لا تستهينوا بقوة مساندة النساء لبعضهن في العمل

5 دقائق
قوة تواصل النساء ومساندتهن لبعضهنّ البعض

لا يجب عليكم أن تستهينوا بقوة تواصل النساء ومساندتهن لبعضهنّ البعض في بيئات العمل وإيجابيات اتحاد النساء عموماً. فكما علمتني خبرتي العملية كمحاسبة مبتدئة حتى وصلت إلى منصب المدير العام في بنك استثماري، تعود المحادثات بين النساء بفوائد هائلة على الأفراد والمؤسسة التي يعملون فيها.

كنت أومن عندما تخرجت من الجامعة في سبعينيات القرن الماضي، بأننا سنتمكن –نحن النساء- من تحقيق المساواة في جميع المستويات على نحو سريع بما أننا "وصلنا" إلى الحياة المهنية. وقد كنت أعتبر أن ندرة وجود النساء في القمة ما هي إلا مشكلة "إمداد" في الموارد البشرية وليست مشكلة ثقافية. ولكنّ الدعم الذي توقعت أن أجده من زميلاتي، أي شعور الأخوة في أداء هذه الرسالة، نادراً ما كان يستمرّ بعد اللقاء الأول في مكان العمل.

ظاهرة "كارهة النساء" في بيئة العمل

كنت - خلال عامي الأول في العمل كمحاسبة في إحدى شركات مجموعة الثماني الكبرى (التي أصبحت اليوم الأربع الكبرى)، أطلب باستمرار من المرأة الوحيدة التي تتقدمني في المنصب الوظيفي أن نخرج لتناول الغداء معاً، إلى أن قالت لي أخيراً: "اسمعي، ليس هناك متسع هنا إلّا لامرأة شريكة واحدة. لذلك، أنت وأنا لن نكون أصدقاء". وللأسف، فإنها كانت تتصرف بصورة منطقية. وحتى اليوم، تنال النساء في المناصب الإدارية العليا تقييمات أداء سلبية عندما يدعمن النساء الأدنى مرتبة، وذلك وفق دراسة أجريت عام 2016 في مجلة أكاديمية الإدارة (The Academy of Management Journal). 

يطلق على تصرف زميلتي الفظّ تسمية أكاديمية (كارهة النساء)، وهي: ظاهرة "ملكة النحل" التي ترمز إلى المرأة حين تكون في منصب قيادي وتعامل المرؤوسات الإناث بقسوة وانتقاد مبالغ فيه. فنرى بعض النساء في المناصب الإدارية العليا يبتعدن بأنفسهنّ عن النساء في المراتب الأدنى، وربما يكون ذلك لضمان قبول نظرائهنّ الرجال لهنّ.

وبحسب ما خلصت إليه دراسة نُشرت في صحيفة القيادة الفصلية، يعتبر هذا التصرف استجابة سلبية لعدم المساواة في المناصب القيادية وليس سبباً له. فمحاولة فصل المرء نفسه عن مجموعة مُهمَّشة هي- للأسف - استراتيجية متبعة بكثرة. وسيسهل عليك التصديق أنّ هناك مساحة محدودة في القمة للأشخاص الذين هم مثلك عندما ترى ذلك بأم عينك.

وعلى النقيض من ذلك، يحظى الرجال بدعم كبار الإداريين في العمل أكثر مما تحظى به النساء بنسبة 46%، وذلك وفقاً للأخصائية الاقتصادية سيلفيا آن هيوليت. وهذا ما يولد اختلافاً وفروقاً متزايدة في التمثيل كلما ارتفعنا في الهرم الوظيفي. ووفقاً لتقرير شركة ماكنزي عام 2016 بعنوان "النساء في أماكن العمل"، يشغل الرجال البيض حوالي 36% من الوظائف على المستوى الابتدائي في الشركة، فيما تشكل النساء البيض 31%. ولكن هذه الأرقام تتغيّر في المستوى الذي يعلوه مباشرة لتصبح 47% للرجال البيض مقابل 26% من النساء البيض، أي بانخفاض نسبته  16%. أما بالنسبة للنساء الملونات، فتنخفض نسبتهن من 17% إلى 11%، أي انخفاض بنسبة 35%. ويميل الناس إلى الاعتقاد بأنّ الظروف الحالية "طبيعية" مهما كان الأمر. وربما تفسر هذه الصدقة أو النظرة الإحسانيّة بعض النقاط العمياء في تفكير الرجال، فحسب شركة ماكنزي، يُعدّ وجود امرأة واحدة في الشركات بين كلّ عشرة من كبارالقادة تمثيلاً جيداً للمرأة في المناصب القيادية، من وجهة نظر قرابة 50% من الرجال

سلبيات انعدام التواصل بين النساء

كان هناك شيء تعرضت له أسوأ من صدّ النساء ذوات المراتب الأعلى، هو انعدام التواصل بين النساء في المستوى الذي أعمل فيه. كانت هناك 5 نساء فقط بين 50 مدققاً في المجموعة التي أعمل معها. وكانت كل واحدة منا ضمن فريق زبائن مختلف. وفي نهاية عامي الأول في العمل، أصبت بالصدمة والدهشة لمعرفة أنّ النساء الأربع الأخريات استقلن أو طردن من عملهنّ.

لقد صدمتني النتيجة، وفوجئت لأننا لم نتحدث  فيما بيننا بما يكفي لفهم ما كان يحدث يجري. وواجهت، أثناء ذلك العام، تجربة صعبة بسبب توجيه الرجال الانتقادات لي أو التعليقات على مظهري، أو القول ببساطة أنني لست جديرة بالعمل هناك. ولكن لم يكن لدي أي فكرة حول تعرض النساء الأخريات ومواجهتهن تحديات مماثلة. كنا نتوقع أن يتم تقييم أدائنا بموضوعية كما تُقيَّم دفاتر حسابات زبائننا، ولكننا لم ندرك الحاجة إلى التكاتف معاً إلّا بعد فوات الأوان. حيث واجهت كل واحدة منا التحديات بمفردها، ومن الواضح أننا لم ننجح جميعاً في ذلك.

اقرأ أيضاً: دراسة بحثية تُظهر كيف تساعد النساء بعضهن على التقدم مهنياً

أدركت أنه يجب ألّا أسمح لأيّ من هذه الحالات أن تتكرر ثانية. أردت أن أعرف ما الذي كان يجري مع النساء اللواتي كنت أعمل معهنّ. ومع تقدمي المهني، أقمت دعوات على الغداء خاصة بالنساء فقط، وأنشأت قنوات مفتوحة للتواصل. ووضعت هدفاً لي أن أتواصل مع كلّ امرأة تنضمّ إلى الشركة باتباع سياسة الباب المفتوح، عن طريق تقديم النصح ومشاركة خبراتي الشخصية، بما فيها كيفية رفض القيام بالمهمات التقليدية (غير المأجورة) المرتبطة بنوع الجنس، كإحضار القهوة والاهتمام ببيئة المكتب. وبالنسبة لموظفات المساعدة الشخصية (السكرتاريا) اللواتي لم يجدن مفراً من القيام بهذه الأعمال، كنت أركز على أنه بإمكانهنّ التحدث إليّ بشأن أي مشكلة تواجههنّ في مكان العمل، وأنّ أدوارهن في العمل مهمة وحاسمة، وأنه يجب معاملتهنّ باحترام. كانت لقاءات وجبات الغداء معهنّ أساسية لتقديم مساحة مخصصة لمشاركة قصص التحديات والنجاحات. وقد أدركت الموظفات عن طريق اجتماعنا كفريق أنّ مشاكلهنّ لم تكن خاصّة بهنّ، بل هي في الحقيقة عوائق جماعية. ساعد ذلك كله بصورة كبيرة على تحسين تدفق المعلومات، وخفف من حدة التوتر والقلق، وطمأننا إلى  أننا لسنا وحدنا رغم صعوبة وظائفنا. وآمل أن يكون ما قمنا به قد ساعد على تخفيض نسبة الاستنزاف لدى النساء اللواتي يعملن في شركتي، وهي نسب مرتفعة بصورة دائمة لدى النساء، وبالأخصّ الملونات، أكثر منها لدى الرجال في جميع وظائف الشركات.

التحقت ابنتي بمكان عمل لم يتغير كما كنت آمل، فعلى الرغم من أن 40% من موظفي شركات مجموعة الأربع الكبرى الآن هنّ من النساء، إلا أنهن لا يشكلن سوى 19% من شركاء التدقيق. وهناك امرأة واحدة فقط بين كل خمسة مدراء في المناصب الإدارية العليا، ولا تزال فرص النساء في التقدم والارتقاء الوظيفي أقلّ من فرص نظرائهن الذكور .

كيف تدعم النساء بعضهن؟

إذن، ما الّذي يجب على النساء فعله في أماكن العمل عندما تظهر الأبحاث أننا نعاقَب عند محاولتنا رفع بعضنا البعض؟

قد يكون الحل من نوع الداء نفسه، فإذا عوقبنا بسبب دعم بعضنا البعض ما علينا سوى زيادة هذا الدعم أكثر بقوة وإصرار وفخر، إلى أن نتمكن من تغيير المفاهيم السائدة. يعود دعم النساء لبعضهنّ بفوائد كبيرة على مستوى الأفراد والمؤسسة. فقد تكون فوائد الرعاية بالنسبة للنساء اللواتي يتلقين الحماية واضحة، كالحصول على فرص، ولفت نظر الإدارة العليا إلى إنجازاتهن ولكن من تقوم برعايتهنّ أيضاً تحصل على الفائدة، إذ تشتهر بقدرتها على جمع المواهب وبصفتها قائدة. والأهم من ذلك هو أن المؤسسات التي ترحب برعاية كهذه تحصل على الفائدة أيضاً، وذلك بإنشاء ثقافة دعم حيث يتم تقدير مواهب جميع الموظفين ومكافأتها. كما أن الرعاية (التي تتضمن إيصال المرأة التي تتلقى الحماية إلى الفرص والأشخاص ودعمها شخصياً، على عكس دور المرشد الذي يركز على النصيحة فقط) هي طريقة ممتازة ليكون الرجال حلفاء في العمل.

ولكن لا يزال هناك الكثير من العمل الذي  يجب القيام به. وأنا سعيدة بصعود مؤسسات النساء مثل شبكة سالي كروتشيك (Sallie Krawchek’s Ellevate Network)، وهي شبكة مهنية من نساء في عدة شركات يدعم بعضهنّ بعضأ من أجل إحداث تغيير كبير في ثقافة الشركات عموماً. (وأنا معجبة بها بصورة خاصة لأنها بدأت بشبكة "85برودز"، وهي شبكة من الموظفات السابقات في شركة غولدمان استقت اسمها من مقر شركة مجموعة غولدمان السابق قبل أن تشتريها كروتشيك، الموظفة السابقة لدى ميريل، وتعمل على توسيعها). وقد أنتجت هذه الشبكة أختاً لها هي شركة إيليفيست للاستثمار الّتي تركز على النساء والشركات التي تساعد النساء على التقدم. وهناك مشاريع أخرى تضمّ شبكات دي بوكو سبالدينغ لإلهام النساء وشركاتهنّ، وهي شبكة قيادة تركز رسالتها على دعم النساء في طموحاتهن المهنية عن طريق تقديم تعليم واقعي من خلال إيصالهنّ إلى كبار قادة الأعمال. وأنا أعتزم أن أضع بصمتي وأحدث تأثيري الخاص في هذا المجال، إذ قدمت معهد ماكنالتي لقيادة النساء كمنحة لمدرستي الأم، جامعة فيلانوفا، التي تدعم الأبحاث الجديدة وفرص تطوير القيادة للنساء.

هذه مكملات رائعة، ولكنها لا تحلّ محلّ ضرورة التواصل بين النساء ضمن الشركة وعبر جميع المستويات. فهو يقلص الشعور بالتنافسية على أي حصة وهمية في القمة، ويساعد النساء الأخريات في إدراك أنهنّ لسن وحدهن من يعانين من الصعوبات. وهذه ثورة يمكنها تغيير مسار المرأة المهني. كما أنه طريقة لا غنى عنها للتعرف على الأشخاص المسيئين والمشاكل المنهجية ضمن الشركة. يجب أن يكون برنامجاً ضخماً شاملاً، ولستِ بحاجة للتفكير كثيراً بشأنه.

وفي الحقيقة، هناك نقاش صحي بشأن مجموعات تقارب تتم إدارتها من القمة إلى القاعدة. وسواء كنتِ موظفة في عامك الأول أو مديرة، ما عليك سوى التواصل وإقامة هذه العلاقات والإيمان بقوة اتحاد النساء، وأعتقد أنك ستكتشفين أن عائد الاستثمار على كلفة غداء جماعي سيكون باهراً.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي