزيد من الأسعار والتكاليف التي يتحملها الطلاب وأسرهم. تضيف الرسوم الإلزامية لمجموعة الأنشطة والخدمات زيادة كبيرة على الكلفة النهائية، حتى إذا لم يطلب الطلاب هذه "الميزات" الإضافية أو لم يرغبوا بها أو لم يستخدموها.
لقد فات أوان إجراء إصلاح حقيقي وتحويلي. والأمر الجيد هو أننا نملك الأدوات اللازمة في جعبتنا، ومن الممكن إصلاح نظام التعليم العالي في بلادنا. وأهم جزء من حل المشكلة هو معرفة المكان الذي يجب علينا أن نبحث فيه عن الحلول، فنحن نبحث في جميع الأماكن الخاطئة منذ زمن طويل جداً. ولكن، هناك أمر يتضح أكثر فأكثر، وهو أن حلول مشكلة التكلفة العالية للتعليم العالي وأزمة قروض الطلاب لن تأتي من مؤسسة التعليم العالي. لأن كلياتنا وجامعاتنا، ورؤساءهم ومجالس أمنائهم، وأنظمة التعليم العالي في الولايات، والعشرات من اتحادات التعليم العالي في واشنطن العاصمة، تعاني من تضارب مصالح خطير في هذه القضية، ولذلك لن تكون هي مصدر إصلاحات خفض التكاليف.
ولكن هناك مصدر لم نفكر به على نحو جدي لقيادة الحركة الإصلاحية، وهو الطلاب أنفسهم، فهم يملكون القدرة على فرض التغيير في كلياتنا وجامعاتنا، ويمكنهم عن طريق التجمع بأعداد كافية ممارسة ضغط حقيقي على مؤسسة التعليم العالي كي تخفض التكاليف، حتى لو كان ذلك عن طريق تأخير التسجيل في الجامعات لمدة عام أو اثنين، وهو وقت كاف للعمل وتوفير المال والسفر والمشاركة في الأعمال التطوعية. ولن يبقى أمام معظم المؤسسات التي حرمت من إيرادات الرسوم الدراسية وغيرها سوى إلغاء البرامج غير الضرورية المكلفة، وخفض التكاليف الإدارية، وتخفيض الإنفاق ضمن مجلس الكلية. ومن المثير للاهتمام أن هناك ما يشير إلى أن الطلاب بدؤوا فعلاً باختيار عدم التسجيل. إذ تبين دراسة أجريت في عام 2019 أن واحداً من بين كل خمسة طلاب مقبلين على المرحلة الجامعية يختارون مساراً مختلفاً يعتمد على الكفاءة بدلاً من الشهادة الجامعية.
ربما كانت القدرة على البدء بإصلاح التعليم العالي الذي نحن بأمس الحاجة إليه مرهونة بالطلاب وأسرهم في نهاية المطاف. إذ سيؤدي تأجيل عدة مجموعات من خريجي الثانوية العامة تعليمهم الجامعي لمدة عام أو اثنين أو ثلاثة، إلى إجبار معظم الكليات والجامعات على إجراء تغييرات خفض التكاليف.
كما يمكن أن تلعب الشركات في في الولايات المتحدة دوراً داعماً رئيساً في تحقيق الإصلاحات المطلوبة عن طريق البحث عن "الكفاءة" في موظفيها الجدد بدلا من طلب شهادة جامعية. ويمكن أن تأتي هذه الكفاءة أو القدرة على تطوير تلك الكفاءة بسرعة معقولة من مصادر متنوعة، تشمل التدريب أثناء العمل والخدمة العسكرية وبرامج التدريب المهني وبرامج التعليم المستمر وشبكة الإنترنت.
هل هناك حلول من أجل معالجة أزمة قروض الطلاب بطريقة صحيحة؟ ربما. ولكن مجدداً، لن تأتي الحلول من مؤسسات التعليم العالي نفسها، فهي تسبب لها خسائر كبيرة. ولكن بدعم من مجتمع الأعمال، سيكون الطلاب العازمون على اتخاذ موقف الرابح الأكبر من هزّ الوضع الراهن، إذ سيكسبون حريتهم ومستقبلهم المالي وصحتهم النفسية وقدرتهم على المساعدة في شق مسار جديد لا يبنى على أكتاف من يسعى التعليم العالي لخدمتهم كما هو الحال اليوم.
اقرأ أيضاً: