ملخص: قد يكون ما امتلكه مصمم الأزياء هاني البحيري من موهبة الهدية التي يتمناها أي شخص لبدء عمله الخاص، لكن ذلك لا يكفي للنجاح إذ إن البحيري وجد نفسه في مواجهة الكثير من التحديات؛ تتعلق بعدم توفر العمالة الموهوبة لهذا المجال أو المواد الخام في السوق المصرية بما يمكنه من تنفيذ تصميمات عالمية، فضلاً عن الحاجة المستمرة لابتكار أفكار جديدة. وعلى الرغم من ذلك حقق حلمه وأصبح مصمماً عالمياً. التقت هارفارد بزنس ريفيو مع هاني البحيري في حوار خاص عن شغله الشاغل ومهنة حياته وكيفية إدارتها.
هاني البحيري عميد مصممي الأزياء في مصر، وأحد أعمدة مصممي الأزياء العرب الذين حصلوا على لقب "العالمي"، يشارك جنباً إلى جنب مع مصممين عالميين من أمثال فالنتينو غارافاني وجياني فيرساتشي وإيلي صعب وزهير مراد، تاركاً لمساته في عواصم الموضة من باريس إلى روما ولندن.
صمم أول فستان للفرح عندما كان عمره 11 عاماً، واليوم أصبحت "لمسة هاني البحيري" معروفة في عالم الأزياء. لكن ما لا يعرفه الكثيرون عنه، هو كيف يدير البحيري حياته وأعماله؟ ما الذي يندم عليه، وما الذي تعلمه بعد هذه الخبرة. عشق التصميم منذ الصغر، وكان لأمه وجدّته فضل كبير في زرع هذا الشغف، ليتحول إلى "ماركة مصرية عالمية" يستقطب طلبات الفنانات والمشاهير حول العالم للحصول على فساتين من تصاميم البحيري.
كيف بدأت رحلة هاني البحيري نحو تصميم الأزياء؟
نشأت طفلاً مصرياً يحب كل ما هو جميل، مثل الألوان والرسم والموسيقى، ويهتم بمشاهدة كل ما هو جديد على التلفزيون. وتربيت على الالتزام لأن والدي كان يعمل موجّه تربية وتعليم، الأمر الذي كان ينعكس على شخصيته في البيت. فعندما كان يعود من عمله، توجب علينا أنا وأشقائي أن نظهر جميعاً وكأننا نذاكر دروسنا. وقتها، كنت أحب الرسم جداً أكثر من أي مواد أخرى فكنت أنشغل به باستمرار، وكنت أتفنن في حصص الرسم. وفي إحدى الحصص، رسمت سماء وأرضاً وبحراً وجبالاً في كراستي. وبعدها نادى المدرس عليّ، عندها شعرت أنه سيضربني، لكنه كافأني وأخبرني بأنني سأصبح فناناً كبيراً، ثم عينني رئيساً لقسم "الفن" في الفصل الدراسي، وكان عمري سبع سنين.
وبعدما كبرت علي يد أمي وجدتي، وهي من أصول تركية، لفتني أنهما كانتا تنفذان مشغولات يدوية وتستخدمان الكريستال والترتر وغيرهما. فنشأت في هذه البيئة وأخذت منهما فكرة تنفيذ الفساتين، من ثم علمتني أمي التصميم. وقررت أن أنفذ فستان زفاف إحدى أقاربي، وكان عمري 11 سنة. لم أتمكن من حضور الحفل بسبب المرض، لكنني عرفت أن الضيوف انبهروا بالفستان، وكانوا يتساءلون عمّن صممه. وعندما عرفوا أنه "الواد هاني ابننا"، تعجبوا من جماله وروعة تنسيقه وتصميمه. ومن هنا بدأت مسيرتي في عالم التصميم والأزياء وكنت وقتها في الإعدادية.
بعد ذلك، أصبحت أزور محلات في وسط البلد، وتحديداً المحل الذي يحمل اسم "ماي فير ليدي" (My Fair Lady)، وذات مرة نزلت مع إحدى قريباتي لاختيار قماش لتصميم فستان زواجها، واخترت معها قماش فستان الزفاف لتصميم نفذته بيدي. وعندما رأى صاحب المحل "عينة الشغل" أو الفستان، أعجب به كثيراً وطلبني للعمل معه. أخبرته أنني مجرد هاوٍ، ولست مصمماً لكنه أعجب بعملي كثيراً وأثنى عليه. بعد ذلك بسنة، فوجئت بسيدة غير مصرية تتصل على رقم منزلنا وتطلب مني تصميم فستان زفافها. وقتها كنت في الثانوية العامة وعندما عرضت الأمر على أمي، شجعتني على تصميمه ونفذته بمساعدة 29 شخصاً.
وبعد تنفيذ فستان هذه السيدة، حرصَت هي على دعوتي لحفل زفافها، وكان الفرح راقياً جداً. وفي الحفل التقيت الفنانة صباح، وكثيراً من المشاهير، وبدأت مسيرة شهرتي.
وضعني حفل العرس هذا على سلم الشهرة في عالم الأزياء والفن، وبعده توالت الأفراح الكبيرة وحفلات كبار المسؤولين، وأصبحت المصمم الأول لفساتين سيدات الأعمال. فعشت في التسعينيات مرحلة انتعاش كبير تكللت بالنجاح بفضل الله ونجحت في تحقيق حلمي، وفي الواقع، تمكنت من إطلاق مفهوم "مصمم الأزياء" عوضاً عن الخياط في مصر، وهو مفهوم لم يكن معروفاً محلياً.
ماذا عن المعوقات التي واجهتك في تحقيق حلمك؟
درست الحقوق، وكانت غير متوافقة مع تطلعاتي، وبعد انتهاء دراستي سافرت إلى فرنسا لتعلم التصميمات في أحد بيوت الأزياء. لكنني وجدت أن خبرتي تفوق خبرة زملائي، عندها نصحني المدير بالعودة لبلدي وفتح بيت أزياء بسبب ما لمسه فيّ من موهبة ودقة في التصاميم. على الرغم من مديحه، أصابني الإحباط وقررت أن أكمل مهمتي في فرنسا، فتجولت في بيوت الأزياء في باريس لمدة 6 أشهر إضافية وتعرفت على سر الصنعة، وغذيت عيني بـ "فيتامين الأزياء" وعدت إلى مصر بأفكار جديدة. بعد ذلك، عملت في تصميم الأزياء لفنانات مشهورات مثل؛ شيريهان وصباح ووردة ويسرا وليلى علوي وغادة عبد الرازق وسميرة سعيد ولطيفة ولبلبة وحنان ترك قبل الحجاب وبعده.
كيف تغلب هاني البحيري على هذه المعوقات في فترات العمل الأولى؟
كان من أهم المعوقات عدم توفر العمالة الموهوبة في هذا المجال، فضلاً عن عدم وجود مواد خام في السوق المصرية تتيح تنفيذ تصميمات عالمية. أضف إلى هذا عدم وجود مدارس لتعليم تصميم الأزياء في مصر، ما يتيح "تفريخ" جيل من المحترفين.
تغلبت على كل هذا فأصبحت أصمم الأقمشة التي أستخدمها في أعمالي بنفسي، وأستورد المواد المطلوبة والخامات والأقمشة من الخارج بتصاميم خاصة بي. إضافة إلى أنني أحرص على السفر للبحث عن عمالة ماهرة، على الرغم من أنني أحزن لعدم وجود هذه الخبرات محلياً، فأجلبها من باريس ودبي والهند.
من هنا استطعت تنفيذ هرم متدرج لاستمرار اسم هاني البحيري، وكذلك استمرار المنتج المصري في السوق المحلية والعالمية.
هل يمكننا القول إن هاني البحيري حقق حلمه بالوصول للعالمية؟
فكرة الوصول للعالمية هي بداية حياة أخرى وليست نقطة انطلاق، فعندما تصل من المحلية للعالمية فهنا تصل لأول درجات المحترفين، وهذا في الحقيقة حلم جديد لك. وطريقة عمل المحترفين واختبار كل الأذواق مثل الموجودة في باريس ولندن وروما وغيرها، هي بداية أخرى توصلك لزبائن آخرين وعالم آخر من الشهرة والأضواء والموضة.
كان أحد أحلامي أن أنفذ عرض أزياء في باريس، والحمد لله نجحت في تحقيقه، ويمكنني القول إنني الاسم الوحيد المكرر 6 مرات في عروض عالمية، كنت وقتها في سن صغيرة، لكنني أثبتّ نفسي في مشواري العالمي عبر عروض متكررة في باريس وروما ودبي وغيرها. ومنذ عام 2009 أصمم "فاشون شو" في باريس كل عام بجانب فالنتينو وإيلي صعب وزهير مراد وفرساتشي وأسماء عربية وعالمية كبيرة.
مجال الأزياء كل يوم يضم أشياء جديدة. كيف تحدّث من تصميماتك وصناعتك؟
مجال الأزياء هو المجال الوحيد الذي يضم أشياء جديدة باستمرار تسمح لك أن تحدّث تصميماتك وصناعتك. وأعتقد أنني الوحيد المهموم بهذا المجال في مصر، وأعمل ليلاً ونهاراً مع فريق العمل على التطوير ومواكبة الموضة العالمية. علاوة على أنني أتابع يومياً المواقع العالمية، وأرى بنفسي التصميمات العالمية وأحدث صيحات الموضة التي نواكبها في أعمالنا. وأريد أن أوضح أن مواكبة الموضة ليست تقليداً، لكنها تعرّفنا إلى أذواق الناس وماذا يريدون، إنما تبقى لمسة يضعها كل مصمم على أعماله، وهذا ما يميز هاني البحيري عن غيره
ومن أهم أهدافي أن يعيش فستاني أكثر من 20 سنة في خزانة صاحبته، وأن تستطيع أن تلبسه في أي وقت لأنه تصميم مميز من خامة وقصّة وقماشة وتطريز وفكرة محدثة وتواكب كل الأوقات. وأنا في سعي دائم لتطوير العمل الخاص بي.
ماذا تعني لك مهنة تصميم الأزياء؟
تعني لي الحياة، وهي مهنة مهمة جداً تعكس ثقافة الشعوب، فمن خلال أزياء الناس نعرف مدى ثقافتهم وبالنسبة لي تصميم الأزياء مربح فنياً وليس مادياً فقط. فهو مجال خصب وجميل، فالناس يحرصون على الظهور في أحسن شكل ومظهر دائماً ما يجعل هذا القطاع في تطور دائم.
ما هو دور الحظ في حياتك؟
لم أخطط يوماً لأن أصبح مشهوراً في عالم الأزياء، لكنني أعترف دائماً بدور والدتي في نجاحي. وقد لعب الحظ والتوفيق دوره معي، لكن الاجتهاد والتفاني في العمل هما الأساس، وشهرتي جاءت وأنا بعمر الـ 16 سنة. وقتها كنت هاوياً، ثم طورت نفسي ودرست تصميم الأزياء من أجل إدارة مشغل (atelier).
ما الذي تندم عليه بعد هذه التجربة؟
لا أندم على أي أمر حصل معي، فدائماً ما أحرص على اتخاذ خطوات بطيئة لكنها ثابتة. أنا ندمت فقط على العصبية التي كانت صفة فيّ عندما كنت في سباق مع الزمن ومع المنافسين في بداياتي، لكنني الآن تداركتها ووظّفتها في عملي، فأصبحت أكثر هدوءاً، ما انعكس بالإيجاب على سرعة الإنجاز وقوة وجمال التصميمات.
ما الذي يجعلك تستيقظ متحمساً للعمل؟
حبي للعمل، والفكرة الجديدة التي تستهويني وألتقطها من الهواء، إلى جانب جدول أعمالي المنظم. فأنا أحب مهنتي وأحرص على شراء كل مستلزماتي دائماً، وتحديث نفسي لكي أحافظ على المكان الذي وصلت له وأطوّره أكثر.
ما الذي يقلقك قبل أن تنام حول مهنتك وحياتك؟
يقلقني دوماً السؤال عن الجديد في مجال الأزياء وموضة الأيام القادمة. والأسئلة المستمرة مثل: هل يجب أن أفكر في إنشاء دار أزياء تحمل اسمي وتعرض كل تصميماتي؟ وقبل النوم أفكر دائماً في جدول الغد والتصميمات التي أشرف عليها، وكذلك التفكير في ابتكار أفكار جديدة تحافظ على "لمسة هاني البحيري".
ما الذي تعلمته مؤخراً وتتمنى لو تعلمته مبكراً؟
أن أصبح أكثر هدوءاً، ووصلت لذلك بالفعل، كما تعلمت أهمية النظام في العمل، وتعلمت كتابة أفكاري قبل أن أنساها، والتخطيط لوقتي وتطوير نفسي.
ما هي النصيحة التي يمكن أن تستخلصها من تجربتك ويمكن أن تقدمها الآخرين؟
أن أكون نفسي وألا أقلد أحداً، فأحرص دائماً على تقديم نفسي وأفكاري والتعلم من تجاربي السابقة وتحويل الفشل إلى مسيرة نجاح.
هل تنصح بهذه المهنة؟
طبعاً، لدينا العديد من الأطباء والمهندسين، لكن ليس لدينا الكثير من مصممي الأزياء. ومصمم الأزياء يعكس ثقافة شعبه وتاريخه، ودوره مهم جداً في خدمة مجتمعه، فهو يعكس عراقة بلده في تصميماته، إضافة إلى التسويق لخامات بلاده ومنتجاتها في الخارج، فهنا يعتبر من القوة الناعمة.
لو لم تكن في هذه المهنة، ماذا كنت تفضل أن تعمل؟
درست القانون واللغات، لكنني أرى نفسي أكثر في تصميم الأزياء.
لو أردنا تلخيص حياتك في كتاب فماذا سيكون عنوانه؟
رجل أحب المهنة. أنا تنازلت كثيراً عن أمور شخصية واجتماعية من أجل مهنتي التي أعشقها، وتفانيت في عطائي لها، لذا أجد أن هذا العنوان يعبر عن تجربتي.
كيف تدير وقتك وما الذي تعلمته حول هذا الموضوع؟
بصراحة، أنا أُدير عملي بنفسي، وأنا الذي أضع "السيستم" (النظام) وأحرص على تطبيقه بحذافيره. لا أثق إلا برأيي ويعاونني إخوتي، وأحرص على استشارة والدتي. أنا عموماً مدير غير لين، لكنني غير صلب أيضاً، فأنا أفضل طريقة إسداء النصائح في الإدارة، وأرغب في تنفيذ كل شيء بهدوء ولكن بحسم.
كما أحرص على التجديد والسفر، وزرت أسواق أوروبا جميعها لجلب أقمشة ومواد خام تساعدني في العمل، وأزور المستودعات العالمية التي توجد بها أقمشة غير موجودة بالأسواق، لأنني في حرب غير معلنة مع مصممي الأزياء العالميين وبفضل الله أثبتّ نفسي ووضعت بصمتي في هذه المهنة.
ما هي نظرتك لفكرة التوازن بين العمل والحياة الخاصة؟
كنت أعمل ليلاً ونهاراً، ولكن مؤخراً أصبحت أحرص على أخذ "ويك إند" (عطلة نهاية أسبوع) حتى أفصل نفسي عن العمل لتغيير المزاج؛ لأعود للعمل من جديد بأفكار جديدة، لأن الضغط النفسي يولد الانفجار.
هل تقرأ أو تتابع أي مصادر تثقيفية أو تعليمية؟ وما هي طريقتك في الحصول على المعلومات حول كل ما هو جديد في مجال عملك؟
أقرأ كتباً كثيرة، وأتابع المواقع العالمية للموضة، وكذلك أشاهد دائماً عروض الأزياء، وكل ما هو جديد على "إنستغرام"، وأسافر دائماً لحضور عروض منذ أكثر من 20 سنة. وأحضر بصورة مباشرة الكثير من عروض الأزياء العالمية للتعرف على الخامات والصيحات وأحدث أساليب التصميم لتطوير نفسي وأسلوبي، وأعتقد أن هذا ما صنع هاني البحيري.
هل لديك مقولة أو شعار أو حكمة تقتدي بها؟
اتق شر من أحسنت إليه، وأيضاً لا تضع البيض في سلة واحدة، لأنني تعرضت مؤخراً للسرقة من مساعدة لي كنت أثق فيها جداً، فسرقت الخامات والزبائن على الرغم من أنها تربت في بيتنا، وسرقت أيضاً مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بي، لكننا تداركنا ذلك. وتعلمت ألا أثق في أحد ثقة كبيرة.
هل لديك شخص تعتبره مثلك الأعلى، ولماذا؟
أمي، فهي مثال للسيدة المكافحة والصبورة، ربتنا وأكرمتنا، فهي الأم والصديقة وزميلة العمل، وأيضاً مستشارتي ومصححة أعمالي، وأدعو الله لها بالصحة والعمر الطويل.
كيف تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي وكيف تتأثر بها؟
أتابع "إنستغرام" جيداً لأنه مرتبط بالصور وإبراز صيحات الموضة، وأيضاً تيك توك وفيسبوك، فمن المهم جداً التواصل مع العالم الخارجي، وعرض نماذج من أعمالنا لأن السوشال ميديا أصبحت أسلوب حياة.
كيف تتخذ قراراتك؟
أتخذ قراراتي بسرعة، لكني في أوقات كثيرة أستشير أمي، فهي مستشارة حياتي، لكنني عندما أتخذ قراراً يكون التراجع عنه صعباً.
حدثنا عن معلومة عنك لا يعرفها معظم الناس ولن يجدوها في سيرتك الذاتية؟
أنا عصبي جداً لكني طيب، أنا متزوج منذ 15 سنة وأعشق زوجتي الإيطالية جداً، ولدي ابنة عمرها 12 سنة، لكنها تعيش في إيطاليا. أنا مصري أنتمي لبلدي وأعشقها وهي أكثر بلد أحب العيش فيها.
ما هي علاقتك مع المال، وكيف تتعامل مع الاستثمار والادخار في دخلك المادي؟ هل تستثمر؟
أنا مثل أي شخص لديه عمل خاص، يجب أن يظل معي سيولة مالية لشراء مستلزمات التصاميم والمواد الخام، وأدخر أموالي كلها في المواد الخام التي أشتريها من الخارج.