إليكم هذه القصة التي تتحدث عن مشاكل الأخلاقيات في الشركات العائلية حول لعالم. كان روبرت باسين، الرئيس التنفيذي لشركة "راديو فلاير" (Radio Flyer)، متأثراً بمشاعر عميقة من الحب والاحترام لجده المتوفى أثناء حضور مراسم الجنازة، فقد كان الجد بمثابة رأس العائلة والمؤسس الأول للجيل الثالث من الشركة العائلية التي تصنِّع الألعاب. "هؤلاء الأشخاص الذين عملوا في المصنع، وهؤلاء المورّدين كلهم، أخبروني قصصاً عن جدّي، كان يفي بوعوده ولا يكذب، أخبرني أحد الموردين أنه لم يقم أبداً بتوقيع أي عقد، ولكنه كان يتفق بالمصافحة. أذكر شعوري بالفخر والامتنان لأنّ شخصاً كهذا هو من أسس هذه الشركة". كان ذلك درساً لاحظه روبرت على مدار سنوات رأى فيها جدّه وأبيه يديران الشركة التي أصبحت لاحقاً جزءاً لا يتجزأ من هويته. يقول روبرت "عندما تبدأ عملك مع قيم جيدة جداً، فمن السهل جداً أن تحافظ عليها".
ومع الأخبار الأخيرة حول خيارات أخلاقية مشكوك فيها كانت قد اتخذتها الشركات في سعيها لتحقيق الأرباح، فمن غير الصعب تخيل الضغوط التي تؤثر على خيارات الشركات. الإغراءات لاتباع أساليب ملتوية هي إغراءات حقيقية تنطبق على الأعمال التجارية كلها، وخصوصاً الشركات التي تحاول الارتقاء إلى مستوى توقعات محللي وول ستريت.
اقرأ أيضاً: ما مدى انعدام أخلاقك؟
نظرياً، الشركات العائلية مهيأة بشكل جيد لمقاومة هذه الإغراءات. ويُعتبر مالكو الشركات العائلية محصّنين في أحوال كثيرة من الوقوع ضحية ضغوط التقارير الربعية، نظراً لأنّ معظم هذه الشركات ذات ملكية خاصة. يتخذ هؤلاء قرارات عمل قد تبدو غير عقلانية للعالم الخارجي، فيقومون بإهدار الفرص والاستثمار في استراتيجية ربما لا تبدو منطقية على الورق، ولكنها منسجمة مع قيمهم وأهدافهم طويلة الأمد. يقول روبرت "ثمة عدد أقل من الأمور التي تدفعك في الشركات العائلية للقيام بأشياء من قبيل الحلول السريعة، لا يوجد ما يدفعك للنمو الجنوني". وهذا يعني أنه يتعين على الشركات العائلية التي قامت على تاريخ من النزاهة، مثل "راديو فلاير"، أن تتمتع بحصانة أكبر إزاء هذه الإغراءات. فبالنسبة لها، الأمر لا يتعلق بالتجارة فحسب، بل هو شخصي أيضاً.
يُمكن للنتائج أن يكون لها صداها في العالم الحقيقي أيضاً. في عام 2017، وجد استطلاع لـ "مؤشر إيدلمان للثقة" أُجري على 15,000 شخص حول العالم، أنّ الشركات العائلية تحظى بثقة أكبر من الأعمال غير المملوكة للعائلات. ومع هذه الفوائد كلها التي تستفيد منها شركتك العائلية، كيف تتأكد من عدم انحراف قيمك والإضرار عن غير قصد بالعمل الذي استغرقت العائلة أجيالاً في بنائه؟
يقول كلايتون كريستنسن، الأستاذ في "كلية هارفارد للأعمال"، في كتابه "كيف ستقوم بقياس حياتك؟" (How Will You Measure Your Life؟) إنّ الطريق إلى الهلاك يحدث خطوة تلو خطوة. فكل اختيار فردي يذهب بعيداً عن الوازع الأخلاقي القوي يُسهل اتخاذ الاختيار التالي. هذه هي نظرية التفكير الهامشي: تحديد ما يبدو أنها خيارات عقلانية تماماً حول القرار الفوري الموجود، دون النظر أبداً في التكاليف الكاملة لذلك القرار مع مرور الوقت. فمثلاً، اتخذت شركة "جنرال موتورز" (General Motors)، عام 2005، قراراً بعدم إعادة تصميم مفتاح إشعال معطوب كانت له صلة بتحطم سيارات، نظراً لأنه كان سيزيد السعر بقيمة دولار على كل سيارة. وكان القرار بالاحتفاظ بالمفاتيح المعطوبة سيكلف في نهاية المطاف أكثر بكثير، حيث أدى إلى دفع 4.1 مليار دولار في صورة تكاليف صيانة وتعويضات للضحايا وتكاليف أخرى، ناهيك عن رسوم جلسات الاستماع وما يليها من كارثة علاقات عامة.
يحدث التفكير الهامشي نفسه في نزاهتنا الشخصية أيضاً. فقط هذه المرة، أستطيع تحديد خيار مشكوك به من ناحية أخلاقية أو تجاهل القواعد. فقط هذه المرة. إلا أنّ بالنسبة لمعظمنا، حسب كريستنسن، تكرِّر "فقط هذه المرة" نفسها مرة تلو المرة.
مشاكل الأخلاقيات في الشركات العائلية
من تجربتنا في العمل جنباً إلى جنب مع شركات عائلية متعددة الأجيال من أجل حل مشاكل الأخلاقيات في الشركات العائلية حول العالم، فمن الواضح أنّ خطر التفكير الهامشي قد يكون له دور كبير في إبعاد الأعمال العائلية عن القيم التي دافعت عنها ذات مرة. تجد الكثير من الشركات العائلية نفسها في مواقف لم تقصد الوصول إليها، نتيجةً للكثير من الخيارات التدريجية الصغيرة والمنطقية. ويتطلب الالتزام بهذه القيم عملاً ويقظة من كل جيل.
وإليك خمس إشارات تحذيرية تدل على أن شركتك العائلية تواجه خطر الانزلاق إلى الطريق الخطأ:
اقرأ أيضاً: دروس مستقاة من القيادة الأخلاقية
تفقد رواية العائلة الكاملة
تمرَّر القيم العائلية من جيل إلى جيل من خلال القصص. ولكن ليست القصص المبهجة منها فحسب. من المهم مشاركة كل من النجاحات والفشل في تاريخ الشركات العائلية، وهذا ما يسميه أستاذ "جامعة إيموري" (Emory University) مارشال ديوك بـ"الرواية المتذبذبة"، وتمثل إقراراً ليس بالأوقات الجيدة فحسب، بل بالأوقات الصعبة أيضاً. وفهم السبب الذي دفع العائلة لمواجهة التحديات الصعبة والتضحيات التي قدمتها العائلة أو لم تقم بها للتغلب على هذه التحديات يمكن أن يمثل نبراساً تهتدي به الأجيال المستقبلية في تجنب الإغراءات التي تدفعهم للمساومة على قيمهم مقابل مكاسب قصيرة الأمد.
تعتقد أنّ "إضفاء طابع مهني" على العمل يعني المساس بجوهره
عانى ستيف شيفمان، الرئيس التنفيذي لشركة "مايكل مان" (Michelman)، مطور مواد صديقة للبيئة للصناعة، في الموازنة بين الحفاظ على الجودة التي جعلت شركته العائلية للجيل الثالث مميزة، والحاجة إلى البقاء في إطار المنافسة عندما تولى إدارة الشركة في عام 2003. يتذكر شيفمان هذه اللحظات ويقول "كنت عازماً على إضفاء طابع مهني على العمل بمجمله، ثم أدركت شيئاً فشيئاً أنني خلقت ازدواجية خاطئة بين الشركات العائلية والشركات المهنية، جزءٌ مما منحنا القدرة على توظيف مواهب مدهشة واستبقائها كان أيضاً ما جعلنا مميزين كشركة عائلية، نحن نتحرك وفقاً للهدف والقيم، وليس حسب الأسواق فحسب، فبالنسبة لنا، هذه الشركة ليست آلة تدر الثروة، بل هي شيء أكبر من ذلك. أدركت أنّ ثمة شيئاً رائعاً حول هذا الأمر".
تسمح فقط بوجود الأشخاص "من حاملي المؤهلات العلمية" في القاعة لاتخاذ القرارات
في أحوال كثيرة عندما تكبر الشركات العائلية، يبدؤون ببناء مجالس إدارة بمتخصصين خارجيين. ويجري تجاهل أو الأشخاص الذين "لا يرتقون" لذلك أو استثناؤهم (وهم غالباً من أفراد العائلة). يفترض المتخصصون الخارجيون هؤلاء أنّ إجمالي عائد المساهمين هو الهدف النهائي، ويؤيدون خيارات تنسجم مع ذلك الهدف. ولكن، قد تكون هذه الخيارات غير منسجمة مع قيم العائلة. وتتطلب حماية هذه القيم أن يكون أحد أفراد العائلة ممن يمتلكون وجهة نظر خارجية في منصب يمكّنه من طرح أسئلة مهمة حول السبب. وفي حقيقة الأمر، فإنّ بعض أفضل أعضاء مجالس إدارة الشركات العائلية الذين رأيناهم لا يمتلكون خبرة "تقليدية" ولكنهم يطرحون أصعب الأسئلة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك أنّ أحد أفراد العائلة ممن لم يكونوا مضطلعين بشكل وثيق بالعمل خلال العقد الماضي، تحدى مجلس الإدارة لتبرير سبب موافقتهم على قيام شركة تصنيع الأدوات الصناعية بصناعة أجزاء من بنادق نصف آلية. كان المبرر الاقتصادي الهامشي واضحاً، ولكن قيم العائلة الأساسية لم تدعم الاستثمار. وربما كانت الشركة لتمضي في الدخول في قطاع تجارة الأسلحة دون توفر وجهة نظر جديدة لوقف المحادثة مؤقتاً والتأكد من انسجام مثل تلك الخطوة مع قيم العائلة.
اقرأ أيضاً: كيف يتحول السلوك غير الأخلاقي إلى عادة
تبدأ بتعريف نفسك وعائلتك من خلال المال
يعرف هؤلاء الذين يعرفون عائلة روبرت أنهم أشخاص يلتزمون بوعودهم ولا يكذبون. الثقة المتأصلة، والتي بنيت على مدى أجيال، لا توجد بسبب ثروتهم. إنما يحددها الكثير من اتفاقيات المصافحة التي احترموها طوال تاريخهم. وأحياناً، يبدأ مالكو الشركات العائلية بتعريف أنفسهم من خلال المال والشهرة، فيربطون أسماءهم بالمباني والمتنزهات والأماكن العامة الأخرى. وقد يوجد الكثير من الأسباب المدنية الجيدة لدعم القضايا المحلية، ولكن إذا كان الدافع الأساسي هو التباهي بأموالك، تكون العائلة قد بدأت في الانزلاق إلى الأسفل. عندما تطغى الحاجة إلى إطراء الغرباء على القرارات، يبدأ هؤلاء الغرباء بتعريف قيمك، بدلاً من عائلتك الخاصة. وعندما تُعطي الآخرين الحق في تحديد ماهية قيم عائلتك، فقد تشعر بضغط للتقليل من الجودة حتى تُظهر إيماءات أكبر تحافظ فيها على صورتك العامة.
يصبح الربح دافعك الأساسي
لقد أخبرنا الأكاديميون وقادة الفكر، على مدى سنوات، أنّ الهدف من شركة ما هو زيادة القيمة السهمية للشركة. قد يكون ذلك صحيحاً بالنسبة للشركات العامة، ولكن الشركات العائلية تمتلك الحرية في أن تكون مختلفة. فهي تمتلك ميزة تتمثل في أنّ باستطاعة المالكين تحديد الأولويات، سواءً كانت الأرباح أو الوئام العائلي أو المسؤولية الاجتماعية أو أي جوانب أخرى. وعندما تختار شركة عائلية المبالغة في التأكيد على الأرباح على حساب زبائنها أو المجتمعات التي تعيش داخلها، فستجد نفسها متجهة إلى الطريق الخاطئ. ولكن باستطاعة تلك الشركات، التي تبين دوافعها بوضوح فيما يتجاوز الأرباح، أن تساعد في إعادة تعزيز قيمها وتقوية حالة الوئام العائلي. وفي إحدى العائلات التي عملنا معها، اختار المالكون إدارة أحد أعمالها مع تقبل الخسارة، لأنها وفرت مهناً لأفراد العائلة وخدمة عامة مطلوبة جداً في المجتمع.
ونظراً لأنّ الشركات العائلية تواجه القليل جداً من التدقيق من العالم الخارجي لا سيما فيما يخص موضوع مشاكل الأخلاقيات في الشركات العائلية حول العالم، ربما يكون من السهل عليها اتخاذ خطوات صغيرة "فقط هذه المرة" في طريق يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى تدمير القيم التي تعتز بها. يستذكر روبرت من شركة "راديو فلاير" مثل هذه اللحظة مع والده قبل أعوام من الآن، عندما تساءل حول قرار والده بعدم استخدام مواد أرخص في واحدة من العربات الحمراء التابعة لعلامة الشركة. "أذكر اتخاذ أبي لقرار فيما إذا كان سيستخدمون فولاذاً أرخص وعجلات أرخص في إحدى عرباتنا قبل سنوات، وقلت لأبي: هل ذلك مهم فعلاً؟ هل سيعرف المستهلكون؟ وقال أبي: لست متأكداً. ولكنني عندما أكون في حيرة من أمري، فأنا أحب أن أتقن الأشياء كي أتمكن من النوم في المساء. ستكون هناك الكثير من الأشياء التي لن تُذيقك طعم النوم أثناء إدارة هذا العمل، ولكن هذا الشيء لن يكون أحدها. أفكر في ذلك الكلام يومياً. كان ذلك أحد أهم الدروس التي علمني إياها أبي".
اقرأ أيضاً: 5 إشارات تدل على أن مؤسستك تتجه نحو فضيحة أخلاقية