تتأثر الشركات العائلية بمحاولات فرض السلطة والسيطرة، تماماً كما يتأثر بهما أي مشروع آخر، إلا أن هناك مصادر للتوتر في الشركات العائلية تتمثل في الصراعات الحتمية على السلطة والسيطرة التي تزداد تعقيداً بسبب التفاعلات الأسرية التي تلعب دوراً محورياً في عمليتي صناعة القرار والتعاقب الوظيفي، وإذا لم تتمحور التفاعلات الأسرية حول غرض مشترك، فغالباً ما يسفر ذلك عن احتكاكات مؤسسية وتدني مستوى الأداء، فوجود مهمة مشتركة وعلاقات قائمة على الثقة المتبادلة وآلية فاعلة لصناعة القرار من شأنه أن يسهم في تعزيز أداء الشركات العائلية، لاسيما في ظل المناخ الاقتصادي الحالي المشوب بالغموض.
نلاحظ تجلّي هذه التوترات في كل من السوق والثقافة الشعبية، ففي المسلسل التلفزيوني الشركة العائلية (Succession) الحائز على الجوائز، نجد أن رب العائلة يبسط سلطته وسيطرته من أعلى قمة تكتل لشركات إعلامية دولية، وبينما يفكر في خطة لتحديد من سيخلفه في منصبه، يصاب بأزمة قلبية، ويرى أبناؤه الثلاثة في ذلك فرصة للاستيلاء على السلطة وإدارة الشركة وفق شروطهم، يوضح المسلسل أن وضع خطط التعاقب الوظيفي لا يكفي لحماية العائلة من الانهيار والتفكك مهما كانت هذه الخطط محكمة، وأن وجود غرض مشترك بين جميع أفراد الأسرة أمر بالغ الأهمية.
مصادر للتوتر في الشركات العائلية
تؤثر الشركات العائلية الكبرى إلى حدٍ كبير في قطاعاتها وفي الاقتصاد العالمي، حيث يُقدر إجمالي الإيرادات السنوية لهذه الشركات بأكثر من 9 تريليونات دولار وتوفر حوالي 30 مليون فرصة عمل مباشرة، وتكمن قدرة الشركات العائلية على النمو والاستدامة والتأثير على الاقتصاد في قدرتها على تحقيق التوازن الدقيق بين احتياجات الشركة وتوقعات أفراد العائلة.
وإننا نعمل مع العائلات للوقوف على "مَواطِن التصدع" في شركاتهم من خلال تقييم مستويات الثقة القائمة فيما بينهم ومدى شعورهم بوجود غرض مشترك ومدى وضوح عملية صناعة القرار، وإليك مَواطِن التصدع الأربعة الأكثر شيوعاً التي تؤدي إلى تفكك الشركات العائلية وانهيارها:
فقدان الثقة: تبلغ نسبة الشركات العائلية التي تصمد حتى الجيل الثاني 30% فقط، وهذا يعني أن الأسرة تفقد السيطرة على الأصول في 70% من الشركات العائلية، وربما ينتهي بها الحال وقد تمزقت العلاقات فيما بين أفرادها، ومن ثم فإن فقدان الثقة المتبادلة وانعدام التواصل يمثل 60% من أسباب حدوث هذا الفشل.
عدم وجود غرض مشترك: على الرغم من إمكانية اختلاف القيم بين أفراد العائلة في مختلف الأجيال، فإن وجود غرض مشترك فيما بينهم من شأنه أن يساعد الموظفين على مواءمة قيمهم واهتماماتهم دعماً لمهمة واحدة مشتركة.
السيطرة بدلاً من الرعاية: قد تتعرض الشركات العائلية للانهيار نتيجة العديد من الأسباب، ومن أهمها الصراع على المال وسوء الإدارة والتقاتل على وراثة المناصب من جيل إلى جيل.
المداهنة والنفاق: غالباً ما يتجنب أفراد الأسرة معالجة القضايا الشائكة من خلال تجنب إجراء مناقشات هادفة بشأنها، وعدم معالجة هذه التوترات من شأنه أن يفاقم حالة انعدام الثقة داخل الأسرة الواحدة ويضعف مستوى الأداء في مؤسساتهم.
ومن خلال التحلي بالمهارات المناسبة وبناء علاقات وهياكل تنظيمية تقوم على الثقة المتبادلة، يمكن التغلب على مثل هذه العقبات.
كيف يمكن للمدراء إذاً تطبيق هذه المعلومات في شركاتهم العائلية؟ إليك بعض المقترحات العملية:
بناء الثقة بوسائل ملموسة: يجب على أفراد الأسرة الامتناع عن بذل وعود لا يستطيعون الوفاء بها بناء على مستوى كفاءتهم، وهكذا يسهل تنفيذ الخطط وتحقيق الأهداف.
إرساء غرض مشترك للشركة العائلية: عندما تولى فيليب موفيت قيادة عملية التغيير في مجلة "إسكواير" بصفته الرئيس التنفيذي، كان يبدأ كل اجتماع مع موظفيه باختيار أعضاء مختلفين من فريقه ويطلب منهم توضيح مهمتهم ومبادئهم المشتركة إلى أن رأى موظفيه يجسدون هذه الالتزامات، فلا بد لقادة الشركات العائلية أن يعلنوا بفخر عما تفعله الشركة، والعميل المستهدف بخدماتها، وكيف يمكن للموظفين الإسهام بشغفهم ومهاراتهم في مساعدة الشركة على النجاح، والقادة المؤثرون هم من يجسدون قيمهم من خلال سلوكياتهم ويحققون ما يعدون به عملاءهم وموظفيهم وأصحاب المصلحة في شركاتهم.
إنشاء بروتوكولات للتواصل الفاعل: يمكن لموظفي الشركات العائلية تعلم كيفية تقديم الآراء التقويمية وتنسيق العمل والتفاعل في المناقشات الصعبة، فوجود غرض مشترك في أذهان أفراد الأسرة يمكِّنهم من النظر إلى الخلافات كفرص يمكن استغلالها لإيجاد أفضل طريقة لتحقيق أهدافهم.
تطوير آليات صناعة القرار التي تنظر إلى كل من السلطة وتفاعلات الأسرة وأولويات الشركة بعين الاعتبار: جرت العادة على ممارسة القادة الرئيسيين لصلاحياتهم في إعلان النتائج المرجوة من القمة إلى القاعدة، ولكننا ننصح بنهج قد يكون منافياً للبديهة لكنه فاعل للغاية: ويتمثل في تبني فكرة إعلان النتائج المرجوة من القاعدة إلى القمة حتى يتمتع الموظفون بشيء من الاستقلالية وتسخير مهاراتهم وشغفهم بما يصب في مهمة الأسرة.
عملنا ذات مرة مع أسرة أصيبت بخيبة أمل كبيرة بسبب الصراعات بين الأجيال والافتقار إلى القدرة على اتخاذ قرارات جماعية بطريقة صحيحة، ومن خلال إجراء سلسلة من المحادثات الميِسرة، ساعدنا أفراد الأسرة على وضع غرض مشترك لمؤسستهم في إطار دعم الأثر الاجتماعي الإيجابي، وبتوضيح الأدوار فيما يخص المهمة المشتركة استطاع أفراد الأسرة التعبير عن مواهبهم الفردية من أجل دعم الأهداف الجماعية، واستخدام إطار عمل مشترك لتنسيق العمل فيما بينهم. وتقدم هذه الأسرة الآن إسهامات هائلة في مجال الصحة والتعليم بمجتمعها من خلال مساعيها الخيرية.
لا يمكن الجدال في المردود الهائل للتوافق حول غرض مشترك للشركة العائلية والثقة المتبادلة وصناعة القرار بشكل جماعي، سواء كان ذلك في مسلسل تلفزيوني شهير أم في السوق، حيث تلعب الشركات العائلية دوراً كبيراً في المجتمع والاقتصاد، والجمع بين السلطة وتفاعلات الأسرة بصورة إيجابية يعزز أداء الشركة ويوطد أواصر العلاقات بين أفراد الأسرة، ويوفر الوسائل التي من شأنها أن تجعل قدرة الشركة على تحقيق أثر اجتماعي إيجابي أكثر فاعلية، وهو أمر مهم للغاية للحلول دون التعرض إلى مصادر للتوتر في الشركات العائلية ولاسيما خلال هذه الأوقات العصيبة التي يمر بها المجتمع.
اقرأ أيضاً: