على الرغم من أن وسائل الإعلام تصور التوتر عادة على أنه جانب سلبي يجب تجنبه، لكن المدراء ذوي الخبرة لديهم وجهة نظر مختلفة. إذا كنت تحاول ترويج شركتك الجديدة وجذب العملاء، أو تسليم طلبات العملاء في الموعد المحدد أو تحقيق أهدافك الربع السنوية، فالقليل من التوتر يمكن أن يكون مفيداً جداً، ويمكن أن يكون للتوتر أهمية خاصة عندما تحاول إجراء تغييرات كبيرة داخل الشركة أو تحسين ثقافتها المترهلة. في هذه المواقف، يمكن للمستوى المناسب من التوتر تحفيز الموظفين على تنفيذ تغييرات إيجابية.
ينشأ أكثر شكل إيجابي من التوتر عندما يحاول الموظف تطبيق أساليب أو سلوكيات قديمة في بيئة عمل جديدة أو مختلفة، فيولّد بذلك نتائج دون المستوى الأمثل، ويخلق الفرق المتزايد بين الأداء المتوقع والنتائج الفعلية التوتر. هذا النوع من التوتر هو ما تحتاج إليه، لأنه يساعد على مقاومة الميل القوي إلى التمسك بالعادات والروتين القديم.
إذا كانت لديك خبرة في الإدارة، فمن المحتمل أنك واجهت الآثار السلبية للتوتر أيضاً. عندما تصبح مستويات التوتر مرتفعة جداً، يمكن أن تؤدي إلى تقليل الزخم بصورة مفاجئة بدلاً من زيادته. يمكن أن يكون للتوتر المفرط عواقب سلبية على الموظفين الذين يعانونه؛ فهو يخنق القدرة على الإبداع الضروري لابتكار أفكار جديدة، أو قد يثير الخوف من اتخاذ خطوة خاطئة في موقف عالي المخاطر، أو ربما يدفعهم إلى الانخراط في أعمال محمومة ولكنها عديمة الفعالية.
ثمة مستوى مثالي من التوتر بين هذين النقيضين؛ حيث يتولد ضغط إيجابي في اتجاه التغيير دون التسبب في قلق يوهن العزيمة. يشير جون كوتر إلى هذه المنطقة السحرية التي يكون فيها التوتر مثمراً باسم "النطاق الإنتاجي للتوتر"، وهو مفهوم مفيد جداً للمدراء الذين يقودون التغيير، ولكن كيف يمكن للمدير نقله من مجرد نظرية إلى واقع عملي؟ كيف يمكنه ضبط مستوى التوتر الذي يشعر به فريقه، ومتى يجب عليه التدخل؟
الخطوة الأولى هي تقييم الوضع الحالي. ثمة دلالات على أن مستويات التوتر في الفريق غير كافية لإحداث تغيير هادف. راقب الموظفين الذين يشعرون بالارتياح الشديد للوضع الراهن، فهم إما يقاومون الحاجة إلى التغيير ويتشبثون بالأساليب القديمة لإنجاز المهام، أو لا يبذلون الجهد الكافي لأداء عملهم (تبدو علامات الإهمال في سلوكياتهم، مثل التأخر في الحضور إلى العمل وأخذ إجازات طويلة والحرص الشديد على إنهاء يوم العمل والمغادرة فوراً).
التحدي الأكبر هو تحديد الموظفين الذين يعانون التوتر المفرط، وذلك صعب في الواقع لأن البعض يُظهر استجابة واضحة أو محمومة للتوتر، وقد ينسحب البعض الآخر ويكبته. نظراً لعدم وجود نمط واحد للاستجابة للتوتر، يجب أن يبحث المدير عن تغييرات في السلوك المعتاد للموظف. على سبيل المثال، هل يعمل موظف ما لساعات أطول بكثير ويتخطى فترات الراحة أو الوجبات، ويبدي انفعالات شديدة في سلوكه مع زملائه؟ على النقيض من المظاهر السابقة، هل ترى أن موظفاً ما أصبح هادئاً على نحو لافت؟ هل يقلل من تفاعلاته معك بصورة ملحوظة؟ هل تُظهر لغة جسده إشارات على الإعياء أو القلق؟ قد تشير هذه التغييرات في السلوك إلى أن الموظف يتعرض لتوتر شديد.
بعد تقييم مستويات التوتر داخل فريقك، يمكنك تحديد الحاجة إلى زيادته أو تخفيفه، وتوجد عدة أساليب لإدارة توتر الفريق في الحالتين.
إذا كنت تعتقد أن أفراد فريقك لم يصلوا بعد إلى الدرجة المناسبة من التوتر، وأن عليك تعريضهم لقليل من الإزعاج كي تصل بهم إلى النطاق الإنتاجي للتوتر، فلديك عدة خيارات متاحة. لإيضاح الاقتراحات السابقة، سأستخدم مثال إدخال ثقافة مبيعات جديدة، وهو تحول شائع يمكن أن يفشل إذا كان التوتر قليلاً جداً أو مرتفعاً جداً.
ارفع وتيرة التدريب ودقة توجيهه
من المرجح أن يستمر الموظفون في سلوكياتهم القديمة إذا لم يشعروا أن أفعالهم تخضع للمراقبة. في اللحظة التي يعرف فيها الموظف أنك تراقب سلوكه، سترتفع مستويات توتره تلقائياً. يكمن سر أسلوب التدريب المهني الفعال لتحقيق مستوى التوتر الأمثل في زيادة وتيرة التقييمات التي تقدمها ولكن مع تقليل حدتها. لنفترض أنك طرحت برنامج كمبيوتر جديداً لإدارة المبيعات ولكنك تواجه صعوبة في إقناع جميع مندوبي المبيعات باستخدامه وإدخال بيانات أنشطة مبيعاتهم إليه. يمكنك تقديم تعليقات بسيطة مثل "إنه يوم الأربعاء ولا أرى سوى 3 صفقات محتملة في مسار المبيعات لهذا الأسبوع". أرفق التعليقات بسؤال مثل: "ما الوقت الذي يناسبك من اليوم لإدخال بيانات نشاطات مبيعاتك في البرنامج؟"
إذا كنت لا ترى تحسناً، فزد الضغط وقل "طلبت منكم إدخال بيانات أنشطة مبيعاتهم 3 مرات، ولكني لا أرى سوى معلومات نشاطين جديدين. هذه مشكلة يجب معالجتها، أريد من كل واحد منكم أن يأتي إليّ اليوم ليوضح كيف سيعدل روتينه اليومي لضمان الوفاء بمسؤولياته في تتبع نشاط المبيعات".
اربط سلوك الموظف بأهداف أو نتائج أكبر وأهم
قد لا يدرك الموظف أحياناً كيف يمكن لأدائه الفردي أن يؤثر في قدرة المؤسسة على تحقيق نتائج مهمة. يجب على مندوب المبيعات الذي يتأخر دائماً عن إدخال بيانات فرص المبيعات أن يدرك أن القرارات المهمة تعتمد على بيانات مسار المبيعات الدقيقة والمدخلة في الوقت الحقيقي، وقد تتأثر القرارات المتعلقة بالتسعير والمنتجات والعروض الترويجية بمسار المبيعات الذي يبدو ضعيفاً، في حين أنه يشمل صفقات محتملة جيدة ولكن بياناتها غير مسجلة فيه فحسب. يمكنك مساعدة فريقك على فهم التأثير المتدرج لعدم اكتمال بيانات المبيعات من خلال قول شيء مثل: "كان عليّ أن أذهب إلى اجتماع فريق القيادة الإقليمي اليوم مع مسار مبيعات يمثل نحو 30% فقط من نشاط المبيعات الفعلي. أبدى نائب الرئيس انزعاجه وبدأ يهدد باتخاذ بعض الإجراءات الجذرية، لكني أوضحت له بسرعة أن البيانات ناقصة التمثيل، لكنه حذّر من أن هذا العذر لن يمر مرة أخرى في المستقبل دون عواقب".
اسمح بتجربة العواقب السلبية للموظف الذي لا يتخذ إجراءً
بصفتك مديراً، قد تميل في كثير من الأحيان إلى التركيز بشدة على أداء الفريق، فتبدي استعداداً لتحمل العبء الناجم عن ضعف الأداء كي تتجنب النتائج السيئة. لكن سلوكك هذا يعزز في الواقع فقط تصورات الموظفين بأنهم ليسوا مضطرين إلى تغيير سلوكهم. بدلاً من ذلك، اترك الموظفين يواجهون العواقب السلبية لأدائهم الضعيف.
في مثال المبيعات، إذا طلبت من نائب الرئيس الإقليمي عدم مناقشة أي صفقات محتملة لا تظهر في البرنامج الجديد، فقد يشعر بعض أعضاء الفريق الذين يقاومون استخدام التكنولوجيا بأنهم مستبعدون من المناقشة؛ ينشأ حافز مندوبي المبيعات من التقدير الذي يتلقونه لقاء صفقاتهم الناجحة، وسيحفزهم غياب هذا التقدير على تغيير سلوكهم. بالإضافة إلى ذلك، وبالنظر إلى أن نقص بيانات مسار المبيعات قد يؤثر سلباً على سمعتك وسمعة فريقك، فلديك فائدة إضافية تتمثل في القليل من ضغط الأقران لتحفيز الجميع على تبنّي السلوك الجديد.
من الضروري أن تعرف كيفية زيادة التوتر في الفريق، ولكن قد تواجهك في بعض الأحيان مشكلة معاكسة؛ عندما يشتد الضغط يمكنك اتخاذ أحد الإجراءات التالية لتهدئته:
تقديم ملاحظات إيجابية منتظمة لأعضاء الفريق
في سيناريو التوتر المنخفض، كنت تدرب الفريق بانتظام لزيادة مستويات التوتر وخلق شعور بالمسؤولية بين أعضائه. وفي سيناريو التوتر الشديد، يجب أن تستمر في تخصيص وقت كبير للتدريب وتقديم التعليقات، ولكن يجب تعديل محتوى التعليقات ونبرتها. يجب أن يركز محتوى تعليقاتك أكثر على تقدير النجاحات الصغيرة ودعمها ويساعد على حل المشكلات لخلق الزخم، ويجب أن تكون طريقة تقديمها هادئة ومطمئنة، كي يشعر أفراد فريقك أنهم يحرزون تقدماً. في مثال المبيعات، يمكنك أن تحول نقاشاً مع أحد الموظفين حول عميل مرتقب جديد إلى دعوة لإدخال البيانات إلى النظام معاً.
قسّم المشكلة إلى أجزاء أصغر
تحتوي لغتنا على العديد من الاستعارات التي تعبّر عن الشعور بالإرهاق عندما نحاول معالجة مهمة كبيرة. قد يقول الموظف مثلاً إنه يحاول إزاحة جبل أو ابتلاع موج البحر، وهو إنما يشير بذلك إلى أنه يشعر بالإرهاق بسبب حجم التحدي. في هذه المرحلة (أو قبلها)، يجب عليك بصفتك المدير مساعدة موظفيك على التركيز على جزء معين من المشروع. يمكنك مثلاً تقسيم المشروع بين مجموعة من الموظفين بحيث يكون كل موظف مسؤولاً عن جزء أكثر قابلية للإدارة،
يمكنك أيضاً تقسيم المشروع إلى خطوات متسلسلة والتركيز على تنفيذها خطوة تلو الأخرى، الهدف من ذلك جعل المهمة التالية تبدو سهلة الإدارة وقابلة للتحقيق. لا يمكنك الوصول إلى قمة جبل إفرست فوراً، بل يكفي أن تصل إلى معسكر التخييم الأساسي أولاً. يمكنك أن تقول في الممارسة العملية على سبيل المثال: "سنركز هذا الأسبوع على قطاع السيارات، والهدف المحدد هو إدخال جميع العملاء المحتملين في مجال السيارات إلى النظام".
أضف هيكلاً إلى المشكلة
عندما تصبح مستويات التوتر مفرطة، ليس من الحكمة أن تتدخل وتحل المشكلة نيابة عن الفريق، إذ يمكن أن ينقل ذلك رسالة خاطئة ويوقعك في مشكلات تتعلق بالمساءلة على المدى الطويل. من الأفضل في هذه الحالة أن تقدم إرشادات ودعم إضافيين لمساعدة فريقك على التفكير في كيفية معالجة المشكلة.
يشعر العديد من الموظفين بالتوتر عندما يواجهون تعقيدات كثيرة، ولكن إذا قدمت لهم مساراً أو خطة واضحة، فيمكنهم فهم الموقف وإدارته بطريقة أفضل. يمكنك على سبيل المثال أن تقترح عليهم التركيز أولاً على حل جزء واحد من المشكلة، مثل طرح آلية تسعير جديدة، قبل الانتقال إلى معالجة جوانب أخرى مثل المبيعات المباشرة، وترك معالجة قناة المبيعات غير المباشرة إلى وقت لاحق.
كن نموذجاً للثقة
إن كنت تؤمن بمفهوم الخلايا العصبية المرآتية أو لا، فلا بد أنك تدرك من خلال تجربتك أن العواطف يمكن أن تكون معدية في مكان العمل. أبسط طريقة يمكنك من خلالها تهدئة توتر فريقك هي أن تُظهر لهم الثقة بقدرتكم على تحقيق النجاح معاً من خلال كلماتك ولغة جسدك؛ إذا بدا عليك الذعر أو بدت الأمور خارجة عن سيطرتك فستزداد مستويات التوتر بين أعضاء فريقك، أما إذا كنت هادئاً واتخذت خطوات مدروسة وحازمة فستحول دون ارتفاع مستويات التوتر إلى حد كبير بين أعضاء فريقك.
في بعض المواقف، قد يواجه جميع أعضاء الفريق مستويات مماثلة من التوتر، مرتفعة كانت أو منخفضة، يتيح لك ذلك استخدام نهج واحد مشترك لإدارة مستوى التوتر للفريق بأكمله. لكن لسوء الحظ، من الشائع أن تختلف استجابة أعضاء الفريق للتوتر؛ فيزدهر بعضهم عندما يشتد ويتراجع أداء البعض الآخر. عندما تختلف درجة التوتر الناجم عن التغيير التي يشعر بها كل عضو في الفريق، قد يتعين عليك إجراء محادثات فردية مدروسة أكثر تمنحك الفرصة لضبط مستوى التوتر لدى كل منهم. إذا كنت معتاداً على مخاطبة الفريق بأكمله وتوجيهه في الوقت نفسه، فقد تحتاج إلى تغيير أسلوبك مؤقتاً لإجراء محادثات فردية مع كل عضو في الفريق.
بغض النظر عما إذا كنت بحاجة إلى زيادة مستوى الضغط في فريقك أو تهدئته، فمهمتك بصفتك القائد هي مراقبة الموقف باستمرار وإجراء التعديلات على المسار كي يبقى فريقك ضمن النطاق الإنتاجي للتوتر. هذه هي المنطقة السحرية حيث يحدث التغيير والتقدم الهادف.