الموظفون والموظفات الأكثر جمالاً يواجهون مشاكل في العمل والذكاء الاصطناعي يتدخل

6 دقائق
دور الذكاء الاصطناعي في تقليل التحيز

من الأسباب التي ساهمت في زيادة الاهتمام بالذكاء الاصطناعي قدرته على تقليل درجة التحيز الذي يشكّل أساساً في القرارات البشرية. فعلى سبيل المثال، قامت الدراسات التلوية التحليلية لفترة طويلة بتسليط الضوء على تفشي التحيز في عمليات التعيين والتوظيف و دور الذكاء الاصطناعي في تقليل التحيز هذا.

ثمة الكثير من التحيز الذي يدور في مكان العمل، حتى في العالم الغني والحر، وهذا ما يفسر المزايا غير المستحقة أو غير العادلة التي تتمتع بها بعض المجموعات مقارنة بغيرها، بصرف النظر عن مواهب هذه المجموعات أو إمكاناتها الحقيقية. ومن أشكال هذا التحيز: التحيز الجنسي والتمييز العرقي والتفرقة العمرية.

ظاهرة "التمييز المظهري"

إن أحد أبرز التحديات لا يكاد يُناقش أو يُعترف به قط، وهو تحيز الجمال، أو ما يعرف بـ "التمييز المظهري". والواقع أنّ وجود مكافأة للجمال في سوق العمل هو أمر تؤكده مستندات كافية. لخصت مراجعة أكاديمية شاملة ذلك بقولها: "يزيد احتمال مقابلة الأشخاص الذين يتمتعون بجاذبية جسدية للوظائف وتعيينهم، كما يرجّح تقدمهم بسرعة في مساراتهم المهنية من خلال ترقيات مستمرة، وهم يحصلون على أجور أعلى من الأشخاص غير الجذابين". يمكن أن تشمل المظاهر الرئيسة للتمييز حسب المظهر تحيزاً ضد المرشحين الذين يعانون من السمنة ويرتدون ملابس غريبة أو يمتلكون وشماً أو أي أشخاص لا ينسجمون من المعايير الجمالية السائدة في المجتمع.

وبصفة عامة، يتعلق تحيز الجمال بالمعاملة التفضيلية التي يتلقاها الأشخاص عندما يُنظر إليهم على أنهم أكثر جاذبية، بصرف النظر عما إذا كان هذا يحدث عن قصد أو بغير قصد. وبالطبع، يعترف عدد قليل من الأشخاص، ناهيك عن جهات التوظيف، بتفضيل العمل مع آخرين بناء على مستويات الجاذبية الأعلى التي يتمتعون بها. وبطبيعة الحال، ثمة بعض الاستثناءات. فمثلاً، يعتبر "حسن المظهر" أحد المتطلبات الرسمية للانضمام إلى البحرية الصينية، فيما يبدو أنه محاولة منهم لتمثيل الدولة في أحسن صورة. وعلى الرغم من إجبار شركة "أبيركرومبي آند فيتش" (Abercrombie & Fitch) إلى دفع تسوية بقيمة 50 مليون دولار بسبب تعيين أجهزة مساعدة لتجارة التجزئة تشبه البيض الأنجلو ساكسون البروتستانت (الواسب)، إلا أنها لم تحظر من فرض معايير جمالية في سياساتها الخاصة بالتوظيف، طالما أنها توظف مرشحين متنوعين، لكن ذوي مظهر جيد.

كيف نتعامل مع تحيز الجاذبية؟

إليك الأخبار السارة: تحديد هذا التحيز بسيط على نحو غير متوقع. وهذا يعني أنّ أي جهة توظيف مهتمة بالقضاء على جميع المعوقات التي تواجه الأشخاص الأقل جاذبية يتعين أن تكون قادرة على تحديد هذا التحيز وتقييم كفاءة أي تدابير تدخلية تجريها. ونأتي الآن إلى الأخبار السيئة، حيث أنّ من المستبعد أن تحقق هذا ما لم تستبدل الحدس البشري بالبيانات، وهذا هو الجانب الذي يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة فيه إذا استخدمناه بطريقة مسؤولة. إذاً كيف نتعامل مع تحيز الجاذبية؟

أولاً، يمكنك قياس الجاذبية، التي عادة ما تكون وظيفة للتقييمات التوافقية للمظهر الجسدي. تخيّل أن تطلب من 10 أشخاص تقييم 100 شخص حسب المظهر الجسدي أو الجاذبية. على الرغم من أنّ الجاذبية ليست موضوعية، وهذا هو سبب وجود خلافات دائماً بين الأشخاص الذين يقيمون نفس الشخص، إلا أنها ليست شخصية بالكامل، لذلك سيميل معظم الناس إلى الاتفاق على أنّ شخصاً ما أكثر أو أقل جاذبية، على سبيل المثال باستخدام مقياس نقاط من 1 إلى 10، وليس فقط عندما ينتمون إلى نفس الثقافة.

ثم، يمكنك ربط هذه النتيجة مع مجموعة من مؤشرات النجاح، من تقييمات المقابلات، إلى تقييمات الأداء الوظيفي، إلى الترقية أو بيانات الراتب. وفي ضوء أنّ الجاذبية قلّما تمثل معياراً رسمياً لاختيار شخص ما في مقابل شخص آخر، عدا ما هو عليه الحال في عالم الحب بالطبع، توجد أسباب واضحة لتقييم فيما إذا كان ثمة احتمال لارتباط نتائج جاذبية الأشخاص بأي مؤشر موضوعي للنجاح المهني والسبب الذي يُعزى إليه مثل هذا الارتباط. وفيما يلي الجوانب التي يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي فيها: كأداة تشخيصية للتنبؤ بأرجحية أن يُعتبر شخص ما أكثر فعالية في العمل بناءً على جاذبيته المُتصوّرة. ويشير قدر كبير من البحوث إلى أنّ مستوى جاذبية الشخص يدل على مجموعة من مخرجات النجاح أكثر بكثير مما نتمنى إذا أردنا العيش في عالم عادل وغير متحيز.

إذن، بماذا تخبرنا العلوم؟

التحيز المؤيد للجاذبية موجود بالفعل في التعليم، حيث تظهر الدراسات أنّ الطلاب الجذابين جسدياً يزيد احتمال حصولهم على درجات أعلى في الجامعة، ويُعزى ذلك جزئياً إلى اعتبارهم أكثر وعياً وذكاء، حتى إذا لم يكونوا كذلك. إضافة إلى ذلك، تساعد الجاذبية بالفعل الطلاب على الدخول إلى الجامعات في المقام الأول، من خلال استثارة تقييمات تفضيلية أكثر خلال مقابلات القبول في الجامعات. وينسجم هذا مع نتيجة أوسع نطاقاً لتأثير "الهالة" الراسخ، حيث يُنظر إلى الأشخاص الجذابين بصفة عامة على يتمتعون بعلاقات اجتماعية وصحة ونجاح وصدق وموهبة أكثر من غيرهم. وفي الحقيقة، تقترح الدراسات التلوية التحليلية أنه حتى الأطفال يُفترض أن يكونوا أكثر ذكاء وصدقاً ودافعية عندما يُنظر إليهم على أنهم أكثر جاذبية، ويصنع الأطفال نفس النوع من الاستنتاجات عندما يقيمون البالغين الأقل أو الأكثر جاذبية.

ومن غير المفاجئ أنّ تحيز الجمال ينتقل إلى مكان العمل، حيث تبين الدراسات العلمية أنه يزيد احتمال فصل الأشخاص الأقل جاذبية من مكان العمل، مع أنه يقل احتمال توظيفهم في المقام الأول. فمثلاً، في إحدى الدراسات التجريبية، أرسل باحثون 11,000 سيرة ذاتية إلى وظائف شاغرة متنوعة، بما فيها سير ذاتية متطابقة مصحوبة بصور المرشحين بمستويات مختلفة من الجاذبية. ويزيد احتمال معاودة الاتصال بالرجال والنساء الجذابين للمقابلة مقارنة بالمرشحين غير الجذابين (أو الذين لم يرفقوا صورهم).

ويوجد أيضاً ارتباط وثيق بين الجاذبية والدخل على المدى الطويل، حيث يترجم الجمال فوق المتوسط إلى رواتب أعلى بنسبة من 10% إلى 15% مقارنة بالجمال تحت المتوسط. في الولايات المتحدة، مكافأة الجمال هذه مشابهة للمكافأة الموجودة للعِرق أو الجنس. ولاحظ أنّ هذا التأثير موجود حتى في أوساط الأشخاص الأكثر نجاحاً. على سبيل المثال، تنبأت تقييمات الجاذبية للتنفيذيين في شركات "فورتشن 500" بأرباح شركاتهم.

وكما تقول العبارة الشائعة: "العلاقات الترابطية لا تعني السببية"، لكن دعنا لا ننسى أنّ العلاقات الترابطية لها أسباب بالفعل. إحدى القضايا الحساسة هي الاحتمال الذي تدعمه الكثير من أبحاث علم النفس التطوري بأن يكون سبب العلاقة الترابطية بين الجمال والنجاح المهني ليس الأحكام المسبقة أو التحيز (فقط)، بل الموهبة الفعلية (أيضاً). بعبارة أخرى، هل يمكن أن يكون الأمر، على الأقل جزئياً، هو أنّ الأشخاص الجذابين يعيشون حياة أفضل لأنهم يمتلكون فعلاً سمات تكيف أكثر، مثل الذكاء أو الموهبة؟

دور الذكاء الاصطناعي في تقليل التحيز

في بعض الأوقات، يصعب اختبار هذه الفرضية، وذلك لأسباب ليس أقلها الغياب المشترك لبيانات أداء موضوعية غير مقترنة بخيار شخصي. اعتبر أنّ أداء أغلب الأشخاص يُقاس ببساطة عن طريق تقييم شخصي واحد يقدمه مديرهم المباشر أو رئيسهم المباشر. إذا لم تمتلك جهات التوظيف بيانات موضوعية للتخلص من تحيز المدراء والتفضيلات الشخصية من تقييمات أداء الموظفين، فكيف يمكنها قياس مساهمة الموظفين الفعلية في الشركة؟ ولهذا السبب تحديداً أظهرت محاولات استخدام الذكاء الاصطناعي لقياس الجاذبية تفضيلات عنصرية حول ما يُعتبر أنه أقل جاذبية أو أكثر جاذبية في إطار ثقافة معينة. إذا علّمنا الذكاء الاصطناعي محاكاة التفضيلات البشرية، فلن يكرّر ذلك هذه التفضيلات فحسب، بل سيزيد أشكال التحيز البشري ويفاقمها.

وعلاوة على ذلك، ثمة أوقات يكون فيها من الصعب تحديد فيما إذا تعين معاملة المظهر كعامل تحيز أم سمة متصلة بالوظيفة، وخصوصاً عندما يعتمد أداء الموظفين على التصورات التي يمتلكها الزبائن أو العملاء عنهم. ويشير تقرير صادر عن موقع "غلاس دورر" (Glassdoor) إلى أنّ "ثمة الكثير من القطاعات والأعمال التي ستعاني معاناة شديدة إذا لم نضع تشريعات تكافح تحيز الجمال". وفي إطار دعم هذه الفكرة، يتحدث علماء التطور عن علاقات ترابطية إيجابية بين تقييمات الجاذبية من جهة، والنتائج على سمات الشخصية المرغوبة اجتماعياً، مثل الاستقرار العاطفي والانبساط والطموح من جهة أخرى. على سبيل المثال، تساهم الجاذبية الجسدية، تماماً مثل الجاذبية النفسية (الحاصل العاطفي أو القبول لدى الآخرين) في تحقيق مبيعات أفضل وتعزيز احتمالات جمع التمويل، لذا هل من المعقول منع جهات التوظيف من توظيف مندوبي مبيعات أو جامعي أموال أكثر جاذبية؟

ربما، نظراً لأنّ البديل هو ممارسة التمييز ضد الأشخاص غير الجذابين، الذين سيتضمنون أشخاصاً من مجموعات الأقليات الذين لا ينسجمون في إطار "النظم الجمالية" السائدة. لكن عندما تتظاهر جهات التوظيف ببساطة بتجاهل الجاذبية، والتركيز على الأداء السابق للمرشحين أو أدائهم في المقابلة، وتفسير هذه البيانات كبيانات موضوعية أو خالية من التحيز، فلا يوجد ما يضمن عدم إعاقة تقدم المرشحين الأقل جاذبية. هذا لا يختلف عن التظاهر بتجاهل العرق أو الطبقة الاجتماعية عند الاختيار حسب الشهادات الأكاديمية، التي تقترن في حقيقة الأمر بالعرق والطبقة الاجتماعية.

وبالتالي، فمن الواضح أنّ ثمة ميزة غير عادلة لكونك جذاباً، وعائقاً غير عادل لكونك أقل جاذبية. ومع أنّ جهات التوظيف بوسعها التخفيف من هذا التحيز عبر التخلص من بيانات المظهر من ممارساتها في التوظيف – ليس باستخدام الذكاء الاصطناعي فحسب، بل من خلال التركيز على التقييمات القائمة على العلوم، والأداء السابق، وبيانات السيرة الذاتية – لن تكون مثل هذه المقاييس كافية للتخلص من التحيز، حيث تتأثر بالتحيز التاريخي أو السابق، فإذا جرى تقييم الأشخاص الجذابين باستحسان أكبر في الماضي، فسيظهرون كأصحاب أداء متميز في سيرتهم الذاتية، إلخ. ولا يوجد سبب لتجنب الأمر أو الإبقاء على تحيز الجمال في العمل.

والأهم هو أنّ باستطاعة الذكاء الاصطناعي أن يكون أداة قوية لكشف التحيز الذي تستند إليه التقييمات البشرية للإمكانات والأداء، وفضح درجته. ويمكن للذكاء الاصطناعي، إذا جرت برمجته بالشكل المناسب، أن يصبح طريقة موضوعية لقياس ما لا نراه دائماً بأنفسنا. على سبيل المثال، إذا كنت تحاول تخسيس الوزن، يمكن أن يساعدك الميزان في أن تكون صادقاً. وإذا كنت تحاول التدرب أكثر، يمكن لمتعقب اللياقة أن يساعدك في متابعة تقدمك. ويمكن لدور الذكاء الاصطناعي في تقليل التحيز في حال تزويده بالمعطيات الصحيحة أن يساعدنا في التغلب على تحيزنا الواعي وغير الواعي في عملية التوظيف.

اقرأ أيضاً: 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي