دراسة بحثية تُظهر كيف تساعد النساء بعضهن على التقدم مهنياً

5 دقائق
النساء والتقدم المهني

على امتداد عدة عقود مضت، وبملاحظة موضوع النساء والتقدم المهني، أحرزت النساء تقدماً هائلاً في العديد من المهن. لقد كان يندُر أن نجد طبيبات على سبيل المثال في الستينيات، أما اليوم فتشكل النساء حوالي 35% من الأطباء، وهذه النسبة آخذة في الازدياد مع انضمام النساء إلى رعيل الأطباء الممارسين علماً أنهن يشكلن أكثر من نصف طلاب الطب الجدد. وقد حققت المرأة مكاسب مماثلة في مهن مثل: القانون والعلوم البيطرية وطب الأسنان.

لكن تقدمهن كان بطيئاً في مجالات أخرى، إذ لا تشكل النساء سوى 18% من خريجي علوم الكمبيوتر الجدد، و11% من كبار مدراء الشركات التنفيذيين. فما الذي يعيق النساء؟ وما الذي يمكن فعله لمساعدة مزيد منهن على دخول هذه المجالات المهنية التي يغلب فيها الذكور وتحقيق مساواة في التمثيل؟

أسباب الفجوات بين الجنسين في بيئة العمل

هناك العديد من الأسباب المحتملة للفجوات القائمة بين الجنسين. وهي تشمل التحيز ضد المرأة والثقافة الذكورية التي يمكن أن تجعل بيئة العمل التي يهيمن عليها الذكور مناوئة للنساء. هناك تفسير آخر محتمل؛ وهو أن تكون الفجوة بين الجنسين هي المسؤولة بحد ذاتها عن ذلك - فالنساء لا يحصلن على الدعم الكافي لعدم وجود عدد أكبر من النساء بين زملاء العمل. ربما تستفيد المرأة من مجرد وجود عدد أكبر من النساء بين أقرانها في العمل.

اقرأ أيضاً: بحث: المستثمرون يعاقبون رائدات الأعمال على سلوكياتهن

هناك بعض الأدلة التي تدعم هذا الرأي إذ تشير بعض الدراسات إلى أن الطالبات الجامعيات في قسم الهندسة المحاطات بعدد أكبر من الخريجات الموجهات هنّ أكثر إقبالاً على الاستمرار في التخصص، وبالمثل يزداد احتمال إقبال النساء على دراسة مساقات متقدمة في العلوم والتقنيات والهندسة والرياضيات عندما يصادقن نساء ذوات أداء مهني رفيع.

لكن هذه الدراسات محدودة. فربما لا يتعلق الأمر باستفادة النساء من دعم نساء أخريات، وإنما تميل النساء الأكثر التزاماً بحقل مهني معين إلى الانجذاب نحو نساء يشبهنهن. هذا ما يشير إليه الاقتصاديون على أنه مشكلة التحيز في الاختيار، الأمر الذي يجعل من غير الواضح ما إذا كانت مجموعة الأقران هي السبب وراء النجاح. وثمة مسألة أخرى هي أن بعض الدراسات بينت بصورة مثيرة للدهشة أن نجاح المرأة يعوقه بالفعل وجود عدد أكبر من النساء بين أقرانهن. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يحدث هذا عندما توضع النساء في مناصب، حيث يتعين عليهن أن يتنافسن فيما بينهن، بسبب الحد الأدنى المخصص لعدد وظائف النساء لذا فإن وجود عدد أكبر من النساء يزيد من صعوبة تحقيق النجاح.

كيف نعرف إذاً ما إذا كانت النساء يساعدن بالفعل النساء الأخريات؟ من الناحية المثالية، يمكن أن نجري ما يشبه تجربة طبية، حيث يتم توزيع النساء عشوائياً على مجموعتي العلاج والضبط، بحيث يكون لديهن نساء زميلات مهنيات في مجموعة العلاج، في حين تخلو مجموعة الضبط من الزميلات. فإذا سجلت النساء في مجموعة العلاج أداء أفضل من النساء في مجموعة الضبط، عندها يكون لدينا سبب وجيه لاستنتاج أن العلاقة سببية.

مثل هذه الفرصة لتقسيم النساء على أساس عشوائي نادرة، لكننا حظينا بواحدة. استفدنا من إشارة ذَكرها عالم الاقتصاد ديفيد لايل الذي لاحظ أن الطلاب الجدد في الأكاديميات العسكرية يُقسمون عشوائياً إلى مجموعات من الأقران تسمى سرايا المتدربين، حيث يمكن لهذا الأمر أن يوفر تجربة طبيعية لدراسة تأثيرات الأقران دون أن يمثل التحيز في الاختيار عامل قلق.

كلية "ويست بوينت"

أكاديمية ويست بوينت العسكرية الأميركية هي كلية عسكرية تأسست في عام 1802. تستغرق الدراسة فيها أربع سنوات ومهمتها تدريب الطلاب ليصبحوا ضباطاً في الجيش وفق برنامج صعب. المعايير عالية ويخضع أداء الطلاب لمتابعة دقيقة. ويتم تنظيم المحفل الطلابي أو "فيلق الطلبة العسكريين" فيها على شكل تسلسل هرمي على غرار ما هو قائم في الجيش. وهو مقسم إلى أربعة أفواج، ينقسم كل منها إلى ثلاث كتائب، تنقسم كل منها إلى ثلاث سرايا. هناك 36 سرِية، في كل منها حوالي 32 طالباً في الصف الواحد، أو حوالي 128 عضواً في المجموع.

درسنا الفصول من عام 1981 إلى 1984، من الصف الثاني حتى الصف الخامس واخترنا تلك التي شملت نساء. في تلك السنوات، لم يكن لدى الطلاب العسكريين سوى فرص قليلة للتفاعل مع العالم الخارجي، فلم يكن هناك بريد إلكتروني أو إنترنت أو هواتف محمولة. واقتصرت الاتصالات الخارجية على البريد العادي أو الهاتف المدفوع المشترك. وكان الطلبة معزولين كذلك داخل الأكاديمية، وعليهم العيش وتناول الوجبات والمشاركة في الأنشطة مع أفراد سراياهم. حتى فرص التفاعل مع الطلاب في الأفواج الخارجية كانت محدودة للغاية.

يتذكر العديد من الخريجين كم كانت قاسية سنتهم الأولى في كلية ويست بوينت، حيث يُكلَّف الطلاب الأقدمون تعليم الطلاب المبتدئين البروتوكول العسكري وتأديبهم في حال ارتكابهم للمخالفات. في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، كان هذا في كثير من الأحيان يعني التعرض لقدر كبير من المضايقة والسخرية والإحراج.

لقد أثير جدل كبير عندما التحقت النساء لأول مرة بكلية ويست بوينت في عام 1976. فكثيراً ما تعرضت النساء بشكل خاص لمعاملة قاسية، مع وجود تباين كبير بين مختلف أقسام المحفل الطلابي. ومع وجود 103 نساء في المتوسط في مختلف صفوف الأكاديمية كل سنة، مقارنة مع 1,146 رجلاً، كان لدى النساء فرصة ضئيلة للتفاعل مع النساء الأخريات. فلا عجب في أن تكون معدلات تناقص النساء اللواتي يتركن الأكاديمية، أعلى بخمس نقاط مئوية من متوسط ذلك لدى ​​الرجال، وهو فرق كبير عندما تكون معدلات التناقص عند الرجال حوالي 8.5% فقط.

النساء ومجموعات الأقران في كلية "ويست بوينت"

لقد جمعنا بياناتنا من كتب كلية ويست بوينت السنوية من 1976 إلى 1984 والتي تحتوي على صور جماعية للطلبة العسكريين ضمن السرية والصف، وهذه هي التي اعتمدناها بصفتها مجموعات الأقران لدينا. وباستخدام هذه المعلومات، تمكنّا من تتبع مجموعة الأقران التي تم تحديدها عشوائياً لكل طالب حسب نوع الجنس، وتطوره أو تطورها من سنة إلى أخرى.

وجدنا أنه عندما أضيفت امرأة أخرى إلى السرية، زاد احتمال تقدم المرأة من سنة إلى أخرى بنسبة 2.5%. وهذا يعني، في المتوسط​​، أن إضافة امرأتين إلى السرِية علاوة على النساء اللواتي فيها بالفعل من شأنها أن تمحو تماماً فجوة الخمس نقاط مئوية بين الإناث والذكور.

الطريقة الأخرى للتفكير في حجم التأثير هي دراسة طلاب السنة الأولى فقط الذين يسجلون أسوأ معدلات ترك للأكاديمية، حيث بلغت فرصة النساء في مجموعات السنة الأولى، التي تضم امرأة أخرى واحدة فقط في المجموعة، نسبة 55% فقط للبقاء ومواصلة الدراسة في السنة التالية. بينما ارتفعت هذه النسبة إلى 83% بالنسبة للنساء اللواتي انتمين إلى المجموعات التي تضم أكبر نسبة من النساء، والتي تضم من 6 إلى 9 نساء أخريات في المجموعة.

مع ذلك، فإنه بينما يتضح أن قبول مزيد من النساء المتدربات يساعد النساء على النجاح، إلا أنّ هناك بعض المخاوف المحتملة من أن يؤثر هذا سلباً على معدلات نجاح الطلاب الذكور. ولكن، عندما قارنّا نتائج ذلك على الرجال مع نتائجه على النساء، لم نجد أي تأثير لوجود أقران نساء على الرجال، لا سلباً ولا إيجاباً. وبعبارة أخرى، لم يكن هناك سوى أثر إيجابي لزيادة عدد النساء في المجموعة.

ما بعد الثمانينات في كلية ويست بوينت خلافاً لدراسات أخرى، أتاح لنا التوزيع العشوائي الطبيعي للطلاب العسكريين أن نقول إن النساء استفدن كثيراً من وجود نساء في محيطهن المهني. لكن ما حدث في كلية ويست بوينت في الثمانينيات كان أمراً غير اعتيادي. فكيف يمكن تطبيق هذه النتائج بصورة أعم؟

لقد تغيرت الأمور إلى حد كبير في الأكاديمية العسكرية في السنوات الأربعين الماضية. ففي عام 1990، عُينت امرأة في منصب نقيب أول، وهو منصب مرموق يتولاه المتدرب ليكون القائد للمحفِل الطلابي بأكمله، في حين تشكل النساء 22% من دفعة طلبة عام 2020. لقد ولى عهد الغشاوة، وأصبح لدى الطلاب مزيداً من الفرص للتفاعل مع الأصدقاء والعائلة في الخارج ومع الطلاب الآخرين داخل الأكاديمية. فربما تغيرت الحاجة إلى الدعم نظراً إلى تحسُّن ظروف ​​التجربة.

هناك العديد من الأسباب الأخرى وراء عدم تماثل هذه النتائج في كلية أخرى أو مكان العمل العام في سنة 2018. فهناك اليوم وعي أكبر بالتحديات التي تواجهها النساء عندما يشكلن أقلية صغيرة واستعداداً أكبر لدى القادة للتخفيف من التحديات. سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما يمكن أن تُظهره دراسة مماثلة في بيئة عمل تجارية.

وإلى أن تُتاح فرصة مماثلة، فإن أفضل دليل على ذلك هو أن إيلاء الاهتمام بالنوع الاجتماعي عند تعيين النساء في مجموعات يمكن أن يكون أداة قوية لزيادة تمثيل النساء في المجالات التي يسيطر عليها الذكور، ولإيلاء المزيد من الاهتمام في مسألة النساء والتقدم المهني.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي