عام 21 ومعادلة الرقم 21

2 دقائق
التفكير المعاكس

من أين جاءت الفكرة التي يكررها بعض خبراء العادات والسلوك التي تذكر أن اكتساب الإنسان لعادة جديدة أو تخلصه من عادة قديمة هو أمر متوقع عندما يستطيع أن يصمد لمدة 21 يوماً فقط باعتبارها الحد الأدنى؟

فكرة الأسابيع الثلاثة أو التدرّج في تطبيق العادة مهما كان عدد الأيام، تنبع من أساس علمي كما تعلمون، وقد وردت لأول مرّة في كتاب للطبيب ماكسويل مالتز عام 1960 عبر تجارب أجراها على تعافي المرضى وعودتهم لعاداتهم، ثم أكدها الباحث شون آكور في أبحاثه عن السعادة، والذين حددوا الرقم 21 يوماً.

لدى الإنسان نوعان من التفكير؛ أحدهما يسمى "التفكير السريع" والآخر هو "التفكير البطيء"، بحسب ما أسماهما المفكر الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل دانيال كانيمان في كتابه الذي يحمل هذا الاسم. والتفكير السريع الذي يطلق عليه باحثون آخرون اسم "اللاوعي" أو "الطيار الآلي" ولا يصنّفونه في باب "التفكير" هو الذي يسيّر حياة معظم الناس معظم الوقت، لأنه ببساطة يختزن التجارب والعادات وردود الأفعال والسلوكيات التي اعتدنا عليها ولم نعد بحاجة لمعالجتها والتفكير فيها لاتخاذ قراراتنا وتصرفاتنا تجاهها؛ ولذلك فهو أشبه بقيادة الطيار الآلي للإنسان. بينما يتنّبه التفكير البطيء للتجاوب مع أي حدث جديد أو تصرف غير معتاد ويحتاج لمعالجته واتخاذ قرار واعٍ بشأنه. ماذا يعني هذا؟ إنه يعني ببساطة أن حياتنا التي اعتدنا عليها هي مجموعة من العادات الصغيرة التي تتحول إلى تصرفات غير واعية تقودنا يومياً، كما يقول جيمس كلير في كتابه (العادات الذرية)، وهذا يعني أن تغيير أي عادة واستبدالها بعادة جديدة سيحتاج لنقلها من التفكير السريع أو اللاوعي إلى التفكير البطيء الواعي، والعكس صحيح. فإذا أردت اكتساب عادة جديدة، فإنني بحاجة للتفكير بها بشكل واعٍ وتكرارها يومياً بشكل واعٍ لكي تصبح تدريجياً جزءاً من اللاوعي، والفترة المتوقعة للتخلص من عادة أو اكتساب عادة وتحويل الممارسة الجديدة إلى الطيار الآلي قدّرها الباحثون بثلاثة أسابيع.

حسناً، تعالوا نطبق هذه القاعدة على ما تعلمناه من عادات اكتسبناها هذا العام خلال التغييرات التي طرأت على عاداتنا بسبب أزمة كورونا ومنها العمل المنزلي والرياضة المنزلية والطعام المنزلي وغيره. فقد لاحظتم أننا تجاوزنا مرحلة الأسابيع الثلاثة، وتحولت بعض الأمور التي بدأنا نمارسها بصعوبة قبل تسعة أشهر إلى عادات مألوفة ومحببة. وبرغم أننا عدنا جزئياً للحياة السابقة فمازالت بعض العادات الجديدة ملتصقة بنا لأنها ببساطة أصبحت جزءاً من اللاوعي. فقد تمسكتُ بالرياضة المنزلية برغم أن النادي الرياضي قد فتح أبوابه مرة أخرى، وأعتقد أنني سأتمسك بجزء كبير من العمل المنزلي واللقاءات الافتراضية بدلاً من الطرق السابقة التي اعتدناها قبل وباء كورونا.

قد يجيبنا هذا التحليل عن أسئلتنا وجدلنا حول مستقبل ما بعد كورونا وشكل الحياة فيها، وربما ما يساعدنا في وضوح العادات التي سترسخ بشكل جماعي هو أن نحدد تلك العادات التي جعلت حياتنا "أسهل"، وهذا ما يعتبره خبراء العادات والسلوك كلمة السر في ترسيخ العادات الجديدة، حيث يكررون علينا نصيحة "اجعلها سهلة" عندما ينصحون بتبني عادة جديدة.

ومع إطلالة عام 2021، فإن الرقم 21 يذكرنا بنفسه باعتباره رمزاً للعادات الإيجابية، حيث نقف كأفراد ومؤسسات أمام قرارات كبيرة للتغيير في حياتنا ونماذج أعمالنا، ونفكر كالعادة بأن نبدأ تطبيقها بداية العام، لكننا سرعان ما ننسحب منها تدريجياً ونعود إلى الطيار الآلي السابق الذي يسيّر حياتنا. اليوم يقلب العلم مفاهيم العادات التي كنا نعرفها عبر تبسيطها والبدء بأبسط الخطوات مع شرط الاستمرار بها، ويكفي أن نعلم أن أفضل ما قدمه فريق العلوم السلوكية في الحكومية البريطانية، والذي يضم نخبة من خبراء الاقتصاد وعلم النفس السلوكي، هو أنهم لخصوا نصائحهم في كتاب بعنوان (ابدأ صغيراً) يدور بالكامل حول الأدلة العلمية والتجارب التي قاموا بها على مدى عشر سنوات وتثبت نجاح أسلوب البدء بخطوات صغيرة لتحقيق الأهداف.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي