3 مزالق تعترض تحوّل الشركات إلى مؤسسات تركز على العملاء

15 دقيقة

إذا سألت رئيساً تنفيذياً عن مدى تركيز استراتيجيته على العملاء، فسيجيبك غالباً بأنها لا تزال قيد التحسين في هذا الصدد، ونادراً ما تجد رئيساً تنفيذياً يقول إن استراتيجيته المركزة على العملاء تسير بسلاسة، أو يعترف بأنها تعاني خللاً خطيراً. وفي أثناء تأليف كتابنا الصادر عن مؤسسة هارفارد بزنس ريفيو برس بعنوان "استراتيجية الملاءمة الثلاثية: كيفية بناء علاقات دائمة مع العملاء وتعزيز النمو" (Triple Fit Strategy: How to Build Lasting Customer Relationships and Boost Growth)، حلّلنا بيانات أكثر من ألف مشروع نفذتها الشركات على مدار الأعوام الخمسة والعشرين الماضية للتحول نحو التركيز على العملاء.

ولاحظنا أن 15% فقط من الرؤساء التنفيذيين ومسؤولي فرق المبيعات لديهم استراتيجية تركِّز على العملاء؛ إذ يدير معظمهم شركاتهم أو العلاقات مع عملائها بعقلية تركز على المُنتَج فحسب، وبالتالي يوجهون جهودهم كلها إلى البحث عن أسواق لبيع منتجات الشركة بدلاً من تنسيق جهود النمو بالتعاون مع العملاء.

وسنسلط الضوء في هذه المقالة على 3 مزالق يواجهها قادة الشركات عند محاولتهم إنشاء مؤسسة تركز على العملاء، ونقدم 3 أسئلة تساعدهم على تجنب الوقوع في أخطاء فادحة تكلّفهم ثمناً باهظاً.

تعريف التركيز على العملاء

نعرِّف مفهوم التركيز على العملاء على النحو التالي: توجيه أنشطة الشركة كلها لنجاح تجربة العملاء المستهدفين مع تحقيق الربح، لذلك يستلزم التركيز على العملاء أن تظل الشركة في حوار دائم مع عملائها وأن تحدد الرؤى الاستراتيجية الناتجة عن هذا الحوار وأن تتصرف على أساسها في تنفيذ التغيير، وأن تُحدِث تغييراً شاملاً في طريقة إدارة أعمالها.

يتطلب التركيز على العملاء عمل البائعين والمشترين معاً، وتقديم حلول مشتركة يتعاونون في تطويرها بحيث تؤدي إلى نتائج مفيدة لكلٍّ من المورّد والعميل. تتطلب هذه الاستراتيجية أن تحدد اتجاهك الاستراتيجي استناداً إلى احتياجات عملائك، دون الاكتفاء بدراسة أدوات منافسيك وظروف السوق.

المزالق الثلاثة

عندما لا تنسجم المؤسسة مع رغبات عملائها، ستعجز أي مبادرة داخلية أو محاولات تنفيذ أي استراتيجية عامة عن تحقيق أي تقدم ملموس أو الاستمرار فترة طويلة. وإذا جفت مصادر تدفق الإيرادات أو لم تحقق دورة نمو، فالجهود التي تركز على المنتج والقائمة على إصدار القرارات من إدارة الشركة دون التشاور مع العميل لن تؤدي سوى إلى إهدار الوقت والموارد. ولتجنب هذا السيناريو، عليك ضمان ألا تقع شركتك في أيٍّ من المزالق الثلاثة التالية: مزلق الطموح، ومزلق التنفيذ، ومزلق الانهماك.

مزلق الطموح.

في مزلق الطموح ترقى خطط العمل والإجراءات التنفيذية التي تتبناها الشركة إلى مستوى توقعات العملاء، لكن دون تخصيص الموارد اللازمة لتنفيذها على النحو المطلوب. ونتيجة لهذا تجد الشركات أن لديها العديد من الأفكار الجيدة لكن دون تخصيص الموارد الكافية أو تعيين الموظفين اللازمين لتنفيذها على أرض الواقع.

أحرزت شركة متخصصة في تقديم خدمات الإنترنت، سنسميها آي تي إس (ITS) حفاظاً على سِرِّية هويتها، تقدماً ملحوظاً في مواءمة طموحاتها مع رغبات العملاء على المستويين المحلي والدولي، لكن عندما حان الوقت لتنفيذ المشروع وتخصيص الموارد اللازمة لتنفيذه، بدأت المبادرة تفقد زخمها؛ إذ لم يكن أعضاء فريق الشركة مدرَّبين بالدرجة الكافية أو متفرغين من مهامهم الأخرى في فروع الشركة المحلية بالبلاد. ولم يكن بالإمكان تطوير المعرفة ومشاركتها بسبب تضارب الأولويات ووجود أولويات أهم. ونتيجة لذلك بدأت الشركة تضيّع على نفسها العديد من اتجاهات الأعمال والفرص المهمة، وهي نتيجة كان من الممكن تجنبها. بعد إدراك الخطأ، أسّست الشركة مجالس استشارية للعملاء ساعدت على تخصيص الموارد للمشاريع الرائدة للتخلُّص من مزلق الطموح، وهو ما أعاد الشركة إلى مسار النمو.

مزلق التنفيذ.

في مزلق التنفيذ تبدو الشركة وكأنها تتبع نهجاً سليماً في وضع خطط العمل وتخصيص الموارد على نحو يلبي توقعات العميل، لكنها تفشل في تنفيذ هذه الخطط على أرض الواقع. ونتيجة لهذا تقع الشركات فيما نطلق عليه "مزلق التنفيذ"، أي أن يتوفر الكثير من الأفكار الرائعة والالتزامات الصادقة من الجانبين، لكن دون القدرة على الوفاء بالوعود التي تقطعها الشركات على نفسها ودون وسيلة لتنفيذ الأفكار التي تبتكرها بالتنسيق مع العملاء. ويحدث هذا الفشل على الرغم من التمويل المتاح ووفرة الموارد المخصَّصة لدعم الأعمال التنفيذية.

انظر مثلاً حالة شركة سنسميها "شركة التأمين الصحي"؛ إذ دشّنت إدارتها مشروعاً للتركيز على العملاء يستهدف مستشفيات بعينها، انطلاقاً من رغبتها في إصلاح علاقاتها المتأزمة مع المستشفيات. وأشارت النتائج إلى تمتُّع الشركة بعدد من مواطن القوة على مستوى التخطيط وتخصيص الموارد، لكن الأعمال التنفيذية ظلت عالقة في مزلق التنفيذ، وراحت فرق العمليات في الجانبين تتبادل الاتهامات بتخريب الجهود التنفيذية على مدى 18 شهراً، ولم تستطع الشركة الخروج من هذا المزلق إلا عندما تدخَّل الرئيس التنفيذي لشركة التأمين الصحي ومسؤولين رفيعي المستوى بالمستشفيات، وعقدوا عدداً من اجتماعات الطاولة المستديرة تضم أصحاب المصلحة من الجانبين.

أسفرت مناقشات اجتماعات الطاولة المستديرة عن نتيجتين رئيسيتين، وهما توضيح الأدوار والمسؤوليات في كلا الجانبين، وتحليل التكلفة الكلية للرسائل الإلكترونية الكثيفة بدلاً من التواصل الشفهي الأرخص والأسرع بين فرق إدارة الحالات أسبوعياً. أدى هذا إلى تلافي أوجه القصور في العمليات التنفيذية وإعادة الشركة إلى مسارها الصحيح المتمثل في التركيز على العملاء.

مزلق الانهماك.

في مزلق الانهماك يبدو الوضع جيداً عموماً فيما يتعلق بالجهود التنفيذية وتخصيص الموارد، لكن الشركة تعجز عن توفيق جهودها مع استراتيجيات عملائها وعن التواصل معهم بالقدر الكافي. يؤدي هذا إلى الوقوع في مزلق "الانهماك"، وبدلاً من تركيز الشركة على قضايا العمل الاستراتيجية التي تحددها وتتحقق منها بالتعاون مع عملائها، إذ بها تكرّر ما تفعله.

ومن الأمثلة على ذلك تجربة شركة مرموقة تعمل في مجال توريد قطع غيار السيارات سنطلق عليها اسم "شركة تكنولوجيا السيارات"؛ فعندما طالبتها أقسام المشتريات لدى أكبر عملائها بحل مشكلة الوفر في التكلفة بما يتجاوز طلبات الخصم العادية، ضاعفت الشركة جهودها لتعزيز كفاءة أعمالها التنفيذية وتخصيص الموارد، فجاءت النتائج مخيبة للآمال. بعبارة أخرى، لجأت شركة تكنولوجيا السيارات إلى تسريع جهودها الداخلية دون توفيقها مع استراتيجيات العملاء كما يجب، وازداد انشغالها بالقضايا الداخلية ما أدى في النهاية إلى خسارة عقود رئيسية مع العديد من عملائها الرئيسيين البالغ عددهم 15 عميلاً. وهكذا بدا من الواضح أن الشركة عالقة في مزلق الانهماك. فقد كشف تحليل أولويات العملاء ومدى تطابقها مع نقاط القوة لدى شركة تكنولوجيا السيارات عن العديد من المشكلات التي تحتاج إلى إصلاح داخلي من جانب الشركة، لكنه كشف أيضاً عن مشكلات عديدة تحتاج إلى إصلاح من جانب العملاء. كان بإمكان شركة تكنولوجيا السيارات أن تتجنب هذه الخسارة لو أنها انخرطت في حوار استراتيجي مع عملائها منذ البداية. وقد عادت إلى المسار الصحيح من خلال إجراء مقارنة معيارية لعلاقاتها مع أكبر عملائها، ثم التعلم من تلك الحالات التي كانت أولويات العميل بها أفضل اتساقاً فعلياً من غيرها. بالإضافة إلى ذلك، استطاعت شركة تكنولوجيا السيارات تحديد مصادر إضافية للوفر الدوري من جانب العملاء. وبفضل هذه الجهود، استطاعت كلتا الشركتين تحسين تكاليف الإنتاج في الوقت المناسب وزيادة سرعته بدرجة كبيرة، واستطاعت شركة تكنولوجيا السيارات التخلُّص من مزلق الانهماك.

تحوّل شركة ميرسك نحو التركيز على العملاء

عندما ترقى فينسنت كليرك إلى منصب الرئيس التنفيذي لشركة أيه بي مولر ميرسك (A. P. Moller-Maersk) في بداية عام 2023، كان يعلم أنه مقبل على مهمة صعبة؛ فمع ظهور علامات تباطؤ الاقتصاد بعد 3 أعوام من تحقيق أرباح قياسية، كان على الشركة إعادة النظر كلياً في أُسس نموها والشروع في إحداث تغيير جذري شامل هو الأكبر من نوعه في تاريخها الذي يمتد إلى أكثر من 100 عام. ولما كان كليرك الرئيس التنفيذي السابق لقسم الحاويات البحرية، فقد تولى مهمة تحويل شركة ميرسك من مجرد شركة متخصصة في نقل الحاويات البحرية إلى شركة تقدّم حلولاً شاملة، منها الخدمات اللوجستية الداخلية وخدمات الموانئ والمحطات وخبرات سلاسل التوريد في مختلف القطاعات والمناطق الجغرافية. كان التحدي مزدوجاً: أولاً، كان عليه الحفاظ على المستوى الحالي لأعمال الشحن البحري عند أعلى مستوى ممكن؛ وثانياً، كان عليه زيادة حصة خدمات النقل والخدمات اللوجستية المتكاملة المضافة مؤخراً.

لكن جهود المبيعات التي تبذلها شركة ميرسك كانت بحاجة إلى منظور جديد على المستويات كافة لتحقيق هذا التغيير الشامل، بيد أن محادثات المبيعات كانت تتمحور في كثير من الأحيان حول سعة الحاويات البحرية وأسعارها بدلاً من التركيز على المجالات الأخرى ذات القيمة المضافة التي يمكن خلقها للعميل، أو حتى بالتعاون معه. ولم يكن من المستغرب أن يفضّل العملاء طلب أسعار أفضل بدلاً من تقدير القدرات الجديدة الفريدة التي تتمتع بها شركة ميرسك. وكان كليرك يدرك أن الشركة بحاجة إلى نهج يركز على العملاء أكثر من أي وقت مضى، كما كان من الأهمية بمكان تلبية الاحتياجات المحددة للعملاء، وضمان رغبتهم في مجموعة أوسع من عروض القيمة التي تقدمها ميرسك. ولتحقيق هذه الغاية، كان على الشركة أن تتخلى عن صورتها النمطية باعتبارها مجرد شركة حاويات بحرية، وأن تتحول إلى شركة تركز على العملاء فعلياً وبصورة دائمة.

في ظل طموح كليرك لبناء شركة خدمات لوجستية تركز على العملاء بدرجة غير مسبوقة في القطاع، كلف رئيس إدارة الحسابات الرئيسية والاستدامة على مستوى العالم في شركة ميرسك، سانجاي فاسوديفان، بتحفيز النمو مع أهم عملائها بنِسب تتجاوز معدلات نمو السوق والشركة. وللحصول على صورة شاملة وإنجاح الاستراتيجية الكلية للشركة، حرص فاسوديفان أولاً على دراسة العلاقات مع العملاء على المستوى الفردي، ثم على المستوى الجماعي للعملاء حسب المناطق الجغرافية والقطاعات. وبجمع آراء العملاء وملاحظاتهم، كوّنت ميرسك رؤى ثاقبة حول أولويات العملاء الاستراتيجية بين قطاعاتها الرأسية العديدة؛ إذ كشفت التحليلات التفصيلية أن عملاء عديدين كانوا يتبعون مسار نمو صحياً، بينما كان آخرون بحاجة إلى مزيد من الاهتمام والتدابير للحفاظ على العمل التعاوني أو تحسينه. وأظهرت الرؤى الكلية المستمدَّة من مجموعة كبيرة من العملاء أن شركة ميرسك كانت على وشك الوقوع في مزلق التنفيذ.

وعليه وضع فاسوديفان خطة متعددة المراحل لترسيخ ثقافة مؤسسية تركز على العملاء، ولتحديد الأفكار التي من شأنها أن تساعد شركة ميرسك على إتقان التحول المتصوَّر من التركيز على المنتج إلى التركيز على العملاء، كان من المهم تجنُّب الوقوع في أي من المزالق التي استعرضناها سابقاً. وكانت هناك 3 أسئلة بمثابة نقطة مرجعية دائمة:

  1. المستوى التخطيطي هل تتوافق أهدافنا الاستراتيجية وجهود التغيير الشامل مع أولويات عملائنا؟
  2. المستوى التنفيذي: وهل تستند جهود تصميم الحلول وتنفيذها على معلومات أكدها العملاء؟
  3. مستوى الموارد: هل تتواءم بنيتنا التنظيمية واستثماراتنا مع جهودنا للوفاء بالتزاماتنا تجاه العملاء من أجل تحقيق النجاح المشترك؟

ساعد طرح هذه الأسئلة إدارة شركة ميرسك في الحفاظ على سلامة مسار استراتيجيتها التحولية، كما أن هذا سمح أيضاً لقادة المبيعات والأعمال باكتشاف المشكلات مبكراً استناداً إلى أولويات العملاء التي كان من الممكن أن تسبّب أضراراً جسيمة (أو على الأقل تضع الشركة في موقف سيئ أمام منافسيها). ومن الأمثلة على ذلك استثمارات ميرسك المتواصلة لبناء أسطول سفن تعمل بالوقود الأخضر والوصول إلى صافي الانبعاثات الكربونية الصفرية بحلول عام 2040، بغض النظر عن ظروف القطاع وتأثيراتها على الربحية.

بطرح هذه الأسئلة الثلاثة بانتظام، يمكنك إنشاء ما يشبه نظام إنذار مبكر بشركتك يتميز بالبساطة والفعالية في الوقت ذاته. إذا استخدمت أجوبة الأسئلة الثلاثة للتحقق من سلامة خططك الاستراتيجية مرة واحدة على الأقل سنوياً، فسيكون بمقدورك أن تحدد بسرعة إذا ما كانت استراتيجيتك تركز على العملاء أم لا؛ فمن المهم أن يوافق مجلس إدارة شركتك ومستثمروها ومحللوها الماليون وغيرهم من أصحاب المصلحة على استراتيجيتك، لكن الأهم من ذلك أن يكون عملاؤك على استعداد لقبول استراتيجيتك الجديدة أيضاً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي