سألني الرئيس التنفيذي: “ما المسوِّغات التي تفسر معدلات المبيعات والنفقات التقديرية؟”. تضرّج وجهي بالحُمرة وتلعثمت. ارتفع معدل نبضات قلبي وجفَّ حلقي. نظرتُ إلى مديرتي، فاليري. التقت عيوننا، ورَنَت إليَّ مترفقة دون أن تنبس ببنت شفة.

كان بإمكانها التخفيف من حدة الموقف عن طريق التدخُّل بالإجابة نيابة عني وإنقاذي، لكنها لم تفعل. هذا لأنني طلبت من فاليري فرصة لإلقاء العرض التقديمي أمام الفريق القيادي في مؤسستنا. قبل الاجتماع، أبلغتْ رئيس قسم الخدمات المصرفية والرئيس التنفيذي بأنني سأتولى هذه المهمة الإنمائية وأنها ستكتفي بدور المراقب؛ لذا بدلاً من أن تتولى المسؤولية نيابة عني عندما واجهتُ أسئلة صعبة، تركتني أجد وسيلة بنفسي للخروج من المأزق. استطعتُ أن أتدبر أمري، وإن لم يكن على النحو الذي كنت أتمناه، ولكن بطريقة جعلتني أفضل استعداداً لإدارة اجتماعي التالي معه.

ما زلت أتذكر فاليري بوصفها واحدة من أفضل المدراء الذين عملتُ تحت إشرافهم لأنها أعطتني فرصاً إنمائية كهذه. كانت المخاطر منخفضة عادة، على غرار ما حدث خلال هذا الاجتماع الداخلي المصغَّر، حيث كان الجميع يعلم أنني ما زلت في مُقتبَل مسيرتي المهنية ولم يبخلوا عليَّ بالدعم. كانت فاليري حاضرة ولكن من وراء الكواليس، ما سمح لي بالنجاح أو التعثر، ولكن مع التعلم من التجربة في كلتا الحالتين. لم تحاول بعدها إعطائي قوائم طويلة من الاقتراحات حول كيفية تحسين مستوى إلقائي، بل اكتفت بطرح أسئلة رائعة دفعتني إلى التفكير فيما كان بإمكاني فعله بشكل مختلف.

نظرياً، يعرف معظم القادة أهمية تفويض المهام الصعبة للموظفين بغرض مساعدتهم على النمو وإنشاء فريق أكثر تعاوناً وإنتاجية ويتمتع أعضاؤه بقدر أكبر من التمكين الإداري. لكن في مواجهة المتطلبات الحقيقية في مكان العمل، قد يكون من الصعب وضع هذه الفرضية موضع التنفيذ؛ إذ يقول الكثير من عملائي أشياء مثل: “أنا الوحيد الذي يمكنه أداء المهمة” أو “إذا لم يسر تنفيذ هذا المشروع بسلاسة، فسيعاني الفريق بأكمله”.

قد تقف المشاركة الوجدانية حجر عثرة في طريق تنفيذ هذه الفرضية أيضاً. فعندما ترى موظفاً يعاني صعوبات في أداء مهمة معينة، فمن الطبيعي أن ترغب في التدخل وتقديم يد العون، لكن من الجانب الآخر، قد يبدو تدخُّلك هذا نوعاً من الإدارة التفصيلية أكثر منه دعماً بغرض المساعدة. وعندما يبالغ القادة في أداء وظائفهم من خلال الاحتفاظ لأنفسهم بالكثير من المهام، فإنهم بذلك يسمحون لأعضاء فرقهم بأداء وظائفهم دون المستوى المطلوب.

إليك بعض الاستراتيجيات التي يمكنك استخدامها لتسهيل عملية تفويض المهام.

تخلَّ عن عقلية الفاعل وتحلَّ بعقلية القائد

تحرص المؤسسات على ترقية أفضل الموظفين إلى المناصب القيادية. تستند هذه الترقيات إلى فرضية مفادها أن هؤلاء الموظفين سيتخلون بطريقة سحرية عن عقلية البراعة في الأداء وجني المكافآت التي يستمدون منها حافزهم ويتبنون بدلاً منها عقلية البراعة في تطوير إمكانات الآخرين والعناية بشؤونهم. قد يكون تغيير العقلية أصعب جزء على الإطلاق في هذه العملية؛ فكيف تسهِّله عليك، إذاً؟

  • لاحظ الفوائد التي تعود عليك من أداء العمل بنفسك. يؤدي الشعور بنشوة الإنجاز إلى إفراز جرعة سريعة من الدوبامين، لكن عليك أن تقاوم هذا الأمر للوصول إلى جرعة أكبر من الإشباع بمساعدة الآخرين على التحسُّن.
  • عزز هويتك القيادية من خلال توضيح القيم التي تتمسك بها. اسأل نفسك: ما العبارات الثلاث التي أريد أن يستخدمها الآخرون لوصف أسلوبي القيادي؟ على سبيل المثال: هل أرغب في القيادة والتحكم والضغط على مَن يعملون تحت إشرافي وفرض خبراتي عليهم؟ أم أريد القيادة بأسلوب يتسم بالصبر وحب الاستطلاع والتمكين الإداري؟
  • اختر استجابتك بعناية، دون اتخاذ ردود فعل متعجّلة. في اللحظات التي تشعر فيها بالحافز للتدخُّل وإنقاذ الموقف، اسأل نفسك:  هل يتوافق هذا السلوك مع قيمي ومع الأسلوب القيادي الذي أريده؟

تقبَّل الانزعاج المتولّد عن عملية التعلُّم

أخبرني قادة كثيرون بأنهم شعروا بأن سحب مهام العمل من موظف معين هو أفضل دعم يجب تقديمه له في هذه اللحظة بعد أن شاهدوه يتعثر في أدائها. لقد شعرتُ أنا أيضاً بهذا التوتر، لكن فاليري علمتني قوة الحصول على فرصة لمواجهة الصعوبات. صحيحٌ أن هذا يتسبب في خلق شعور بعدم الارتياح لدى كلٍّ من القائد والموظف لأن الجميع يراها طريقة جديدة لممارسة العمل، لكن مؤسسة غالوب تُذكِّرنا بأن أحد مفاتيح اندماج الموظفين في بيئة العمل يكمن في منحهم فرصة لمواجهة التحديات. وعندما تضعهم في مواجهة الصعوبات، فستكون النتيجة تحقيق النمو لدى كافة الأطراف.

كيف ترحّب بالانزعاج المتولّد عن عملية التعلم بدلاً من مقاومته؟

  • صِف مشاعرك. وفقاً لعالمة النفس سوزان ديفيد، فإن هذا الإجراء يوفر لك الوضوح ويُكسبك القدرة على التحمُّل ويمكّنك من اختيار استجابات مدروسة تتفق مع قيمك.
  • اعتبر الشعور بالانزعاج أمراً طبيعياً. يؤكّد علماء الأعصاب أن هذه هي الفترات التي يحدث فيها التعلُّم وتُكتسَب القدرة على المثابرة.
  • أعِد صياغة الموقف. يتمثَّل أحد الأساليب المحتملة لإعادة الصياغة فيما يلي: “لقد سمح لي رؤسائي من قبل بمعاناة الصعوبات، وهذا ما أتاح لي اكتساب الثقة في مهاراتي؛ لذا سأمنح موظفيّ فرصة مماثلة لحل المشكلة بأنفسهم”.

ميّز بين المهام ذات المخاطر العالية والمنخفضة

يخبرني القادة في كثير من الأحيان بأنهم يظلون عالقين في دور الفاعل لأن الموظفين يرتكبون الكثير من الأخطاء التي تترتب عليها تداعيات خطيرة تتطلب التدخل السريع من جانبهم. لكن هذا يحدث عادةً عندما يحتفظ المدراء لأنفسهم بالعمل كله لفترة طويلة جداً من الزمن، ثم ترغمهم الظروف على تفويض مرؤوسيهم بأداء المهام في الوقت غير المناسب. يكمن مفتاح حل هذه المعضلة في إسناد المهام إلى الموظفين عندما تكون المخاطر منخفضة ويمكن تحمُّل أي أخطاء، أو حتى عندما تكون الأخطاء متوقعة.

ما الذي يجعل البيئة المحيطة منخفضة المخاطر؟ تصير البيئة المحيطة منخفضة المخاطر حينما يسهم الفشل في دعم العملية التعليمية دون أن يؤثر على السمعة الشخصية للمتعلِّم، وحينما لا تؤثر الأخطاء على نجاح الفريق أو الشركة، وحينما توفر البيئة المحيطة القدر الكافي من الأمان لإيقاف عجلة العمل ومنح الموظف فرصة ثانية. وحينما تقدم الأطراف المعنية سُبل الدعم وتبدي تعاطفها مع الزملاء الأقل خبرة في منحنيات التعلم.

لمعرفة المهام المناسبة للتفويض، فكّر في المهام التي تشعر الآن بسهولة أدائها أو بأنك تحفظها عن ظهر قلب ولكنها ستكون فرصاً إنمائية جيدة لأعضاء فريقك؟ فكر أيضاً في الأعمال التي تستنزف طاقتك ولا تتلاءم مع مهاراتك ومواهبك ومواطن قوتك، ولكنها قد تثير حماس الآخرين وتبدو مناسبة لهم تماماً.

على سبيل المثال، إذا كان أحد موظفيك يهدف إلى تطوير مهاراته في إلقاء العروض التقديمية، فجرّب نشاطاً منخفض المخاطر، مثل مطالبته بقيادة اجتماع الموظفين التالي قبل قيادة اجتماع ينطوي على مخاطر عالية، مثل عقد اجتماع مع عميل للشركة. أو إذا أراد تعزيز مهاراته ذات الصلة بالتأثير في الآخرين، فاطلب منه الحصول على موافقة فريق صغير على استخدام أداة جديدة أو آلية عمل مستحدثة قبل مطالبته بإقناع القسم بأكمله باستخدامها.

كُن فضولياً وحاول أداء دور المُيسِّر

في بداية مسيرتي المهنية التي عملت خلالها مدرّبة، أخبرني البعض بأنني كنتُ أتصف بالعصبية الشديدة في أثناء الجلسات التي أتولى قيادتها. شرحتُ لمديرتي أنني كنت أخشى ألا أجد إجابات لأسئلة المشاركين. فكان ردها كالتالي: “ماذا لو لم يكن دورك أن تعرفي الإجابات كلها، بل أن تيسّري تبادل الخبرات في الغرفة؟”. أدى هذا الرد إلى تغيير نظرتي للأمر تماماً.

وعلى غرار المدربين، ليس من المنطقي أن نتوقع من القادة معرفة الإجابات كلها، لكن عليهم أن يتحلوا بالصبر وحب الاستطلاع وطرح أسئلة ثاقبة لتيسير عملية التعلُّم. على سبيل المثال: ما نهجك الحالي؟ هل يمكنك تطبيق خبراتك السابقة على هذه المشكلة؟ ما الذي تتعلمه من هذا الموقف؟

أخيراً، تحلَّ بالتعاطف والصفح. هذا لا يعني التسامح مع التراخي أو الأخطاء الناجمة عن الإهمال، بل يعني إبداء التفهُّم والتحلي بالقدرة على ضبط النفس والهدوء في مواجهة شخص لا يستطيع أن يفعل شيئاً بالطريقة التي تفعله أنت بها بالضبط.

بدا نهج فاليري في ذلك اليوم غير لائق من وجهة نظر رئيسنا التنفيذي حينها؛ لكنها لو تدخلت، ما تعلمتُ كيفية الرد على الأسئلة غير المتوقعة وما أمعنتُ التفكير لاحقاً في كيفية تحسين مهاراتي في التحضير للعروض التقديمية التي ألقيها أمام المسؤولين التنفيذيين. لو أنها لاحقتني بالنصائح، ما اكتشفتُ الطرق الحقيقية للتحسُّن. لا أزال حتى يومنا هذا أدين لها بالفضل في مساعدتي على تطوير قدرتي على إلقاء العروض التقديمية بهدوء وثقة في المواقف عالية المخاطر. وهي أيضاً سبب امتلاكي الشجاعة لتفويض المهام لزملاء العمل وأعضاء الفريق حتى لو كان ذلك يعني مشاهدتهم وهم يعانون الصعوبات. هذه هي الطريقة الوحيدة التي ننمو بها جميعاً، قادةً وموظفين.