دراسة: مراقبة الموظفين من كثب تزيد من احتمال خرقهم لقواعد العمل

4 دقيقة
مراقبة الموظفين
shutterstock.com/Elnur
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: نظراً لأن العمل عن بعد أصبح هو القاعدة، فقد تزايدت الشركات التي تتابع الموظفين من خلال مراقبة شاشات أجهزة الكمبيوتر والمراقبة بكاميرات الفيديو والأدوات الرقمية الأخرى. صُممت هذه الأنظمة للحد من خرق القواعد، ومع ذلك تشير الأبحاث الجديدة إلى أنها في بعض الحالات يمكن أن تأتي بنتائج عكسية خطيرة. على وجه التحديد، وجد المؤلفون من خلال دراستين أن الموظفين الخاضعين للمراقبة كانوا أكثر عرضة لخرق القواعد، بما في ذلك الانخراط في سلوكيات مثل الغش في الاختبارات وسرقة المعدات والعمل عمداً بوتيرة بطيئة. ووجدوا أيضاً أن هذا التأثير كان مدفوعاً بتغير إحساس الموظفين بامتلاك الصلاحيات والمسؤولية الشخصية: أدت مراقبة الموظفين إلى تقويض شعورهم بالمسؤولية عن سلوكهم من دون أن يدركوا ذلك، ما جعلهم في النهاية أكثر عرضة للتصرف بطرق قد يعتبرونها في الأحوال العادية غير أخلاقية. ومع ذلك، عندما يشعر الموظفون أنهم يعاملون بإنصاف، وجد المؤلفون أنهم أقل عرضة لانخفاض إحساسهم بامتلاك الصلاحيات، وبالتالي أقل عرضة لفقدان إحساسهم بالمسؤولية الأخلاقية نتيجة لخضوعهم إلى المراقبة. على هذا النحو، يقترح المؤلفون أنه في الحالات التي تكون فيها المراقبة ضرورية، يجب على الشركات اتخاذ خطوات لتعزيز الإنصاف ومن ثم الحفاظ على إحساس الموظفين بالقوة والقدرة على التصرف.

في أبريل 2020، زاد الطلب العالمي على برامج مراقبة الموظفين أكثر من الضعفين. وزادت عمليات البحث عبر الإنترنت عن “كيفية مراقبة الموظفين الذين يعملون من المنزل” بنسبة 1705%، وارتفعت مبيعات الأنظمة التي ترصد نشاط العاملين من خلال مراقبة أجهزة الكمبيوتر وتتبع الضغط على المفاتيح، والمراقبة بكاميرات الفيديو وتتبع الموقع عبر نظام تحديد المواقع (GPS)، وغيرها من الأدوات الرقمية. تزعم بعض هذه الأنظمة استخدام بيانات الموظفين لتحسين رفاهتهم، على سبيل المثال، تعمل شركة مايكروسوفت على تطوير نظام يستخدم الساعات الذكية لجمع بيانات عن ضغط الدم ومعدل ضربات القلب لدى الموظفين، ما يتيح معرفة درجات القلق لدى كلٍ منهم ووضع التوصيات اللازمة لتحسين صحته النفسية؛ لكن الغالبية العظمى من أدوات مراقبة الموظفين تركز على تتبع الأداء وزيادة الإنتاجية وردع خرق القواعد.

على سبيل المثال، ثبتت إحدى شركات التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي في ولاية فلوريدا برنامجاً على أجهزة الكمبيوتر التي يعمل عليها الموظفون، حيث يأخذ لقطات شاشة لسطح المكتب كل 10 دقائق ويسجل مقدار الوقت الذي يقضونه في الأنشطة المختلفة. ثم تستخدم الشركة هذه البيانات لتحديد مستويات الإنتاجية وتحديد الموظفين الذين ينتهكون القواعد. وبالمثل، تعمل شركة أمازون على تتبع بيانات الهواتف الذكية لسائقي التوصيل لديها لمراقبة كفاءتهم وتحديد ممارسات القيادة غير الآمنة.

ونظراً لانتشار هذه الأنظمة، قد يتوقع المرء أن تكون فعالة في الحد من السلوكيات الضارة في مكان العمل. وبالفعل، أظهرت الدراسات أن مراقبة الموظفين في بعض الأحوال يمكن أن تمنع سلوكيات محددة، مثل السرقة التي قد يرتكبها العاملون في المطاعم. ولكن تشير أبحاثنا الحديثة إلى أنه في العديد من الحالات، يمكن أن تؤدي مراقبة الموظفين إلى نتائج عكسية خطيرة.

النتائج العكسية لمراقبة الموظفين

في دراستنا الأولى، استطلعنا آراء أكثر من 100 موظف في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بعضهم كان خاضعاً للمراقبة في العمل والبعض الآخر لم يخضع لها، فوجدنا أن الموظفين الخاضعين للمراقبة كانوا أكثر عرضة إلى أخذ فترات استراحة من دون موافقة، وتجاهل التعليمات وإتلاف ممتلكات مكان العمل، وسرقة المعدات المكتبية والعمل بوتيرة بطيئة عمداً، من بين سلوكيات أخرى تنتهك القواعد. بالطبع، حدد هذا الاستطلاع العلاقة الترابطية، لذا أجرينا دراسة تجريبية ثانية لإثبات العلاقة السببية. طلبنا من 200 موظف آخر مقيم في الولايات المتحدة إكمال سلسلة من المهام، وأخبرنا نصفهم أنهم سيعملون تحت المراقبة الإلكترونية. ثم أعطيناهم فرصة للغش، ووجدنا أن الذين أُعلموا بأنهم يخضعون إلى المراقبة كانوا في الواقع أكثر عرضة للغش من الذين لم يظنوا أنهم يخضعون إلى المراقبة.

ما سبب ذلك؟ في العموم، يتحفز الناس لاتخاذ السلوك الصحيح من خلال مجموعة من العوامل الخارجية (مثل التهديد بالعقاب أو الوعد بالمكافأة) وبوصلتهم الأخلاقية الداخلية. تركز الدراسات السابقة الداعمة لمراقبة الموظفين عموماً على الحالة الأولى: المواقف التي تؤدي فيها المراقبة الموجهة إلى استجابة فورية من جهة خارجية لشكل معين من سوء السلوك، مثل عمال التجزئة الذين يعرفون أنهم سيطردون إذا قبض عليهم وهم يسرقون أمام الكاميرا. ولكن في العديد من أماكن العمل، لا يمكن للشركات الاعتماد على أسلوب الترغيب والترهيب فقط، وفي هذه الحالات يتعين على الشركات الاعتماد أيضاً على الحس الأخلاقي الداخلي لدى الموظفين، وقد أظهرت دراساتنا أن مراقبة الموظفين تقوض شعورهم بالمسؤولية عن سلوكهم من دون أن يدركوا ذلك، ومن ثم يصبحون أكثر عرضة للتصرف بطريقة غير أخلاقية.

على وجه التحديد، عندما استطلعنا آراء المشاركين في دراساتنا وجدنا أن الذين خضعوا إلى المراقبة أفادوا أكثر من غيرهم أن السلطة التي تشرف على مراقبتهم كانت مسؤولة عن سلوكهم، في حين أن الموظفين الذين لم يخضعوا إلى المراقبة كانوا أكثر تحملاً للمسؤولية عن أفعالهم. وبسبب شعور الموظفين الخاضعين إلى المراقبة بتدني صلاحياتهم فقد صاروا أكثر عرضة للتصرف بما يتعارض مع معاييرهم الأخلاقية، ما دفعهم في النهاية إلى الانخراط في سلوك قد يعتبرونه في الأحوال العادية غير أخلاقي.

عامل الموظفين بإنصاف لتلافي سلبيات مراقبتهم

من الواضح أن لمراقبة الموظفين آثار سلبية كبيرة، ولكن هل يمكن الاستفادة من إيجابيات مراقبة الموظفين دون أن يدفعهم ذلك إلى التخلي عن أخلاقهم؟ من المرجح أن يكون لمراقبة الموظفين دائماً بعض الأثر السلبي على الأقل فيما يخص إحساسهم بالقدرة على التصرف ومسؤوليتهم الأخلاقية، لكن دراساتنا حددت آلية واحدة يمكن أن تقلل من هذا التأثير: عندما يشعر الموظفون أنهم يعاملون بإنصاف، سيكونون أقل عرضة لانخفاض إحساسهم بامتلاك الصلاحيات، وبالتالي أقل عرضة لفقدان إحساسهم بالمسؤولية الأخلاقية بسبب خضوعهم إلى المراقبة. في تجربتنا، عززنا مفاهيم إنصاف العاملين في الشركة من خلال دراسة التفاوت في درجات احترام الإداريين في التفاعل مع المشاركين وفي منحهم المكافآت النقدية التي وعدوا بها، فلاحظنا أن المشاركين الذين خضعوا إلى المراقبة كانوا أقل عرضة لممارسة الغش إذا شعروا أنهم عوملوا بإنصاف.

إذاً ما الذي يعنيه ذلك للشركات؟ هناك طرق لا حصر لها ليعزز القادة مفاهيم الإنصاف في العمل ومن ثم تعزيز إحساس الموظفين بالقدرة على التصرف. أولاً، بدلاً من تنفيذ نظام مراقبة من جانب واحد، يجب على القادة التوصل إلى طرق لمنح الموظفين الفرصة لتقديم رؤيتهم والإسهام في تحديد متى يسمح بالمراقبة ومتى يجب أن تمنع، ثم الالتزام بهذه الحدود. على سبيل المثال، يتيح نظام المراسلة الفورية للخدمات المالية، “سيمفوني” (Symphony) للمدراء مراقبة محادثات الموظفين فقط بالقدر اللازم لحفظ السجلات والامتثال القانوني، مع فرض إرشادات صارمة تمنع أي مراقبة دون مبرر قوي. يجب على القادة أيضاً التوصل إلى طرق لمنح الموظفين إمكانية الوصول إلى بياناتهم الخاصة، بالإضافة إلى البيانات المجمعة والمجهولة المصدر التي تجمع من الفرق ذات الصلة، ويجب استخدام هذه البيانات بطرق تفيد الموظفين، مثل توجيه مبادرات صحة الموظفين أو فرص التطوير المهني. وبالطبع، يجب على القادة بذل قصارى جهدهم للتواصل بانفتاح وشفافية مع الموظفين حول البيانات التي ستجمع وكيفية استخدامها، في الواقع، وجد أحد الاستطلاعات أنه حتى مجرد توضيح نطاق المراقبة والغرض منها يمكن أن يعزز قبول الموظفين لها بنحو 70%.

إن مراقبة الموظفين بطريقة صحيحة ستمنع وقوع الحوادث وتعزز الأداء وتحسن الرفاهة العامة، لكن بحثنا يوضح أنها يمكن أن تقلل أيضاً من شعور الموظفين بالقدرة على التصرف والمسؤولية الشخصية، ما قد يؤدي إلى زيادة انتشار السلوكيات التي تهدف هذه الأنظمة إلى ردعها في المقام الأول. وللتخفيف من هذه المخاطر، يجب على القادة التأكد من أنهم يعاملون الموظفين بإنصاف وأن يعززوا المساءلة، ويستخدموا المراقبة أداة لتمكين الموظفين وليس معاقبتهم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .