ملخص: تكشف أبحاث جديدة من شركة "غارتنر" حول مشاركة الموظفين في برامج الرفاهة أنه في حين يمكن لـ 87% من الموظفين الحصول على العروض المتعلقة بالرفاهة النفسية والعاطفية، فإن 23% منهم فقط يستخدمونها بالفعل. تقترح المؤلفة 3 استراتيجيات لتعزيز مشاركة الموظفين في هذه البرامج وزيادة استثمار الشركة في رفاهة موظفيها إلى أقصى حدّ؛ 1) زيادة فهم الموظفين لاحتياجات الرفاهة وعروضها 2) الحدّ من وصمة العار وعدم المبالاة المرتبطتين بالرفاهة 3) تقليل الوقت والجهد اللازمين للمشاركة في برامج الرفاهة.
كان لجائحة "كوفيد-19" تبعات واسعة النطاق طويلة الأمد على الأفراد في جميع نواحي الحياة؛ الصحة والعائلة والعمل وغيرها. ونظراً للأثر الذي أوقعته الجائحة على الموظفين فقد رأت مؤسسات كثيرة أنه من الضروري التمعن في الدعم الذي تقدمه لهم. أجرت مؤسسة "غارتنر" دراسة استقصائية لمعايير الرفاهة عام 2020 شاركت فيه 77 مؤسسة أميركية أفاد أكثر من 75% منها أن أهمية دعم رفاهة الموظفين ازدادت في عام 2020. في الحقيقة، على الرغم من أن معظم المؤسسات نفذت تدابير لتوفير التكاليف العام الماضي، فقد كشفت الدراسة ذاتها أن 46% من المؤسسات رفعت ميزانيات عروض الرفاهة لعام 2020 مقارنة بعام 2019، في حين أن 64% من المؤسسات قدمت عروضاً جديدة في عام 2020.
على الرغم من الاستثمار المتزايد في برامج الرفاهة فإن كثيراً من الموظفين المؤهلين للاستفادة منها لا يشاركون فيها؛ كشفت الدراسة الاستقصائية لمعايير عرض قيمة الموظفين التي أجرتها شركة "غارتنر" لعام 2021 أنه في حين يمكن لـ 87% من الموظفين الحصول على العروض المتعلقة بالرفاهة النفسية والعاطفية، فإن 23% منهم فقط يستخدمونها بالفعل. وينطبق النمط نفسه على برامج الرفاهة البدنية والمالية.
حددت شركة "غارتنر" 3 استراتيجيات يمكن للمؤسسات اتباعها من أجل زيادة استثمارها في رفاهة الموظفين إلى أقصى حدّ عن طريق تعزيز مشاركة الموظفين في البرامج المقدمة لهم:
- زيادة فهم الموظفين لاحتياجات الرفاهة وعروضها.
- الحدّ من وصمة العار وعدم المبالاة المرتبطتين بالرفاهة.
- تقليل الوقت والجهد اللازمين للمشاركة في برامج الرفاهة.
كيفية تعزيز مشاركة الموظفين في برامج الرفاهة
يعود النجاح في هذه الجهود بالفائدة على الموظفين والشركات على حد سواء: 48% من الموظفين الذين يستخدمون برامج الرفاهة يقولون إنهم مندمجون في العمل بدرجة كبيرة مقارنة بنسبة 30% من الموظفين الذين لا يستخدمونها، كما أن الشركات التي تقدم برامج رفاهة شاملة تحقق تحسناً بنسبة 7 نقاط مئوية وسطياً في صحة الموظفين البدنية والمالية والنفسية.
1. زيادة فهم الموظفين لاحتياجات الرفاهة وعروضها
في حين ازداد حديث غالبية الشركات (92%) مع موظفيها حول الرفاهة في عام 2020 مقارنة بعام 2019، فكثير من الموظفين لا يعلمون شيئاً عن البرامج التي تقدمها مؤسساتهم. مثلاً، توصلت شركة "غارتنر" من خلال الدراسة الاستقصائية لمعايير الرفاهة لعام 2020 إلى أن جميع المؤسسات تقريباً (96%) تقدم برامج الرفاهة النفسية، في حين كشفت الدراسة الاستقصائية لرفاهة الموظفين لنفس العام أن أقلّ من نصف الموظفين (42%) يعتقدون أن شركاتهم تقدم هذه البرامج.
لا يعي الموظفون تماماً عروض الرفاهة المتاحة لهم، إلى جانب أن الكثير منهم لا يستطيعون تحديد احتياجاتهم المتعلقة بالرفاهة. لذلك فالخطوة الأولى تأسيسية، إذ يتعين على قسم الموارد البشرية زيادة وعي الموظفين ومعرفتهم حول جهود الرفاهة التي تقدمها الشركة. ومن أجل ضمان الوصول إلى جميع الموظفين يجب على قسم التعويضات والمزايا (أحد أقسام الموارد البشرية مسؤول عن التعويضات والمزايا وبرامج الرفاهة) التشارك مع المسؤولين الآخرين عن التواصل، كالقادة والمدراء والأقران، وزيادة قوتهم إلى أقصى حدّ. تستعين المنظمات التقدمية بكبار القادة لمشاركة تجاربهم الخاصة المتعلقة بالرفاهة الشخصية وتوضيح قدرة عروض المؤسسة على مساعدتهم. تغفل الشركات غالباً عن دور المدراء، ولكن نظراً لقربهم من مرؤوسيهم المباشرين فهم في وضع أفضل لمتابعة احتياجات الموظفين المتعلقة بالرفاهة والمساعدة على تخصيص العروض المتاحة. أخيراً وليس آخراً، تتمتع العلاقات بين الموظفين على اعتبارهم أقراناً بأهمية بالغة في إضفاء المصداقية على المشاركة في برامج الرفاهة.
في أغلب الأحيان يمطر المدراء موظفيهم بمعلومات عن برامج الرفاهة ويهملون مشاركة المعلومات المتعلقة بفوائدها. لذا، من أجل جذب انتباه الموظفين في عالمنا الغني بالمعلومات، يجب أن يتم التواصل بأسلوب مقنع يتمتع بالمصداقية كي تتميز المعلومات التي يطرحها عن غيرها؛ من الضروري أن يكون الحديث معقولاً يمكن تصديقه، فمثلاً يجب عدم المبالغة في تقدير التأثير الإيجابي لبرنامج رفاهة معين. يتمثل أحد الأمثلة الناجحة في مقطع فيديو قصير لقائد كبير يتحدث صراحة عن تجربته مع مشكلات الصحة النفسية وكيف استخدم موارد المؤسسة لمعالجة المشكلة.
يقع الموظفون غالباً في فخ معرفي يتمثل في الاعتقاد بأن دعم الرفاهة المتاح في المؤسسة مناسب للآخرين وليس لهم، لذا تقوم المؤسسات الرائدة بإضفاء الطابع الشخصي على برامج الرفاهة من أجل توضيح أهمية عروض الرفاهة للموظفين. خذ مصرف "المشرق" مثلاً، وهو أحد أفضل المصارف أداءً في الإمارات العربية المتحدة ومؤسسة مالية رائدة في الشرق الأوسط، تشجع قيادته الموظفين على إجراء تقييم ذاتي لرفاهتهم وتوضيح أهدافهم ضمن 6 أبعاد تشمل مثلاً رفاهة الأسرة والرفاهة المالية. تستخدم المعلومات الناتجة في وضع خطة عمل الرفاهة الشخصية التي يحمل الموظفون مسؤولية تنفيذها باستخدام موارد الرفاهة المتاحة في المؤسسة. يساعد هذا التمرين المكون من قسمين الموظفين على معرفة الدعم المناسب لاحتياجاتهم والخطوات التي يمكنهم اتخاذها للاستفادة منه إلى أقصى درجة.
2. الحدّ من وصمة العار وعدم المبالاة المرتبطتين بالرفاهة
يتفادى كثير من الموظفين طلب الحصول على دعم الرفاهة بسبب خوفهم من وصمة العار، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالصحة النفسية والعاطفية. أضف إلى ذلك، أن عدم مبالاة الموظف تعيق مشاركته إذ تقلّص دافعه للعمل.
أحد الأساليب التي تستخدمها المؤسسات التقدمية هو تمكين الموظفين الموثوق بهم ليتحدثوا عن أهمية طلب الدعم ويؤكدوا أنه أمر طبيعي. أدركت شركة التكنولوجيا الحيوية الرائدة "جينينتيك" (Genentech) أن تقديم دعم قوي وشامل للصحة النفسية لا يكفي لتشجيع الموظفين على طلب المساعدة، فأطلقت حملة للحدّ من وصمة العار السائدة. سجّل 6 قادة مقاطع فيديو يتحدثون فيها عن قصص شخصية تتعلق بصحتهم النفسية بهدف منح الموظفين الإذن بالمشاركة وإظهار أهمية طلب الدعم وتسليط الضوء على القواسم المشتركة لهذا التحدي. كما قامت شركة "جينينتيك" ببناء شبكة تضم أكثر من 300 من أبطال الصحة النفسية، وهم موظفون يملكون شغفاً تجاه الصحة النفسية تطوعوا لتثقيف الموظفين الآخرين ممن يمكنهم الاستفادة من عروض الرفاهة النفسية والعاطفية وتشجيعهم وتقديم المساعدة لهم.
مهما نقل عن أهمية دور المدراء في دعم رفاهة الموظفين، فلن نبالغ في تقديرها، ومع ذلك، فقد تبين من الدراسة الاستقصائية لرفاهة الموظفين التي أجرتها شركة "غارتنر" لعام 2020 أن 49% فقط من الموظفين يقولون إن مدراءهم يتفهمون مشاكلهم واحتياجاتهم. من الضروري أن يشعر المدراء بالقدرة على مناقشة موضوعات الرفاهة الشخصية مع فرقهم لإعلام الموظفين أنه لا بأس في شعورهم بأنهم ليسوا بخير.
يتمتع المدراء بمستويات مختلفة من الخبرة في تقديم دعم الرفاهة لمرؤوسيهم المباشرين. خذ مثلاً مصرف "غريت سوذرن بانك" (Great Southern Bank)، أكبر مصرف يملكه العملاء في أستراليا، فهو يحارب هذه المشكلة عن طريق توفير التدريب والأدوات سهلة الفهم للمدراء بهدف توجيههم فيما يتعلق بطرق دعم مرؤوسيهم المباشرين في مسائل الصحة والرفاهة النفسيتين. تتضمن هذه الأدوات دليلاً للمحادثات يقدم توجيهات للمدراء حول طرق طرح المواضيع على أعضاء الفريق بالإضافة إلى الإجراءات التي يمكن اتخاذها (مثلاً، تحديد علامات الإنذار المبكر للكآبة لدى الموظف) من أجل تقديم الدعم لموظفيهم من دون أن تكون مشاركتهم أقلّ أو أكثر مما يجب.
علاوة على ذلك، تشجع مؤسسة "غريت سوذرن بانك" المدراء على بدء هذه المحادثات على نحو استباقي، وهذه الطريقة فعالة في منح الموظفين "الإذن" لمشاركة مخاوفهم المتعلقة بالصحة والرفاهة النفسيتين، أي تقليل وصمة العار إلى أدنى حدّ ممكن واتباع نهج استباقي للتدخل المبكر.
يمكن لقادة الموارد البشرية أن يجعلوا فوائد طلب الدعم ملموسة أكثر بتشجيع الموظفين على مشاركة قصص نجاحهم فيما يتعلق بالرفاهة، فعلى الأرجح سيملك الموظفون الشجاعة لطلب الدعم عندما يسمعون عن الطرق المتعددة التي اتبعها زملاؤهم لاستخدام عروض محددة والاستفادة منها (مثل خطة غذائية أو أداة للتخطيط المالي).
3. تقليل الوقت والجهد اللازمين من أجل مشاركة الموظفين في برامج الرفاهة
من بين جميع الموظفين الذين أشاروا إلى أنه كان بإمكانهم المشاركة في برنامج الرفاهة البدنية في عام 2020 لكنهم لم يفعلوا ذلك، قالت نسبة 38% إن السبب في ذلك هو الانشغال الشديد. هذا أمر مقلق جداً، لأن أشد الموظفين حاجة إلى دعم الرفاهة هم على الأرجح من يملكون أقلّ قدر من الوقت أو الطاقة.
للوصول إلى الموظفين المقيدين بالوقت أو الطاقة، اعتمدت المؤسسات التقدمية التسجيل التلقائي في عروض معينة لمنع القصور الذاتي، وبذلك يتعين على قادة الموارد البشرية تصميم خطط للانسحاب من برامج الرفاهة بدلاً من الاشتراك فيها. في هذا السيناريو يتم تسجيل جميع الموظفين في مزايا معينة بصورة أساسية، مثل جلسات التمارين الرياضية الافتراضية أو جلسات مع مستشار مالي، مع إتاحة خيار الانسحاب.
إحدى الشركات التي جربت هذا النهج هي شركة "أيه إم دي" (AMD)، وهي شركة أشباه موصلات يقع مقرها في الولايات المتحدة؛ إذ أدركت أن الموظفين لا يأخذون أيام إجازاتهم أو أنهم يعملون في أثنائها فأنشأت نوعاً جديداً من المزايا يتمثل في أيام تجديد الطاقة الشاملة، يشجع هذا البرنامج الموظفين على استخدام بعض أيام إجازتهم في وقت واحد. تهدف شركة "أيه إم دي" من ذلك منح مزيد من الموظفين القدرة على الانفصال التام عن العمل وتجديد نشاطهم بصورة مشتركة عن طريق دفع أفراد فرق كاملة لأخذ إجازاتهم في وقت واحد. عرّف قسم الموارد البشرية أيام تجديد الطاقة على أنها أيام إجازة لجميع الموظفين المؤهلين لها كي يصبح أخذ هذه الإجازة أسهل عليهم، ويمكن للراغبين في مواصلة العمل الانسحاب منها بسهولة.
تستخدم المؤسسات الرائدة الأخرى محفزات لتقديم اقتراحات غير مباشرة ومنح الموظفين دعماً معنوياً إيجابياً وتشجيعهم على المشاركة من دون تقييد عملية صناعة القرار الشخصية. قد تأخذ هذه المحفزات شكل منافسة مستمرة في الرفاهة، شبيهة بتحدي عدد الخطوات، حيث يمكن للموظفين مقارنة تقدمهم بتقدم أقرانهم في الوقت الفعلي وتتم مكافأتهم على تحقيق إنجازات محددة. من جهة أخرى، تدمج بعض المؤسسات أنشطة الرفاهة في عملياتها وعمل الموظفين اليومي تجنباً لزيادة أعبائهم بإضافة عنصر آخر على قوائم مهامهم الطويلة. ومن الأمثلة على ذلك تشجيع المدراء والمرؤوسين المباشرين على مناقشة مسائل الصحة العاطفية على اعتبارها جزءاً من اجتماعات المتابعة.
يعدّ تقديم برامج رفاهة شاملة من أجل تعزيز مشاركة الموظفين في برامج الرفاهة بداية رائعة لكنها ليست كافية، ويتعين على قادة الموارد البشرية اتخاذ إجراءات استباقية لمعالجة التحديات التي تمنع الموظفين من المشاركة في برامج الرفاهة بهدف إنجاح الاستثمار في البرامج التي تدعم الموظفين وتحقق الازدهار للشركة.