لدى جميع الشركات خبراء متخصصون يتمتعون بمعارف بالغة الأهمية لأعمالهم التجارية. كيف يمكنك بصفتك قائداً التأكد من الحفاظ على تلك الخبرة لأجيال المستقبل ومضاعفة تأثيرها في آن معاً؟ يُتاح ذلك من خلال شيء ندعوه سلسلة المعارف التعاقبية: أي نشر "الفطنة البالغة" التي يتمتع بها الخبراء إلى عدة متعلمين وبوساطتهم بطريقة تقلل الأعباء التي يتحملها الخبراء إلى أدنى حد.
في أثناء عملنا مع شركات ذات أحجام مختلفة عبر القطاعات، لاحظنا 4 طرق متميزة على الأقل ينشئ "الخبراء المستقبليون" (المتعلمون الأوليون من الخبراء الأصليين) وفقاً لها سلاسل معرفة تعاقبية.
الوفاء بالعطاء. في هذا النموذج، يدرس الخبير المستقبلي الآخرين أو يوجههم بالاستناد إلى ما تعلمه من الخبير. على سبيل المثال، في إحدى شركات الإلكترونيات التي نعرفها، يستحدث أحد الخبراء المستقبليين دورة تدريبية للمشرفين ومتخصصي الجودة حول تشخيص مشاكل الإنتاج وحلها. في شركة "جنرال إلكتريك للطيران" (GE Aviation)، تولى أحد الخبراء المستقبليين تدريس فصل داخلي حول تقنية الأشعة تحت الحمراء، ووفقاً لكبير المهندسين الاستشاريين، روب وايسغربر، فهو يقدم تدريباً على مستوى القطاع.
طرح تحدٍّ. يتضمن هذا الأمر وضع الخبير المستقبلي لسيناريو أو حالة أو مجموعة من المشكلات بالاستناد إلى تجربة الخبير الذي يعرض عملية اكتشاف على مجموعة من المتعلمين. وبدلاً من تقديم حل الخبير لمشكلة شائعة وصعبة في آن معاً، يواجه الفرد المعني أو المجموعات المشكلة بعينها. ويُطرح رأي الخبير فقط بعد أن يناقش المتعلمون الحلول الممكنة ويتشاركون عقلياً في فهم السياق والمضاعفات واكتشافها. أظهرت البحوث التي أُجريت حول الذاكرة والإدراك أن مثل هذه التحديات تؤدي إلى استبقاء أفضل. ويمكن تسليم الحالة بحد ذاتها كنص أو فيديو أو صور لتستخدم بشكل متكرر. في شركة "شيبلي بولفينش" (Shepley Bulfinch) المعمارية، صُور مقطع فيديو لواحدة من كبرى شركات الرعاية الصحية في أثناء عرضها صوراً لأماكن حالية في المستشفى من المقرر تجديدها (من قبيل غرفة العمليات أو غرف تبديل ملابس المرضى) وطرحها لأسئلة محددة حول ما رآه الناس عندما نظروا إلى الصور. وبعد توقف مؤقت لإجراء نقاش، عرض الفيديو ملاحظات الخبير على نفس الصور.
التجهيز لاجتماع. هذا اجتماع يعقد بين أشخاص أقل خبرة أو مجموعة من الخبراء وغيرهم من الأشخاص يُقدم فيه الخبراء المستقبليون الدروس ومن ثم يناقشونها ويتوسعون انطلاقاً منها مستحدثين معارف جديدة. قام أكثر من 30 شخصاً في عيادة الرعاية الصحية التابعة لشركة "شيبلي بولفينش" بذلك كتدريب على تجديد المنشأة. وقسّموا أنفسهم إلى فرق أصغر حجماً واستعرضوا صوراً للمنشآت القائمة وتنافسوا على وضع قائمة بالمشاكل التي شاهدوها ومن ثم شاركوها مع بعضهم بعضاً.
التحويل. يتمثل الهدف من هذا النهج في إنشاء أداة تستخلص معرفة الخبراء بحيث يصبح تناقلها ممكناً. وينطوي على استخلاص الخبرة الضمنية التي لم تُوثق أو لم يُعبر عنها بعد وتحويلها إلى صيغة واضحة من أجل مشاركتها، من قبيل المبادئ التوجيهية أو قوائم المراجعة أو قواعد التصفح أو القواعد المعلوماتية. في شركة "ديوبيري" (Dewberry) المعمارية، أوجد خبير مستقبلي قواعد معلوماتية حول عملية نقل المعرفة التي خضع لها والخبرات الفنية التي اكتسبها من الخبير الذي علمه ليصمم بنجاح بديلاً للأنابيب ذات القطر الكبير في مشاريع البنية التحتية للمياه. كما أوجدت مولي جونسون، مديرة الاتصالات، مدونات صوتية للمقابلات مع الخبراء مخصصة للاستخدام الداخلي، توضح مجموعة واحدة من العروض النباهة العميقة التي يتمتع بها الخبير في إجراء مفاوضات ناجحة مع العملاء ورواد الأعمال.
ولا تُجنى الفوائد التي تعود بها سلاسل المعرفة التعاقبية على كل من الأفراد والمؤسسات من المحتوى المعرفي المنتشر وحده، بل من العمليات المستفادة. على سبيل المثال، يرى المتعلمون القيمة في استخدام الصور لتحفيز الفهم واستخدام ذلك النهج في تدريب الآخرين. ويصبح الخبراء المستقبليون محاورين بارعين مع الخبراء لاستخلاص المعرفة. يُصر جيمس مارتن، كبير موظفي المعلومات في شركة "شيبلي بولفينش" على أن أي تعامل يتضمن مشاركة الفطنة العميقة يؤدي إلى بعض النتائج للاستخدام المستقبلي، إما من خلال أحد الأساليب الأربعة المذكورة أعلاه أو أساليب أخرى يستطيع المتعلمون تحديدها. ولأن الخبراء المستقبليين كانوا طلاباً، فهم مناسبون تماماً لتجميع الخبرات في نموذج يمكن فهمه بسهولة من قبل أشخاص أقل خبرة.
صحيح أن المعرفة التي تنتقل من شخص إلى آخر قد تتحول في أثناء انتشارها. ومع ذلك، بوسعك أن تحتاط من التحريفات الأكثر فظاعة أو خطورة بطريقتين. أولاً، يجب مراجعة المحتوى من قبل الخبراء قبل اعتبار الخبرة غير الموثقة مُطلقة وإدراجها في التدريب أو تحويلها إلى قواعد معلوماتية أو سجلات أو قوائم مراجعة أو قبل أن تصبح موضوعاً لأي تحدٍّ أو اجتماع. ثانياً، نظراً إلى أن سلسلة المعرفة التعاقبية منظمة ومرئية وشفافة، فهي جديرة بالثقة أكثر بالمقارنة مع تدفق المعلومات الطبيعي الأقل اتساماً بالطابع الرسمي وغير الخاضع للرقابة. في السلاسل التعاقبية المعدّة كجزء من برامج نقل المعرفة الرسمية، يمكن الإقرار بمسؤولية الخبراء المستقبليين عن تعليم الآخرين وتقييمها من خلال التقارير المرحلية المقدّمة إلى الإدارة التي توضح بالتفصيل المتعلّمين المستهدفين والأساليب المستخدمة والتقدم المحرز داخل السلسلة التعاقبية.