في جناح دولة الإمارات العربية المتحدة بمعرض إكسبو 2020، يُعرَض مقطع فيديو للزائرين يُظهر أراض خضراء يُزرع بها أشكال وألوان متنوعة من الثمار الطازجة، تغيّر الصورة النمطية عن الصحراء القاحلة التي لا يمكن استصلاحها ولا استغلالها لإنتاج أي شيء قابل للاستهلاك البشري.
يعود الفيديو لمزرعة الإمارات العضوية "إماراتس بيو فارم" (EBF)، أكبر مزرعة عضوية بدولة الإمارات، متخصصة في إنتاج الخضروات والفواكه بالاعتماد على تقنيات الزراعة المستدامة، والتي مثلت نقلة نوعية في مجال الأمن الغذائي والاستدامة الطبيعية بدولة الإمارات، ما دفع جناح الإمارات إلى ضم يزن القضماني، مدير العمليات في المزرعة، إلى قائمة "الحالمين المنجزين" التي تحتفي بقصص رواد الأعمال المتميزين المقيمين على أرضها، ممن كان لديهم أحلام ورؤى متطلعة تدعم التوجهات التنموية للدولة، واستطاعوا تحقيقها.
"أعطوني زراعة أعطيكم حضارة"؛ تعكس هذه المقولة للراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رؤية دولة الإمارات التي ألهمت العديد من رواد الزراعة العضوية مثل يزن القضماني ووالده يحيى القضماني، وأسهمت في تحويل جزء واسع من صحراء الإمارات إلى أرض خضراء مثلما قال الشيخ زايد بن سلطان: "لقد كانوا يقولون إن الزراعة ليس لها مستقبل في بلادنا، ولكن بعون الله وبتصميمنا فقد نجحنا في تحويل هذه الصحراء إلى أرض خضراء".
رحلة مزرعة الإمارات العضوية (EBF)
رحلة مزرعة الإمارات العضوية (EBF) هي امتداد لجهود شركة الدرمكي للتعهدات والمواد الزراعية ومصنع الإمارات للأسمدة البيولوجية ومالكيه منذ عام 1983، والتي كانت تنشط في مجال تنفيذ مشاريع البيوت الزراعية المحمية وأنظمة الري، غير أنها طوّرت نموذج أعمالها مع النقلة الزراعية التي تبنتها دولة الإمارات حينما آمن قائدها أن الزراعة هي أساس الاكتفاء الذاتي، وعمدت إلى تحديث نموذج أعمالها بما يلائم التطور التكنولوجي الحاصل في طرق الزراعة وجني المحاصيل ووسائل التسويق، وغير ذلك من التفاصيل التي تضمن اعتماد سكان الإمارات على الإنتاج المحلي.
استوردت الإمارات الأسمدة العضوية التي تحتاجها التربة الصحراوية من الخارج لعدم توفرها محلياً، لكنها لم تكن معالجة حرارياً فتسببت في انتشار الآفات والأمراض إضافة إلى الأعشاب والحشائش الضارة. ومن هنا قام المهندس يحيى القضماني مع شركائه بتأسيس مصنع الإمارات للأسمدة العضوية لمعالجة المخلفات الحيوانية حرارياً بطرق حديثة، وبهذا لا تسبب أي مشاكل بيئية، كما طوّر المصنع أسمدة تناسب تربة الإمارات واحتياجاتها على وجه خاص مثل تطوير سماد خاص لشجرة النخيل، والذي قاد المصنع للفوز بجائزة "خليفة للتمور"، وتلقى على إثرها قطعة أرض كهدية لإقامة مشروع عضوي نموذجي، لتصبح هذه الهدية "إماراتس بيو فارم".
الزراعة في الصحراء تحدّ حولته الإرادة إلى حقيقة
طوّر يزن القضماني المزرعة ليعيد بها تعريف التنوع البيولوجي والأمن الغذائي من خلال حلم الزراعة في الصحراء الذي أضحى واقعاً الآن. لم يكن تحدِ تخصيب التربة الصحراوية وجعلها ملائمة للزراعة أمراً سهلاً، لكن يزن استطاع عن طريق تطبيق تقنيات الزراعة العضوية، مثل "الغطاء الواقي الأخضر" (Mulching)، إعادة المخلفات الزراعية الخضراء الناتجة عن عملية الحصاد إلى التربة مرة أخرى، كما عمدت إدارة المزرعة إلى تطبيق "تناوب المحاصيل المختلفة" (Crop Rotation) الذي يهدف إلى تضليل الحشرات الضارة حتى لا تستطيع إصابة المحاصيل، وذلك من خلال عدم زراعة محصول واحد في الأرض الزراعية ذاتها مرات متتالية، وزراعة المحصول الواحد في مواقع مختلفة في وقت واحد، وبهذا يتم تنويع دورات الزراعة بين المحاصيل التي تجهد التربة، وأخرى التي تعزز تركيبتها، لضمان الاستدامة والنمو المتوازن.
تحقق المزرعة التي يستضيفها جناح الإمارات معادلة أخرى صعبة، إذ تعِد بتسليم المحصول الطازج إلى العملاء من شركات وأفراد في ظرف لا يتجاوز 24 ساعة من وقت حصاده، لذلك تتناوب فرق العمل على إنجاز مهماتها على مدار الساعة، فمنهم من يعمل نهاراً في مهمة الحصاد، ومنهم من يعمل مساءً في التعبئة التي تتم على مستوى المزرعة، ومنهم من يعمل على نقل المحصول الجاهز ابتداء من منتصف الليل ليصل إلى متاجر التجزئة بحلول الفجر، متفادين بذلك أوقات الازدحام المروري، ويسهر في أثناء هذه العملية يزن وفريقه من المساعدين على حل أي مشكلة تطرأ في أثناء تنفيذ هذه السلسلة من المهمات والعمليات.
السياحة الزراعية مدخل لنشر الوعي بالاستدامة والاستهلاك العضوي
استطاعت مزرعة "إماراتس بيو فارم" التي تنتج أكثر من 55 صنفاً من الفواكه والخضروات إدخال مفهوم الزراعة السياحية إلى دولة الإمارات من زاوية مختلفة، إذ تهدف الى نشر ثقافة الطعام الصحي والزراعة العضوية والاستدامة البيئية بطريقة مبتكرة أتت ثمارها سريعاً.
تنظم المزرعة برامج سياحية، وجولات ترفيهية وتعليمية، وتوفر مطعماً يقدم على موائده الوجبات الطازجة مما تنتجه المزرعة، ما يجعل التجربة حقيقية وواقعية ومؤثرة، كما عمدت إدارة المزرعة إلى تنظيم جولات ممتعة للزوار يتعرفون فيها على طريقة زراعة المحاصيل الصحية وكيفية جنيها وفوائد الأكل الصحي بعيداً عن الأساليب النظرية القائمة على الترغيب والتي لا تحقق النتائج ذاتها.
يصف يزن القضماني في هذا الصدد الشعور الجميل المفعم بالإنجاز حينما يخبره أحد الآباء أن طفله بدأ وللمرة الأولى أكل الخضروات الطازجة بعد جولته داخل المزرعة.
علماً أن المزرعه تستقبل نحو 14.000 زائر كل موسم، معظمهم من تلاميذ المدارس والجامعات، كما يأتي الكثير من الزوار بصحبة أبنائهم الذين يستمتعون بالحياة الطبيعية البسيطة، ورؤية محاصيل الخُضر قبل قطافها ولمس التربة وجني المحاصيل والتعرف على دورة حياة المنتجات التي يستهلكونها.
في ظل توجه دولة الإمارات باستشراف المستقبل واستباقه، تعد مزرعة "إماراتس بيو فارم" إحدى برامج حكومة الإمارات لمواجهة التغير المناخي الذي يهدد الزراعة بمختلف أنواعها على مستوى العالم، بداية من ارتفاع درجة الحرارة، وندرة المياه، وصولاً إلى التصحر والجفاف.
يتيح جناح دولة الإمارات لزواره فرصة استكشاف قصة مزرعة "إماراتس بيو فارم" كواحدة من قصص "الحالمين المنجزين" في مجال العلوم والتعليم والابتكار الزراعي والاستدامة، والتي تسلط الضوء على رحلة دولة الإمارات في تحويل ما اعتقد العالم يوماً أنه مستحيل إلى واقع ملموس ومزدهر ينال إعجاب ودهشة كل من تقع عينه عليه.