كيف استطاعت مسرعات الأعمال أن تنجح في الأسواق الناشئة؟

5 دقائق
مسرعات الأعمال في الأسواق الناشئة

نسمع، منذ عقود، عن تأهب الأسواق الناشئة لنمو ضخم سيثمر عن المزيد من الازدهار. ولكن يبدو أن هناك قائمة طويلة بالعقبات التي تعرقل هذه المساعي. ومن ناحيتها، توصَف برامج تسريع الأعمال للشركات الناشئة على أنها الطريق نحو تقدم أسرع. وتهدف مسرعات الأعمال في الأسواق الناشئة إلى تعزيز إمكانات الشركات الناشئة في جمع رأس المال النامي، شأنها في ذلك شأن نظرائها مسرعات الأعمال في وادي السيليكون الشهير. ولكننا، أردنا معرفة ما إن كان الدعم الذي تقدمه المسرعات في السوق الناشئة مختلفاً عن برامج مشابهة في أميركا الشمالية أو أوروبا. ويظهر بحثنا وجود تشابه بين آثار برامج التسريع بصورة كبيرة بالنسبة لرواد الأعمال عبر مختلف الدول وحتى مختلف القارات. ولكن، للأسف، قد يحدّ عدم التطابق بين أهداف المستثمرين ورواد الأعمال، بالإضافة إلى إمكانية وجود تحيز ثقافي، من التأثير الإيجابي للمسرعات في السوق الناشئة. وبغض النظر عن ذلك، فما زالت المسرعات تلعب دوراً مهماً في مساعدة رواد الأعمال على النجاح.

اقرأ أيضاً: بحث: المنافسة مفيدة في الأسواق الناشئة

عندما بدأنا جمع البيانات، في عام 2013، بهدف اكتشاف الفروقات بين تأثير مسرعات أعمال الشركات الناشئة في الأسواق الناشئة، وفي الدول ذات الدخل المرتفع، توقعنا، من ناحيتنا، وجود اختلافات حادة. إذ تعد بيئات العمل في معظم الأسواق الناشئة معقدة، لدرجة أنه يصعُب حتى على أكثر رواد الأعمال خبرة الإبحار فيها. وعلى الرغم من أن إدارة أي شركة ناشئة أمر صعب بطبيعة الحال، إلا أننا افترضنا أن إطلاق مشروع جديد في مدينة "مومباسا" بكينيا أصعب بكثير من إدارة مشروع في "مينلو بارك" بكاليفورنيا. ولكن كانت المفاجأة إننا وجدنا اختلافات قليلة بين آثار برامج التسريع في الحالتين مقارنةً بتوقعاتنا.

ويُظهر تقريرنا الأخير الذي يتضمن بيانات أكثر من 2,000 مشروع استثماري ضمن 42 برنامج تسريع أن المشاريع التي تم تبنيها بواسطة مسرعات أعمال، عبر مختلف أوضاع البلد، تنمو بمعدلات أعلى بكثير مقارنة بالمشاريع التي طلبت الانضمام إلى برنامج تسريع ولم تُقبل. وتبين أن متوسط آثار التسريع على كل من الأسهم والديون التي جمعت كان متطابقاً تقريباً في السوق الناشئة والدول ذات الدخل المرتفع، وهو ما كان مفاجئاً بالنسبة لنا.

المزيد من المعلومات حول البحث

منذ عام 2013، يقيم برنامج "قاعدة بيانات ريادة الأعمال" في جامعة "إيموري" (Emory University) شراكات مع مسرعات أعمال وبرامج دعم رواد الأعمال بهدف جمع بيانات تفصيلية من رواد الأعمال أثناء عملية تقديمهم للطلب. ويُعاد إجراء مسح لرواد الأعمال كل ستة أشهر، لجمع بيانات متابعة قيمة. ويمكنك الاطلاع على البيانات ومنهجية البحث من هنا.

فوجئنا أيضاً باكتشاف أن المشاريع الاستثمارية في السوق الناشئة عادة ما تكون أقدم من الشركات الناشئة التي تقدم طلب الانضمام إلى برامج التسريع في البلدان ذات الدخل المرتفع، كما تحقق إيرادات أعلى، وتوظف عدداً أكبر من الموظفين. وعلى الرغم من ذلك، نجد أن المشاريع الاستثمارية في البلدان ذات الدخل المرتفع تجذب ضعفي الاستثمارات تقريباً في المرحلة المبكرة التي تجذبها المشاريع الواعدة في السوق الناشئة. وبدون مسرعات الأعمال تلك، تعجز المشاريع الاستثمارية في السوق الناشئة عن جذب الاستثمارات المتوافقة مع الوعود التي تنطوي عليها. وفي حين أن برامج التسريع في السوق الناشئة فاعلة أيضاً في جلب رأس المال إلى مشاريعها، إلا أن التسريع وحده غير قادر على إغلاق فجوة الاستثمار.

في المقابلات التي أجريناها، يقول المستثمرون في كل من السوق الناشئة والبلدان ذات الدخل المرتفع إنهم يواجهون صعوبة في إيجاد مصادر تمويل لصفقات مربحة في الأسواق الناشئة. وقد أشار جميعهم تقريباً إلى كل من جودة الفرَق المؤسِّسة ومخاطر الموارد البشرية على أنها عوامل مهمة، بغض النظر عن مكان المشروع. ولكن على أي حال، فإن رواد أعمال السوق الناشئة، نظرياً على الأقل، يتمتعون بقدر مماثل من الخبرة والالتزام اللذين يتمتع بهما رواد الأعمال في البلدان ذات الدخل المرتفع. وفي الواقع، يتمتع رواد أعمال السوق الناشئة عادة بمستويات مماثلة أو حتى مستويات أعلى من التعليم والخبرة العملية والخبرة السابقة في ريادة الأعمال مقارنة بأقرانهم في البلدان ذات الدخل المرتفع عند تقديم طلب الانضمام. ومع ذلك، ما زال المستثمرون يشيرون إلى افتقار رواد الأعمال هؤلاء إلى الالتزام والخبرة الريادية، والذي يُصعّب، بحسب رأيهم، الاستثمار في بعض الأسواق مقارنة بغيرها.

التحديات المتعلقة بمسرعات الأعمال في الأسواق الناشئة

وبناءً على هذه النتائج، نعتقد، أن أحد التحديات الرئيسة المتعلقة بتحفيز استثمارات المرحلة المبكرة في الأسواق الناشئة قد لا يكون متعلقاً بجودة رواد الأعمال، بل بتصورات المستثمرين حول جودتهم وإمكاناتهم. وهنا نعرض بعض الاقتراحات التي قد تساعد برامج التسريع في هذه البلدان على دعم رواد الأعمال هؤلاء بصورة أفضل.

لا يقتصر الأمر على التمويل الاستثماري للمشروع

تحقق برامج التسريع أقصى نجاح ممكن، عندما تقدم المساعدة المناسبة للأشخاص المناسبين. ويشير بحثنا إلى أن العديد من رواد أعمال السوق الناشئة يعطون أولوية لبناء مهاراتهم، أو تحسين منتجهم واستراتيجية التسويق على التواصل مع مستثمرين محتملين. بالإضافة إلى ذلك، وبينما يسعون إلى إنماء مشاريعهم (ويستثمرون أموالهم الخاصة بقدر مماثل وسطياً لاستثمار رواد الأعمال الأميركيين، وهو ما يقدر بأكثر بقليل من 50 ألف دولار)، فهم عادة ما يبحثون عن مبالغ متواضعة من الاستثمار الخارجي، ولا يسعون لاستحواذ أو اكتتاب عام أولي.

لذلك، من الحري بمسرعات الأعمال أن تأخذ وقتاً كافياً لفهم احتياجات رواد الأعمال والتماشي معها، وإدراك أنه ليس جميع الشركات الناشئة تتطلب مباشرة تمويلاً لرأس المال الاستثماري. وسنجد أن مسرعات الأعمال الأكثر نجاحاً تحدد الاحتياجات المالية الخاصة بكل رائد أعمال بدلاً من افتراض وجود طريق واحد للنجاح والتوسع.

عندما يتعلق الأمر بتمويل المشروع الاستثماري، ركز على أفضل الخيارات

عندما تدرك مسرعات الأعمال أن رواد الأعمال مستعدون للاستثمار، يتعيّن على الأولى ضمان توفير المستثمرين المناسبين. ويتعيّن عليها كذلك أن تضمن ألا يكون الوصول إلى المستثمر مجرد جلسة لتقديم عرض سطحي. إذ يشير أحد رواد الأعمال إلى أن "جلسات العرض قد تكون ممتعة، ولكن عمليات المطابقة المنسقة قد تكون أكثر فائدة". وهو الأمر الذي يجعل من الأهمية بمكان أن تفهم مسرعات الأعمال ما يبحث عنه المستثمرون تماماً، وتجد المسار الذي يتناسب معهم، وعدم الاكتفاء فقط بترتيب جلسات العرض الجماعية.

إيجاد المواهب أمر ضروري جداً

إلى جانب الجلسات المدروسة للتعرف بالمستثمرين، تعد مساعدة رواد الأعمال في التعامل مع مسألة التوظيف والموارد البشرية مجالاً قد تكون مسرعات الأعمال مفيدة فيه للغاية. إذ ينبغي على مسرعات الأعمال مساعدة الشركات الناشئة في تطوير استراتيجيتها لجذب المواهب إلى جانب الاستراتيجية المالية. وسواء كان هدف رواد الأعمال جذب المؤسسين أو التركيز على تعيين أوائل الموظفين، من المهم أن تتوفر لديهم خطة واضحة لجذب أفضل المواهب والمحافظة عليها. فنجد أن مؤسسات مثل "أوبن كابيتال أدفايزرز" (Open Capital Advisors)، و"أماني إنستيتيوت" (Amani Institute)، و"شورتليست" (Shortlist)، و"كريتيف ميتييه" (Creative Metier)، و"فيليدج كابيتال" (Village Capital) تطور أدوات للتعامل مع المسائل المتعلقة بالمواهب في الأسواق الناشئة، والعديد من هذه الأدوات مجانية أو مفتوحة المصدر.

إقرار التحيز الضمني

قد يكون تحيز المستثمرين الضمني من القضايا الأكثر تعقيداً والتي ينبغي على مسرعات الأعمال إدارتها. فليس سراً أن التحيز القائم على النوع يؤثر على قرارات الاستثمار سواء في الأسواق ذات الدخل المرتفع أو الناشئة. لذلك يجب أن يكون المستثمرون في الأسواق الناشئة واعين تجاه تحيزات ضمنية مشابهة، والتي تقودهم إلى التقليل من قيمة شهادات رائد الأعمال، أو إساءة فهم أساليب التواصل في مختلف الثقافات. وفي هذا الصدد تحديداً، قال أحد خبراء تسريع الأعمال الذين أجرينا معهم مقابلة "لاحظنا أن المستثمرين الأجانب (المقيمين عادة في الولايات المتحدة) في الأسواق الناشئة يستسهلون الاستثمار في أعمال المؤسسين المغتربين بسبب السهولة الثقافية. حتى أنهم قد يتغاضون عن مخاطر أساسية، مثل الافتقار إلى تصريح العمل أو سجل العمل الضعيف، لأنه يمكن تلميع العرض المقدم بين رواد الأعمال المغتربين وتكون الثقة عالية، بالإضافة إلى عدم وجود أي عوائق متعلقة باللغة".

اقرأ أيضاً: 3 مخاطر في الأسواق الناشئة على الشركات الحذر منها

ويؤيد بحثنا السابق هذا الرأي. إذ جدنا أن المؤسسين "المغروسين" في الأسواق الناشئة قادرين على جمع ضعفَي مبلغ أسهم رأس المال الذي يجمعه المؤسسين "المحليين" (من أهل البلد). كما أظهر بحث آخر، فيما يتعلق بتقييم المستثمرين لعرض ما، أن أساسيات المشروع تعد أقل أهمية من تصورهم حول شخصية رائد الأعمال وجدارته بالثقة وانفتاحه على الانتقادات. لذلك على مسرعات الأعمال دراسة تعديل منهج جلسة العرض التقليدية وإيجاد طرق أفضل لتقييم الإمكانات الحقيقية لمشاريع السوق الناشئة.

نحن سعيدون لهذه النتائج الأولية المتعلقة بمسرعات الأعمال في الأسواق الناشئة. ويشير بحثنا إلى قدرة مسرعات الأعمال على تحفيز مزيد من النمو، إلا أنها بحاجة إلى وعي حول معوقات الاستثمار في رواد أعمال السوق الناشئة. ولموازنة الأمور في السوق العالمية، تحظى مسرعات الأعمال بفرص متكافئة لمساعدة المستثمرين ورواد الأعمال على التواصل بصورة أفضل، وبالتالي مكافحة التصورات المتحيزة التي تسبب انعدام التوافق من الأساس.

اقرأ أيضاً: مدى فاعلية حكومة الهند مقارنة بحكومات الأسواق الناشئة الأخرى

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي