لكي نفهم كيف تُغير "سحابة التعلم الشخصي" الطريقة التي تفكر بها الشركات في مسؤولية التطوير تجاه المواهب التنفيذية، تحدثت محررة بزنس هارفارد ريفيو إيمي بيرنستين وكبير المحررين دانيال ماك غين مع ثلاثة من رؤساء أقسام التعلم والتطوير: سانكارانارينان بادمانابان "بادي"، ويشغل منصب الرئيس التنفيذي لمجموعة تاتا بيزنس إكسلنس جروب، وسامانثا هاموك، وهي كبيرة مسؤولي التعلم في أمريكان إكسبريس، ونيك فان دام، وهو الرئيس التنفيذي الدولي للتعلم سابقاً في شركة ماكنزي آند كومباني، وهو حالياً مستشار خارجي أول، وتم تعيينه مؤخراً كبير مسؤولي التعلم بجامعة آي إي. (إفصاح: تعد هذه الشركات الثلاث من عملاء أو كانت من عملاء الشركة الأم لهارفارد بزنس ببليشنغ، التي تبيع برامج التطوير التنفيذي). فيما يلي المقتطفات التي تم تحريرها.
هارفارد بزنس ريفيو: بادي، ما هي التغييرات التي طرأت على طريقة تطوير القيادات في مجموعة تاتا؟
بادمانابان: لقد أنشأنا "مركز تدريب إدارة تاتا" في الستينيات، وكانت هذه هي الطريقة الرئيسية التي طورنا بها القادة. ولكن خلال الخمس عشرة سنة الماضية انطلقنا إلى أبعد من ذلك. فبالنسبة لكبار القادة – المسؤولين التنفيذيين في شركاتنا، وفي الغالب المستوى الذي يليهم – نعتمد على المؤسسات التعليمية الخارجية بما في ذلك كلية هارفارد للأعمال وستانفورد وجامعة شيكاغو والمعهد الهندي للإدارة وكلية لندن للأعمال. حيث قمنا بترشيح الأشخاص لبرامج التطوير في هذه الكليات وكان الموظفون حريصين على الحضور. ولأن تاتا شركة قابضة بلغت قيمتها 110 مليار دولار ولديها العشرات من الشركات العاملة التابعة لها، فإننا ندير أيضاً برنامجاً تثقيفياً للقيادات. فمن المهم للغاية أن يتعرف الأشخاص على الشركات المختلفة في مجموعة تاتا، ولذلك نرسل المديرين التنفيذيين لقضاء يومين أو ثلاثة أيام في أقسام مختلفة ضمن المجموعة، حيث يتقابلون مع الأفراد ويتفاعلون ويكونون علاقات غير رسمية معهم. وكذلك نقوم بتنظيم الكثير من الندوات عبر الإنترنت. فقد ذهبت مسؤولية التطوير إلى ما هو أبعد من الفصول الدراسية، حيث أصبح اليوم أشبه ما يكون بالحوارات، مع المزيد من التركيز على بناء شبكة المعرفة.
بادمانابان: "ذهب التطوير إلى ما هو أبعد من الفصول الدراسية، حيث أصبح اليوم أشبه ما يكون بالحوارات."
ما هي أكبر التغييرات في أميركان إكسبريس يا سامانثا؟
هاموك: لقد انتقلت عملية التعلم إضافة إلى مسؤولية التطوير التقليدية من أسلوب تدريب الصف الدراسي الذي يديره المعلم إلى خيارات افتراضية وعالمية قابلة للتطوير. وقمنا بذلك لأن طبيعة العمل قد اختلفت، فلم تصبح الشركات أكثر عالمية فحسب، بل أصبحت افتراضية بشكل أكبر. المزيد من الأشخاص يؤدون عملهم من المنزل، ما يجعل إجراء عملية التدريب المنتظمة في الصف الدراسي أمراً مستحيلاً. كما أن النهج الافتراضي يمنح الأشخاص المرونة ويقربهم من رغبتهم الحقيقية في التعلم بشكل مختلف. فبعض الناس يريدون حضور برامجهم التدريبية أثناء الليل والبعض الآخر يريدون ذلك أثناء ساعات العمل. وبذلك نجد أن أكبر المكاسب تكمن في أن الأشخاص يستطيعون التوفيق بين هذه البرامج بما يتناسب مع حياتهم.
هاموك: "النهج الافتراضي يمنح الأشخاص المرونة ويقربهم من رغبتهم الحقيقية في التعلم بشكل مختلف."
وماذا عن شركة ماكنزي يا نيك؟
فان دام: نحن نعمل في مجال رأس المال الفكري، لذلك نحن بحاجة إلى مسؤولية التطوير والتعلم المستمر. وهذا هو الجزء المركزي من استراتيجية تطوير المواهب الأساسية لدينا. فغالباً ما يشار إلى ماكنزي على أنها مصنع القيادات، فلدينا أكثر من 440 خريج يعملون في مناصب رؤساء تنفيذيين لشركات تبلغ قيمتها مليارات الدولارات. ويعد أكبر تغيير في السنوات الخمس الماضية هو زيادة الطلب على التطوير. أصبحت ثقافتنا الآن شاملة للغاية في هذا الصدد: فنحن نتوقع من جميع الموظفين لدينا والبالغ عددهم 28,000 أن يحددوا كيف يمكنهم تطوير أنفسهم، ويتطلب ذلك توسيع قدراتنا وتعميقها. كما يتوقع العملاء أن نكون على مستوى رائد في التفكير والمشاركة وتبادل الأفكار، لذلك نحتاج إلى التعجيل بتطوير قدرات الأشخاص.
فان دام: "هناك فرصة هائلة لتحويل مكان العمل إلى مكان للتعلم".
عندما يصبح التدرج الوظيفي أقل وضوحاً، هل من الصعب معرفة المهارات التي يحتاجها الأشخاص؟
بادمانابان: عندما يكون لديك مؤسسات كبيرة وعدد أقل من "الدرجات" الوظيفية، فقد يصبح النمو هو أحد التحديات. ونحن نتعامل مع ذلك من خلال وضع إطار للكفاءات يعالج المهارات والسمات المطلوبة لكل دور قيادي. إذا كنت ستصبح رئيساً لنشاطنا التجاري في الولايات المتحدة، فإن ذلك الإطار يوضح القدرات والسمات التي يجب أن تتمتع بها. وإذا كنت ستصبح مدير الإنتاج في منشأة للمحركات، فأنت تحتاج إلى مهارات وسمات مختلفة. هذه الأطر تعد مثالية فقط بنسبة 50% أو 60%. كما أن أسلوب الشخص وسلوكه وحضوره له أهميته أيضاً، لذا فإننا نمنح الأشخاص فرصاً لتطوير تلك الجوانب. وبما أن سلم الترقيات الوظيفي أصبح أقل شيوعاً، فإن النمو الوظيفي يتحقق من خلال التنقل عبر شركات المجموعة. ولا يعد هذا تحدياً على مستوى المسؤولين التنفيذيين فحسب، ولكنه أصبح تحدياً بالنسبة للمستوى أو المستويين الأقل في الدرجة عندما يكون لدى الأشخاص خبرة تتراوح من 10 إلى 15 عاماً ومستعدون لأن يشغلوا منصب رئيس وحدة أو يتحملوا مسؤولية الأرباح والخسائر. وهنا يكمن ما نسميه عنق الزجاجة.
هل هناك خسائر بسبب تحول برامج تطوير المواهب إلى شبكة الإنترنت؟
هاموك: لا يمكنك أبداً استبدال التفاعل المباشر، حيث تُظهر الملاحظات الواردة من جلساتنا الشخصية الكبيرة قيمة اجتماع الأشخاص وجهاً لوجه مع بعضهم البعض. ولكن لم يعد من الممكن أو الفعال أن تمثل ذلك 80% من نموذج التفاعل في مؤسستك. فالتقنية تخلق طرقاً أفضل لتلقي التعليم من خلال النمط الافتراضي. كما يستطيع الناس الالتحاق من أي مكان ويشعرون كأنهم في الفصل معاً وفق هذا النمط.
هل تغير مزيج المهارات الشخصية والمهارات الفنية في برامجكم؟
فان دام: من الصعب الاستشهاد بنسبة مئوية، لأن الكثير من التطوير لا يدور حول ما يحدث في الصف الدراسي أو عبر منصة التعلم الرقمية، فتطوير القيادة يعد نظاماً بيئياً متكاملاً. وهناك عدة عوامل منها التعلم أثناء الوظيفة والخبرة المكتسبة من التعامل مع العملاء والتوظيف والتدريب المهني والإرشاد والتوجيه، حيث يشكل كل عنصر مما سبق لبنة في البناء، وهذه هي ثقافتنا في الأداء. لدينا توقعات واضحة للغاية من الأشخاص في مراحل مختلفة في مسيرتهم المهنية، ونحن نقدم ملاحظات مستفيضة توفر أهداف التطوير المستمر. يتيح ذلك للأفراد إضافة الطابع الشخصي لتطورهم، وهو ما نطلق عليه اسم "اصنع ماكنزي الخاصة بك". والهدف من ذلك هو التأكد من أن الأشخاص يقودون مستقبلهم المهني بأنفسهم واستكشاف ما يودون القيام به وتحديد خياراتهم الخاصة. إننا نترك مسؤولية التطوير في يد الأفراد.
هاموك: فيما يخص المقارنة بين المهارات الفنية الصعبة مقابل المهارات الشخصية الناعمة، قد نشهد تغيراً في المستقبل، لكني لا أعتقد أنها تغيرت بشكل جذري حتى الآن. ما تغير هو سرعة تحول المهارات الفنية لتصبح عديمة النفع، خاصة في الوظائف الفنية. إن الناس يكافحون ليظلوا في الطليعة على الجانب الفني، ويميلون إلى القيام برد الفعل، بينما يراقبون كيفية تطور التكنولوجيا لمعرفة ما هم بحاجة إلى تعلمه بعد ذلك.
ما مدى صعوبة إضفاء الطابع الشخصي على تطوير المواهب؟
فان دام: توجد بعض التحديات، أحدها يتعلق بكيفية تعريف المسار المهني للأشخاص، وتختلف تجارب التطوير باختلاف المسارات الوظيفية، وتتطلب الوظائف المختلفة كفاءات مختلفة. حتى في بيئة الصف الدراسي يحتاج الأشخاص المختلفون إلى اكتساب مستويات مختلفة من الكفاءة. وعندما يتعلق الأمر بالتعلم الرقمي، فنحن نجهز المحتوى الذي نعتقد أنه الأكثر ملاءمة لتطوير قدرات الأشخاص. يود موظفونا معرفة ما هو متوقع منهم، ولا يرغبون في قضاء الكثير من الوقت في محاولة اكتشاف أي من مواضيع التعلم الرقمي الخمسين قد يكون مناسباً لهم، ويريدون منا أن نوجههم إلى المحتوى الأفضل والأكثر ملاءمة. ويميل بعض الأشخاص إلى التعلم من خلال مشاهدة فيديو بدلاً من قراءة ملف بي دي إف "PDF". وهذا يعد مستوى آخر من إضفاء الطابع الشخصي. وأخيراً، فإن إضافة الطابع الشخصي يتعلق أيضاً بمقدار الوقت الذي يمكن للأشخاص تخصيصه لبرامج التعلم.
عندما يتعلم الموظفون بالنمط الافتراضي، ما مدى أهمية تكوين علاقات مع المشاركين الآخرين؟
هاموك: يعد التعلم الجماعي أمراً حاسماً، حتى مع العمل الافتراضي. إن أفضل عوامل النجاح هو وجود المجموعة المتنوعة والمختلفة التي تساعد الناس على الشعور بالمشاركة. ونحن نولي الكثير من الاهتمام لتكوين هذه المجموعات بحيث يتمتع موظفونا بتجربة إيجابية.
مع التحول إلى التعلم الرقمي، هل يساورك القلق بخصوص الوقت الذي يستغرقه الأشخاص في التعلم؟
بادمانابان: بالنسبة للموظفين ذوي المستوى المتوسط وما دونه، يتم توصيل معظم المعارف عبر الوسائط الرقمية. وكل شركة لديها طريقتها الخاصة، على سبيل المثال هناك مدير المتجر في سلسلة البيع بالتجزئة. سيتلقى هذا الشخص محتوى على هاتفه الذكي يركز على بناء القدرات اللازمة لإدارة المتجر. هذا النوع من المحتوى يتعلق إلى حد كبير بعرضه عبر الوسائل الملائمة، لذلك قد تكون هناك وحدات مدتها 15 دقيقة، فالوسائل الملائمة تساعد على زيادة الاستخدام. بالنسبة للأشخاص الذين يبلغ عمرهم 25 عاماً أو 30 عاماً، والذين نشأوا على اليوتيوب والإنترنت، فإن هذا النوع من التعليم شائع، لذا فإن الاستخدام لا يمثل مشكلة. أما بالنسبة إلى الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 45 عاماً أو في المستويات الإدارية العليا، لا يكون التعلم الرقمي شائعاً. وبالنسبة لهم، يستمر تطوير القيادة في الفصول الدراسية وفي العمل، لأن ذلك يوفر إلى حد ما فرصاً أفضل للتواصل.
كيف تقيس نجاح التعلم والتطوير؟
بادمانابان: بالنسبة للرؤساء التنفيذيين الذين يقودون 100 شركة أو ما إلى ذلك من شركات تاتا جروب، فإننا نقيّمهم على أساس أدائهم. ففي غضون عامين من تولي الوظيفة، هل يستطيع الرئيس التنفيذي إدارة شؤون العديد من المعنيين؟ هل يشعر الرئيس التنفيذي بالراحة في الدور الذي يؤديه؟ وتسهم العديد من الأشياء في مدى تطور كل رئيس تنفيذي، ولكننا ننظر إلى دور برامج التعلم والتطوير والتناوب الوظيفي في المساهمة في تكوين رئيس تنفيذي أو مسئول تنفيذي أو رئيس مجموعة فعال. ويعد قياس مدى فعالية هذه البرامج بالنسبة للقادة أمراً غاية في الصعوبة. في المستويات الأدنى، هناك مهارات أكثر قابلية للقياس مثل الربط بالإنتاجية أو بالمستوى الأفضل لرضاء العملاء. لكن في المستويات العليا، من الصعب أن نربط الأداء القيادي بفعالية التدريب وفق أي طريقة منهجية.
فان دام: بالنسبة لنا، يتعلق الأمر بكيفية التأكد من أن التأثير الأكبر هو لصالح عملائنا وكيف يمكننا توسيع نطاق هذا التأثير. هل يمكننا القيام بذلك بشكل أفضل؟ لا يمكننا أن ننمو إلا إذا كان لدينا المزيد من الشركاء في الشركة، لذا فإن أحد المقاييس هو كيف نطور الأشخاص ليصبحوا شركاء. كما نرى أيضاً قيمة الاستثمارات في التعلم والتطوير عندما نقوم بجذب الناس. واليوم، يقرر المزيد من الأشخاص الانضمام إلى إحدى المؤسسات لأنهم يعتقدون أنها مكان يستطيعون من خلاله تطوير مهاراتهم إلى المستوى الأعلى، لذلك يرتبط التعلم والتطوير بالتوظيف. لن يطلب مني أبداً أحد في شركة ماكنزي أن أقوم بعمل حسابات مالية لعائد الاستثمار على كل دولار ننفقه على التعلم والتطوير، فلا يمكنك فعل ذلك. لكننا نعرف أن هناك عائداً استثمارياً وتأثيراً كبيراً على العملاء. ونعلم أيضاً أن التطوير الرسمي للقيادات يمثل قطعة واحدة فقط من الكعكة. على الصعيد العالمي وعبر الصناعات المختلفة، يقضي الشخص الطبيعي حوالي 40 ساعة في السنة في برامج التعلم الرسمي من بين 1800 ساعة عمل. لذلك هناك فرصة هائلة في العديد من المؤسسات للتقدم في التطوير أثناء العمل من خلال تحويل مكان العمل إلى مكان للتعلم.
هل من الصعب تبرير تكلفة مسؤولية التطوير للمواهب عندما يكون من المرجح أن يغادر الأشخاص الشركة ليشغلوا وظائفهم القادمة؟
هاموك: لقد استغرقنا وقتاً طويلاً في مناقشة ذلك، خصوصاً في العام الماضي، عندما قمنا باستثمار كبير في برنامج القيادة الرئيسي. وفي نهاية المطاف قررنا أننا نريد أن ننمي قادة عظماء، ونريد أن تُعرف أمريكان إكسبريس بذلك. على سبيل المثال، نأخذ على عاتقنا مسؤولية التطوير ونشجع الموظفين على إدراج الشهادات التي يحصلون عليها على صفحتهم على لينكد إن، على الرغم من أن ذلك يزيد من ظهورهم خارجياً. في الوضع المثالي، نريدهم أن يجدوا فرصتهم التالية داخلياً، لكننا نعرف أن بعضاً منهم سيغادرون الشركة، وهذا أمر لا بأس به.
اقرأ أيضاً: