المشكلة في احتساب الموظفين كتكاليف بدلاً من الأصول

4 دقائق

نسمع هذه الجملة طوال الوقت: تعلن الشركات أنها تعتبر موظفيها "أصولها ذات القيمة الأكبر". ولكن ذلك غير صحيح وفقاً لمعايير المحاسبة المتبعة حالياً، فمن غير الممكن تعريف الموظفين على أنهم أصول لأن الشركات لا تستطيع التحكم بهم. إذ يتعين على الموظفين تحويل المواد الخام، سواء كانت سلعاً أساسية أو شاشات الكمبيوتر الفارغة، إلى بضاعة مكتملة كي يحصلوا على أجورهم، ولكن إذا رغبوا بالمغادرة فسيأخذوا مهاراتهم وتدريبهم معهم.

والفرق مهم لأنه يسمح للشركات بالتستر وراء البديهيات وعدم الإفصاح عما إذا كانت تستثمر في موظفيها بطرق تعزز نجاحها على المدى الطويل. ويشكل عدم الإفصاح فيما يتعلق بممارسات التوظيف عقبة تعيق واضعي السياسات والمستثمرين عن مكافأة الشركات أو معاقبتها على أسلوب تعاملها الفعلي مع موظفيها. وفي الوقت الراهن، لا توجد طريقة مقبولة عالمياً لتتبع إدارة رأس المال البشري، ونحن بحاجة إلى العثور على طريقة جديدة لاحتساب القوة العاملة كي نتمكن من مراقبة الشركات ومكافأتها على تعاملها مع موظفيها في الواقع.

أصبحت المبادئ المحاسبية المتعارف عليها في الولايات المتحدة (GAAP) أداة قديمة وغير كافية لتوثيق سلوك الشركات الحديثة. إذ تفصح الشركات عن معلومات دقيقة بشأن استثمارات رأس المال ولكن ليس هناك شروط للإفصاح عما يتعلق برأس المال البشري. كانت هذه الممارسات ذات فائدة في يوم من الأيام، عندما كان التصنيع يعتمد على القوة العاملة بصورة كبيرة، وكان افتتاح معمل جديد أو شراء آلات جديدة يتطلب تعيين موظفين لتشغيل المعمل والآلات. إلا أن تقدير تكاليف الآلات وأرباحها أسهل من تقدير تكاليف تدريب هؤلاء الموظفين وأرباحه، ولذلك سجلت الآلات في الميزانية العامة بينما كان بند تكاليف الموظفين غير دقيق. ولكن أدى الاعتماد على التشغيل الآلي والابتعاد عن التصنيع إلى انفصال رأس المال المادي عن الحاجة إلى العمالة، كما نما الاقتصاد بطرق تتجاوز القوانين الحالية، وهو ما يخلّف عواقب سلبية على موظفي هذه الشركات.

لن يشجع هذا القصور في الإبلاغ عن رأس المال البشري على الاستثمار الفعال في الموظفين لسببين على الأقل. أولاً، لا يمكن مكافأة ما لا يمكن قياسه. لخص السيناتور مارك وارنر من ولاية فرجينيا هذا القصور أثناء خطاب ألقاه مؤخراً، عندما نوه إلى أن الحكومة "تقدم خصماً ضريبياً للشركة التي تستبدل الإنسان بالآلة، ولكنها لا تقدم أي شيء للشركة التي تدرب ذاك العامل كي يبقى قابلاً للتوظيف". ولم يعد بإمكان الزعماء المنتخبين، الراغبين في تحسين الاقتصاد عن طريق زيادة معدلات التوظيف، ضمان تحقيق النتيجة التي يرجونها وهم يلوحون بالإعفاءات الضريبية للاستثمار الخاص. كما يتسبب هذا الفصل بين رأس المال والعمالة في توليد حالة من الإحباط بين المستثمرين المسؤولين اجتماعياً الراغبين في مكافأة الشركات على اتخاذ خطوات نحو معالجة عدم المساواة في الدخل من خلال إعادة تدريب القوة العاملة، أو مدراء الأصول المؤتمنين النزيهين الذين تتلخص فرضيتهم في أن التدريب في مكان العمل يساعد في تفوق الشركات على أقرانها.

ثانياً، ليس لدينا أدلة كافية على أن الاستثمار في رأس المال البشري يجدي نفعاً، وذلك بسبب العجز عن توثيقه بدقة وعلى نحو ممنهج. ويرتبط أكبر مخاوف المدراء بتعريف الأصول ذاك، الذي يقول إن الشركات لا تملك موظفيها، ولذلك فهي تجازف بتدريب هؤلاء الموظفين بجعلهم هدفاً جذاباً للمنافسين.

وتزعم الحكمة الشعبية أن الاستثمار في الموظفين يعني في جوهره تسليم المال إلى المنافسين، وذلك لأن الموظفين قادرون على الرحيل في أي وقت. تكمن مشكلة هذه الفكرة في عدم وجود أدلة كثيرة تدعمها، فهي تعتمد على نظرة الإنسان الاقتصادي للعالم الذي يكون الموظفون فيه مرتزقة ينتظرون العرض الأفضل.

بيد أن الأدلة السردية تشير إلى صحة الحكمة الشعبية ولو جزئياً على أفضل تقدير. ركزت صحيفة وول ستريت في مقالة جديدة على معمل لشركة "كيتشن إيد" (KitchenAid) في ولاية أوهايو، يعتمد في عملية التوظيف كثيراً على رغبة العاملين في العمل ويقدم لهم 6 أسابيع من التدريب ليتعلم الموظفون الجدد طريقة بناء الخلاط العمودي واسع الانتشار الذي ينتجه المعمل. التقينا بموظف كبير في السن بدأ بالعمل في وويرلبول، الشركة الأم لشركة كيتشن إيد، في تسعينات القرن الماضي بعد تخرجه من الثانوية العامة مباشرة وبقي فيها، وقال: "يمكن تعليم العمال كل شيء عدا الرغبة في العمل". حتى الشركات الكبرى تراهن على أن تدريب العمال سيثمر، فقد احتلت شركة ستاربكس عناوين الصحف الرئيسة في عام 2015 عندما أعلنت عن برنامج يمنح جميع الموظفين فرصة الحصول على درجة البكالوريوس مجاناً أثناء العمل في الشركة.

تصلح هذه البرامج لإنشاء قصص عن الشركات التي تشعر بالرضا عن نفسها، ولكن يبقى علينا رؤية ما إذا كانت ستترك تأثيراً إيجابياً على صافي الأرباح من خلال عوامل مثل انخفاض معدل الدوران الوظيفي وزيادة الإنتاجية. ولكن للأسف، قد لا نتمكن من معرفة آثارها من دون تحسين الإفصاح.

وهنا يكون دور المشرعين والجهات التنظيمية والمدراء. إذ تقدم الشركات كل عام قرابة 10 صفحات من تقارير الإفصاح بشأن تعويضات الفريق التنفيذي، ولكن لدينا موظفون آخرون يتفوقون بمجموعهم على أصحاب المناصب الإدارية العليا بالكلفة والأهمية، وتبقى المعلومات بشأنهم محصورة بتعليق موجز في التقرير السنوي الشامل (نموذج 10-K) بشأن علاقات العمالة وفي جزء من تكاليف التشغيل لا يطلع عليه أحد على الرغم من ضخامة حجمه.

واعترافاً بمشكلة القصور في المعلومات هذه، بدأت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية في البحث عن طريقة لتقدم الشركات تقارير أفضل عن رأسمالها البشري. وكان أحد المخاوف هو أن قياس رأس المال البشري يتطلب تقديرات غامضة، ولكن هذه الحجة ضعيفة. فالبيانات المالية للشركات تضم معدل الاهتلاك، ولكنه ليس مجرد تقدير، بل تقدير خاطئ على الأرجح نظراً لوجود جداول اهتلاك مختلفة في التقارير المالية والضريبة.

أضف إلى ذلك أنه يمكن للشركات تقديم معلومات ملموسة قد تكون مفيدة بالنسبة لأصحاب المصلحة وسهلة التقديم. وكل الشركات قادرة على الإبلاغ عن فواتير أجورها الإجمالية على وجه التحديد تماماً كما تفعل المصارف بالفعل. ويمكن أن يقدم المبلغ الإجمالي الذي ينفق على الأجور رؤى متعمقة حول كفاءة العمل في الشركات والدوران الوظيفي عبر الزمن. وسيكون تقديم المعلومات المرتبطة بمتوسط طول مدة الخدمة ذو فائدة عميقة نظراً إلى كلفة التوظيف العالية، كما أنه يعكس شيئاً من ثقافة الشركة الداخلية، وهذا ما يشجع الشركات على اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان بقاء الموظفين.

وأخيراً، ينبغي للشركات أن تبلغ عن استثماراتها في التدريب كما تبلغ عن استثماراتها في رأس المال، لأن المعلومات التفصيلية حول المبلغ الذي يتم إنفاقه وفئات الموظفين الذين يحصلون على التدريب تساعد أصحاب المصالح في فهم نظرة الشركة للمستقبل مع تقديم شرح مفصل أكثر لتكاليف التشغيل في نفس الوقت. كما يشجع هذا الإفصاح الشركات على الاستثمار في موظفيها وإبلاغ أصحاب المصالح أن المدراء يعتبرون التدريب رهاناً طويل الأجل على أصولهم الأكبر قيمة على الرغم من أن المحاسبين يطلبون الإفصاح عنه كنوع من النفقات. وتفكر هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية بالفعل في طريقة لإدراج عمليات الكشف عن رأس المال البشري في التقارير المالية، ولكن يمكن أن تقدم الشركات العون في توجيه قرارات الهيئات التنظيمية، وأن تساعد أصحاب المصالح فيها على فهم موضع أهمية رأس المال البشري، عن طريق الإفصاح عن هذه المعلومات طوعاً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي