من الممكن أن يمتلك الجميع أفكاراً تستحق الكتابة، لكن ذلك لا يعني أنهم كلهم يمتلكون الرغبة أو الدافع لخوض هذه التجربة. لماذا يجدر بي أن أؤلّف كتاباً؟ كم سيستغرق هذا الأمر من الوقت؟ ما الذي يمكن أن يقدمه الكتاب ولا تستطيع المدونة أو التغريدة تقديمه؟ هل يقرأ الناس الكتب حقاً في هذه الأيام؟ هل يجب أن أؤلف كتاباً؟
هذه هي الأسئلة التي أتلقاها من رواد الفكر المحتملين، وهم أشخاص يرغبون في طرح أفكار عميقة للجمهور بهدف التأثير في طريقة تفكير الناس وتصرفاتهم، وبالتالي إحداث تغيير ما في شركاتهم أو مجالات عملهم أو مجتمعاتهم. من الضروري طرح هذه الأسئلة الذكية نظراً للتغيرات التي طرأت على دور الكتاب في ظل "مجتمع الأفكار" (ideaplex) الحالي؛ وهو المصطلح الذي أستخدمه لوصف تلك الأنشطة جميعها، بدءاً من منصة تيد (TED) وصولاً إلى منصة إكس (تويتر سابقاً)، التي ننشئ من خلالها الأفكار وننقلها ونستخدمها.
تختلف الإجابة من شخص لآخر، لكن ثمة العديد من الأدوار القيّمة التي يمكن للكتاب وحده أن يؤديها في نشر فكرة ما للجمهور وتحفيز التفاعل معها؛ أي تحويلها إلى واقع ملموس وجعلها تنبض بالحياة (كل ما سبق يشير إلى أن الكتاب ليس سيئاً تماماً).
مفتاح الدخول إلى مجتمع الأفكار
نعم، يمكنك الدخول إلى مجتمع الأفكار من خلال مدونة أو مقطع فيديو أو محاضرة في مؤتمر، لكنّ الكتاب هو الوسيلة الأكثر قبولاً وانتشاراً في أكبر عدد من الأماكن التي تقدم المحتوى. تُعد عبارة "لديه كتاب جديد" معياراً، وغالباً تكون شرطاً أساسياً يجب تحقيقه للوصول إلى المساحات التي ترغب في دخولها بشدة من مجتمع الأفكار، مثل قاعات المحاضرات واستوديوهات التلفزيون وقاعات الاجتماعات، وصفحات وسائل الإعلام والفعاليات الخاصة وعقول الناس. لا يُتوقع من المذيع تشارلي روز أن يُقدم ضيفاً قائلاً: "نشر ضيفنا التالي للتو مقطع فيديو عن قطّة".
دليل على الجهد
يعلم الجميع أن تأليف الكتب مهمة صعبة تتطلب تفكيراً دقيقاً وتستلزم مواد ومعلومات أكثر من أي شكل آخر من أشكال التعبير. يمنح الناس عادة قدراً أكبر من المصداقية للأفراد الذين بذلوا الجهد وفكروا بعمق في موضوع ما، مقارنة بالذين بذلوا الجهد وفكروا من دون تأليف كتاب.
وقاية من الجرائم
ألقِ نظرة على الملاحظة الموجودة على الجهة الخلفية لصفحة عنوان كتابك؛ فهي تشير إلى حقوق النشر © واسم الكاتب. جميع الحقوق محفوظة. يعني ذلك أن سيادة القانون تضمن حقوقك. بالتأكيد، القانون ليس معصوماً من الخطأ، لكن إذا سألنا أياً من المؤلفين البارزين الذين واجهوا مشكلات بسبب قوانين حقوق النشر مؤخراً، فسنجدهم يقولون إن القانون له قدر كبير من القوة والتأثير ويمكن أن يكون قاسياً وصارماً في حال انتهاك حقوق النشر.
أداة متعددة الأغراض
يعدّ الكتاب بطاقة دعوة ووسيلة لكسر الجمود وبدء المحادثات وفتح الباب للتواصل والحوار وتمثيل الآراء، ويمكن أن يكون تذكاراً وأداة تسويق ووسيلة للتعبير عن مشاعر الحب وسلاحاً سلمياً لتغيير المفاهيم وطريقة لبدء النقاش أو لتوضيح موقف أو مبادئ معينة، ويمكن أن يكون مبرراً لإنشاء مجموعة يستمتع أفرادها بوقتهم معاً.
مدخل
يجب ألا يحتوي الكتاب على المعرفة أو المعلومات كلها التي يمتلكها الشخص، وهذا غير ممكن أصلاً. بل يجب أن يكون الكتاب مدخلاً جذاباً إلى عالمك ومحتوى أعمالك، ويشمل ذلك كتاباتك الأخرى ومحاضراتك ومقاطع الفيديو والندوات والفعاليات الخاصة والشعارات والمنتجات والتعاليم والانتماءات، إنه عالم يمكنك الاستمرار في توسيعه وتحديثه بحيث يكتسب الكتاب فيه على الرغم من ثباته معاني جديدة بمرور الوقت.
أجمل شيء مفيد وعملي في العالم
الكتاب عمل فني وتكنولوجيا أنيقة، وهو تجسيد مادي ملموس للأفكار المجردة يسمح للقارئ بإدراكها وفهمها. ولا بد من الاعتراف أيضاً بأنه هدية رائعة.
مصدر المبادرات والمساعي المستقبلية
الكتاب نهاية مرحلة من العمل وبداية مرحلة أخرى تكون غالباً ذات أهمية أكبر. لا يقدم الكتاب إجابة نهائية فيما يتعلق بالموضوع الذي يتناوله، بل هو بداية لمحادثة أو مناقشة أوسع حوله. من خلال الكتاب، يمكنك وضع الأسس لمشروع حياة بأكملها.
ثمة جوانب قد تكون غير ممتعة في تأليف كتاب، وتجب مراعاتها والتفكير فيها قبل المضي قدماً في هذا المشروع، وهي تشمل:
التأليف عملية مميزة وفريدة (وغريبة إلى حد ما)
تختلف عملية تأليف كتاب عن أي عملية أخرى قد تكون معتاداً عليها أو بارعاً فيها، وهي جهد إبداعي يشبه إلى حد كبير صناعة الفن لأغراض شخصية وليس ابتكاراً تجارياً يهدف إلى الربح. تتأثر أجزاء من هذه العملية بقوى غامضة من اللاوعي لا يمكن تمثيلها أو توضيحها في رسوم أو جداول بيانية، وبالتالي يمكن أن تكون العملية محبطة، أو مرهقة، أو تستغرق وقتاً طويلاً لدرجة تدفعك إلى التفكير في التوقف عنها.
تحدٍّ واختبار شخصي
عملية تأليف كتاب مرهقة على الأصعدة الفكرية والعاطفية والجسدية، وهي تكشف الكثير عن معرفتك وجودة أفكارك ومهاراتك في الكتابة وشخصيتك. ومن خلالها تضع نفسك تحت الأضواء، وهو أمر قد لا ترغب فيه.
عدم القدرة على التراجع
بمجرد نشر الكتاب، لا يمكنك التراجع عنه، فهو لا يتلاشى ببطء من الذاكرة كما يحدث في العروض التقديمية المباشرة، ولا يضيع في بحر المدونات. بمجرد نشر الكتاب، سيظل موجوداً إلى الأبد، وإذا لم تكن راضياً عنه أو غيّرت رأيك حول بعض مضامينه، فلن تتمكن من تعديله.
عرضة للانتقاد وردود الفعل السلبية
سترى أن كتابك رائع وأن دوافعك في كتابته نبيلة، وستتمنى بالطبع أن تجري نقاشاً حياً حول كتابك، فهذا هو جوهر التفاعل الذي يعطيه الأهمية، لكن مع ظهور أول تعليق سلبي، أو تغريدة ساخرة، أو رد فعل عنيف، قد تشعر بالصدمة أو بأنك تتعرض لهجوم ظالم.
لا تنتهي العملية بانتهاء الكتابة
لا تبيع الكتب نفسها بنفسها. بعد تأليف الكتاب، تأتي مراحل نشره وترويجه وتعميمه. تحتوي هذه العملية أيضاً على أجزاء لا يمكن التحكم بها (هل سيحصل الكتاب على تقييم جيد؟ هل سيشتريه الناس؟)، لكن إذا لم تبذل جهداً لبيع الكتاب، فقد لا يحفز التفاعل المطلوب أو لا يحظى باهتمام القرّاء، وهو أمر أسوأ بكثير من مواجهة ردود الفعل السلبية.
لذلك، لن تجد إجابة عامة عن السؤال: "هل يجدر بي أن أؤلف كتاباً؟" لهذا السبب، أُجيب عنه عادةً بسؤال آخر: "هل لديك دافع قوي لتأليف كتاب؟".
إذا كانت إجابتك "نعم"، فأتمنى لك التوفيق.