اقترح الكثيرون الابتعاد عن آلية إعداد تقارير الإيرادات الفصلية كوسيلة للتخفيف من النظرة قصيرة الأجل إلى نتائج أرباح الشركات. إلا أنّ تغييراً كهذا لا يغير من طريقة تخصيص الموارد أو تسيير الأعمال. وعوضاً عن طلب تخفيض حجم المعلومات قصيرة الأجل، نعتقد أن مفتاح محاربة النظرة قصيرة الأجل يتمثل في تشجيع الشركات على مشاركة المزيد من المعلومات حول خططها طويلة الأجل مع المستثمرين.
وعندما يسأل الرؤساء التنفيذيون لماذا لا تتحدث الشركات أكثر حول خططها طويلة الأجل، غالباً ما يشتكون من توجه المستثمرين قصير الأجل. وفي المقابل يشتكي المستثمرون من أن الشركات لا تفصح عما يكفي من المعلومات طويلة الأجل. ولقد جرت معالجة هذه المعضلة أخيراً من خلال مبادرة المستثمر الاستراتيجية التابعة لمؤسسة سي إي سي بي (CECP)، وهي مؤسسة على مستوى الرؤساء التنفيذيين، يعمل فيها أحدنا. ولقد أوجدت هذه المؤسسة إطار عمل للرؤساء التنفيذيين لكي يعرضوا من خلاله خطط شركاتهم الاستراتيجية طويلة الأجل، كما إنها تستضيف منتديات تجمع من خلالها الرؤساء التنفيذيين والمستثمرين من أجل تشارك تلك الخطط الاستراتيجية. ولقد عرض حتى الآن 19 رئيساً تنفيذياً لشركات مدرجة على مؤشر ستاندارد آند بورز 500 – منها بيكتون ديكنسون (بي دي) (Becton Dickinson) وأتنا (AETNA) وثري إم (3M) وباسيفيك للغاز والكهرباء (بي جي آند إي) (PG&E) ويونيليفر – خططهم أمام شركات الاستثمار التي تدير أصولاً بأكثر من 25 تريليون دولار. وغداً ستقوم ثلاث شركات أخرى – آي بي إم وإن آر جي إنرجي (NRG Energy) وجي إس كيه (GSK Advisors) – بعرض خططها طويلة الأجل. إن ما هو متوقع من الخطة طويلة الأجل لكي تكون فعالة منصوص عليه في رسالة المستثمرين إلى الرؤساء التنفيذيين في إطار مبادرة المستثمر الاستراتيجية. وتحدد هذه الرسالة الموقعة من قبل شركات رائدة في مجال الاستثمار، عناصر الخطة طويلة الأجل التي تمكن الرئيس التنفيذي من معالجة القضايا الدائمة التي تهم المستثمرين، كما تساعد على سد حاجة السوق غير المشبعة إلى المعلومات المرتبطة بالأفق الزمني طويل الأجل.
لقد أظهر الرؤساء التنفيذيون قدراتهم القيادية من خلال الإفصاح عن هذه الخطط طويلة الأجل؛ لكننا لم نحصل حتى الآن على دلائل واضحة تثبت أن الإفصاح عن هذه الخطط له نتائج ذات صلة بسوق رأس المال. ولطالما كانت الشركات التي تعرض خططها طويلة الأجل وتلك التي تفكر في عرض خططها والجهات المعنية الأخرى تطلب منا عرض نتائج حقيقية على أرض الواقع للإفصاح عن خططها طويلة الأجل – إنها حجة "ماذا سأكسب من ذلك؟" التي تسوقها الشركات إذا ما طلب منها الإفصاح عن خططها طويلة الأجل.
لذلك قامت مؤسسة سي إي سي بي بعقد شراكة مع مؤسسة كيه كيه إس (KKS) للاستشارات، وهي شركة بحوث واستشارات يعمل فيها أحدنا، وذلك بهدف استكشاف ما تحويه تلك الخطط من معلومات، ووضع إطار عمل لتحليل محتوى التقارير ودراسة استجابة المشاركين في سوق رأس المال على هذه الخطط. وبسبب محدودية العينات المتوفرة لدينا لتحليلها، نظرنا إلى نتائجنا بوصفها نتائج أولية. بيد أنها تقدم دليلاً مبكراً ومهماً ويمكن الاعتماد عليها في المستقبل بوصفها نقطة ارتكاز لتحليل المزيد من الشركات ودراسة الآثار بعيدة المدى للإفصاح عن خططها طويلة الأجل. لقد جمعنا خطط الشركات الاستراتيجية المقدمة في منتدى المستثمرين والرؤساء التنفيذيين على مدار الفعاليات الأربعة الماضية وحللنا الإيرادات وأحجام التداول اللاحقة بحثاً عن أي تحركات غير طبيعية في السوق خلال يوم الحدث وفي الفترة الممتدة بين ثلاثة وخمسة أيام بعد الحدث.
لقد وجدنا ردود فعل أكبر في سوق رأس المال من حيث أسعار الأسهم وحجم التداول في الفترة الممتدة بين ثلاثة وخمسة أيام بعد الإفصاح مقارنة مع ردود الفعل العادية في الأيام الأخرى، ما يشير إلى أن الخطط طويلة الأجل تفصح عن معلومات جديدة لم تكن متوفرة لدى المشاركين في السوق من قبل. كما تشير هذه البيانات إلى أن الخطط طويلة الأجل ليست مجرد تدابير تسويقية أو "مجرد كلام". بيد أننا لم نجد ميلاً أكبر لدى محللي وول ستريت لأن يعدلوا توقعاتهم استجابة للإفصاح عن الخطط طويلة الأجل، وهو ما يتوافق مع أن هؤلاء المحللين يركزون اهتمامهم في المقام الأول على ذلك النوع من النتائج المالية قصيرة الأجل التي تتضمنها إفصاحات الإيرادات الفصلية. وعلى الرغم من النتيجة الأخيرة، تشير ردود الفعل الأكبر في سوق رأس المال من حيث أسعار الأسهم وحجم التداول، إلى أن المعلومات المقدمة أثناء الحدث جديدة وذات قيمة بالنسبة للمستثمرين – ما يعني أنهم يتصرفون بناء عليها. وهكذا يمكن القول إن الخطط طويلة الأجل يمكن أن تمثل إضافة قيمة إلى مجموعة أدوات العلاقة مع المستثمرين تمكّن الرؤساء التنفيذيين من التواصل بشكل فعال مع مستثمرين يعملون بمنطق الحسابات طويلة الأجل.
وقمنا بتحليل مضمون كل خطة استراتيجية طويلة الأجل جرى عرضها في منتدى الرؤساء التنفيذيين والمستثمرين وفق إطار تحليلي قائم على أساس رسالة المستثمرين إلى الرؤساء التنفيذيين في إطار مبادرة المستثمر الاستراتيجية، ومئات من ملاحظات المستثمرين، وعمل المبادرات التعاونية كمبادرة العناصر للاستراتيجية طويلة الأجل التي أطلقتها مؤسسة إف سي إل تي (FCLT). ثم منحنا علامة لجودة الإفصاح وفق الفئات: ليس هنالك إفصاح وإفصاح عام، أو هنالك مقاييس تخص الماضي، ومقاييس تخص المستقبل. وبالطبع فإن أي خطة جيدة طويلة الأجل يجب أن تزود المستثمر بمقاييس تخص المستقبل في مسائل عدة – لا بسرد عام قائم على معلومات من الماضي. وتشمل هذه الفئات 22 قضية محددة موزعة على تسعة مواضيع مختلفة: الأداء المالي وتخصيص رأس المال والتوجهات العامة وتوجهات القطاع والمكانة التنافسية والمخاطر والفرص وحوكمة الشركات وهدف وغاية الشركة ورأس المال البشري والشراكات الاستراتيجية الهادفة لخلق قيمة طويلة الأجل.
يساعدنا هذا الإطار في تحليل مضمون كل خطة طويلة الأجل تم عرضها حتى الآن – ويوفر لنا القاعدة الأساسية لتحليل الخطط المستقبلية. على سبيل المثال، حققت خطط كل من شركة بيكتون ديكنسون (بي دي) وشركة "ميدترونيك" (Medtronic) أعلى العلامات، فهي خطط غنية ودقيقة وقابلة للتنفيذ. وعلى ما يبدو فإن الشركات تجد سهولة في الإفصاح عن معلومات تخص المستقبل في مواضيع مثل: المكانة التنافسية (دوافع القيمة طويلة ومتوسطة وقصيرة الأجل)، والتوجهات (مصادر الميزات التنافسية)، والأداء المالي (كفاءة وربحية رأس المال). وعلى العكس من ذلك كانت المقاييس التي تخص المستقبل نادرة في المسائل ذات الصلة بموضوع حوكمة الشركات. وفي الواقع فإن 58% من الشركات لم توفر أي معلومات حول تعويضات المدراء التنفيذيين وكيفية ربطها بالنتائج طويلة الأجل، كما إن 53% من الشركات لم تفصح عن أي معلومات حول تشكيلة أعضاء مجالس إداراتها.
وتشير تحليلاتنا إلى أن الشركات التي تفصح في خططها طويلة الأجل عن حجم أكبر من المعلومات القابلة للتنفيذ حول مواضيع التموضع التنافسي وهدف وغاية الشركة والشراكات الاستراتيجية في نظمها البيئية (الإيكولوجية) المتكاملة، كانت تبدي ردود فعل في السوق أكبر بوضوح من الشركات الأخرى. ما يشير بدوره إلى أن مضمون الخطط (وفق ما يظهره إطار العمل المعتمد من قبلنا) يترابط إلى حد ما مع ردود فعل السوق على هذه الخطط.
نأمل أن تطلق هذه الدلائل حواراً نحن في أمس الحاجة إليه بين عدد أكبر من الرؤساء التنفيذيين لكي يعرضوا خططهم الاستراتيجية طويلة الأجل ويطلقوا عملية إعادة تأطير واضحة لطريقة إفصاح الشركات عن المعلومات وطريقة تلقي المستثمرين لتلك المعلومات والتصرف وفقها. سوف نستمر في تحليل مضمون هذه الخطط طويلة الأجل، وننشئ قاعدة بيانات حول مضمونها لتشكل أحد أهم مصادر المعلومات بالنسبة للشركات والمستثمرين والباحثين، وسنتابع العمل على تمكين رواد الرؤساء التنفيذيين من تطوير أفضل الممارسات في عرض خطط شركاتهم طويلة الأجل. وهكذا سيتعين على كل شركة مطروحة للتداول العام أن تقدم خطة طويلة الأجل كجزء من إعادة توجيه الأسواق المالية نحو منطق الحسابات طويلة الأجل.