المشكلة التي تنتج عن سياسة الباب المفتوح لدى المدراء

5 دقائق

إذا كنت تدير موقعاً مؤثراً، فربما قلت العبارة الشهيرة "بابي مفتوح دائماً". أنت على الأرجح تعني هذه الكلمات بصدق. وقد تشعر أيضاً بأنك من النوع الذي يستطيع الآخرون الوصول إليه والتواصل معه، وأن الآخرين يشعرون بارتياح عندما يرغبون بمناقشة قضاياهم وأفكارهم معك.

قد تكون على حق. ولكن على الغالب لستَ كذلك!

يعتقد القادة أن التواصل معهم بصدق أمر سهل، ولكنها فكرة غير واقعية ومضخمة في أذهانهم. لقد أضاءت دراستنا البحثية التي استغرقت عامين -واشتملت على مقابلات مع 60 من كبار المدراء التنفيذيين، إضافة إلى ورش العمل ودراسات الحالة- منطقة عمياء في رؤيتنا: لا يمكننا ببساطة تقدير مدى خطورة شعور الآخرين عندما يريدون البوح عن أمر ما.

ويتأتى ذلك من حقيقة أننا إذا كنا في مركز قوة، فإننا غالباً ما نتعامل مع سلطتنا وقوتنا كإحدى المسلّمات. بصفتنا أعضاء من المجموعة المميزة التي تمتلك السلطة، فنحن ننسى كيف يكون حال الأشخاص الآخرين خارج إطار هذه المجموعة.

أعد التفكير في عبارة "بابي مفتوح دائماً". إنها تحتوي على عدة افتراضات. أولاً: يجب على الأشخاص مقابلتك في مكان سطوتك، بدلاً من مقابلتك في أي مكان آخر. ثانياً: أنت تمتلك رفاهية وجود باب أصلاً. ثالثاً: أنت تمتلك الخيار في إغلاق الباب أو فتحه متى تشاء.

قد تبدو هذه التفاصيل صغيرة، لكنها مهمة. تحوي أنظمة الشركات على العديد من القواعد الدقيقة والذكية التي تحث الموظفين على التكيف والانصياع. لعل أكثرها وضوحاً، هو ما يولد نقداً جلياً، ويحدث عندما يتحدى شخص ذو سلطات إدارية عالية الموظفين الآخرين، ومن ثم يعاقب كل من يجرؤ على تحديه. يشير سام غلادويل (Sam Goldwyn) منتج الأفلام الأميركي الأسطوري إلى ذلك بقوله: " لا أريد حولي رجلاً يقول لي نعم باستمرار. أريد من الجميع أن يقول لي الحقيقة حتى لو كلفهم ذلك التضحية بعملهم".

لا يزال هذا التناقض الظاهر مستمراً في القادة اليوم. عندما أجرينا مقابلة مع الرئيس(ة) التنفيذي(ة) لشركة عالمية، وافقتنا بكل حماس بأنها "أريد من الأشخاص أن يكونوا كما هم عليه". وبالكاد توقفت قليلاً لتتنفس، ثم تابعت بقولها "ولكن لدي قائمة صغيرة في رأسي لأشخاص لا يصلحون ضمن مؤسستنا".

يبرع معظمنا في استشعار الخطر. ونستطيع أن نعلم إن كان الشخص الذي نتحدث إليه "لديه تلك القائمة الصغيرة"، ونفضل البقاء صامتين بإرادتنا. ولكن هذا الصمت خطر على المؤسسات والقادة.

كلنا ندرك مخاطر الصمت. فإذا كان لدى موظفيك الكثير من الأفكار حول كيف يمكن لشركتكم القيام بعمل أفضل للعميل، أو الحصول على صفقة أفضل من المورد، فأنت بحاجة لمثل هذه الأفكار. إذا كان الأشخاص لا يستطيعون التحدث إليك، فإنك لن تكون على علم بإشكالات وقضايا يمكن لها أن تتسبب بأضرار فادحة لفريقك، لأهدافك العملية أو لمؤسستك. إن تفحص فضيحة انبعاثات العوادم لدى شركة فولكس فاجن، حسابات التجزئة في ويلز فارجو، وغيرها الكثير، لهي دليل حول كيف يمكن لذلك الصمت أن يؤثر إلى أقصى الحدود.

بالنسبة للقادة، يعتبر كل ما ذكرناه موضوعاً معروفاً لديهم. معظم القادة يعرفون أنه يجب أن يكون الوصول إليهم أكثر سهولة، وأن يكونوا أكثر قابلية لإنشاء محادثات معهم. ولذا يوافق المدراء التنفيذيون على المشاركة في جلسات تناول البيتزا يوم الجمعة مع الفريق ويقولون مراراً وتكراراً "بابي مفتوح دائماً". ثم يتساءلون (مع بعض التطمينات بينهم وبين أنفسهم بأن بابهم مفتوح) لماذا لا يأتي الأشخاص إليهم في كثير من الأحيان.

حسناً إذن، كيف يمكنك كقائد معرفة اختلافات السلطة وتقدير الحالة الناجمة عنها ومن ثم تشجيع الآخرين بشكل حقيقي على التحدث إليك؟

تشير أبحاثنا إلى أنك بحاجة لطرح أسئلة في خمس مجالات:

أولاً: هل أنت مهتم حقاً في آراء الآخرين؟ وإن كنت كذلك، فمن هم الأشخاص الذين أنت أكثر اهتماماً في الاستماع إليهم، ومن هم الذين تنحاز ضمناً لعدم الاستماع إليهم؟ ما هي البيانات التي تستمع إليها أكثر من غيرها، وما هي البيانات التي تصم أذنيك عن سماعها (البيانات المالية، البيانات عن الأشخاص، المشاعر)؟ أن تكون فضولياً ومهتماً حقاً بفهم وجهات نظر الآخرين يستدعي منك أن تكون متواضعاً، وهو ما يمكن أن تفتقده طالما أنت على رأس الهرم التنظيمي. كما اعترف لنا أحد الرؤساء التنفيذيين "أتوقع أن الأنا لدي تمنعني في بعض الأحيان من الاستماع عن أشياء يعوزني الاستماع إلى معلومات عنها". قبل أن تستنتج أنك متأكد من أنه لا يوجد لديك أي مشكلة في هذا المجال، فمن المفيد التحقق من ذلك بسؤال نفسك، "كيف يمكنني أن أعرف أنه لدي سمعة بأني شخص منفتح على آراء الآخرين ولدي القابلية لتبني آراء جديدة؟".

ثانياً، هل فكرت في مدى الخطورة التي يشعر بها الآخرون عند رغبتهم بالتحدث والبوح إليك؟ يمكنك التحقق من ذلك بشكل جيد عندما تتفكر وتتذكر الطريقة التي تميل إلى التصرف وفقاً لها عندما تشعر بأنه يتم تحديك من قبل الآخرين. لربما كنت قد تلقيت التحديات في العشرة مناسبات الأخيرة باهتمام وإعجاب، ولكنك وأثناء تلقيك للتحدي في المرة الحادية عشرة كنت قد صادفت يوماً سيئاً ولم تستطع أن تتمالك نفسك عن المقاطعة وعدم الموافقة بطريقة مزعجة والغضب على الشخص الآخر. ستكون المناسبة الحادية عشرة قصة الجميع في أنحاء المكتب، والتي ستحيى لسنوات، وقد تكون هي الطريقة التي تحكم بها على الآخرين عندما يتكلمون (لأنك إنسان في النهاية)، ولربما كنت أنت الشخص المخول نهاية في تقييم أداء هذا الشخص. لذا فعليك أن تكون متيقظاً جداً للإشارات التي ترسلها للآخرين عندما يتجرأ شخص ما على التحدث معك. وعليك بالاعتذار أمام الجميع عندما مررت بيوم سيء (كما يحدث مع الجميع) وأسأت إلى أحدهم.

ثالثاً: ما هو مدى معرفتك باللعبة السياسية في شركتك؟ إن التجاذبات والتكتلات هي جزء لا يتجزأ من طبيعة الحياة في أية مؤسسة، وتلعب الأجندات الشخصية والخفية دوراً في تحديد ما نريد أن نقوله لشخص آخر طوال الوقت، وخاصة عندما تشغل مركزاً مؤثراً. وكما قال أحد من أجريت المقابلات معهم: "عندما يسمعون أنك الرئيس التنفيذي... فسوف يقولون ما يعتقدون أنك تود سماعه، وهو أمر يمكن أن يكون محبطاً جدا". إن تمكين الآخرين من التحدث إليك والبوح بما في صدورهم يعني تفهم الدوافع وراء كلامهم الذي يقولونه (أو لماذا يبقون صامتين)، واتخاذ خيار إما بالتطرق لأجندة الشخص، أو بتخفيض المخاطر التي يخشاها الشخص المقابل حتى يستطيع البوح، أو بتوسيع دائرة الأفراد الذين تستمع لهم، وأن تضيف إلى قائمة الاستماع لديك أشخاصاً أقل اهتماماً باللعبة السياسية الجارية.

رابعاً، ما هي الألقاب أو الصفات التي ينعتك الآخرون بها؟ وما هي الألقاب والصفات التي تنعت الآخرين بها والتي تحدد قواعد ما يمكن قوله وما لا يمكن قوله؟ سواء كان بوعينا او بدون وعي فإننا نقوم بإطلاق النعوت على الآخرين عندما نلتقي بهم، فعلى سبيل المثال نقول "هذا رئيس تنفيذي"، "استشاري"، "امرأة"، "شاب"، "جديد"، أو "بائع"، وتختلف هذه الألقاب بمعناها بين الأشخاص وتختلف باختلاف السياق. ولكن هذه العلامات هي دلالات على المكانة والمنزلة لا محالة، وتحكم المكانةُ للأشخاص القواعدَ غير المكتوبة حول من يستطيع الكلام، ومن يجب الاستماع إليه. إن ملاحظة مزايا القواعد غير المكتوبة لهو أمر ليس بالسهل، خاصة لو كنت محظوظاً كفاية لتكون ضمن المجموعة المفضلة، ولكن هذا يعني أننا يجب أن نكون أكثر وعياً وأن نبادر إلى التخفيف من الآثار المحددة مسبقاً نتيجة إدراكاتنا لهذه النعوت.

ختاماً، ما الذي يجب أن تفعله أو تقوله على وجه التحديد لتمكّن الآخرين من التحدث؟ قد يتضمن ذلك أي شيء من قبيل: تقليل الاختلافات التي تعزز المكانة مثل أن تلبس بطريقة غير رسمية أكثر، استخدام مفهوم "البطاقة الحمراء" في اجتماعات اللجان التنفيذية لتعطي ضمانة لأي شخص أنه يمتلك القدرة على تحديك، أو أن تنتبه باستمرار إلى رغبتك لأن تكون محاطاً بالآخرين دوماً ومحور اهتمام وأنظار المجموعة ومن ثم تكبح هذا الميل حتى يتمكن الآخرون من الحصول على بعض الوقت للبوح. لا يمكن بناء هذه التكتيكات كلها ما لم تتمتع بأساس متين من وعي الذات، المستنير على ضوء الردود الواردة على الأسئلة الأربعة أعلاه.

إذا كنت تتساءل لماذا لا يبوح لك الآخرون كثيراً، فاسأل نفسك أولاً كيف تقوم بإسكاتهم عن غير قصد!

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي