تهتم الشركات اليوم بالمسؤوليات الاجتماعية الخاصة بالشركات (CSR) بشكل كبير، حيث أصدرت نسبة 92 في المئة من بين أكبر 250 شركة عالمية تقريراً حول مسؤوليات الشركة الاجتماعية في عام 2015، لتُخبر هذه الشركات المساهمين والعامة عن نشاطات كل شركة. وكان هناك تقرير مماثل لـ64 في المئة من الشركات عام 2005. إلى جانب ذلك، تنفق شركات فورتشن غلوبال 500 (Fortune Global 500) حوالي 20 مليار دولار سنوياً على نشاطات الشركة الاجتماعية.
تجد الشركات أيضاً أنّ جهود المسؤوليات الاجتماعية، مثل المبادرات المستدامة، والمؤسسات التابعة للشركة، والبرامج التطوعية للموظفين، والتبرعات للعمل الخيري. يمكن أن تكون أدوات هامة لجذب وتحفيز الموظفين، فأظهر البحث أنّ الأشكال المتعددة للحوافز الاجتماعية (التي يحصل فيها الموظفون على جوائز ليست مالية، بل مشاركة مع الشركات المنخرطة في بعض الأعمال لإفادة المجتمع)، زادت بالفعل من الإنتاجية في المهمات البسيطة والمعقدة، وزادت استمرارية الموظفين في الشركة، كما انخفضت مطالبات الموظفين بالأجور.
إذاً، لا عجب أنّ العديد من الشركات تستثمر في المسؤوليات الاجتماعية. لكن بحثنا يشير إلى أنه لا يجب على الشركة أن تسعى وراء المسؤوليات الاجتماعية فقط بغية الحصول على منافعها كإنتاجية أكبر. ووجدنا أنه إذا ما شعر الموظفون بأنّ شركتهم تستغل مبادرتها في المسؤوليات الاجتماعية كوسيلة، وتحاول أن تنخرط في نشاطات اجتماعية فقط لتستفيد منها، ستكون استجابتهم سلبية، ويبذلون جهداً أقل. بمعنى آخر، بينما تعود هذه المبادرات بالخير على المجتمع، فإنها ستنقلب عكساً على الشركات، إذا ما ظن الموظفون أنه يتم استغلالهم للأسباب الخاطئة.
لنتعمق في هذا الأمر أكثر، قمنا بوضع اختبار مع شركة إيطالية. وقمنا بتوظيف حوالي 3,000 موظف في شركة أمازون ميكانيكال تورك (M-Turk)، ليبتكروا شعارات للمنتجات يمكن للشركة استخدامها في موقعهم باللغة الإنجليزية. طلبنا من الموظفين أن يبتكروا ثلاثة شعارات كخط أساسي. واخترنا المشتركين بشكل عشوائي لأربعة أوضاع تجريبية بدوافع مختلفة. وقدمنا حوافز للحصول على مشاركين لابتكار ثلاثة شعارات إضافية، وأخبرنا نصف العينة الرئيسية أنهم سيحصلون على مكافآت مالية، خاصة، وأخبرنا النصف الآخر أنّ الشركة سوف تتبرع للعمل الخيري من أجل الحصول على أعمال إضافية.
لكننا أخبرنا نصف كل من المجموعتين أنّ الشركة سوف تعطي المكافآت سواء أنجزوا العمل الإضافي أم لا، وأخبرنا النصف الآخر من المجموعتين أنّ المكافآت سوف تُمنح فقط في حال ابتكروا الشعارات الإضافية. هذا الشرط كان من المفترض أن يظهر كيف أنّ المكافآت يمكن أن تكون وسيلة لرفع أرباح الشركة، خاصة أن قيمة المكافآت تعادل نصف قيمة الأجر الأساسي، وهذا يعني أنه سيكون من الأفضل بالنسبة للشركة أن تحفزهم للمساهمة بثلاثة شعارات إضافية، من أن تعيّن موظفين جدد. وأخيراً، كان لدينا أيضاً مجموعة من الموظفين المشرفين من الذين سيحصلون على الأجر الأساسي من دون مكافآت.
بالإضافة لذلك، نظمنا دراسة مقالات قصيرة نعرض فيها مجموعة مختلفة من المستجيبين من شركة ميكانيكال تورك بسيناريو من اثنين. إذ إنه في كلا السيناريوهان، تلتزم الشركة بجزء من التبرع السنوي من فوائدها لصالح عمل خيري معروف. أحد السيناريوهات يفترض أنّ المدير التنفيذي يقرر الالتزام بالتبرع فقط في حال أكد بحث السوق أنّ التبرع سوف يفيد الشركة. أما السيناريو الأخر، يفترض أنّ المدير التنفيذي قرر القيام بالتبرع من دون بحث السوق، فقط لأن ذلك هو التصرف الصحيح. ثم سألنا المستجيبين كم من الممتع العمل لصالح هذه الشركة وكيف ينظرون لها بشكل عام؟
أظهر اختبارنا أربع نتائج رئيسية. أولاً، عملت الحوافز المالية، والحوافز الخيرية على نحو مختلف. وحيثما وجدت الحوافز المالية المشروطة بالأداء، زاد المجهود (كان هناك تسليم أكثر للشعارات الإضافية عندما كانت المكافآت مرهونة بالإنتاج بشكل يفوق التسليم عند منح الحوافز في جميع الأحوال)، وكان لجعل الحوافز الخيرية مشروطة تأثير عكسي. فقد سلم فقط 49 في المئة من العاملين الشعارات الإضافية عندما كان التبرع للجمعيات الخيرية مرتبط بعملهم الإضافي، مقارنة بـ54 في المئة من العاملين الذين أنجزوا عملهم الإضافي عندما كان التبرع مستقلاً عن جهودهم. بمعنى آخر، عندما ربطت الشركة التبرع بالكسب من عمل الموظفين الإضافي، كان الموظفون أقل حماساً للقيام بذلك العمل.
ثانياً، عندما استطلعنا رأي العاملين حول الشركة الإيطالية، وجدنا أنّ الأشخاص الذين عُرض عليهم حوافز مشروطة (مالية وخيرية) صنفوا الشركة بأنها أقل مسؤولية اجتماعياً، من هؤلاء الذين عُرضت عليهم مكافآت لا مشروطة.
ثالثاً، رأينا تأثير التبرعات الخيرية المشروطة قوياً خاصة على الأشخاص الذين بدوا أقل اهتماماً بالعمل الخيري في المقام الأول. ففي استطلاعنا سألنا هؤلاء الشخاص ما إذا كانوا يتبرعون بشكل منتظم أو متطوعين في عمل خيري. فوجدنا أنّ الموظفين الذين قالوا أنهم نادراً ما تبرعوا أو تطوعوا كانوا الأقل تسليماً لشعارات إضافية لدعم العمل الخيري، في حين كان ذلك الدعم مشروطاً بعملهم. يمكن الاستنتاج هنا أنهم لم يكونوا متحمسين للعمل بجهد أكبر لدعم دافع اجتماعي، ومازال لديهم انطباع سلبي تجاه دوافع الشركة. إذ رأينا ذلك في 54 في المئة من هؤلاء الموظفين، حيث ابتكروا أكثر من ثلاثة شعارات عندما أخبرناهم أنّ التبرعات ستكون تلقائية، لكن 43 في المئة فقط قاموا بذلك عندما كانت التبرعات تعتمد فعلياً على مجهودهم.
رابعاً، انعكست الحوافز الاجتماعية سلباً بشكل عام مقارنة مع مجموعة الإشراف، فقد وجدنا أنّ موظفين كثر (61 في المئة) قاموا بإنجاز الشعارات الإضافية عندما طلبنا منهم القيام بها فقط بشكل يفوق الأشخاص الذين عرضنا عليهم حوافز خيرية. وانخفضت نسبة الموظفين الذين قاموا بالعمل الإضافي إلى حوالي 52 في المئة مع الحوافز الخيرية. إذاً، حتى الموظفين الذين عرفوا أنّ الشركة سوف تتبرع للعمل الخيري بغض النظر عما إذا سلّموا الشعارات الإضافية أم لا، كان إنجازهم أقل للعمل الإضافي، من أولئك الذين طلبنا منهم شعارات إضافية دون حوافز. وعليه: نستنتج أنّ الموظفين ينظرون لإعلان الشركة عن تبرعها للعمل الخيري، على أنها ذريعة أو استراتيجية لزيادة جهد الموظفين.
أظهرت نتائج الدراسة أنّ الموظفين يهتمون بنوايا اهتمام الشركة بنشاطات المسؤوليات الاجتماعية، ليس فقط بالتأثير الإيجابي لهذه النشاطات على المجتمع. كما وجدنا أنّ تصنيف المستجيبين للشركة منخفض من ناحية جذب الموظفين، وذلك لدى قيامها بمسؤوليات الشركة الاجتماعية استراتيجياً، وبشكل مشروط معتمد على الناتج الإيجابي لبحث السوق، وتم اعتبار الشركة أقل مسؤولية اجتماعياً، وأنّ التبرع ليس بذاك الكرم، وذو فعالية منخفضة في تحفيز الموظفين، وقال الموظفون أنّ احتمال قبولهم العمل في الشركة بأجر زهيد ضئيل جداً.
عند النظر للأمرين معاً، تظهر هذه النتائج أنّ استغلال مسؤوليات الشركة الاجتماعية كذريعة لزيادة الأرباح، يدمّر الفوائد الكبيرة التي تأمل الشركة أن تجنيها. لكن من المهم ملاحظة أنّ استعداداتنا كان لها ثلاثة حدود. أولاً، كان الموظفون متطوعين على أمازون ميكانيكال تورك، وهم مجموعة من الموظفين الوهميين. فلم يكن باستطاعتنا الاستقصاء عن تأثير النوايا خلف مسؤوليات الشركة الاجتماعية على موظفين شركة فعليين. ثانياً، إنّ العطاء الخيري هو شكل واحد من أشكال مسؤولية الشركة الاجتماعية، والقيام بأداء حوافز خيرية يستند فقط على نوع واحد من مسؤولية الشركات الاجتماعية المستخدمة كوسيلة. فيمكن أن يتفاعل الموظفون بشكل مختلف مع أنواع أخرى من النشاطات. ثالثاً، في تجربتنا كان الموظفون مكلفين بالأوضاع بشكل عشوائي، والذي يعني أنه لم يسمح لهم بأن يختاروا أنظمة حوافز محدد. فيمكن التوقع بأنّ الموظفين الذين يهتمون بالحوافز الخيرية، قد يختاروا الشركات التي تستثمر بشكل أعلى في المسؤوليات الاجتماعية. هذا التصنيف يخفف التأثير السلبي للحوافز الاجتماعية لمثل هذه الشركات. من ناحية ثانية، إنّ الشركات غير المعروفة بنشاطاتها الاجتماعية تحظى بمجموعة أقل من الموظفين الاجتماعيين، الذين يمكن أن يوضحوا التأثير السلبي الذي وجدناه في دراستنا. على أمل أن تحفز هذه الحدود دراساتنا اللاحقة.
تشير دراستنا إلى أنّ الشركة لا يجب أن تستغل نشاطاتها الاجتماعية كأداة لتفيد بها استراتيجية الموارد البشرية لديها فحسب، فالموظفون يهتمون بالاستخدام الحقيقي للدوافع الاجتماعية، وربما يتفاعلون بشكل سلبي مع الشركات التي تستغل المبادرات الاجتماعية لتزيد الإنتاجية أو الأرباح. فكما نهتم نحن بنوايا الأشخاص إلى جانب سلوكهم الحقيقي، فالموظفون يهتمون أيضاً بسبب تقديم حوافز مسؤوليات الشركات الاجتماعية، وليس فقط بحجم الخير الذي تقوم به. لعله توازن صعب لكن يجب فهمه جيداً.
يوضح بحثنا أنّ تأثير الحوافز الاجتماعية التي هدفها الرئيسي هو رفع أرباح الشركة سيكون تأثيره عكسياً. وعلى المدراء أن يهتموا بالتأثير الاجتماعي لنشاطات شركاتهم الاجتماعية، عندها فقط سيقدم الموظفون الشركة إنتاجية أعلى.