لا شك أنّ إيلون ماسك هو أشهر رائد أعمال حالياً في العالم دون منازع، لا سيما بعد استحواذه على "تويتر" في صفقة قُدرت قيمتها بنحو 44 مليار دولار، وهو يدخل ضمن فئة "رائد أعمال المتسلسل" (Serial Entrepreneur) الذي يُطلق على رواد الأعمال الذين يولدون أفكاراً قيّمة باستمرار تحقق عوائد مالية وأنشأوا ثلاث شركات ناشئة على الأقل، وعلى عكس رائد الأعمال "الكلاسيكي" الذي يأتي بالفكرة المبتكرة ويسهر على تنفيذها ويؤدي دور المسؤول الأول على نجاحها، فإنّ رائد الأعمال المتسلسل غالباً ما يأتي بالأفكار المبتكرة ثم يشرع في تنفيذها على أن يدع المسؤولية لشخص آخر، وينتقل هو إلى فكرة جديدة ومشروع آخر. كثيراً ما يُشاع في مجال الأعمال أنّ أكثر رواد الأعمال نجاحاً هم من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً، لكن الحقيقة، وحسب مقال منشور في هارفارد بزنس ريفيو، هو أنّ متوسط عمر مؤسسي الشركات الأكثر نجاحاً هو 45 عاماً.
فيما يلي، سنسرد 4 مفاهيم أخرى لها علاقة بالعديد من مشاريع إيلون ماسك المبتكرة وشركاته "تيسلا" (Tesla) و"نيورالينك" (Neuralink)، لكن قبل ذلك، ننوه أن إيلون ماسك يتبع بوضوح "استراتيجية التنويع" (Diversification Strategy) التي تقوم على إدخال نشاطات جديدة في حافظة أعمال الشركة، أي أنها تكون على المستوى الكلي للشركة، ويكون نوع هذا التنويع حسب العلاقة التي تربط المجالات الجديدة بالمجالات الحالية.
توجد 3 أنواع رئيسية للتنويع، لكن إيلون ماسك يتّبع في معظم الأحيان ما يُطلق عليها "التنويع غير المترابط" (Conglomerate)، وهو تنويع يقوم على دخول الشركة لميادين نشاط جديدة ليست لها علاقة مع بعضها البعض، كما أنها غير مرتبطة بنشاطها الأساسي ومواردها وكفاءاتها، ومن أهم الدوافع التي تؤدي لتبني هذا الشكل نجد مواجهة خطر انحدار السوق الحالي، وتقليل التبعية لمجال نشاط واحد؛ فمثلاً، شركة "فيات" لصناعة السيارات تملك أسهماً في صناعة الأغذية، ذلك أنّ صناعة السيارات تتميز بنمو سريع مع معدل أزمة واحدة كل ست سنوات، بينما تتميز صناعة الأغذية باستقرار ونمو بطيء، ثم إن شركات "تويتر" و"تيسلا" و"نيورالينك" التي يتحكم فيها إيلون ماسك تمثل مثالاً معبراً عن هذا التنويع.
- تكنولوجيا التعزيز البشري (Human Augmentation): يُطلق عليها أيضاً "تكنولوجيا التحسين البشري" (Human Enhancement. HE)، وهي تكنولوجيا حديثة تهدف لتوسيع حدود القدرات البشرية جسدياً وإدراكياً، وتقوم على العديد من التكنولوجيات الأخرى مثل الهندسة الوراثية، وطب النانو، والطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد، والتكنولوجيا العصبية (Neurotechnology). من أمثلة هذه التكنولوجيا الحديثة نذكر الهياكل الخارجية المُصممة لتحسين الأداء الوظيفي لدى المصابين بالشلل، وأحد مشاريع إيلون ماسك "نيورالينك" (Neuralink) الذي يهدف لدمج شرائح إلكترونية في الدماغ البشري لرفع مستوى الذكاء ومعالجة بعض الأمراض. بعض الأفراد الطموحين بدأوا بالفعل في اعتماد هذه التكنولوجيا إذ يوجد من زرع شريحة إلكترونية في يده تساعده في فتح الأبواب عن بعد وتشغيل محرك السيارة وغير ذلك من المهام البسيطة التي يُتوقع أن تتوسع شيئاً فشيئاً في المستقبل القريب. ما يُثير المخاوف حول هذه التكنولوجيا هو الجانب الأخلاقي، إذ إنّ الأشخاص الذين لديهم القدرة لاستخدامها يتمتعون بفرصة أفضل في الحصول على مناصب العمل أو بعض المزايا الأخرى مثل الترفيه، كما يمكنها أن تخلق نوعاً من عدم المساواة في المجتمع الواحد بين البشر العاديين وأولئك المعزّزين بهذه التكنولوجيا.
- السيارات القائمة على البرمجيات (Software Vehicles): هي السيارات أو المركبات التي تعتمد على البرمجيات الحديثة في تشغيلها وتحديثها، وتُعتبر شركة "تيسلا" (Tesla) الرائدة في صناعة هذا النوع من المركبات، إذ تعتمد على تطوير برمجيات على أجهزة فريدة من نوعها، تماماً كما تُطوّر شركة "آبل" أجهزة "الآيفون"، أو كما تستخدم شركة "مايكروسوفت" رقائق شركة "إنتل" (Intel) الإلكترونية وأجهزة كمبيوتر شركة "ديل" (Dell)، وهو ما يتيح للشركة تحسين القدرة الوظيفية للبرمجيات المثبّتة في سياراتها كل بضعة أسابيع. وتتناقض هذه السمة مع نموذج صناعة السيارات التقليدية التي تحافظ على خصائصها دون تطوير. تعدّ التكلفة الإجمالية لسيارة "تيسلا" أقل بكثير من المركبات القائمة على "الاحتراق الداخلي" نتيجة احتوائها على قطع أقل، والأهم من ذلك، لن يحتاج الزبائن إلى تغيير زيت السيارة الباهظ الثمن أو ضبط المحرك أو استبدال كاتمات الصوت وما إلى ذلك، وتدرك شركات صناعة السيارات التي تستمد معظم ربحيتها من هذه الخدمات ذلك.
- هايبرلوب (Hyperloop): هو نظام نقل للأفراد والبضائع فائق السرعة أطلقه إيلون ماسك. يُشبه هذا النظام القطارات عالية السرعة، غير أنه يقوم على مفهوم "النقل الفراغي"، وهو مفهوم من الفيزياء الفضائية يعتمد على الحقول المغناطيسية لدفع كبسولات (عربات) داخل أنابيب فولاذية خاصة شبيهة بالأنفاق تكون مفرغة من الهواء. من أهم الميزات التي يوفرها هذا النظام نذكر السرعة التي تتجاوز 965 كم/ساعة، والأمان إذ أنه محميّ من المخاطر التي تتعرض لها عادة القطارات "التقليدية"، والتكلفة المنخفضة، والاستدامة وعدم تلويث البيئة، ومقاومة الكوارث الطبيعية والطقس السيئ، والراحة وعدم الإزعاج الصوتي. يُتوقع أن يدخل "الهايبرلوب" حيز الخدمة ابتداء من عام 2030، لا سيما في مدينة دبي التي تشهد إنجاز الأنفاق التجريبية التي تسير خلالها كبسولات النقل.
- واجهة التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر (Brain-Computer Interface. BCI): تُسمى أيضاً "واجهة التحكم العصبي" (Neural Control Interface. NCI)، وهي تكنولوجيا حديثة تمكّن من الاتصال المباشر بين الدماغ البشري والكمبيوتر دون الحاجة إلى استخدام أعضاء أخرى مثل اليدين أو تحريك العينين، ويتم الاتصال من خلال إصدار الأوامر للكمبيوتر (أو أي جهاز إلكتروني) باستخدام نشاط الدماغ فقط. يمكن لواجهات التخاطب بين الدماغ والكمبيوتر الاتصال بالدماغ داخلياً أو خارجياً، فهي تقرأ نشاط الدماغ وتحوله إلى معلومات، ويمكنها أيضاً إرسال معلومات إلى الدماغ؛ ويعود أول ظهور فعلي لهذه التكنولوجيا إلى تسعينيات القرن الماضي عندما نجح مجموعة من الباحثين في زرع أول واجهة تخاطب في دماغ إنسان. يتم زرع الواجهات الجراحية في الدماغ مع توصيل أقطاب كهربائية صغيرة بالعصبونات لقياس نشاطها، وهذا النوع من الواجهات، كشريحة "نيورالينك" (Neuralink)، يتطلب إجراء جراحة بالمخ، حيث يثقب الأطباء الجمجمة لزرع الجهاز وتقوم روبوتات جراحية عالية الدقة بربط الأقطاب الكهربائية الدقيقة للغاية بالعصبونات. تلتقط هذه الواجهات بيانات أفضل ويمكن زرعها في مناطق مختلفة من الدماغ، وقد كانت فعالة في علاج إصابات الحبل الشوكي والتحكم في الأطراف الصناعية وعلاج الاكتئاب.